المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌32 - ومن أخبار قطرب النحوي - نور القبس

[اليغموري]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيموبه أستعين

- ‌في الحث على تعلم العلم وتقويم اللسان

- ‌ابتدآءُ امر النَحْو ومن تكلم فيه

- ‌من اخبار العلماء والنحاة والرواة من اهل البصرة

- ‌1 - من أخبار أبي الأسْوَد

- ‌2 - ومن أخبار يحيى بن يعمر العدواني

- ‌3 - ومن أخبار نصر بن عاصم الليثي

- ‌4 - ومن أخبار سعد الرابية

- ‌5 - ومن أخبار عنبسة بن معدان الفيل

- ‌6 - ومن أخبار عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي

- ‌7 - ومن أخبار أبي عمرو بن العلاء

- ‌8 - ومن أخبار سلمة بن عياش العامري

- ‌9 - ومن أخبار مسلمة النحوي

- ‌10 - ومن أخبار يزيد بن أبي سعيد النحوي

- ‌11 - ومن أخبار أبي بكر الهذلي

- ‌12 - ومن أخبار عيسى بن عمر الثقفي

- ‌13 - ومن أخبار أبي الخطاب الأخفش

- ‌14 - ومن أخبار حماد بن سلمة

- ‌15 - ومن أخبار يونس بن حبيب النحوي

- ‌16 - ومن أخبار أبي عبد الرحمان الخليل بن أحمد الفراهيدي

- ‌17 - ومن أخبار أبي محرز خلف بن حيان الأحمر

- ‌18 - ومن أخبار أبي محمد اليزيدي

- ‌19 - ومن أخبار أبي عبد الله محمد بن أبي محمد اليزيدي

- ‌20 - ومن أخبار أبي إسحاق إبراهيم بن أبي محمد اليزيديّ

- ‌21 - ومن أخبار أبي عليّ اسماعيل بن أبي محمد اليزيدي

- ‌22 - ومن أخبار أبي جعفر أحمد بن محمد بن أبي محمد اليزيدي

- ‌23 - ومن أخبار أبي العباس الفضل بن محمد بن أبي محمد اليزيدي

- ‌24 - أخبار رجلٍ من اليزيديين لم يسمَّ

- ‌25 - ومن أخبار سيبويه وهو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر

- ‌26 - ومن أخبار أبي الحسن الأخفش وهو سعيد بن مسعدة

- ‌27 - ومن أخبار النضر بن شُميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازنيّ

