المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌61 - ومن أخبار الشعبي - نور القبس

[اليغموري]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيموبه أستعين

- ‌في الحث على تعلم العلم وتقويم اللسان

- ‌ابتدآءُ امر النَحْو ومن تكلم فيه

- ‌من اخبار العلماء والنحاة والرواة من اهل البصرة

- ‌1 - من أخبار أبي الأسْوَد

- ‌2 - ومن أخبار يحيى بن يعمر العدواني

- ‌3 - ومن أخبار نصر بن عاصم الليثي

- ‌4 - ومن أخبار سعد الرابية

- ‌5 - ومن أخبار عنبسة بن معدان الفيل

- ‌6 - ومن أخبار عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي

- ‌7 - ومن أخبار أبي عمرو بن العلاء

- ‌8 - ومن أخبار سلمة بن عياش العامري

- ‌9 - ومن أخبار مسلمة النحوي

- ‌10 - ومن أخبار يزيد بن أبي سعيد النحوي

- ‌11 - ومن أخبار أبي بكر الهذلي

- ‌12 - ومن أخبار عيسى بن عمر الثقفي

- ‌13 - ومن أخبار أبي الخطاب الأخفش

- ‌14 - ومن أخبار حماد بن سلمة

- ‌15 - ومن أخبار يونس بن حبيب النحوي

- ‌16 - ومن أخبار أبي عبد الرحمان الخليل بن أحمد الفراهيدي

- ‌17 - ومن أخبار أبي محرز خلف بن حيان الأحمر

- ‌18 - ومن أخبار أبي محمد اليزيدي

- ‌19 - ومن أخبار أبي عبد الله محمد بن أبي محمد اليزيدي

- ‌20 - ومن أخبار أبي إسحاق إبراهيم بن أبي محمد اليزيديّ

- ‌21 - ومن أخبار أبي عليّ اسماعيل بن أبي محمد اليزيدي

- ‌22 - ومن أخبار أبي جعفر أحمد بن محمد بن أبي محمد اليزيدي

- ‌23 - ومن أخبار أبي العباس الفضل بن محمد بن أبي محمد اليزيدي

- ‌24 - أخبار رجلٍ من اليزيديين لم يسمَّ

- ‌25 - ومن أخبار سيبويه وهو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر

- ‌26 - ومن أخبار أبي الحسن الأخفش وهو سعيد بن مسعدة

- ‌27 - ومن أخبار النضر بن شُميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازنيّ

- ‌28 - ومن أخبار أبي فيد مؤرِّج بن عمرو السَدُوسيّ

- ‌29 - ومن أخبار أبي زيد الأنصاري

- ‌30 - ومن أخبار أي عبيدة معمر بن المثنى

- ‌31 - ومن أخبار الأصمعي

- ‌في أبتداء أمر البصرة ونزول المسلمين فيها

- ‌32 - ومن أخبار قُطرُب النحوي

- ‌33 - ومن أخبار يعقوب الحَضْرميّ

- ‌34 - ومن أخبار كيسان المحوي

- ‌35 - ومن أخبار خلاد بن يزيد الباهليّ

- ‌37 - ومن أخبار ابن سلام الجُمحي

- ‌38 - ومن أخبار أبي عبد الرحمن العٌتْبِيّ

- ‌39 - ومن أخبار العائشي التيميّ

- ‌40 - ومن أخبار عبيد الله بن معمر التيميّ

- ‌41 - ومن أخبار محمد بن حفصٍ

- ‌42 - ومن أخبار عبد الرحمان بن عبيد الله

- ‌43 - ومن أخبار أبي عليّ الحسن بن عليّ الحِرْمازيّ

- ‌44 - ومن أخبار أبي العالية الشاميّ

- ‌45 - ومن أخبار أبي محلَّم السَعْديّ

- ‌46 - ومن أخبار أبي قلابة الجَرْميّ

- ‌47 - ومن أخبار أبي عمر الجَرْميّ

- ‌48 - ومن أخبار أبي الحسن عليّ بن المغيرة الأثْرم

- ‌49 - ومن أخبار أبي محمد عبد الله بن محمد التوزّيّ

- ‌50 - ومن أخبار أبي عَدْنانَ السُلَميّ

- ‌51 - ومن أخبار الزياديّ أبي إسحاق

- ‌52 - ومن أخبار أبي عمرو قَعْنَبِ بن المُحْرِز الباهليّ البصريّ

- ‌53 - ومن أخبار أبي عثمان المازنيّ

- ‌54 - ومن أخبار دماذ غُلام ابي عبيدة

- ‌55 - ومن أخبار أبي عمران موسى بن سلمة النحويّ

- ‌56 - ومن أخبار أبي حاتم السجستانيّ

- ‌57 - ومن أخبار أبي الفَضْل الرياشيّ

- ‌58 - ومن أخبار الجاحظ

- ‌59 - ومن أخبار عُمر بن شَبَّة

- ‌في ابتداء أمر الكوفة ونزول المسلمين فيها

- ‌أسامي من تضمنهم هذا الكتاب من رواة الكوفة وعلمائها وقرائها

- ‌60 - من أخبار قبيصة بن جابرٍ الأسدي

- ‌61 - ومن أخبار الشعبيّ

- ‌62 - ومن أخبار سليمان بن مهران الأعمْش

- ‌63 - ومن أخبار ابن السائب الكَلْبيّ

- ‌64 - ومن أخبار أبي الحكم الكلبيّ

- ‌65 - ومن أخبار أبي جنابٍ الكلبيّ

- ‌66 - ومن أخبار ابن عياش المنتوف

- ‌67 - ومن أخبار حُمران بن أعْيَنَ

- ‌68 - ومن أخبار زهير القُرقبيّ

- ‌69 - ومن أخبار حمزة بن حبيبٍ الزّيات

- ‌70 - ومن أخبار حماد الراوية

- ‌71 - ومن أخبار جَنّاد بن واصل

- ‌72 - ومن اخبار ابن الجصاص

- ‌73 - ومن أخبار المفُضَّل الضَبيّ

- ‌74 - ومن أخبار الشرْقيّ بن القطاميّ

- ‌75 - ومن أخبار معاذٍ الهَرّاءِ

- ‌76 - ومن أخبار أبي عمرو الشيبانيّ

- ‌77 - ومن أخبار بُزُرخ العَروُضيّ

- ‌78 - ومن أخبار أبي جعفر الرؤاسيّ

- ‌79 - ومن أخبار القاسم بن مَعْن

- ‌80 - ومن أخبار أبي بكر بن عيَّاشٍ

- ‌81 - ومن أخبار الكسائيّ

- ‌ومن اخبار ابي هلال المحاربي

- ‌83 - ومن اخبار ابي المنذر هشام بن محمد الكلبي

- ‌84 - ومن اخبار الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن الطائي

