الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يديه وقال: مثل عدد هذا. قال: وما يدريك؟ قال: مر من يعدّه. قال: فكم مقدار ما تستحق الشمس كل يوم على ابن آدم؟ قال: قيراطا، لأنّ العامل يعمل يومه إلى الليل فيأخذ ذلك في أجرته. قال: فما يفعل الله عز وجل كل يوم؟ قال له: أريك ذلك غدا. فخرج معه حتى أوقفه على أحد وزرائه الذي أقعده القرموسيّ مكانه، فقال: إنه يفعل الله عز وجل في كل يوم كما فعل بهذا يعزّ أقواما ويذلّ أقواما، ويحيي قوما ويميت قوما، ومن ذلك: إنّ هذا وزيرا (1) من وزرائك قاعدا (2) يعمل على قرموسي، وأنا على دابّته من دوابّ الملوك وعليّ لباس من لباسهم. وهذا فلان بن فلان - عن ولد ذلك الملك - قد أغلق عليك مدينة منف، فرجع مبادرا، (فإذا)(3) مدينة منف قد أغلقت ووثبوا مع الغلام على بوله فخلعوه، فبقا موسوس (4)، ويقعد على باب مدينة يتوسوس ويهذي، فلذلك قول القبط إذا تكلّم أحدهم بما لا يريد ويزيد في الكلام قال:
شحناك من بوله. يريد بذلك الملك لوسوسته. والله أعلم.
ثم لما خلعوه وهلك ملّكوا ولده مرينوس (5) زمانا، ومات (6).
فملك ولده قرقورة ستين سنة، ومات (7).
فملك أخوه لقاش (8) دهرا طويلا، ثم هلك لقاش ابن مرينوس،
فملك بعده قوميس ابن لقاش (9) دهرا طويلا. وهو الذي غزاه بخت نصّر وقتله وأخرب ديار مصر (10).
[خبر بخت نصّر]
وكان سبب ذلك دخول بخت نصّر إلى مصر أنه قدم إلى بيت المقدس، وهو من ولد إفريقين ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام.
(1) الصواب: «وزير» .
(2)
الصواب: «قاعد» .
(3)
كتبت فوق السطر.
(4)
الصواب: «فبقي موسوسا» .
(5)
في نهاية الأرب: «وينوس» .
(6)
فتوح مصر 1/ 91، 92، مروج الذهب 1/ 364، نهاية الأرب 15/ 140، المواعظ والاعتبار.
(7)
فتوح مصر 1/ 93، نهاية الأرب 15/ 140.
(8)
في فتوح مصر «لقاس» ونهاية الأرب «بغاس» ، وفي المواعظ والاعتبار، والنجوم الزاهرة «نقاس» .
(9)
في النجوم الزاهرة: «قويس بن نقاس» وفي صبح الأعشى: «بغاش» ، وفي مروج الذهب:«نقاس» .
(10)
فتوح مصر 1/ 93، نهاية الأرب 15/ 140، النجوم الزاهرة 1/ 59، مروج الذهب 1/ 364، صبح الأعشى 3/ 416.
وهو بخت نصّر بن خودرز بن منوب بن استخسرين ابن فيرخسر بن خسروان بن أسروا بن يحيى بن يعد بن يعدن بن وايدبخ بن رعّ بن ماي شواشوابن بوذر بن متوشهر بن متشجر بن أفريقس ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
وكان إرميا ابن جنان نازلا بأرض بابل في إيليا وهي خراب ينوح على أهلها ويبكي، فاجتمع إلى إرميا بقايا من بني إسرائيل كانوا متفرّقين، فقال لهم إرميا: أقيموا بنا في أرضنا نستغفر الله تعالى ونتوب إليه، فلعلّه يتوب علينا. فقالوا: نخاف أن يسمع بنا بخت نصّر فيبعث إلينا ونحن شرذمة قليلون، ولكنّا نذهب إلى ملك مصر فنستجير به وندخل في ذمّته. فقال لهم أرميا: ذمّة الله عز وجل أوفا (1) الذمم لكم، ولا يسعكم أمان أحد إن أخافكم.