- ‌28 - ومن أخبار أبي فيد مؤرِّج بن عمرو السَدُوسيّ

- ‌29 - ومن أخبار أبي زيد الأنصاري

- ‌30 - ومن أخبار أي عبيدة معمر بن المثنى

- ‌31 - ومن أخبار الأصمعي

- ‌في أبتداء أمر البصرة ونزول المسلمين فيها

- ‌32 - ومن أخبار قُطرُب النحوي

- ‌33 - ومن أخبار يعقوب الحَضْرميّ

- ‌34 - ومن أخبار كيسان المحوي

- ‌35 - ومن أخبار خلاد بن يزيد الباهليّ

- ‌37 - ومن أخبار ابن سلام الجُمحي

- ‌38 - ومن أخبار أبي عبد الرحمن العٌتْبِيّ

- ‌39 - ومن أخبار العائشي التيميّ

- ‌40 - ومن أخبار عبيد الله بن معمر التيميّ

- ‌41 - ومن أخبار محمد بن حفصٍ

- ‌42 - ومن أخبار عبد الرحمان بن عبيد الله

- ‌43 - ومن أخبار أبي عليّ الحسن بن عليّ الحِرْمازيّ

- ‌44 - ومن أخبار أبي العالية الشاميّ

- ‌45 - ومن أخبار أبي محلَّم السَعْديّ

- ‌46 - ومن أخبار أبي قلابة الجَرْميّ

- ‌47 - ومن أخبار أبي عمر الجَرْميّ

- ‌48 - ومن أخبار أبي الحسن عليّ بن المغيرة الأثْرم

- ‌49 - ومن أخبار أبي محمد عبد الله بن محمد التوزّيّ

- ‌50 - ومن أخبار أبي عَدْنانَ السُلَميّ

- ‌51 - ومن أخبار الزياديّ أبي إسحاق

- ‌52 - ومن أخبار أبي عمرو قَعْنَبِ بن المُحْرِز الباهليّ البصريّ

- ‌53 - ومن أخبار أبي عثمان المازنيّ

- ‌54 - ومن أخبار دماذ غُلام ابي عبيدة

- ‌55 - ومن أخبار أبي عمران موسى بن سلمة النحويّ

- ‌56 - ومن أخبار أبي حاتم السجستانيّ

- ‌57 - ومن أخبار أبي الفَضْل الرياشيّ

- ‌58 - ومن أخبار الجاحظ

- ‌59 - ومن أخبار عُمر بن شَبَّة

- ‌في ابتداء أمر الكوفة ونزول المسلمين فيها

- ‌أسامي من تضمنهم هذا الكتاب من رواة الكوفة وعلمائها وقرائها

- ‌60 - من أخبار قبيصة بن جابرٍ الأسدي

- ‌61 - ومن أخبار الشعبيّ

- ‌62 - ومن أخبار سليمان بن مهران الأعمْش

- ‌63 - ومن أخبار ابن السائب الكَلْبيّ

- ‌64 - ومن أخبار أبي الحكم الكلبيّ

- ‌65 - ومن أخبار أبي جنابٍ الكلبيّ

- ‌66 - ومن أخبار ابن عياش المنتوف

- ‌67 - ومن أخبار حُمران بن أعْيَنَ

- ‌68 - ومن أخبار زهير القُرقبيّ

- ‌69 - ومن أخبار حمزة بن حبيبٍ الزّيات

- ‌70 - ومن أخبار حماد الراوية

- ‌71 - ومن أخبار جَنّاد بن واصل

- ‌72 - ومن اخبار ابن الجصاص

- ‌73 - ومن أخبار المفُضَّل الضَبيّ

- ‌74 - ومن أخبار الشرْقيّ بن القطاميّ

- ‌75 - ومن أخبار معاذٍ الهَرّاءِ

- ‌76 - ومن أخبار أبي عمرو الشيبانيّ

- ‌77 - ومن أخبار بُزُرخ العَروُضيّ

- ‌78 - ومن أخبار أبي جعفر الرؤاسيّ

- ‌79 - ومن أخبار القاسم بن مَعْن

- ‌80 - ومن أخبار أبي بكر بن عيَّاشٍ

- ‌81 - ومن أخبار الكسائيّ

- ‌ومن اخبار ابي هلال المحاربي

- ‌83 - ومن اخبار ابي المنذر هشام بن محمد الكلبي

- ‌84 - ومن اخبار الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن الطائي