- ‌85 - ومن أخبار ابن كناسةً

- ‌86 - ومن أخبار الأحْمر غُلام الكسائي

- ‌87 - ومن أخبار أبي زكرياء الفرّاء

- ‌88 - ومن أخبار هشام النحويّ

- ‌89 - ومن أخبار ابن الأعرابيّ

- ‌في ابتداء أمر مدينة السلام واختطاط أبي جعفر المنصور إياها ونزولها

- ‌ومن أخبار العلماء والنحاة والرواة من أهل بغداد ومن طرأ عليها من

- ‌90 - محمّد بن إسحاق بن يسارٍ

- ‌91 - ومن أخبار ابن دَأبٍ

- ‌92 - ومن أخبار الواقديّ

- ‌93 - ومن أخبار أبي البَخْتَريّ القاضي

- ‌94 - ومن أخبار أبي المُنذرِ العَروضيّ

- ‌95 - ومن أخبار أبي مِسْحَلٍ الأعرابيّ

- ‌96 - ومن أخبار ابن قادمٍكان يؤدب أولاد سعيد بن سلم بن قتيبة، وكان

- ‌97 - ومن أخبار أبي عُبيد القاسم بن سَلاّم

- ‌98 - ومن أخبار النضر بن حديد

- ‌99 - ومن أخبار أبي محمّد إسحاق بن إبراهيم الموصليّ

- ‌100 - ومن أخبار مُصْعب الزُبيريّ

- ‌101 - ومن أخبار أبي جعفر الجُرجاني محمّد بن عمر

- ‌102 - ومن أخبار ابن السكِّيت

- ‌103 - ومن أخبار أبي محمد سلمة بن عاصم النحوي

- ‌104 - ومن اخبار الزبير بن بكار

- ‌105 - ومن اخبار حماد بن اسحاق بن ابراهيم الموصلي

- ‌106 - ومن اخبار ابي العيناء

- ‌وما اخبار ًالمبرد

- ‌108 - ومن اخبار ثعلب

- ‌109 - ومن أخبار أبي العباس محمّد بن الحسن الأحْوَل

- ‌110 - ومن أخبار ابن عُليَل العَنَزيّ

- ‌111 - ومن أخبار ابن مَهْديّ الكِسْرَويّ

- ‌112 - ومن أخبار المُفضَّل بن سَلَمَة بن عاصم

- ‌113 - ومن أخبار يحيىَ بن عليّ المُنجِّم

- ‌114 - ومن أخبار أبي الحسن أحمد بن سعيد الدمشقيّ

- ‌115 - ومن أخبار أبي الحسن عليّ بن سليمان بن الفضْل الأخْفش

- ‌116 - ومن أخبار أبي إسحاق إبراهيم بن السّريّ الزَجّاج

- ‌117 - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن السَريّ السَرّاج

- ‌118 - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزْديّ

- ‌119 - ومن أخبار ابن عَرَفة المُهلَّبيّ

- ‌120 - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن القاسم بن محمّد الأنباريّ

- ‌121 - ومن أخبار الصُوليّ

- ‌ذكر النسابين

- ‌122 - منهم دَغْفل بن حَنْظَلةَ

- ‌123 - ومن النسلبين أبو ضَنْضَم البَكْري

- ‌124 - ومنهم النخّار العُذْريّ

- ‌125 - ومن أخبار وَهْب بن مُنَبِّهٍ

الفصل: ‌61 - ومن أخبار الشعبي

" 60 " قبيصة بن جابر الأسدي، " 61 " عامر بن شراحيل الشعبي، عبد الملك بن عمير اللخمي، عاصم بن أبي النجود، أبان بن تغلب، " 62 " سليمان بن مهران الأعمش، " 63 " محمد بن السائب الكلبي، " 64 " عوانة بن الحكم،؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ " معاذٌ الهرَّاء، " 76 " أبو عمرو الشيباني، " 77 " بزرج العروضي، " 78 " أبو جعفر الرُؤاسيُّ، " 79 " القاسم بن معن، " 80 " أبو بكر بن عياش، " 81 " عليّ بن حمزة الكسائي، " 82 " لقيط بن بكير المحاربي، خالد بن كلثوم، " 83 " هشام بن محمد الكلبي، " 84 " الهيثم بن عدي، " 85 " محمد بن كناسة الأسدي، " 86 " أبو الحسن الأحمر، " 87 " يحيى بن زياد الفراء، " 88 " هشام النحوي، " 89 " محمد بن زياد الأعرابي، الحكم بن موسى السلُولي، ستة وثلاثون نفراً.

‌60 - من أخبار قبيصة بن جابرٍ الأسدي

هو أبو العلاء قبيصة بن جابر بن حبيب بن نجيم بن الحارث بن جابر بن مالك بن عوف بن سعد بن كعب بن عمرو بن أسامة بن نصر بن قعين. وقال الواقدي: هو قبيصة بن جابر بن وهب بن مالك بن عميرة بن حذار بن مرة بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. روى عن عمر بن الخطاب وعن عبد الرحمان بن عوف، كان ثقة، له أحاديث. - وأمهُ ظاءرت أبا سفيان بن حرب فأرضعت معاوية.

قال قتادة: فصحاء العرب أربعة اثنان من أهل الكوفة: عبد الله ابن همَّام السلُوليّ وقبيصة بن جابر الأسدي، واثنان من أهل البصرة: الحسن ابن أبي الحسن وعبد الله بن الأهتم.

قال قبيصة: اًابت معاوية النقَّابة، فأسرعت إليه، فقلنا له: الناسُ قد أكثروا وأرجفوا، فلو جلست لهم مرّةً واحدةً؟ فقال: أوسعوا رأسي دهناً واحشوا عيني إثمداً، وليسلموا عليّ قياماً ولا يجلس إليَّ أحدٌ! قال: فأذن للناس، فسلموا قياماً، فلما ولَّوا أتبعهم بصره، ثمّ قال " من الكامل ":

وتجلُّدي للشامتين أريهمِ

أني لريبِ الدهرِ لاأتضعضعُ

وإذا المنيَّة أنشبت أظفارها

ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لاتنفعُ

فما أصبح حتى مات.

