المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌نجيب حداد: وربما كان أحسن منه قليلًا الشيخ نجيب حداد، فإنه - نشأة النثر الحديث وتطوره

[عمر الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة

- ‌المحتويات:

- ‌تمهيد:

- ‌البعث

- ‌مدخل

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌في العراق والشام

- ‌السيد محمود الألوس أبو الثناء

- ‌نصايف اليازجي

- ‌بطرس البستاني:

- ‌أثر الصحافة في تطور الأسلوب:

- ‌الوقائع المصرية:

- ‌مدرسة جمال الدين الأفغاني، وأدب المقالة:

- ‌محمد عبده:

- ‌أديب إسحق

- ‌إبراهيم اللقاني:

- ‌عبد الله نديم:

- ‌أدباء الشام:

- ‌إبراهيم اليازجي:

- ‌نجيب حداد:

- ‌تنوع المقالة:

- ‌أدب الرسائل:

- ‌عبد الله فكري:

- ‌محمد عبده:

- ‌حمزة فتح الله:

- ‌عبد الكريم سلمان:

- ‌أحمد مفتاح:

- ‌عبد العزيز جاويش:

- ‌حفني ناصف:

- ‌إبراهيم اليازجي:

- ‌الكتب الأدبية:

- ‌أسواق الذهب لأحمد شوقي:

- ‌حديث عيسى بن هشام للمويلحي:

- ‌ليالى سطيح لحافظ إبراهيم:

- ‌صهاريج اللؤلؤ للبكري:

- ‌تطور المقال الأدبي

- ‌مدخل

- ‌مصطفى لطفي المنفلوطي

- ‌مدخل

- ‌الاشتراكية عند المنفلوطي:

- ‌اللغة العربية عند المنفلوطي:

- ‌المراثي عند المنفلوطي:

- ‌مقالاته الأدبية:

- ‌رسائله:

- ‌البيان في رأي المنفلوطي:

- ‌أسلوب المنفلوطي:

- ‌منزلة المنفلوطي في موكب الأدب العربي:

- ‌أثر الثقافة الأجنبية في تطور المقال الأدبي:

الفصل: ‌ ‌نجيب حداد: وربما كان أحسن منه قليلًا الشيخ نجيب حداد، فإنه

‌نجيب حداد:

وربما كان أحسن منه قليلًا الشيخ نجيب حداد، فإنه عني كثيرًا بمعالجة مشكلات المجتمع، يسجع غالبًا ويترسل قليلًا، ولكنه في كلتا الحالتين يؤثر الأسلوب الرصين المحلى بخيال شاعر لا خيال لغوي، وتشعر أنه يفيدك حقًا بخياله هذا متعة فنية، ومعنى رائعًا: من ذلك قوله عن الفقير والغني: طقل للغني المترف السارح في مراتع نعمائه، الساحب ذيل الاعتبار على بني الإنسان نظرائه، المتقلب في أعطاف النعمة والهناء، لا يحس بما في الدهر من شقاء، الراكب الخيل الجياد تجري به عنقًا، السابح في بحار الغنى والترف يكاد يشكو فيها غرقًا، النائم على حشايا من الحرير والدمقس الناعم، المتنعم بما لديه من ملذات الحياة بين المشارب والمطاعم: قف هذا النظر الذاهب في السماء قليلًا، ومل بتلك النعمة التي تجر من فضول أثوابها ذيولًا على فقير يسأل منك رحمة، ويسترحم عنك سولًا:{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} .

وبجانب هذا الأسلوب الذي على الرغم بما فيه من سجع، فإننا نجده مقبولًا، فله قوة في الأداء وبراعة الوصف، واستيعاب وتحليل، بجانب هذا نجد له أسلوبًا أدبيًا لا يعتمد فيه على السجع، ولكن يعتمد على انتقاء الكلمة، ودقة أدائها، وحسن جرسها وتلاؤمها مع غيرها في الجملة، مثال ذلك قوله من مقال بعنوان "الخادم والمخدوم" يقول فيه:

"متى ترى الرجل مطرقًا مهمومًا يفكر في مستقبل أيامه، وحزينًا كثيبًا يحسب لغده قبل عامه، ويحرص على صحته كما يحرص على رأسماله، إذ لا مال له سواها، وهو مع ذلك ينفقها عرقًا يسيل من ثنايا الجبين العابس، ونورًا ينبعث من حدقة تلك العين الكليلة، وفكرًا تقسم بين عمله المندوب إليه بدافع المعيشة والاحتجاج، وبين عيلته المدفوع إليها بدافع الحنو والتسخير، فقل هذا هو الخادم رب البيت، والأولاد يعمل لطعام اليوم من شغل اليوم، ويسأل السلامة للغد ليعمل في الغد، ولا أمل له من هذه الحياة الدنيا سوى مخدوم يأوي إليه، وعافية يستعين بها عليه، وصية صغار يرجو أن يقوى على قوتهم وسد حاجاتهم، قبل أن يرجو لهم بلوغ الشباب، ويؤهل منهم النفع والإسعاف.

ومتى رأيت الرجل يمشي في الأرض مرحًا، ويختال في مشيته فرحًا، ويرفع أبصاره إلى العلا كبرا، قبل أن يرفعها لله شكرًا، ويدخل إلى حانوته آمرًا ناهيًا، يسخط على خادم لا يرضيه، أو يتظاهر بالغضب عليه لكي لا يطمع فيه،

ص: 93

أو يدعي القلة أو الخسران، لكيلا يزيد في رابته ما يكفيه، فقيل: هذا هو المخدوم

إلخ":

ونرى أنه في الفقرة الأولى أجاد في وصف حالة الخادم، وكان كلامه منبعثًا عن عاطفة الرحمة، والشفقة، والرثاء، وقد ثبت فيه هذه العاطفة شيئًا من الحياة، ومع هذا نراه لا يستطيع ترك السجع جملة، فإذا هو في الفقرة الثانية يعود إليه، ولكنه سجع مستساغ، إذ تؤدي الجمل معناها، وتصور حال المخدوم أحسن تصوير، وتذكرنا هذه الموضوعات الكثيرة التي دبجها يراع نجيب الحداد في الظواهر الاجتماعية الفاسدة، والعمل على إصلاح الخلل الاجتماعي في نواحيه، بما كلف به المنفلوطي فيما بعد، مع تشابه في العاطفة؛ لأن كلا منهما أظهر حدبًا بالغًا وأسى واصبًا على الفقراء والمنكوبين.

أما في العراق فالحق يقال، لقد ظلت الكتابة الفنية متعثرة تسير فيما درج عليه الكتاب من قبل، على طريقة المقامات في عصورها المتأخرة، ولم يتطور في أسلوبه أو موضوعاته، إذ لم يكن يعدو في خلال القرن التاسع عشر مقدمات الكتب، وبعض دواوين الشعر، والتقاريظ والرسائل، والرحلات والمقامات، والشكاوي التي كانت ترفع إلى السلطان، والولاة والحكام.

أما النثر الصحفي، فلم تكن في العراق صحافة كصحافة مصر، أو لبنان في القرن التاسع عشر، وربما كان تأخر الطباعة، وبدائيتها من العوامل التي علقت الصحافة العراقية عن التطور فضلًا عن أن العراق كان يحكم من قبل الأتراك حكمًا مباشرًا، وأولى صحفه، وهي "الزوراء" التي صدرت في سنة 1869 أصدرها الوالي التركي مدحت باشا، وراعى فيها لغة الدولة والموظفين، ولغة الذين يقرأون من أبناء العراق، وعددهم كان قليلًا، ولذلك صدرت باللغتين التركية والعربية.

وظهر إلى جانبها صحيفتان حكوميتان هما "الموصل" في 1885، و "البصرة" في 1895، ولم يصدر في العراق طوال القرن التاسع عشر غير هذه الصحف الثلاث تسيطر عليها الحكومة التركية، فلم يتسع فيها المجال لترعرع الأقلام الحرة الناشئة.

ولذا نستطيع أن نقول في شيء من الطمأنينة: إن الأسلوب الأدبي في العراق ظل يوسف في أغلال الماضي يعاني من الركة والضحالة، وقيود البديع، ولا يعني أي عناية بالحياة من حوله إلا فيما ندر، أما النثر الصحفي فقد كان معدومًا للأسباب التي أوردناها آنفًا.

ص: 94