- ‌85 - ومن أخبار ابن كناسةً

- ‌86 - ومن أخبار الأحْمر غُلام الكسائي

- ‌87 - ومن أخبار أبي زكرياء الفرّاء

- ‌88 - ومن أخبار هشام النحويّ

- ‌89 - ومن أخبار ابن الأعرابيّ

- ‌في ابتداء أمر مدينة السلام واختطاط أبي جعفر المنصور إياها ونزولها

- ‌ومن أخبار العلماء والنحاة والرواة من أهل بغداد ومن طرأ عليها من

- ‌90 - محمّد بن إسحاق بن يسارٍ

- ‌91 - ومن أخبار ابن دَأبٍ

- ‌92 - ومن أخبار الواقديّ

- ‌93 - ومن أخبار أبي البَخْتَريّ القاضي

- ‌94 - ومن أخبار أبي المُنذرِ العَروضيّ

- ‌95 - ومن أخبار أبي مِسْحَلٍ الأعرابيّ

- ‌96 - ومن أخبار ابن قادمٍكان يؤدب أولاد سعيد بن سلم بن قتيبة، وكان

- ‌97 - ومن أخبار أبي عُبيد القاسم بن سَلاّم

- ‌98 - ومن أخبار النضر بن حديد

- ‌99 - ومن أخبار أبي محمّد إسحاق بن إبراهيم الموصليّ

- ‌100 - ومن أخبار مُصْعب الزُبيريّ

- ‌101 - ومن أخبار أبي جعفر الجُرجاني محمّد بن عمر

- ‌102 - ومن أخبار ابن السكِّيت

- ‌103 - ومن أخبار أبي محمد سلمة بن عاصم النحوي

- ‌104 - ومن اخبار الزبير بن بكار

- ‌105 - ومن اخبار حماد بن اسحاق بن ابراهيم الموصلي

- ‌106 - ومن اخبار ابي العيناء

- ‌وما اخبار ًالمبرد

- ‌108 - ومن اخبار ثعلب

- ‌109 - ومن أخبار أبي العباس محمّد بن الحسن الأحْوَل

- ‌110 - ومن أخبار ابن عُليَل العَنَزيّ

- ‌111 - ومن أخبار ابن مَهْديّ الكِسْرَويّ

- ‌112 - ومن أخبار المُفضَّل بن سَلَمَة بن عاصم

- ‌113 - ومن أخبار يحيىَ بن عليّ المُنجِّم

- ‌114 - ومن أخبار أبي الحسن أحمد بن سعيد الدمشقيّ

- ‌115 - ومن أخبار أبي الحسن عليّ بن سليمان بن الفضْل الأخْفش

- ‌116 - ومن أخبار أبي إسحاق إبراهيم بن السّريّ الزَجّاج

- ‌117 - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن السَريّ السَرّاج

- ‌118 - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزْديّ

- ‌119 - ومن أخبار ابن عَرَفة المُهلَّبيّ

- ‌120 - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن القاسم بن محمّد الأنباريّ

- ‌121 - ومن أخبار الصُوليّ

- ‌ذكر النسابين

- ‌122 - منهم دَغْفل بن حَنْظَلةَ

- ‌123 - ومن النسلبين أبو ضَنْضَم البَكْري

- ‌124 - ومنهم النخّار العُذْريّ

- ‌125 - ومن أخبار وَهْب بن مُنَبِّهٍ

الفصل: ‌32 - ومن أخبار قطرب النحوي

كان في أول هذا الكتاب سئل قتادة: لمَ سُميت البصرة بها؟ فقال: قالت العرب: أنزلونا أرضاً بَصْرةً! أي غليظة. وفي أخرى أنه قال: أتدرون من مصر البصرة؟ قيل: لا! قال: رجل من بني شيبان يُسمى المثنى بن حارثة وإنه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني نزلتُ أرضاً بصرة. فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فأثبت حتى يأتيك أمري! فبعث عُتبة بن غزوان معلماً وأميراً، فغزا الأبُلَّة، وقال له حين وجهَّه: سِرْ! فإذا بلغت أقصى أرض العرب وأدنى أرض البيضاء. - وقال ابن دريد: الشيحُ والقيصوم أناخ فنزل، وذلك عند البيضاء. - وقال ابن دريد: البيضاء بالبصرة دارُ عبيد الله بن زياد. - وخطَّأ أبو حاتم تعليل قتادة وقال: لو كان كما ذكره لكانت النسبة إليها بصرياً كنمري، وإنما سُميت بها للحجارة البيض التي في المِرْبد. - ووصف عُتبة بن غزوان لعمر رضي الله عنه أرض البصرة فقال: فيها حجارةٌ بيضٌ خُشن. فقال عمر: هي البصرة.

قال الأصمعي: يقال إنَّ البصرة من أرض الهند، ويقال لها المؤتفكة والخُريبة وتَدْمُرُ والبصيرة. وقال: سواد البصرة الأهواز وفارس وميسان ودستميسان، وسواد الكوفة كسكر إلى الزاب إلى عمل حُلْوان إلى القادسية.