وقال قبيصة لمعاوية: يأامير المؤمنين، أسألك عن قريش؟ فقال: على الخبير سقطت! أمَّا أكرم قريش نفساً وأباً وأماً وجداً وجدةً وعماً وعمةً فالحسين بن علي، وأما سيد قريش غير مدافعٍ فسعيد بن العاص، وأما رجلُ قريش على حدةٍ فيه نزق القارئ لكتاب الله القائم بحدود الله والعالم بسنة رسول الله والفقيه في دين الله فمروان بن الحكم، وأما رجلُ قريش محبةً ونائلاً فعبد الله بن عامر بن كريز، وأما الذي يُردُّ الشريعة مع دواعي السباع ويروغ روغان الثعلب فعبد الله بن الزبير.

وتوفي قبيصة بن جابر كاتب سعيد بن العاص بالكوفة سنة تسعٍ وستين، وتوفي قبيصة بن ذؤيب كاتب عبد الملك بن مروان سنة ستٍ وثمانين.

‌61 - ومن أخبار الشعبيّ

هو أبو عامر بن شراحيل الشعبيّ من حمير، وعداده في همدان وأمه من سبي جلولاء. قال الشعبي: ولدتُ عام جلولاء. قال قتادة: كان عام جلولاء في تسع عشرة سنة في سبع سنين من خلافة عمر.

قال عبد الله بن محمد بن مرة الشعباني: حدثنا أشياخ من الشعبان أنّ مطرا أصاب اليمن، فجحف السيلُ موضعاً فكشف عن أزجٍ عليه باب من حجارةٍ، فكسر الغلق ودخل فإذا بهوٌ عظيم فيه سريرٌ من ذهب وإذا عليع رجلُ، فشبرناه فإذا طوله اثنا عشر شبراً، وإذا عليه جباب من وشيٍ منسوجة من ذهب، وإلى جنبه محجنٌ من ذهب، على رأسه ياقونة حمراء، مرَّجلُ الرأس واللحية، عليه ضفران، وإلى جنبه لوحٌ مكتوب فيه:" باسمك اللُهمَّ ربَّ حمير، أنا حسّان بن عمرو القَيلُ، إذ لاقيل إلا أنا، عشتُ بأملٍ ومتُ بأجل أيَّام وخزهيد، هلك فيه اثنا عشر ألف قيلٍ، فكنتُ آخرهم قيلاً، فأتيتُ جبل ذي شعبين ليجيرني من الموت فأخفرني "، وإلى جنبه سيفٌ مكتوبٌ فيه بالحميرية:" أنا قُبْار بي يُدرك الثار ".

ص: 87

قال عبد الله بن محمد بن مرة: هو حسان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن غوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن الحمير، وحسَّان هو ذو الشعبين. وهو جبلٌ باليمن نزله هو وولده ودفن به ونسب إليه هو وولده، ومن كان منهم بالكوفة قيل شعبيون، منهم عامر الشعبي، ومن كان منهم بالشأم قيل لهم شعبانيون، ومن كان منهم باليمن قيل لهم آلُ ذي شَعْبَين. فبنوا عليّ بن حسَّان بن عمرو رهط عامر ابن شراحيل بن عبد الشعبي، ودخلوا في أُحمور همدان، فعدادهم فيهم، والأحمور خارفٌ والصائديون وآل ذي بارق والسبيع وآل ذي حدان وآل ذي رضوان وآل ذي لعوة وآل ذي مرّان. وأعراب همدان غرر ويامٌ ونهمٌ وشاكر وأرْحبُ. وفي همدان من حمير قبائل كثيرةٌ، منهم آل ذي حوال، وكان على مقدمة تُبَّعٍ، منهم يعفر بن الصبَّاح المتغلب على مخاليف صنعاء اليوم.

كان الشعبي مليحاً فصيحاً يصبغ بالحناء، وكان دميماً، سُئل فقال: زوحمتُ في الرحم! وذاك أنه ولد توءماً.

كان الشعبي يتحدث فيقول: إن للحديث سكتات وإشارات وموافقات وتعريجات، فمواضع يتوقف فيها ومواضع يطوى فيها طيَّاً، وليس كلّ أحدٍ أعطي ذلك ويحسن ذلك. - وكان يقول له ابن شبرمة: يامُفوّت الحاجات! لما كان يشغل جلساءه بحسن حديثه عن حوائجهم.

سأله رجلٌ يوم عيدٍ وعليه مطرف خزٍ: ناترى في لبس الخز؟ فقال: أحمقُ يرى عليّ مطرف خزٍ ويسألني عن لبسها. وكان أكثر ما يلبس الخز الأحمر والرداء الكتان المُوَّرد ولم يُرْخ عمامته. ورُئي جالساً على جلد أسد. قال مجالدٌ: رأيتُ عليه قباء سمُّور. وكان يتختم في يمينه ونقش خاتمه: " الحمد لله الحق المبين "، وقيل:" حسبيَ اللهُ ونعْمَ الوكيل ". قال: وهي أوّلُ كلمة قالها الخليلُ عليه السلان حين أُلقي في النار.

