الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأرسل إليه الريّان وأخرجه من السجن وقيّده بقيد من ذهب وطوّقه بطوق من ذهب، وألبسه ثيابا جددا، وأعطاه دابّة مسرجة ملجمة مزيّنة من دوابّ الملك، وقلّده خلافة الملك، وركب، وضرب له بالطبل وبوقين بمصر، ونودي له أنّ يوسف خليفة الملك (1)، وجعله متسلّما خزائن الأرض، كما أخبر الله تعالى في الكتاب العزيز (2).
ثم أشرط الريّان على يوسف عليه السلام أن يكون كرسيّه أعلا (3) من كرسيّ يوسف عليه السلام بأربع (4) أصابع. فقال له يوسف: نعم (5).
وقلّده ملك مصر.
وكان عمر يوسف عليه السلام ثلاثين سنة. وملك مصر ماية سنة، فكان عمره ماية وثلاثين سنة (6).
نكتة يوسف عليه السلام
جرى منه اثنتين (7): إحداهما أنه قال له أبوه يعقوب عليه السلام: {لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ} (8) الآية. فخالفه وقصّها، فكانت جناية ذلك (رميه)(9) في الجبّ وبيعه ورقّه وفراق أبيه. فهذه ثمرة مخالفة الوالد وإفشاء السرّ.
والثانية: قوله وهو في السجن لرسول الملك: {اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} (10) فكان جناية ذلك مكثه في السجن بعد ذلك سبع سنين. فهذه ثمرة من يسأل المخلوق ويرجوه (11).
وممّا رواه الليث بن سعد (12) عن مشايخه أنه قال: اشتدّ الجوع على أهل مصر فاشتروا الطعام من يوسف عليه السلام بالذهب حتى لم يجدوا ذهبا، فاشتروا بالفضّة حتى لم يجدوا فضّة، فلم يزل يبيعهم يوسف عليه السلام الطعام حتى لم يبق لهم ذهب ولا فضّة ولا غنم ولا شاة ولا بقرة في تلك السنين، فأتوا إليه فقالوا له: لم يبق لنا شيء إلاّ أنفسنا وأهلونا وأرضنا، فاشترى يوسف عليه السلام منهم أرضهم وأنفسهم بالطعام، ثم أعطاهم الطعام يزرعونه، على أن يكون للريّان
(1) حسن المحاضرة 1/ 15.
(2)
راجع سورة يوسف، الآية 55.
(3)
الصواب: «أعلى» .
(4)
الصواب: «بأربعة» .
(5)
حسن المحاضرة:1/ 17.
(6)
انظر: مرآة الزمان 1/ 375.
(7)
الصواب: «اثنتان» .
(8)
سورة يوسف، الآية 43.
(9)
كتبت فوق السطر.
(10)
سورة يوسف، الآية 5.
(11)
مرآة الزمان 1/ 354 و 356.
(12)
في عرائس المجالس للثعالبي 128 «ابن الكلبي» .
الخمس. وصارت سنّة من ذلك الوقت وصاروا عبيدا ليوسف (1).
قال هشام بن إسحاق: فلما عظمت منزلة يوسف عليه السلام عند الريّان بن الوليد وجاوز عمره ماية سنة حسدوه (2)، وزراء الملك الريّان، فقالوا للريّان: أيّها الملك إنّ يوسف قد ذهب علمه وتغيّر عقله ونفدت حكمته، فنهرهم الريّان وردعهم وردّ عليهم القول بإساءة (3) لفظ. - وكان يطلق عليه اسم فرعون، واسم العزيز ليوسف عليه السلام، فكلّ من ملك مصر من الكفرة والظلمة كان فرعون (4). ومن ملكها من المؤمنين كان العزيز. - فأعادوا القول لفرعون ثانيا بعد سنين، فقال: هلمّوا ما شئتم من أيّ شيء اخترتوه (5) حتى نختبره به.
وكانت الفيّوم يومئذ تدعى الجوبة (6)، فكانت لمصالة (7) فضالة ماء الصعيد (8)، فاجتمع رأيهم على أن تكون هي المحنة التي يمتحنون بها يوسف عليه السلام، فقالوا لفرعون: اسأل يوسف أن يصرف ماء الجوبة عنها فتزداد بلدا إلى بلادك وخراجا إلى خراجك. فدعا فرعون ليوسف عليه السلام وقال له: قد تعلم مكان ابنتي فلانة منّي، وقد رأيت إذا بلغت أن أطلب لها بلدا، وإنّي أصب لها إلاّ الجوبة، وذلك أنه بلد بعيد قريب لا يؤتى إليه إلاّ من غابة أو صحراة (9) ومفازة، وهي كذلك لا يؤتى إليها من ناحية من النواحي من مصر وغيرها إلاّ من مفازة أو صحراة (10).
وقال آخرون: الفيّوم وسط مصر. كما إنّ مصر وسط البلاد.
