الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبى الحاوون أن يطوا حماه
…
ولا تسري بعقونه الذئاب
إذا ما استجرس الأصوات أبدى
…
لساناً دونه الموت العباب
يعظل نهاره نوماً سباتاً
…
ونزوته طموراً وانسياب
كأن جرادة نشرت عليه
…
جناحاً فارتدى منها الحباب
متى مايرم عن عينيه شخصاً
…
فليس إلى الحياة له إياب
وقال " من الكامل ":
صب اإله على عبيد حية
…
لاتنفع النفاث فيها والرقى
جبلية تسري إذا ما جنها
…
ليلٍ وتكمن بالنهار فما ترى
مهروتة الشدقين ينطف نابها
…
سماً ترى ما أن يهاب ويتقى
خضرت لها عنق وسائر خلقها
…
بض يبين كمثل مصباح الدجى
وكأنما لبست بأعلى لونها
…
برداً من الأثواب أنعجة البلى
رقشاه تقتصد الطريق إذا دنا
…
منها المساء كأنها ثنيا رشا
قرناء أنساها الزمان فأدركت
…
عاداً فليس لنهشه منها شفا
أو حية ذا طفيتين أحله
…
آباؤه في شامخ صعب الذرى
فنشا بغار مظلم أرجاؤه
…
لا الريح تصرده ولا برد الشتا
لم تغشه شمس وحالف قعره
…
فنهاره ومساؤه فيه سوا
لو عض حرفي صخرة لتطايرت
…
من نابه فلقا كأفلاق النوى
أو حالكاً أما النهار فكامن
…
متطرق فإذا رأى ليلاً سرى
في عينه قبل وفي خيشومه
…
فطس وفي أنيابه مثل المدى
يلقى عبيداً ماشياً متفضلاً
…
متخلفاً قد ملَّه طول السرى
في ليلة نحس يحار هداتها
…
لا لابساً خفاً يقيه ولاحذا
فيحوصه في كعبه بمذرب
…
ماضٍ إذا أنحى على عظم فرى
وقال يدعو على رجل بالرتيلي " من الرجز ":
ابعث له من الرتيلي سقما
…
مذبوبة تبعث فيه ألما
يظل منه لحمه مقسماً
…
دهماء مثل العنكبوت أيما
لم تبق بعلاً لا ولم تبق اينما
…
جزاء خطاب بما تأثما
وقال أيضاً في مثله " من الرجز ":
ابعث له يارب ذات أرجل
…
في فمها أحجن مثل المنجل
دهماء مثل العنكبوت المحول
…
تأخذه من تحته ومن عل
وقال في العقرب " من الرجز ":
يا ربنا ربَّ الشمال والصبا
…
ومن سعى بالبيت أو تحصبا
ابعث له تحت الظلام عقربا
…
مصفرة تنمي إليه خببا
تسل محجوباً نحيفاً نيربا
…
أكلف لو مسسته لأندبا
كأنما تمس منه حربا
…
حتى إذا خالطه فضربا
أتاك منه سائلاً محبباً
…
فإن نجا فابعث إليه القرطبا
فمرَّ يفري سبسباً فسبسباً
…
فصعدا دماغه وصوبا
وأكلا من لحمه وشربا
…
جزاء خطاب بما تحوبا
وقال في البرغوث " من الرجز ":
يا عجباً للدهر ذي الإعجاب
…
للأحدب البرغوث ذي الأنياب
يلسع لسع العقرب الدباب
…
يقفز بين الجلد والثياب
وقال " من الرجز ":
وحية مسكنه الرمال
…
كأنه إذا انثنى خلخال
وقال " من الرجز ":
ابعث على الكذاب في برد السحر
…
حية غار في منيف مشمخر
وقال " من الرجز ":
وحنش كأنه رشاء
…
أسود ما لمسه دواء
وقال في مرض موته " من الرجز ":
يا أيها الليل الطويل ذنبه
…
كأن ديناً لك عندي تطلبه
أما لهذا الليل صبح يقربه
وتمثل عند موته بهذا البيت " من البسيط ":
لايبرح المرء يستقري مضاجعه
…
حتى يبيت بأقصاهن مضجعا
وقال المبرد: إن خلفاً بقي إلى وفاة الرشيد أو بعد ذلك. وقال عبد الباقي ابن قانع: توفي خلف سنة خمس وسبعين ومائة. وهذا بعيد مما أورده المبرد لأن الرشيد توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة، والله أعلم.