وكان لايقوم من مجلسه حتى يقول: أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أنّ الدين كما أمر، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، وأشهد أنّ الكتاب كما بلَّغ، وأشهد أنّ القول كما حدث، وأشهد (أنَّ اللهَ هُوَ الحقُّ المُبينُ) ! فإذا ذهب ينهض قال: ذكر الله محمداً منا بالسلام.

ولما ولي عمر بن عبد العزيز استعمل على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمان ابن زيد بن الخطاب، فاستقضى عبد الحميد الشعبيَّ بأمر عمر، فقضى سنةً ثمّ استعفاه فأعفاه.

وكان موسراً يشتري اللحم في كلّ جمعة بدرهم واحد، وكان يقول: لدرهم أعطيه في النوائب أحبُّ إليَّ من خمسة أتصدق بها. - مرّ على قوم وهم ينالون منه ولايرون، فلما سمع كلامهم قال " من الطويل ":

هنيئاً مريئاً غير داء مخامرٍ

لعزَّةَ من أعراضنا ما أستحلتِ

وسمع رجلاً يشتمه فقال: إن كنت صادقاً فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك! ثمّ تمثلَّ " من الرمل ":

ليست الأحلامُ في حال الرضى

إنما الأحلامُ في حال الغضَبْ

وهجاه رجلٌ قضى عليه لزوجته فقال " من الرمل ":

فُتنَ الشعبيُّ لمَّا

رفعَ الطَرْفَ إليها

فتنته حين ولَّت

ثمّ هزَّت منكبيها

فتنته بقوامٍ

وبخطَّي حاجبيها

وبنان كالمداري

وبحسن معصميها

من فتاةٍ حين قامت

رفعت مأمتيها

كيف لو أبصر منها

نحرها أو ساعديها

لصبا حتى تراه

ساجداً بين يديها

قال للجلواز: قدمها وأحضر شاهديها

فقضى جوراً على الخصم ولم يقض عليها

بنتِ عيسى بن جرادٍ

ظَلَمَ الخصم لديها

ما على الشعبي لم يوُ

فِ الذي كان عليها

فلما سمع الشعبي الأبيات ضحك وقال: لا والله ماكان شيءٌ من هذا.

قال الشعبي: ماأروي شيئاً أقلَّ من الشعر، ولو شئتُ أن أنشد شهراً ولا أعيد شيئاً لفعلت. - وقال أبو بكر الهُذَلي للشعبي: أتحبّ الشعر؟ قال: نعم! قال: أما إنه يحبه الرجالُ ويكرهه مؤنثوهم!

ص: 88

قال أبو بكر الهذلي لابن سيرين: إذا أتيت الكوفة فالزم الشعبيَّ واستكثر من حديث! فلقد رأيته يستفتي وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأحياءٌ. - وسئل عن شيء فقال: لاعلم لي بهذا! فقال: ألا يستحي مثلك يقول هذا؟! فقال: إنّ الملائكة لم تستحي من قولهم: (لاعلم لنا)، أستحيي أنا!؟ قال ابن شبرمة: كنتُ أمضي مع الشعبي في بعض الطريق، فقال لي: احملني وأحملك! قلت: كيف ذاك!؟ قال: حدثني وأحدثك! - قال الشعبيّ: تغديتُ عند قتيبة بن مسلم بخراسان، فقال: أيُّ الشراب أحبُّ إليك حتى تؤتى به؟ أعزُّ مفقودِ وأهونُ موجود! قال: ياغلام، اسقيه ماءً! وقال: ما من بني عبد المطلب رجلٌ ولا امرأة إلا قال الشعر غير النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال: وأغزلُ بيتٍ وأرقه قولهم " من الطويل ":

فدقتْ وجلَّتْ واسَكَّرتْ وأُكملتْ

فلو جُنَّ إنسانٌ من الحسنِ جُنَّتِ

ودخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: أنشدني أحكم ما قالته العرب وأوجزه! فقال قول امرئ القيس " من االبسيط ":

صُبَّتْ عليه وما تنْصَبُّ عن أمَمٍ

إن الشقاءَ على الأشقَيْنَ مكتوبُ

قال زهير " من الطويل ":

