الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما إن لهنَّ الغداة من نشبٍ
…
يُعرفُ إلا قطيفةٌ خلقة
بناتُ تسعين قد خرقن فما
…
يفصلن بين الشواء والمرقة
فهنَّ لولا انتظارهنّ دنا
…
نيرك قطعن بعد في السرقة
فقال القاسم: العجب أنه يوجب علينا الدنانير ولا يوجب الدراهم. وأعطاه ثلاثة دنانير.
عرض عبد الملك بن مروان الإسلام على الأخطل، فقال له الأخطل: إني امرؤ مشغوفٌ بالخمر، أفرأيت إن سلمت ثمّ شربتها؟ أتقرني وذلك؟! فقال له عبد الملك: لاأُحلُّ ما حرَّمه الله! فقال الأخطل: لاحاجة لي في دينك. فقال له عبد الملك: انعت لي مبلغ الطرب منك في الخمر ومبلغ لذّتك في شهواتك! فقال " من الطويل ":
إذا مانديمي علَّني ثمّ علَّني
…
ثلاث زجاجاتٍ لُهنَّ هديرُ
خرجتُ أُجرُّ الذيلَ مني كأنني
…
عليك أميرٍ المؤمنين أميرُ
فقال عبد الملك: فإنا لانكرهك على دين الله. فقال الأخطل " من الوافر ":
ولستُ بصائمٍ رمضانَ طوعاً
…
ولستُ بآكل لحمَ الأضاحي
ولستُ بقائمٍ كالعير أدعو
…
إلى الصلوات: حيَّ على الفلاحِ
ولستُ بزاجرٍ عيساً بكوراً
…
إلى بطحاء مكة للنجاحِ
ولكني سأشربها شمولاً
…
وأسجد عند منبلج الصباحِ
خرج القاسم بن معن مع بعض أسباب الرشيد إلى الرقة، فمات برأس عين سنة خمس وسبعين ومائة.
80 - ومن أخبار أبي بكر بن عيَّاشٍ
قيل: اسمه شُعبة، وقيل: عبد الله، وقيل: محمد، وقيل: مطرفٌ، وقيل: سالم، وقيل: عنترة، وقيل: لايعرف له اسم؛ وهو مولى واصل ابن حيَّان الأحدر الأسدي، ولد في زمن سليمان بن عبد الملك سنة سبع وتسعين. وقال: أنا أكبر من الثوري بسنتين. وكان ثقةً صدوقاً عالماً عارفاً بالحديث والعلم إلا أنه كان كثير الغلط، وهو من العبَّاد أحدُ قراه أهل الكوفة المشهورين، وكان يقدم عثمان على عليّ، ولايقول إلا خيراً.
قال حفص بن عبيد: كنت عند عبد الله بن المبارك حين ماتت امرأته، فسألته: مالرضا؟ قال: إلا يتمنى خلاف حاله. قال: فجاء أبو بكر بن عيَّاش فعزَّى عبد الله، فقال لي عبد الله: سله عمَّا كُنَّا فيه! فسألته، فقال: من لم يتكلم بغير الرضا فهو راض.
وقال: كنتُ إذا حزنت أمنع نفسي من البكاء حتى سمعتُ ذا الرمة ينشد بالكناسة " من الطويل ":
خليليَّ عوجاً من صدور الرواحلِ
…
بأكنافِ حزوى وابكيا في المنازلِ
لعلَّ انحدار الدمع يعقب راحةٍ
…
من الوجد أو يشفي نجيَّ البلابلِ
مثل هذا قول ابن كناسة وهي قصيدة طويلةٌ يرثى بها إسحاق بن القاسم بن محمد بن الأشث، أولها " من الكامل ":
هل للنفوس من الحوادث من واقٍ
…
أنَّى وليس على المنية باق
منها:
إنَّ السماحة والنزاهة والنهى
…
كفنَّ في خرق عليك رقاقِ
وإذا برزت به برزت بمرتدٍ
…
منآزرٍ بمكارم الأخلاقِ
ومنها:
وإذا غشيتُ ديارهُ خنقتني
…
حتى أحلل بالبكاء خناقي
قال أبو بكر: فأصابتني بعد ذلك مصائب، فكنتُ أبكي فأستريح.