وعن إياس بن معاوية: مثلت الدنيا على طائر، فالبصرة ومصر الجناحان والشأم الرأس والجزيرة الجؤُجؤ واليمن الذنب.

بعث أبو موسى وفداً إلى عمر بن الخطاب فيهم الأحنف بن قيس وهو أضغرهم سناً، فقام ذوو الأسنان فتكلموا، فكان عامة كلامهم الثناء على أمرائهم وحوائج أنفسهم. ثمّ قام ألحنف فقال: ياأمير المؤمنين، إن إخواننا من أهل الكوفة نزلوا منازل كسرى في العيون العذاب والجنان الخصبة في مثل عين الجمل الفاسقة، يأتيهم ماأتاهم من ثمارهم غضاً غريضاً لم ينخضد؛ وإن إخواننا من أهل مصر نزلوا منازل الفراعنة والأمم الخالية؛ وإن إخواننا من أهل الشأم نزلوا منازل بني جفنة وقيصر والروم؛ وإنَّا معاشر أهل البصرة نزلنا في سبخة نشاشة زعقة هشاشة لايجف ثراها ولا ينبتُ مرعاها، طرف لها بالفلاة وآخر في البحر الأجاج، يُجرُّ إليها مايجر في مثل مريءٍ النعامة؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يرفع خسيسنا وينعش كيستنا ويزيد في أرزاق عيالنا وأن يصغر درهمنا ويكبر قفيزنا وأن يأمر لنا بنهر يُحفر. ففعل عمر ذلك وقال: ليس فيكم مثل هذا، كلُّ منكم إنما تكلم في حوائج نفسه، وهذا تكلم في أمر الرعية وعامة الناس، فهو سيّد مسوَّدٌ! ثمّ أمر زياداً بحفر نهر الأبُلة، فحفره. فلمَّا بلغ الفتق تيَّمن زياد بمعقل بن يسار لصحبته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففتقه معقل فنسب إليه، فسلّم زياد ألف درهم إلى صاحب يدفعها إلى من يشيع أنه نهر زياد، فكلُّ من كلمه فيه لايقول إلا نهر معقل، فردّ الألف.

في فضل البصرة، روى أبو ذز قال: أُهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طبقٌ من تمرٍ أو رطب، فجعل يأكل منه البَرْنيَّ والقريثاء، ثم قال: اللهمَّ إنك تعلم أني أُحبها فأنبتها في أحب البلاد إليك واجعل عندها آية بينة! - قال الحسن: فوالله ما أعلمها في بلدٍ أكثر منهما بالبصرة، وقد جعل الله عندها آية بينة المَدَّ والجزر.

وقال محمد بن سلام الجُمَحي: كان بالبصرة أربعة كلُّ واحد منهم عالمُ زمانه، لايعلمُ في الأمصار مثله: الأحنف بن قيس في حلمه وعفافه ومنزلته، والحسن في زهده وفصاحته وسخائه وموقعه من قلوب الناس، والمهلَّب بن أبي صُفرة في شجاعته ونجدته، وسوار بن عبد الله القاضي في عفافه وتحريه للحق.

وقال أبو العيناء محمد بن القاسم اليمامي: يقال: لايعرف بلدٌ أقربُ برَّا من بحر وحضرا من بدوٍ وقانصَ وحش وصائد سمك ونجدا من عور من البصرة، واسطة الأرض وفرضة التُجار ومغيض الأمطار ومسكن الأحرار، عجب أولها رُطب وأوسطها قصب وآخرها العطب - والعطب القطن -، لهم الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، الملَّقحات بالفحل، تعلَّةُ الصبي والشبخ وتحفة مريم عليها السلام. - نجز ماكان في أول الكتاب من أخبار البصرة.