ومن يجعل المعروف من دون عرضه

يفرهُ ومن لا يتقِ الشتمَ يُشتمِ

قال النابغة " من الطويل ":

ولستَ بمستبقٍ أخاً لاتلمُّه

على شعثِ أيُّ الرجال المُهذَّبُ

وقال عدي بن زيد " من الطويل ":

عنى المرء لاتسأل وأبصر قرينه

فإن القرين بالمقارن مقتدي

وقال طرفة بن العبد " من الطويل ":

ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّدِ

قال عبيد بن الأبرص " من البسيط ":

إذا المرُ أسرى ليلةً ظنّ أنه

قضى عملاً والمرءُ ماعاش عاملُ

وقال الأعشى " من الطويل ":

ومن يغترب عن قومه لايزل يرى

مصارعُ مظلومٍ مجراً ومسحباً

وقال الحطيئة " من البسيط ":

من يفعلِ الخيرَ لايَعْدمْ جوازيهُ

لايذهبُ العزْفُ بين الله والناسِ

وقال الحارث بن عمرو " من الطويل ":

فمن يلقَ خيراً يحمدِ الناسُ أمرهُ

ومن يغوِ لايعدمُ على الغيّ لائما

وقال الشمَّاخ " من الطويل ":

وكُلُّ خليلٍ غيرُ هاضمِ نفسهِ

لوصل خليل صارمٌ أو معارزُ

فقال عبد الملك: حججتك، ياشعبيُّ، بقول طفيل الغنوي " من البسيط ":

ولا أخالسُ جاري في حليلته

ولا ابن عمي غالتني إذا غُولُ

حتى يقال وقد دليتُ في جدثٍ

أين ابن عوفٍ أبو قرّانَ مجعولُ

وقال ابن شبرمة: سألت الشعبيَّ عن معنى هذا البيت " من الرمل ":

بدَّلته الشمسُ من منبتهِ

بَرداَ أبيض مصقول الأُشرْ

فلم يكن عنده جوابٌ. وقيل: إنه كان الصبيُّ في الجاهلية إذا أتغر استقبل بسنه عين الشمس، فحذفها وقال: أبدليني خيراً منها.

قال: وأغزل بيتٍ قيل في العرب قول الأعشى " منى البسيط ":

غرَّاءُ فرعاء مصقولُ عوارضها

تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحلُ

قال: وأخبث بيتٍ قالته العربُ قوله " من البسيط ":

قالت هُريرةُ لما جئت زائرها

ويلي عليك وويلي منك يارجلُ

وأشجع الناسُ من قال " من البسيط ":

قالوا: الطراد! فقلنا: تلك عاداتنا

أو تنزلون فإنا معشرٌ نُزُلُ

سئل الشعبي عن رجل لطم عين رجل فأحمرت فشرقت فاغرورقت، فقال: يقضى فيها ببيت الراعي " من الطويل ":

لها أمرها حتَّى إذا ما تبوَّأتْ

بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا

ومعنى هذا البيت أنّ الراعي إذا أتى بإبله عشيا تركها حتى ترتاد بأخفافها موضعاً تبرك فيه، فإذا ارتادت موضعاً وبركت نزل قبالتها. فالمعنى إن الحكم في هذه العين أن تترك حتى يستقر أمرها على شيء ما، ثمّ يقضى فيها.

وسئل عن رجل أوصى لأرامل بني فلان، فقال: الرجالُ والنساءُ سواءُ، أما سمعتم قول الشاعر " من البسيط ":

تلك الأرامل قد قضيتُ حاجتها

فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر

وقال الشعبي: لايكون الرجل سيداً حتى يكون للبيتين مستعملا، وهما " من الطويل ":

وإني للباسٌ على المقْتِ والقلى

بني العم منهم كاشحٌ وحسودُ

ص: 89

أذبُّ وأرمي بالحصى من ورائهم

وأبدأ بالحسنى لهم وأعود

ومن فتاويه: سئل عن رفع الصوت بالدعاء، فقال: أما س؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لوا رجلاً لم تكن على كلّ واحد منهم كفارته؟! فظفر عليه الشعبيّ. - وقال: إُيما ثلاثةٍ ركبوا دابةً فأحدهم ملعون! وقال الشعبيّ: كان شُريحٌ يشرب الطلاء على النصف، فشربنا عنده في الفطر والأضحى ما لاأحصيه، ويقول: طبخه غلامي ميسرة. - وقال عمر ابن أبي خليفة عن أبيه قال: كان الشعبي عندنا، فسمعنا صوت غناء فقلنا: أترى بهذا بأسا؟ قال: لا! - وقال: إذا صلى الرجلُ المكتوبة تقدم أمامه خطوة خطوة أو خطوتين ثمّ تطوَّعَ. وقال: ليس في الصلاة على الميت قراءةٌ، ولاشيءٌ موَّقتٌ إلا دعاءٌ واستغفار للميت.