ومات قبل موت الرشيد بشهر سنة ثلاث وتسعين ومائة، وفيها مات غندر وعبد الله بم إدريس، فكان عمرُ ابن عيَّاش ستَّاً وتسعين سنةً وقد كُفَّ بصره.
ولمَّا حضرته الوفاة نظر إلى أخته تبكي، فقال لها: ممَّ تبكين؟ قالت لفراقك! قال: انظري إلى تلك الزاوية! فإن أخاك ختم فيها القرآن ثمان عشرة ألف ختمة.
81 - ومن أخبار الكسائيّ
هو أبو الحسن عليّ بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز مولى بني أسد. قيل له: لم سُميت الكسائيَّ؟ قال: لأني أحرمت في كساء. وهو إمام أهل الكوفة في النحو والقراءة، أستاذ الفراء وعليّ بن المبارك الأحمر، ورد بغداد وأدب محمّد بن الرشيد. قال الجاحظ: تعلّم الكسائي النحو بعد الكبر.
جاء أعرابيٌ إلى الكسائي فقال: ما (كوكبٌ دُرّيٌّ) ودريّ ودريُّ؟ قال: دُرّيٌّ يشبه الدُرَّ ودَرّيٌّ يلتمع ودرّي جادٍ. قال: أنت أعلم الناس! ومضى. - قيل لأبي عمر الدوري: لم صحبتم الكسائي؟ وفيه من المجانة والخلاعة والمجاهرة بشرب النبيذ ومداعبة الغلمان ومخالطتهم، مافيه؟! قال: لضبطه القراءة وعلمه بالعربية وصدقه الحديث.
قال الكسائي: أحضرني الرشيدُ في سنة اثنتين وثمانين ومائة - وهي السنة الثالثة عشرة من خلافته، فأخرج إليَّ محمَّداً الأمين وعبد الله المأمون كأنهما بدران، فقال: امتحنهما بشء! فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب فيه، فقال لي: كيف تراهما، ياعليُّ؟ فقلتُ " من الطويل ":
أرى قمري أفقٌ وفلاعي بشامةٍ
…
يزينها عرق كريمٌ ومحتدُ
يسدانِ آفاق السماءِ بهمةٍ
…
يؤيدها حزمٌ ورأيٌ مُسدَّدُ
سليلي أمير المؤمنين وحائزي
…
مواريثِ ما أبقى النبيُّ محمَّدُ
حياةٌ وخصبٌ للوليِّ ورحمةٌ
…
وجدبٌ لأعداء وعضبٌ مهنَّدُ
هذان، ياأمير المؤمنين، فرع رسا أصله، وطاب مغرسه، وتمكنت فروعه، وعذبت مشاربه، وأورق غصنه، وأينع ثمره، وزكا فرعه، أداهما ملك أغر نافذ الأمر واسع العلم عظيم الحلم، أعلاهما فعلوا، وسما بهما فسموا، فهما متطولان بطوله، ومستضيئان بنوره، وينطقان بلسانه، فأمتع اللهُ أمير المؤمنين بهما وبلغه الأمل فيهما! فقال الرشيد: تعهدهما! قال الكسائي: فكنتُ أختلفُ إليهما.
وكتب الكسائي إلى الرشيد وهو يؤدب محمداً " من الكامل ":
قُلْ للخليفة ما تقولُ لمن
…
أمسى إليك بحرمةٍ يُدلي
مازلتُ مذ صار الأمين معي
…
عبدي يدي ومطيتي رجلي
وعلى فراشي من ينبهني
…
من نومتي بقيامه قبلي
أسعى برجلٍ منه ثالثةٍ
…
نقصت زيادنها من الرجل
فامنن عليَّ بما يسكنه
…
عني وأهد الغمد للنصل
فضحك الرشيد وأمر له ببرذون بسرجه ولجامه وجارية حسناء بآلتها وخادم وعشرة آلاف درهم.