وقال الرّيان: وقد أقطعتها إيّاها فلا تتركنّ وجها من الوجوه ولا نظرا إلاّ أبلغته.
فقال يوسف عليه السلام: نعم متى أردت ذلك فابعث إليّ فإنّي فاعله إن شاء الله تعالى.
قال: فأعجله الملك على ذلك. فأوحى الله عز وجل إلى يوسف عليه السلام أن تحفر ثلاث خلج، خليجا من أعلى الصعيد من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا غربيا من موضع كذا إلى موضع كذا. وأرسل الله تعالى إليه جبريل عليه السلام فخطّ له بجناحه مكان الحفر، فرتّب
(1) مرآة الزمان 1/ 360، 361، نهاية الأرب 13/ 143، حسن المحاضرة 1/ 15.
(2)
الصواب: «حسده» .
(3)
في الأصل: «باساة» .
(4)
الصواب: «كان فرعونا» .
(5)
الصواب: «اخترتموه» .
(6)
في حسن المحاضرة 1/ 16 «الحوبة» .
(7)
في حسن المحاضرة 1/ 16 «مسألة» .
(8)
في حسن المحاضرة 1/ 16 زيادة: «وفضوله» .
(9)
الصواب: «صحراء» .
(10)
الصواب: «صحراء» .
يوسف عليه السلام العمّالين فحفروا خليج المنهى (1) من أعلى أشمون إلى اللاهون (2)، وحفر مكان القنطرة، وأمر البنّائين أن يبنوا قنطرة اللاهون.
وحفر خليج الفيّوم (3) وهو الخليج الشرقي (4).
وحفر خليجا بقرية يقال لها تنهمت من قرى الفيّوم، وهو الخليج الغربيّ، فخرج ماؤها من الخليج الشرقيّ يصبّ في النيل، وخرج من الغربيّ يصبّ في صحراء تنهمت إلى الغرب. وهي الآن بحيرة يصاد منها السمك البلطيّ، فلم يبق في الجوبة ماء. ثم أدخل الفعلة لقطع ما فيها من القصب والطرفاء، ففعلوا ذلك، وأخرجه منها. وكان في ابتداء جري النيل، وقد صارت الجوبة أرضا نقيّة تربة (5)، فارتفع ماء النيل عليها، فدخل من رأس المنهى يجري فيه حتى انتهى إلى اللاهون، فوجد القنطرة والسدّ، فتحوّل الماء [و] دخل خليج الفيّوم فسقاها، فصارت لجّة من ماء النيل، فعند ذلك خرج إليها الملك ووزراؤه يبصرونها فتعجّب منها. وكان ذلك كلّه في سبعين يوما، فلما نظر إليها الملك قال لوزرائه: هذا عمل ألف يوم. وأقامت تزرع كما تزرع كور مصر، فسمّيت الفيّوم (6).
ثم إن الملك أمر يوسف أن ينقل إليها من كل كورة من كور مصر أهل بيت، وأمر أهل كلّ بيت أن يبنوا لهم بيوتا لأنفسهم قرية، فبنوا وسكنوها، وسمّيت كل قرية باسم الذي نزل بها وبناها. فكانت قرى الفيّوم على عدد كور مصر، فلما فرغوا من البناء صيّر لهم من الماء شربا بقدر ما يحتاجوا (7) إليه ليسقي أرضهم، لا يكون زيادة في ذلك ولا نقصانا (8) في زمان لا ينالهم الماء إلاّ فيه، وعمل مطاطيا للمرتفع، ومرتفعا للواطي بأوقات من الساعات في الليل والنهار وصيّرها قضبانا، فلا يقصر بأحد دون حقّه، ولا يزاد فوق قدره. فقال فرعون: هذا من ملكوت السماء؟ فقال يوسف عليه السلام: نعم.
ثم بنا (9) قرية يقال لها شبانة (10)، وهي التي كانت بنت الريّان تنزلها، ومن يومئذ أحدثت الهندسة ولم يكن الناس يعرفونها قبل ذلك (11).
(1) مروج الذهب 1/ 345، النجوم الزاهرة 1/ 56.
(2)
النجوم الزاهرة 1/ 56.
(3)
مروج الذهب 1/ 345.
(4)
مروج الذهب 1/ 352.
(5)
في حسن المحاضرة 1/ 16 «فصارت الحوبة أرضا برّية» .
(6)
فتوح مصر 69، 70، حسن المحاضرة 1/ 16.
(7)
الصواب: «يحتاجون» .
(8)
الصواب: «نقصان» .
(9)
الصواب: «بنى» .
(10)
في فتوح مصر 71 «شنانة» ، وفي حسن المحاضرة 1/ 16 «شانه» .
(11)
فتوح مصر 71، حسن المحاضرة 1/ 16 وفيه:«ومن يومئذ أخذت الهندسة» .