‌32 - ومن أخبار قُطرُب النحوي

ص: 63

هو ابو عليّ محمد بن المستنير، أحد من اختلف إلى سيبويه وتعلم منه، ولم يقرأ كتابه عليه، وكان يدلج إليه، وإذا خرج رآه على بابه غدوةً وعشية، فقال له: ماأنت إلا قُطرب ايل! فلُقب به. - قال ابن دريد: قطرب وقطروب ذكر الغيلان. قال: ولغة أزدية يسمون الكلاب الصغار القطارب. وقال ثعلبٌ: القطرب دويبةٌ كثيرة الحركة وهو الصرار.

قال: يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنّ أحدكم جيفة ليل قطرب نهار! أي لايقوم بالليل لخير ولاصلاة ويتحرك بالنهار كهذه الدويبة.

قال: ولقطرب كتب كثيرة في اللغة والنحو والعروض ومعاني الشعر وغريب الحديث وكتاب في القرآن لم يسبقه إلى مثله أحدٌ.

وكان لقطرب ابنٌ مع أبي دلف، فحضر يوماً معه بعض الحروب، فجاءه سهم في رأسه، فحمل مغشياً عليه، فجمع له المتطببين وأمرهم بإخراج السهم من رأسه، فقالوا: إن أخرج السهم ولم يخالطه الدماغ عاش، وإن كان قد خالطه لم يعش. ففتح ابن قطرب عينه وقال: انزعةه! فلو كان في رأسي دماغٌ ماحضرتُ هذا الموضع. فقال أبو دلف من قصيدة " من الكامل ":

وليشكرن أبو عليٍ قطربٌ

مني يدا بيضاء غير عُقامِ

ردي عليه فتاهُ بعد ثوائه

رهناً لكل مهنَّدٍ قصام

في حيث لاتجدي عليه دفاترٌ

موسومةٌ برواقش الأقلام

لا النحو ينفعه ولا إتقانه

علم العروض ومذهب النظاَّم

ومن شعر قطرب " من البسيط ":

إن كنتَ لستَ معي فالذكرُ منك معي

قلبي يراك إذا ماغبتَ عن بصري

فالعينُ تُبصرُ من تهوى وتفقده

وناظرُ القلبِ لايخلو من الذكر

ويروى لقطرب في مرثية محمد بن منصور - وقيل لكُثير في عمر بن عبد العزيز وقيل لبعض الأعراب " من الكامل ":

لهفي عليك للهفةٍ من خائفِ

كنتَ المُجير لها وليس مجير

أمَّا القبور فإنهنّ أوانسٌ

بجوار قبرك والديارُ قبور

عَمَّتْ صنائعه فعَمَّ مُصابه

فالناسُ فيه كلُّهم مأجورُ

والناسُ مأتمُهمُ عليه واحدٌ

في كلّ دارٍ رنَّةٌ وزفيرُ

عمّت مصيبنهُ فصارت أسوةً

للناس كلهم فليس صبور

يُثني عليك لسانُ من لم توله

خيرا لأنك بالثناء جدير

ردَّت صنائعه عليه حياته

فكأنه من نشرها منشور

وقال في أعلام النبي صلى الله عليه وسل " من الطويل ":

