المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌15 - ومن أخبار يونس بن حبيب النحوي - نور القبس

[اليغموري]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيموبه أستعين

- ‌في الحث على تعلم العلم وتقويم اللسان

- ‌ابتدآءُ امر النَحْو ومن تكلم فيه

- ‌من اخبار العلماء والنحاة والرواة من اهل البصرة

- ‌1 - من أخبار أبي الأسْوَد

- ‌2 - ومن أخبار يحيى بن يعمر العدواني

- ‌3 - ومن أخبار نصر بن عاصم الليثي

- ‌4 - ومن أخبار سعد الرابية

- ‌5 - ومن أخبار عنبسة بن معدان الفيل

- ‌6 - ومن أخبار عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي

- ‌7 - ومن أخبار أبي عمرو بن العلاء

- ‌8 - ومن أخبار سلمة بن عياش العامري

- ‌9 - ومن أخبار مسلمة النحوي

- ‌10 - ومن أخبار يزيد بن أبي سعيد النحوي

- ‌11 - ومن أخبار أبي بكر الهذلي

- ‌12 - ومن أخبار عيسى بن عمر الثقفي

- ‌13 - ومن أخبار أبي الخطاب الأخفش

- ‌14 - ومن أخبار حماد بن سلمة

- ‌15 - ومن أخبار يونس بن حبيب النحوي

- ‌16 - ومن أخبار أبي عبد الرحمان الخليل بن أحمد الفراهيدي

- ‌17 - ومن أخبار أبي محرز خلف بن حيان الأحمر

- ‌18 - ومن أخبار أبي محمد اليزيدي

- ‌19 - ومن أخبار أبي عبد الله محمد بن أبي محمد اليزيدي

- ‌20 - ومن أخبار أبي إسحاق إبراهيم بن أبي محمد اليزيديّ

- ‌21 - ومن أخبار أبي عليّ اسماعيل بن أبي محمد اليزيدي

- ‌22 - ومن أخبار أبي جعفر أحمد بن محمد بن أبي محمد اليزيدي

- ‌23 - ومن أخبار أبي العباس الفضل بن محمد بن أبي محمد اليزيدي

- ‌24 - أخبار رجلٍ من اليزيديين لم يسمَّ

- ‌25 - ومن أخبار سيبويه وهو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر

- ‌26 - ومن أخبار أبي الحسن الأخفش وهو سعيد بن مسعدة

- ‌27 - ومن أخبار النضر بن شُميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازنيّ

- ‌28 - ومن أخبار أبي فيد مؤرِّج بن عمرو السَدُوسيّ

- ‌29 - ومن أخبار أبي زيد الأنصاري

- ‌30 - ومن أخبار أي عبيدة معمر بن المثنى

- ‌31 - ومن أخبار الأصمعي

- ‌في أبتداء أمر البصرة ونزول المسلمين فيها

- ‌32 - ومن أخبار قُطرُب النحوي

- ‌33 - ومن أخبار يعقوب الحَضْرميّ

- ‌34 - ومن أخبار كيسان المحوي

- ‌35 - ومن أخبار خلاد بن يزيد الباهليّ

- ‌37 - ومن أخبار ابن سلام الجُمحي

- ‌38 - ومن أخبار أبي عبد الرحمن العٌتْبِيّ

- ‌39 - ومن أخبار العائشي التيميّ

- ‌40 - ومن أخبار عبيد الله بن معمر التيميّ

- ‌41 - ومن أخبار محمد بن حفصٍ

- ‌42 - ومن أخبار عبد الرحمان بن عبيد الله

- ‌43 - ومن أخبار أبي عليّ الحسن بن عليّ الحِرْمازيّ

- ‌44 - ومن أخبار أبي العالية الشاميّ

- ‌45 - ومن أخبار أبي محلَّم السَعْديّ

- ‌46 - ومن أخبار أبي قلابة الجَرْميّ

- ‌47 - ومن أخبار أبي عمر الجَرْميّ

- ‌48 - ومن أخبار أبي الحسن عليّ بن المغيرة الأثْرم

- ‌49 - ومن أخبار أبي محمد عبد الله بن محمد التوزّيّ

- ‌50 - ومن أخبار أبي عَدْنانَ السُلَميّ

- ‌51 - ومن أخبار الزياديّ أبي إسحاق

- ‌52 - ومن أخبار أبي عمرو قَعْنَبِ بن المُحْرِز الباهليّ البصريّ

- ‌53 - ومن أخبار أبي عثمان المازنيّ

- ‌54 - ومن أخبار دماذ غُلام ابي عبيدة

- ‌55 - ومن أخبار أبي عمران موسى بن سلمة النحويّ

- ‌56 - ومن أخبار أبي حاتم السجستانيّ

- ‌57 - ومن أخبار أبي الفَضْل الرياشيّ

- ‌58 - ومن أخبار الجاحظ

- ‌59 - ومن أخبار عُمر بن شَبَّة

- ‌في ابتداء أمر الكوفة ونزول المسلمين فيها

- ‌أسامي من تضمنهم هذا الكتاب من رواة الكوفة وعلمائها وقرائها

- ‌60 - من أخبار قبيصة بن جابرٍ الأسدي

- ‌61 - ومن أخبار الشعبيّ

- ‌62 - ومن أخبار سليمان بن مهران الأعمْش

- ‌63 - ومن أخبار ابن السائب الكَلْبيّ

- ‌64 - ومن أخبار أبي الحكم الكلبيّ

- ‌65 - ومن أخبار أبي جنابٍ الكلبيّ

- ‌66 - ومن أخبار ابن عياش المنتوف

- ‌67 - ومن أخبار حُمران بن أعْيَنَ

- ‌68 - ومن أخبار زهير القُرقبيّ

- ‌69 - ومن أخبار حمزة بن حبيبٍ الزّيات

- ‌70 - ومن أخبار حماد الراوية

- ‌71 - ومن أخبار جَنّاد بن واصل

- ‌72 - ومن اخبار ابن الجصاص

- ‌73 - ومن أخبار المفُضَّل الضَبيّ

- ‌74 - ومن أخبار الشرْقيّ بن القطاميّ

- ‌75 - ومن أخبار معاذٍ الهَرّاءِ

- ‌76 - ومن أخبار أبي عمرو الشيبانيّ

- ‌77 - ومن أخبار بُزُرخ العَروُضيّ

- ‌78 - ومن أخبار أبي جعفر الرؤاسيّ

- ‌79 - ومن أخبار القاسم بن مَعْن

- ‌80 - ومن أخبار أبي بكر بن عيَّاشٍ

- ‌81 - ومن أخبار الكسائيّ

- ‌ومن اخبار ابي هلال المحاربي

- ‌83 - ومن اخبار ابي المنذر هشام بن محمد الكلبي

- ‌84 - ومن اخبار الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن الطائي