18 - ومن أخبار أبي محمد اليزيدي
هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي، وإنما سمي اليزيدي لصحبته يزيد بن منصور خال المهدي، وبذلك كبر وارتفع صيته، وكان من غلمان أبي عمرو بن العلاء. - ثم أدب المأمون وكان ابنه محمد لاصقاً بالمأمون من أهل أنسه، وكان يدخل إلى المأمون مع الفجر فيصلي به ويدرس عليه المأمون ثلاثين آية، وكان لايزال يعادله في أسفاره ويفضي إليه بأسراره. - وكان شاعرا فصيحاً نحوياً، روى عنه أبو عبيد القاسم بن سلام. وله " كتاب نوادر في اللغة " على مثال كتاب نوادر الأصمعي الذي عمله لجعفر بن يحيى البرمكي، وفي مقدار عدد ورقه، وله جامع شعر جيد. وأخذ عن الخليل بن أحمد العروض وغيره، وكتب عن أبي الوليد عبد الملك بن جريج، وتوفي ابن جريج سنة خمسين ومائة. - قال ابو هفان: أشعر العلماء النبل أربعة: الكميت والطرماح والكساني واليزيدي.
وله من الأولاد محمد وإبراهيم وإسماعيل وعبد الله ويعقوب وإسحاق، وترتيبهم في السن على هذا النسق: فيعقوب وإسحاق تزهدا وكانا عالمين بالحديث، والأربعة برعوا في اللغة العربية، ونادم المأمون من هذه الجماعة محمد وإبراهيم، وكان محمد المتقدم وهو الخارج مع المعتصم حين خرج إلى المبيضة بمصر، فمات محمد بها ومات الباقون ببغداد.
قال اليزيدي: اجتمعت مع الكسائي عند المهدي فقال: كيف نسبوا إلى البحرين؟ فقالوا: بحراني! ونسبوا إلى الحصنين؟ فقالوا: حصني! ولم يقولوا: حصناني؟ قلت: أصلح الله الأمير، إنهم لو نسبوا إلى البحرين فقالوا بحري لم يعرف إلى البحرين نسبوه أم إلى البحر، ولما جاؤا إلى الحصنين لم يكن موضع آخر يقال له الحصن ينسب إليه غير الحصنين فقالوا حصني. قال أبو محمد اليزيدي: فسمعت الكسائي يقول لعمر بن بزيع: لو سألني الأمير لأخبرته فيها بعلة هي أحسن من هذه. قال أبو محمد: قلت: اصلح الله الأمير! إن هذا يزعم أنك لو سألته لأجاب بأحسن مما أجبت به. قال: فقد سألته. فقال الكسائي: لما نسبوا إلى الحصنين كانت فيه نونان فقالوا: حصني اجتراء بإحدى النونين من الأخرى، ولم يكن في البحرين إلا نون واحدة فقالوا بحراني. فقلت: أصلح الله الأمير، كيف ينسب رجلاً من جنان يلزمه أن يقول جني لأن في جنان نونين؟ فإن قال كان ذلك، فقد سوى بينه وبين المنسوب إلى الجن! فقال المهدي: فتناظرا! قال: فتناظرنا.
قال: وسأل المأمون اليزيدي عن شيء، فقال: لا وجعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين! فقال: لله درك! ما وضعت واو قط موضعاً أحسن من وضعها في لفظك هذا! - وشكا اليزيدي إلى المأمون خلَّة أصابته وديناً ارتكبه، فقال: ماعندنا في هذه الأيام ما إن أعطيناكه بلغت به ماتريد.
فقال: عندك منادمون فيهم ما إن حركته نلت منهم ما أريد، فأطلق لي الحيلة فيهم! قال: قل مابدا لك! قال: إذا حضروا وحضرت الباب فمر فلانا الخادم أن يوصل إليك رقعتي، فإذا قرأتها فأرسل إليّ: دخولك في هذا الوقت متعذر، ولكن أختر لتفسك من أحببت ينادمك! فقال: أفعل! فلما علم أبو محمد بجلوس المأمون واجتماع ندمائه إليه أتى الباب فدفع الرقعة إلى الخادم الذي ذكره للمأمون، فأوصلها إليه، فقرأها فإذا فيها " من السريع ":
ياخير إخوان وأصحاب
…
هذا الطفيلي على الباب
خبر أنذَ القوم في دعوة
…
يرنو إليها كلُّ أواب
فصيروني بعض جلاسكم
…
أو أخرجوا لي بعض أصحابي
فقرأها المأمون على من حضره، فقالوا: ما ينبغي أن يدخل علينا الطفيلي. فأرسل إليه المأمون: دخولك في هذا الوقت متعذر، فأختر لنفسك من أحببت نخرجه إليك لتنادمه! فقال: ماأرى لنفسي اختياراً غير عبد الله بن طاهر. فقال له المأمون: قد وقع اختياره فصر إليه! فقال: ياأمير المؤمنين، فأكون شريك الطفيلي؟! قال: فما يمكت ردُّ أبي محمد عن أمرين فإن أحببت أن تخرج وإلا فافد نفسك! فقال: ياأمير المؤمنين، له عليَ عشرة آلاف درهم! قال: لاأحسب ذلك يقنعه منك ومن مجالستك. قال: فلم يزل يزيده عشرة والمأمون يقول له: لاأرضى له بذلك! حتى بلغ المائة، فقال له المأمون: فعجلها له! فكتب بها إلى وكيله ووجه معه رسولاً. فأرسل المأمون إلى أبي محمد: تقبض هذه في هذا الوقت أصلح لك من منادمته على مثل حاله وأنفع عاقبة.