وقال: جمع القرآن ستةٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلُّهم من الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُبيُّ بن كعب ومعاذ بن جبلٍ وزيد بن ثابت وأبو زيد وسعد بن عبيد ومجمع بن جارية جمعه إلا سورة أو سورتين. - وقال: القضاة أربعةٌ عمر وعليّ وابن مسعود وزيد بن ثابت. والدهاة أربعة معاويبة وعمرو بن العاص ومغيرة بن شعبة وزياد؛ فأما معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهة لم يأخذ عقدة إلا حلها، وأمَّا زياد فللصغير والكبير. - وقال: أوّل من وضع العشور عمر بن الخطاب. وقال: وكان عليّ أشجع الناس، تقرُّ له بذلك العرب.

قدم الشعبيُّ أيَّام عبد الله بن الزبير البصرة، فجلس إلى أناس في مسجدها فيهم الأحنف بن قيس، فتذاكروا أهل الكوفة وأهل البصرة، ولم يزل بهم الحديث حتى قال قائلٌ من أهل البصرة: وما أهل الكوفة، هل هم إلا خولنا؟ استنقذناهم من عبيدهم! قال الشعبيّ: فعرض في قلبي قولُ أعشى همدان فقلتُ " من الرمل ":

أفخَرْتم أن قتلتم أعْبُداً

وهزمتم مرّةً آلَ عَزَلْ

نحن سُقناهم إليكم عنوةً

وجمعنا أمركم بعد الفشلِ

فإذا فاخرتمونا فاذكروا

ما فعلنا بكمُ يومَ الجملْ

بين شيخٍ خاضبٍ عثنونه

وفتىً أبيضَ وضَّاحٍ رفلْ

جاءنا يهدرُ في سابغةٍ

فذبحناهُ ضُحىً ذبح الحملْ

وعفونا فنسيتم عفونا

وكفرتم نعمة اللهِ الأجلْ

فضحك الأحنف ثمّ قال: ياأهل البصرة، فخر عليكم الالشعبيُّ، فأحسنوا مجالسته! ثمّ قال: ياجاريةُ، هاتي الصحيفة الصفراء! فرمى بها إلى الشعبي، فإذا فيها من المختار:" من أبي عبيد إلى الأحنف بن قيس مورد قومه سقر، حيثُ لايستطيع لهم الصدر، وإني لاأملك لهم ما خُطَّ في القدر، وقد بلغني أنكم تكذبونني وتكذبون رُسُلي، ولعمري لقد كذبت الأنبياء قبلي وأوذوا، وإن كنتُ لستُ بخيرٍ من نبي منهم، والسلامُ على من اتبع الهدى. " ثمّ أقبل عليَّ فقال: هذا منَّا أو منكم؟! فغلبني وهو ساكت.

ص: 90

وقال الشعبيُّ: رأيتُ عجباً، كنَّا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان، فقال القومُ: ليقمْ كلُّ رجلُ منكم فليأخذ بالرُكن اليماني وليسأل الله حاجته فإنه يُعطى، قمْ، ياعبد الله بن الزبير! فإنك أولُ مولود ولد في الهجرة. فقام فأخذ بالركن اليماني فقال: اللهّمَّ إنك عظيمٌ تُرجى لكلّ عظيم، أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة نبيك صلى الله عليه وسلم ألا تميتني حتى توليني الحجاز ويُسلَّم عليَّ بالخلافة! وجاء فجلس، وقالوا: قُم، يامصعب! فقام حتى إذا أخذ بالركن اليماني فقال: اللهمَّ إنك ربُّ كلّ شيء، وإليك يصير كلُّ شيء، أسألك بقدرتك على كلّ شيء ألا تميتني حتى توليني العراقين وتزوجني سكينة بنت الحسين! وجاء فجلس، وقالوا: قم، ياعبد الملك! فقام فأخذ الركن وقال: اللهم ربّ السماوات السبع وربَّ العرش العظيم ربَّ الأرض ذات النبت بعد القفر، أسألك بما سألك عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحرمة وجهك، وأسألك بحقك على جميع خلقك، وأسألك بحق الطائفين حول بيتك ألا تميتني حتى توليني شرق الأرض وغربها، ولاينازعني أحدٌ ألا أُتيتُ برأسه! ثمّ جاء فجلس، ثمّ قالوا: قم، ياعبد الله بن عمر! فقام حتى أخذ بالركن ثمّ قال: اللهمَّ إنك رحمان رحيم، أسألك برحمتك التي سبقت غضبك، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك إلا تميتني حتى تُوجب لي الجنة! - قال الشعبيّ: فما ذهبت عيناي من الدنيا حتى رأيتُ كلَّ رجل منهم قد أعطي ماسأل. وبُشر عبد الله بن عمر بالجنة.

وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: إنه ليس شيءٌ من لذة الدنيا إلا وقد أُصبتُ به ولم يبق لي من لذة الدنيا إلا مناقلة الإخوان للحديث، وقبلك عامرٌ الشعبيُ، فابعث به إليذَ ليُحدثني! فجهزه الحجَّاج وبعث به إليه. قال: فدخلتُ فإذا عبدُ الملك جالسٌ على كرسي وبين يديه رجلٌ أبيضُ الرأس واللحية على كرسيّ، فسلمتُ فردّ السلام، ثمّ أومى إليّ بقضيبه فقعدت على يساره، ثمّ أقبل على الذي بيد يديه فقال: من أشعر الناس؟ قال: أنا! قال الشعبيّ: فأظلم عليَّ مابيني وبين عبد الملك، ولم أصبر أن قلتُ: ومن هذا، ياأمير المؤمنين، الذي يزعم أنه أشعر الناس؟ قال: فعجب عبد الملك من عجلتي، ثمّ قال: هذا الأخطل! قلتُ: ياأخطلُ، أشعر منك الذي يقول " من السريع ":

هذا غُلامٌ حَسَنٌ وجههُ

مُقتبلُ الخيرِ سريعُ التمامْ

للحارثِ الأكبر والحارث ال

أصغر والحارث خير الأنامْ

ثمّ لهندٍ ولهندٍ وقد

أسرعَ في الخيراتِ منه إمامْ

ستّةُ أملاكٍ هُمُ ما هُمُ

هُمْ خيرُ من يشربُ صوب الغمامْ

فقال عبد الملك: رُدَّها عليَّ! فرددتها عليه حتى حفظها، فقال الأخطل: من هذا، ياأمير المؤمنين؟ قال: هذا الشعبيُّ! قال: والجِلَّوز، ما أستعذت بالله من شر هذا! صدق والله، النابغة أشعر مني! قال الشعبيّ: ثمّ أقبل عليَّ عبد الملك فقال: كيف أنت؟ قلتُ: بخير، ياأمير المؤمنين! فلا زلتَ به! ثمّ ذهبت لأضع معاذير لي لما من خلافي على الحجاج مع عبد الرحمان ابن محمد بن الأشعث، فقال: مه، فإنا لانحتاج إلى هذا المنطق، ولا تراه منا في قول ولافعل حتى تفارقنا. ثمّ أقبل عليَّ فقال: ماتقول في النابغة؟ قلتُ: ياأمير المؤمنين، قد فضلَّه عمرُ بن الخطاب في غير موطن على جميع الشعراء! خرج عمرُ وببابه وفد غطفان، فقال: يامعشر غطفان، أي شعرائكم الذي يقول " من الطويل ":

حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً

وليس وراء الله للمرء مذهبُ

لئن كُنت قد بُلغتَ عني رسالةً

لمبلغك الواشي أغشُّ وأكذبُ

ولستُ بمستبقٍ أخا لاتلمهُ

على شعثٍ أيُّ الرجال المُهذَّبُ

قالوا: النابغة، ياأمير المؤمنين! قال: فأيكم الذي يقول " من الوافر ":

لي ابن مُحرقٍ أعملتُ نفسي

وراحلتي وقد هدت العُيونُ

أتيتك عارياً خلقاً ثيابي

على خوفٍ تُظنُّ بي الظُنُونُ

وألفيتُ الأمانةَ لم تخنها

كذلك كان نُوحٌ لايخونُ

قالوا: النابغة، ياأمير المؤمنين! قال: فأيكم الذي يقول " من الطويل ":

ص: 91