- ‌85 - ومن أخبار ابن كناسةً

- ‌86 - ومن أخبار الأحْمر غُلام الكسائي

- ‌87 - ومن أخبار أبي زكرياء الفرّاء

- ‌88 - ومن أخبار هشام النحويّ

- ‌89 - ومن أخبار ابن الأعرابيّ

- ‌في ابتداء أمر مدينة السلام واختطاط أبي جعفر المنصور إياها ونزولها

- ‌ومن أخبار العلماء والنحاة والرواة من أهل بغداد ومن طرأ عليها من

- ‌90 - محمّد بن إسحاق بن يسارٍ

- ‌91 - ومن أخبار ابن دَأبٍ

- ‌92 - ومن أخبار الواقديّ

- ‌93 - ومن أخبار أبي البَخْتَريّ القاضي

- ‌94 - ومن أخبار أبي المُنذرِ العَروضيّ

- ‌95 - ومن أخبار أبي مِسْحَلٍ الأعرابيّ

- ‌96 - ومن أخبار ابن قادمٍكان يؤدب أولاد سعيد بن سلم بن قتيبة، وكان

- ‌97 - ومن أخبار أبي عُبيد القاسم بن سَلاّم

- ‌98 - ومن أخبار النضر بن حديد

- ‌99 - ومن أخبار أبي محمّد إسحاق بن إبراهيم الموصليّ

- ‌100 - ومن أخبار مُصْعب الزُبيريّ

- ‌101 - ومن أخبار أبي جعفر الجُرجاني محمّد بن عمر

- ‌102 - ومن أخبار ابن السكِّيت

- ‌103 - ومن أخبار أبي محمد سلمة بن عاصم النحوي

- ‌104 - ومن اخبار الزبير بن بكار

- ‌105 - ومن اخبار حماد بن اسحاق بن ابراهيم الموصلي

- ‌106 - ومن اخبار ابي العيناء

- ‌وما اخبار ًالمبرد

- ‌108 - ومن اخبار ثعلب

- ‌109 - ومن أخبار أبي العباس محمّد بن الحسن الأحْوَل

- ‌110 - ومن أخبار ابن عُليَل العَنَزيّ

- ‌111 - ومن أخبار ابن مَهْديّ الكِسْرَويّ

- ‌112 - ومن أخبار المُفضَّل بن سَلَمَة بن عاصم

- ‌113 - ومن أخبار يحيىَ بن عليّ المُنجِّم

- ‌114 - ومن أخبار أبي الحسن أحمد بن سعيد الدمشقيّ

- ‌115 - ومن أخبار أبي الحسن عليّ بن سليمان بن الفضْل الأخْفش

- ‌116 - ومن أخبار أبي إسحاق إبراهيم بن السّريّ الزَجّاج

- ‌117 - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن السَريّ السَرّاج

- ‌118 - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزْديّ

- ‌119 - ومن أخبار ابن عَرَفة المُهلَّبيّ

- ‌120 - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن القاسم بن محمّد الأنباريّ

- ‌121 - ومن أخبار الصُوليّ

- ‌ذكر النسابين

- ‌122 - منهم دَغْفل بن حَنْظَلةَ

- ‌123 - ومن النسلبين أبو ضَنْضَم البَكْري

- ‌124 - ومنهم النخّار العُذْريّ

- ‌125 - ومن أخبار وَهْب بن مُنَبِّهٍ

الفصل: ‌15 - ومن أخبار يونس بن حبيب النحوي

ومن مولى بني مخزوم، كثير السماع من العرب كثير الرواية عالماً بالنحو، أخذ عن أبن أبي إسحاق. وقال القحذمي: عيسى بن عمر مولى لخالد بن الوليد.

وأنكر وديعة فأتي به يوسف بن عمر، فأمر بضربه، فاعترف وقال: أيها الأمير، إنما كانت أثياباً في أسيفاط قبضها عشاروك! فوكل به حتى أخذها منه.

تؤفي عيسى بن عمر رحمه الله سنة تسع وأربعين، وقيل: خمسين ومائة.

وسئل الأصمعي عن معنى قول ذي الرمة " من الطويل ":

يقاربن حتى يطمع اليافع الصبي

وتشرع أحشاء القلوب الحوائم

حديث كطعم الشهد حلو صدوره

وأعجازه الخطبان دون المحارم

فقال: سألت عيسى بن عمر عن ذلك، فقال: هنّ لعفتهن شهد إذا أمن الحرام، وخطبان إذا خشينه، والخطبان خضر الحنظل. فعرضت هذا على خلف، فقال: أراد أن صدور حديثه حلوة لشغف اللقاء والتلسيم، وأعجازه مرة لحين الفراق والتوديع، وما في الحالتين تعرض لمحرم. قال الصولي: فأخذه أبو العميثل فقال " من الطويل ":

أتيت ابنة السهمي زينب عن عفر

ونحن حرام مسي عاشرة العشر

فكلمتها ثنتين كالثلج منهما

وأخرى على لوح أحر من الجمر

فسئل ثعلب وأنا حاضر عن معنى هذين البيتين، فقال: الأولى الباردة كلام السلام، والأخرى الحارة كلام الوداع، فظننت أن أبا العميثل لم يسبق إلى هذا المعنى، ولاسبق ثعلب إلى تفسيره حتى سمعت خبر الأصمعي.