وقال الكسلئي للرشيد: ليس أحدٌ يلحن في الدنيا ولاشيء من كلام الناس إلا وله وجه صحيحٌ، لايعلمون ما يعنون. ثمّ إنه كان يوماً مع الرشيد في موكبه، فسمع الرشيد صاحب باقليّ يقول: المقلي المقلي! فدعا الكسائي فقال له: زعمت أنه ليس أحدٌ يلحن، فما معنى هذا المقلي؟ وإنما يريد: مَقُلَّوا! وقال: ياأمير المؤمنين، إنما يعني هذا أنّ الناس قد قلوه من القلى وهجروه ولكنه لايعلم.
دخل أبو يوسف الفقيه على الرشيد وعنده الكسائي يحدثه، فقال: ياأمير المؤمنين، قد سعد هذا الكوفيّ بك وشغلك. فقال الرشيد: النحو أستعين به على القرآن والشعر. فقال الكسائي: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن له بجوابي عن مسألة من الفقه؟ فضحك الرشيد وقال: أبلغت - ياكسائي - إلى هذا، قل! فقال الكسائي: ماتقول في رجلٍ قال لامرأته: أنتٍ طالقٌ أن دخلت الدار؟ قال أبو يوسف: إذا دخلت طلقت. فقال الكسائي: أخطأت! إذا فتحت " ان " فقد وجب الأمر لأن " أن " بالفتح لما قد كان، وإذا كسرت فلم يقع بعد. فنظر أبو يوسف بعد ذلك في النحو.
وقال: اجتمعت أنا وأبو يوسف القاضي عند الرشيد، فجعل أبو يوسف يذم النحو ويقول: وماالنحو؟ فأردت أن أعلمه فضل النحو فقلت: ما تقول في رجلٍ قال لرجل: أنا قاتلُ غلامك! وقال آخر: أنا قاتلٌ غلامك! أيهما كنت تأخذ به؟ آخذهمت جميعاً! فقال الرشيد: أخطأت - وكان له علمٌ بالعربية - فاستحيي وقال: كيف ذلك؟ فقال: الذي يؤخذ بقتل الغلام هو الذي قال: أنا قاتلُ غلامك بالإضافة لأنه فعلٌ ماضس، وأما الذي قال: أنا قاتلٌ غلامك بالنصب فلا يؤخذ لأنه مستقبل لم يكن بعد، كما قال الله عز وجل:(لاتقولنَّ لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غَداً إلا أنْ يشاءَ اللهُ) ، ولولا أن المنون مستقبل ماجاز فيه غداً. فكان أبو يوسف بعد ذلك يمدح النحو والعربية.
سأل الرشيد عن بيت الراعي وفي المجلس الأصمعي والكسائي " من الكامل ":
قتلوا ابنَ عفّان الخليفة مُحرماً
…
ودعا فلم أرَ مثله مخذولاً
مامعنى محرما؟ فقال الكسائي: أحرم بالحج. وقال الأصمعي: ماكان أحرم بالحج ولاأراد الشاعر أنه أيضاً في شهر حرام، فيقال: أحرم الرجلُ إذا دخل فيه كما يقال: أشهر إذا دخل في الشهر وأعام إذا دخل في العام. فقال الكسائي: ماهو غيرُ هذا وماأراد ذلك؟! فقال الأصمعي: ماأراد عديُّ ابن زيد بقوله " من الرمل ":
قتلوا كسرى بليلٍ محرماً
…
فتولَّى لم يُمتَّعْ بكفنْ
أإحرام لكسرى؟! فقال الرشيد: فما المعنى؟ قال: كلُّ من لم يأت شيئاً يوجب عليه عقوبة فهو محرم، لايحلُّ منه شيءٌ. فقال الرشيد؟ ما تطاق في الشعر، ياأصمعي! وقال الكسائي: كنتُ داخلاً إلى الرشيد، فقام أهرابيٌّ فقال: أبا الحسن، أبلغ أمير المؤمنين ماأنشدك. قلت: هات! فأنشدني " من الطويل ":
ونحنُ أناسٌ لادراهمَ عندنا
…
وللناس أخبازٌ وليس لنا خبزُ
فجمع الخبز وهو جنس،
ونحن أثافي القدر والأكل ستةٌ
…
جراضمةٌ جُوفُ وأكلتنا اللبرُ
يريد أنهم في العدد ثلاثةٌ، وأكله أكل ستةٍ، والجراضمة الذين يأكلون جميع ماعلى المائدة، والجوف الذين لايشبعون أبداً، والبز القفر من الأرض،
لنا أعْنُزٌ لبنٌ ثلاثٌ فبعضها
…
لأولادنا ثنتنا وفي بيننا عنزُ
فحذف النون من ثنتا وأراد ثنتان، وخفض بيننا لأنه أدخل صفة على صفة، وقوله:(قُلْ كلٌّ مِن عند اللهِ) حجةٌ في إدخال صفة على صفة. قال الكسائي: فاستفدت في هذه الأبيات عدة مسائل.