فانطلق أولئك النفر من بني إسرائيل، ولم يقبلوا من إرميا إلى قوميس بن لقاش ملك مصر، واعتصموا به لما يعلمون من منعته، وشكوا إليه شأنهم. قال: أنتم في ذمّتي. فأرسل إليه بخت نصر: إنّ لي قبلك عبيدا أبقوا منّي، فابعث بهم إليّ، فكتب إليه قوميس: ما هم بعبيدك، هم أهل النبوّة والكتاب، وأبناء الأحرار، واعتديت عليهم وظلمتهم. فحلف بخت نصّر: لئن لم تردّهم لأغزونّ بلادك والخا. . .؟ جميعا.
وأوحى الله تعالى إلى إرميا: إنّني مظهر بخت نصّر على هذا الملك الذين (2) اتّخذوه حرزا من دوني، وإنّهم لو أطاعوك وأطبقت السماء والأرض لجعلت لهم من بينهما مخرجا، وإنّي أقسم بعزّتي لأعلمنّهم أنهم ليس لهم محيص ولا ملجأ إلاّ طاعتي واتّباع أمري.
فلما سمع إرميا رجمهم وبادر إليهم. وقال: إذا (3) لم تطيعوني أسركم بخت نصّر وقتلكم، وآية ذلك أنّي رأيت موضع سريره الذي يضعه فيه ما يظفر بمصر ويملكها. ثم عمد إلى مكان السرير فدفن أربعة أحجار تحت قوائم السرير الذي يجلس عليه بخت نصّر، وقال: تقع كلّ قائمة من سريره على حجر من هذه الأحجار، فلجّوا في رأيهم. فسار بخت نصّر بقوميس فقتله، وسبا (4) جميع أهل مصر، وردم بلادها، وقتل من قتل، وأسر من أسر.
ولما أراد قتل الكبراء منهم وضع سريره في الموضع الذي وضع إرميا فيه فوقعت كل قائمة من سريره على حجر من تلك الحجارة التي دفنها إرميا.
(1) الصواب: «أوفى» .
(2)
الصواب: «الذي» .
(3)
في الأصل: «إذ» .
(4)
الصواب: «سبى» .
فلما أتا (1) بالأسارى أتا (2) معهم إرميا،
فقال له بخت نصّر: ما لي أراك مع أعدائي بعد أن أمّنتك وأكرمتك؟
فقال له إرميا: إنّما جئتهم محذّرا، وأخبرتهم بخبرك، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك وأريتهم موضعه.
قال بخت نصّر: وما مصداق ذلك؟
قال إرميا: إرفع سريرك، فإنّ تحت كل قائمة حجر دفنته. فلما رفع سريره وجد الحجارة، وتحقّق مصداق ذلك.
قال: يا إرميا، لو علمت أنّ فيهم خيرا أوهبتهم لك.
فقتلهم، وأخرب مدائن مصر وقراها، وسبا (3) جميع أهلها، ولم يترك بها أحدا، حتى بقيت أربعين سنة خرابا ليس فيها ساكن، يجري نيلها ويذهب ولا ينتفع به.
فأقام إرميا بمصر، واتخذ فيها جنينة وزرعا يعيش به. فأوحى الله تعالى إلى إرميا: إنّ لك عن الزرع والمقام بمصر شغلا، فكيف تسعك أرض وأنت تعلم سخطي على قومك؟ فالحق بأيليا (4) حتى يبلغ كتابي أجله. فخرج منها حتى بيت المقدس.
ثم إنّ بخت نصّر ردّ أهل مصر إليها بعد أربعين سنة فعمّروها وسكنوها، فلم تزل مقهورة من يومئذ (5).
وأمّا ما نسخ قهرها، فقد روي عن عبد الرحمن بن غنم الأشعريّ أنه قدم من الشام إلى مصر، إلى عند عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال له عبد الله:
ما أقدمك إلى بلادنا؟
قال: أنت.
قال: لماذا؟
قال: كنت تحدّثنا أنّ مصر أسرع البلاد خرابا، ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع، وبنيت فيها القصور، واطمأننت فيها.
فقال عبد الله: إنّ مصرا وقت خرابها حطمها بخت نصّر فلم يدع فيها إلاّ السباع والضياع، وقد مضى خرابها، وهي اليوم أطيب الأرض ترابا، وأبعدها خرابا، ولم تزل البركة فيها ما دام في شيء من الأرض بركة (6).
(1) الصواب: «أتي» .
(2)
الصواب: «أتى» .
(3)
الصواب: «وسبى» .
(4)
في الأصل: «بابليا» .
(5)
فتوح مصر 1/ 93 - 95، حسن المحاضرة 1/ 21، 22.
(6)
فتوح مصر 1/ 95، 96.