‌13 - ومن أخبار أبي الخطاب الأخفش

اسمه عبد الحميد مولى بني قيس بن ثعلبة، وهو من أصحاب عبد الله بن أبي إسحاق هو ويونس وعيسى، وهو أعلم الناس. وقيل: كان هو وخلف الأحمر يأخذان عن أبي عمرو بن العلاء. وكان يعرف بالأخفش الكبير، وكان لايدع الإعراب. فدخل عليه لصوص فضربوه بالسيوف، فجعل يقول: قد كم الآن قد كم الآن.

‌14 - ومن أخبار حماد بن سلمة

هو أبو سلمة بن أبي صخرة بن دينار مولى بني تميم، وقيل: مولى جعدة ابن هبيرة، وهو ابن أخت حميد الطويل، وكان فقيهاً حافظاً فاضلاً عالماً بالقرآن كثير الحديث إلا أنه ربما حدث بالمناكير، وكان شاعراً مجيداً.

قال الأصمعي: وصفني شعبة لحماد بن سلمة فقال: جئني به! فذهبت معه إليه، فقال لي: كيف تنشد بيت الحطيئة " من الطويل ":

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا

ماذا؟ قلت: إلينا. فلوى حماد شفتيه، فقلت له: فكيف تنشد أنت؟ فقال:

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا إلبنا

وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

قال الأصمعي: فما رأيت حمادا بعد ذلك إلا هبته! قال يحيى بن معين: حدثنا شيخ قال: كنت عند حماد بن سلمة، فجاءه كتاب أبي حرة يعاتبه في هذه الأحاديث التي حدث بها حماد - يعني في الرؤية - ويأمره بالرجوع عنها. فقال حماد: لاأفعل، سمعتها من قوم ثقات فأنا أحدث بها كما سمعت! - قال يحيى: وكان حماد من خيار المسلمين وأهل السنة، وهو ثقة مأمون عندنا، والأحاديث التي حدث بها في الرؤية نؤمن بها، ومن كذب بها كان عندنا مبتدعا، ولانفسرها نحن برأينا.

مات حماد رحمه الله يوم الثلاثاء في ذي الحجة سنة سبع وستين ومائة، وصلى عليه إسحاق بن محمد. - قال بعضهم: رأيت حماد بن سلمة في النوم، فقلت: مافعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني وأسكنني الفردوس. قلت: بماذا؟ قال: بقولي: ياذا الطول والإكرام، ياكهيعص، لأسكني الفردوس! فأسكنني الفردوس.

‌15 - ومن أخبار يونس بن حبيب النحوي

هو أبو عبد الرحمان مولى بني ضبة، وقيل: مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة من كنانة، وقيل: مولى بلال بن هرمي من بني ضبيعة بن بجالة، قيل: إنه من أهل جبل. ولد يونس سنة تسعين، ومات سنة أثنتين وثمانين ومائة وهو ابن اثنتين وتسعين سنة، وقيل: مات وله مائة وسنتان. ومات هو وابو يوسف القاضي وعلي بن يقطين ومروان بن أبي حفصة الشاعر في يوم واحد.

ص: 17

وقال يونس: اشتهي أن أعاتب في الجنة ثلاثة: آدم عليه السلام فأقول: أبي رضي الله عنك، أدخلك الله الجنة وأباحها لك كلها إلا شجرة واحدة، فأكلتها وأشقيتنا وأخرجتنا من الجنة! ويوسف عليه السلام فأقول: رضي الله عنك، تركت أباك وبينك وبينه مسيرة كذا وكذا، فتركته كذا وكذا من الدهر لم تكتب إليه كتاباً ولم ترسل إليه رسولاً حتى ذهب بصره من الحزن! وطلحة والزبير فأقول: رضي الله عنكما، بايعتما علياً بالحجاز ثم خلعتماه وجئتما تقاتلانه من غير حدث أحدث.

سأل رجلُ عن بني المحبل: من هم من العرب؟ فلم يعرف ذلك أحد، فلم يترك بالحجاز والشأم والكوفة أحداً إلا سأله. فأتى البصرة فلم يعرفهم أحد، فقيل له: إيت يونس بن حبيب! فأتاه فسأله، فضحك فقال: هؤلاء قوم من كندة عرفوا بأبيهم، وكان من قضيته أنه قال " من الوافر ":

أكرم جارتي وأصون عرضي

وأفرغ في مزادتها سقائي

فأتركها وإن كانت عقيما

كناز البطن من مذخور مائي

فقيل له: المحبل وتجنب الناس جواره.