لما دخل الكسائي البصرة جلس في حلقة يونس ينتظر خروجه، فسأله ابن أبي عيينة عن أولقٍ: هل ينصرف؟ فقال: أولق أفعلُ لاينصرف. فقال له ابن أبي عيينة: خطأٌ، والله! وخرج يونس فسئل عنه فقال: هو فَوْعَل وليس بأفعل لأن الهمزة فاءُ الفعْل، لأنك تقول: س أُلقَ الرجلُ فهو مألوق، فتثبتُ الهمزة وكذلك أرنب ينصرف فَعْلَلُ لأنك تقول: أرضُ مُؤَرْنَبةٌ، فتثبتُ الهمزة. وقال: المألوق المجنون.
قال الأمصعي: كان الكسائي يأخذ اللغة عن أعراب الحطمة كانوا ينزلون قُطْرُبُّل وغيرها من سواد قرى بغداد. قال: فلمَّا ناظر الكسائي سيبويه استشهد بكلامهم واحتج بهم وبلغتهم على سيبويه. فقال اليزيدي في ذلك " من السريع ":
كُنَّا نقيسُ النحو فيما مضى
…
على لسان العرب الأولُ
فجاءما قوم يقيسونه
…
على لُغى أشياخ قُطْرُبُّلِ
فكُلُهم يعملً في نقض ما
…
به يصاب الحقُ لا يأتلي
إنّ الكسائي وأصحابه
…
يرقون في النحو إلى أسفلِ
ولأبي نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي " من الرمل ":
أفسد النحو الكسائي
…
وثنى ابن غزاله
وأرى الأحمر تيساً
…
فاعلفوا التيس النخاله
قال أبو زبد: قدم سيبويه على البرامكة، فجمع يحيى بينه وبين الكسائي، فلمّأ حضر أقبل على سيبويه فقال: تسألني أو أسألك؟ قال: لابل سلني أنت! فقال له الكسائي: قد كنتُ أُظنُّ أنّ العقرب أشد لسعةً من الزنبور، فإذا هو هي أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: فإذا هو هي! ولايجوز النصب! فقال له الكسائي: لحنت! ثمّ سأله مسائل من هذا النوع، قال: خرجت فإذا عبد الله القائمَ أو القائمُ؟ فقال سيبويه في ذلك كله بالرفع دون النصب. فقال الكسائي: ليس هذا كلام العرب. فقال لهما يحيى: قد أختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن ذا يحكم بينكما؟ فقال الكسائي: هذه العرب ببابك، قد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المصرين. فأمر بإحضارهم وفيهم أبو فقعس وأبو دثار وأبو الجراح وأبو ثروان، فسئلوا عن المسائل، فتابعوا الكسائيَّ وقالوا بقوله. ثمّ قال الكسائيّ ليحيى: أصلح اللهُ الوزير وفد عليك من بلده مؤملا، فإن رأيت أن لاترده خائباً؟ فأمر له بعشرة آلاف درهم. فخرج وصير وجهه إلى فارس ولم يعد إلى البصرة. - قال ثعلب: إنما أدخل سيبويه العماد في قوله: فإذا هو إياها لأن " فإذا " مفاجأة، أي فوجدته ورأيته، ووجدت ورأيت ينصب لشيئين ويكون معه خبر، فلذلك نصبت العرب.
قال الكسائي: غطيت الشء وغطيته، وأنشد " من الخفيف ":
رُبَّ حِلمٍ أضاعه عدم الما
…
ل وجهلٍ غطى عليه النعيم