وقيل: إنه استأذن على المأمون ينادمه، فأخطا في كلام تكلم به، فانقبض المأمون من ذلك، فعرفه ذلك بعض الناس، فأتاه وهو متكفن متحنط وأنشده " من الطويل ":
أنا المذنب الخطاء والعفو واسع
…
ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
فقبل عذره وعفا عنه.
اجتمع اليزيدي وسلم الخاسر عند عيسى بن عمر، فقال سلم لليزيدي: اهجني وليكن على روي قصيدة امرئ القيس " من المديد ":
ربَّ رام من بني ثعل
…
مخرج كفيه من ستره
فقال اليزيدي وكان حيياً عفيفاً: مالك ولهذا؟ قال سلم: كذلك أريد! فقال اليزيدي: ما أغنانا عن التعرض للنشر فلتسعك العافية! وأراد سلم أن يعرف عيسى أن لليزيدي مفحم عيي، فقال سلم: إنك لتحتجز بغاية الاحتجاز. فقال عيسى: سألتك يا أبا محمد إلا فعلت! فأخذ نعله وقلبها وكتب عليعا " من المديد ":
ربَّ مغموم بعافية
…
غمط النعماء من أشره
وامرئ طالت سلامته
…
فرماه الدهر من غيره
بسهام غير مشويةٍ
…
نقضت منه قوى مرره
وكذاك الدهر منقلب
…
بالفتى حالين من عصره
يخلط العسرى بميسرة
…
ويسار المرء في عسره
عق سلم أمه سفهاً
…
وأبا سلم على كبره
كلُّ يومٍ خلقه رجلٌ
…
رامح يسعى على أثره
يولج الغرمول سبته
…
كولوج الضب في حجره
فقال سلم: هكذا استدعاء الشر والشقاء، ما كان أغناني عن هذا! فقال عيسى: لاأبعد الله غيرك! ولاأتعس إلا جدك! قد كان الرجل يستعفيك ويحترز منك أشد الاحتراز، بقياً على دينه فأبيت إلا ماسمعت.
ومن شعر اليزيدي " من السريع ":
من يلم الدهر ألا
…
فالدهر غير معتبه
أو يتعجب لصرو
…
ف الدهر أو تقلبه
وكل ذي عجوبة
…
جار إلى تعجبه
مضى بذاك مثل
…
من ير يوماً ير به
قول حكيم قاله
…
في سالفات حقبه
ورأس أمر لامرئ
…
خير له من ذنبه
حتف امرئ لسانه
…
في جده أو لعبه
بين اللهى مقتله
…
ركب في مركبه
ورب ذي مزح أفيتت نفسه في سببه
ليس الفتى كلَّ الفتى
…
إلا الفتى في أدبه
وبعض أخلاق الفتى
…
خير له من نسبه
يحلم عنك في الرضا
…
كحلمه في غضبه
وذو النهى ليست تبا
…
عات الهوى من أدبه
لما يرى من أفنه
…
فيه ومن تشعبه
وآفة الرأي الهوى
…
والحزم في تجنبه
والأصل ينمي فرعه
…
والمرء عند حسبه
واظنن بكل كاذب
…
ما شئت بعد كذبه
والصدق من أفضل ما
…
يؤثر عن مكتسبه
من يقنع الدهر وإن
…
قلَّ اثاث نشبه
يعش رحيباً باله
…
في ضيقه أو رحبه
ومن يصاحب صاحباً
…
ينسب إلى مستصحبه
بزانيات رشده
…
أو شانيات رتبه
وربما عرَّ صحا
…
حاً جرب بجربه
يعرف من حال الفتى
…
في لبسه ومركبه
وفي شمأزيزته
…
منك وفي تعتبه
عليك او إصغائه
…
إليك أو تحببه
والحر قد تعرفه
…
بلينه وقربه
وعزمه وحزمه
…
ورأيه وحدبه
والمرء قد يدركه
…
يوماً جنود منصبه
بجهله يعرف و
…
سيماه في توثبه
وشرة النفس وفي
…
إلحاحه وطلبه
رفيق كل مطمع
…
بحرصه وتعبه
وقد تعدى طوره
…
عن كنهات رتبه
وقال " من الكامل ":
آخ الكريم فإن
…
صحبتك اللئام عليك وصمه
والمال أصلحه
…
فليس لمقتر في الناس حرمه
وإذا استشرت فلا تشا
…
ور غير من جربت حزمه