ومن حكمه ومستحسن ألفاظه، كان يقول: إنما سمي الشاعر شاعرا لأنه يشعر من تأليف الكلام ونظمه ما لايشعر له غيره؛ الحمية طابع الصحة؛ الكبر وكل عيب، العزل وكلّ ذنب، الولاية وكل مدح، الشباب وكل صحة، اليسار وكل فضيلة، الفقر وكل لؤم؛ أعلم الناس بالزمان من لم يتعجب من أحداثه؛ ليس لمعجب رأي ولا لمتكبر صديق. - وكان يشرب الصبر كثيرا، فقيل له في ذلك، فقال: إنه يصفي البشرة ويذهب بالبثور وينقي الأعصاب. - وكان يقول: حسن الوجه يجذب أعنة الأبصار؛ ويقول: ليس لناقص البيان بهاء ولو حك بأنفه عنان السماء.

وسمع يونس رجلاً ينشد " من البسيط ":

استودع العلم قرطاساً فضيعه

وبئس مستودع العلم القراطيس

فقال: قاتله الله ماأشد صبابته بالعلم وأحسن صيانته للعلم، ثم قال: مالك من بدنك وحفظك من روحك: فحفظ علمك حفظ روحك وحفظ مالك حفظ بدنك. وأخذ محمد بن بشير هذا المعنى فقال " من المنسرح ":

قل لبغاة الآداب: ماوقعت

منها إليكم فلا تضيعونها

وضمنوا علمها الدفاتر

والحبر بحسن الكتاب أوعوها

وإن دعتكم إلى القراطيس

والأنقاس نفس فلا تطيعوها

وقال يونس: اختلفنا في أن الشعر ينقض الوضوء أم لا، فرأيت محمد ابن سبرين قد دخل المسجد، فبعث إليه رجلا فسأله، فأنشأ يقول " من الطويل ":

ألا تلكم عرس الفرزدق ناشزا

ولو رضيت رمح استه لاستقرت

ثم استقبل القبلة فقال: الله أكبر.

استأذن أبو سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن لرجال قبله ثم أذن له، فقال: يارسول الله، كدت تأذن لحجارة الجهلتين قبلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما مثلك في ذلك، ياأبا سفيان، ما قال الأول: كل الصيد في جوف الفرلء. - قال خلاد: فحدثت يونس، فقال: والله لقد جود له رسول الله صلى الله عليه وسلم! أتدري ماهذا؟ خرج رجال فتصيدوا، فاصطاد رجل منهم حمار وحش، واصطاد الآخرون من بين ظبي وأرنب، فاجتمعت نساؤهم، فجعلت المرأة تقول: اصطاد زوجي كذا، فيقول صاحب الحمار: كل الصيد في جوف الفراء.

وسئل يونس عن قوله تعالى: (فاليوم ننجيك ببدنك) وقد أغرق الله فرعون ولم ينجه، فقال: يعني نلقيك بنجوة البحر، وهي شاطئه وكذلك نجوة الوادي شفير الوادي، وتمثل بقول الشاعر " من البسيط ":

دان مسف فويق الأرض هيدبه

يكاد يمسكه من قام بالراح

فمن بنجوته كمن بعقوته

والمستكن كمن يمشي بقرواح

يقول: المستكن كمن يمشي بالفضاء.

قال أبو حنيفة ليونس: ياأبا عبد الرحمان، علمت أن الزمان ليس من الفاكهة؟ قال: لم؟ قال: لقول الله عز وجل: (فيهما فاكهة ونخل ورمان) . فقال يونس: فجبريل وميكائيل إذا ليسا من الملائكة لقوله تعالى: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل) . قال: فكيف ذاك؟ قال: إن الله عز وجل إذا خص الشيء بالفضل أدخله في الجملة ثم أبانه بالاستثناء وأفرد ذكره.

وقال يونس: من أمثال العرب: المرء يعجز لا المحالة، يريد أن العجز يأتي من قبله. فأما الحيلة فواسعة غير ضيقة، وأنشد " من الكامل ":

أعصيت أمر ذوي النهى

وأطعت أمر ذوي الجهاله

ص: 18

واحتلت حين عصيتني

والمرء يعجز لا المحاله

وسئل عن مثل: مجير أم عامر، فقال: خرج فتيان من العرب إلى الصيد فأثاروا ضبعا، فانفلتت من أيديهم ودخلت خباء بعض الأعراب، فخرج إليهم فقال: والله لاتصلون إليها وقد استجارت بي! فخلوا بينه وبينها. فلما أنصرفوا عمد إلى خبز ةلبن وسمن فثرده وقربه إليها، فأكرلت حتى شبعت، وتمددت في جانب الخباء، وغلب الأعرابي النوم، فلما استثقل وثبت عليه، فقرضت حلقه وبقرت بطنه وأكلت حشوته وخرجت تسعى، وجاء أخُ للأعرابي، فلما نظر إليها أنشد يقول " من الطويل ":

ومن يصنع المعروف في غير أهله

يلاق الذي لاقى مجير أم عامر

أعد لها لما أستجارت ببيته

قراها من ألبان اللقاح البهازر

فأشبعها حتى إذا ما تمطرت

فرته بأنياب لها وأظافر

فقل لبني المعروف هذا جزاء من

يجود بمعروف إلى غير شاكر

وقال: لم يقل لبيد في الإسلام إلا بيتاً واحداً وهو " من البسيط ":

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي

حتى لبست من الإسلام سربالا

وقال: إن علماء البصرة كانوا يقدمون أمرء القيس، وإن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وإن أهل الحجاز والبادية كانوا يقدمون زهيرا والنابغة. - وكان يفضل الفرزدق على جرير، وكان يقول: ماتهاجى شاعران قط في جاهلية ولا إسلام إلا غلب أحدهما على صاحبه غيرهما، فإنهما تهاجيا نحوا من ثلاثين سنة، فلم يغلب أحد منهما على صاحبه. - وقال: لو تمنيت أن أقول الشعر لما تمنيت أن أقول إلا مثل قول عدي بن زيد " من الخفيف ":

أيها الشامت المعير بالمو

ت أأنت المبرأ الموفور

أم لديك العهد الوثيق من الأيام

أم أنت جاهل مغرور

من رأيت المنون عزين أم من

ذا عليه من أن يضام خفير

وقال: أشعر بيت قالت العرب قول دريد بن الصمة في مرثيته أخاه عبد الله " من الطويل "

صبا ماصبا حتى إذا شاب رأسه

وأحدث حلماً قال للباطل: أبعد

قليل التشكي للمصيبات حافظ

من اليوم أدبار الأحاديث في غدِ

وقال: أتينا خالد بن صفوان نعزيه في ابنه، فانتهينا إليه وهو يقول " من الطويل ":

وهون ما ألقى من الوجد أنني

أجاوره في داره اليوم أو غدا

قال الاصمعي: قلت ليونس: ما - أراد ذو الرمة بقوله " من الطويل ":

وليلٍ كجلباب العروس ادَّرعتهُ

بأربعةٍ والشخص في العين واحدُ

فقال يونس: لاأحسب الجنَّ تقع على ماوقع عليه وفطن له، قوله:" وليلٍ كجلباب العروس " يقول: ليلٌ كقميص العروس في الطول لأن العروس تجرُ أذيالها، " ادرعته ": لبسته، " بأربعة ": يعني نفسه وناقته وسيفه وظله يعني خيمته، " والشخص في العين واحد " يقول: والإنسان واحدُ.

ودخل المهلَّبُ على الحجاج بعد فراغه من أمر الخوارج، فأجلسه إلى جانبه وقال: أنت والله كما قال لقيط الإيادي " من البسيط ":

فقلدوا أمركم، لله درُّكم

ثبت الجنان بأمر الحرب مضطلعا

لامترفاً إن رخاء العيش ساعده

وليس إن عضَّ مكروه به خشعا

ص: 19