حمدتُ إلهي وامتدحت نبيَّهُ

نبيَّ الهُدى الهادي وإياه أحمدُ

توحَّد فيه بالصنيعة إنه

بكلّ جميلٍ بادئٌ متوحدُ

إليكَ رسولَ الله منَّا تحيَّةٌ

وصلى عليك العابدُ المتهجدُ

فأنت رسول الله هادٍ ومهتدٍ

نبيُّ هُدى للأنبياءِ مؤيدُ

وقد قال حسّان وفي الشعر شاهدٌ

تجددهُ الأيامُ يُروى ويُنشدُ

أغرُّ عليه للنبوة خاتمٌ

من الله مشهورٌ يلوحُ ويشهدُ

وأعطاه من لفظ اسمه ليُجلَّهُ

فذو العرٍش محمود وهذا محمَّد

فقلتُ شبيهاً بالذي قال إنني

به مؤمنٌ حقّاً لربي موُحدُ

وضمَّ الإله اسم النبي إلى اسمه

إذا قال في الخمس المؤذنُ: أشهدُ

فلا يُقبل التوحيدُ إلا بذكره

ليقرنهُ عند النداء المُوحدُ

وماجاء يدعونا بغير دلالةٍ

ولكن بآيات تدلُّ وتشهدُ

سمعنا له منها بخمسين آية

سأذكرُ عنه بعضها وأجددُ

فمنها كلامُ الذئب للرجل الذي

رأى الذئب في أعناقه يتردَّدُ

عجبتُ لأخذي منك شاةً رزقتها

وهذا رسول الله يؤذى ويجحدُ

فخلَّى عن الشاة التي كان ضمَّها

وأقبلَ للإسلام يسعى ويحفدُ

دعا شجرا حتى يجامع مثله

فجاء يشقُ الأرض والأرض فدفَدُ

فضمَّهما حتى رأى الناسُ فعله

وردَّ التي جاءت إلى حيث يعهد

ص: 64

ومن ذاك جذعٌ حن شوقاً إلى الرضا

فما زال ساعات يميلً ويسند

وقد سمعوا صوتاً من الجذع بيتنا

فيا عجباً ممَّن يشكُ ويُلحدُ

ومن دون هذا حُجَّةٌ ودلالةٌ

كأن الذي يعدوهما يتعمدُ

ومن ذاك شاةٌ خلوة الضرع مسَّها

فدرَّت بغزرٍ حافلٍ يتزَّبدُ

فقام إليها الحالبان فأترعا

أوانيها والضرعُ ريَّانُ أبرْدُ

يدٌ مسَّت الأطباءُ وبوركت

مؤيدةً بالله وهو المؤيَّد

مطهرةً التركيب من كل آفةٍ

مباركةَ الأفعال ما مثلها يدُ

وسار إلى البيت المُدَّس ليلة

مسيرةَ شهرٍ واردٌ ليس يُطرد

يخبرُ بالعير التي في طريقه

ليوُقن أهل الشِرك ذاك فيسعد

مسيرة شهرٍ من تهامة ذاهباً

إليه وشهرٍ راجعاً حين يجهد

ومنا ذراعٌ مسَّها فتكلمت

تحذره من أكلها وتؤكد

وكانت ذراعاً قُدمت في طعامه

وقد سمَّها قومٌ لأحمدَ حُسَّدُ

وكان الذي قالت له: لاتمسنيَّ

ففيَّ سُمومٌ حَرُّها ليس يَبْردُ

فأمسك عنها والنبيُّ مؤيدٌ

يُوفقهُ ربٌّ رحيمٌ ويُرشدُ

ومن ذاك عينٌ جاد فيها بتفلةٍ

فأبصر من كانت له حيث يقصدُ

وسالت على الخدين منها غشاوةٌ

فعاد بها في جفنه يتوقدُ

وما كان يرجو أن تعود بصيرةً

وقد ذهبت حيناً وكان يُقَّودُ

ولكن رسول الله أصلحها له

وتصلحُ في الله الأمورُ وتفسدُ

وقد رام هذا الفعل من عين أعور

مسيلمة الكذاب يبغي ويحسدُ

فلم تبره العين التي كان يشتكي

ولم تسلم الأخرى التي كان يحمد

فأعماه لمّلأ أن دنا لعلاجه

ليفرق بين الحق والبُطل أحمدُ

وشاءٌ لعبد القيس مرَّ بأذنها

فلاحت شهابُ منه تبقى وتخلد

وصار على أولادها منه ميسم

يلوحُ على آذائها حين تُولدُ

يُخبر عمَّا لم يجيء بمجيئه

وما قال فيه اليوم جاء به الغد

ومضمر أمر قال ما في ضميره

دلائل منه بالنبوة تشهد

ومن ذاك أخبارٌ عن الغيب قالها

يُعاينُ منه الصدق فيها ويُوجدُ

فسودده بالله إذ كان وحيه

إليه وهل فوق النبوة سُودد

وكان يسمي في قريشٍ أمينها

فلم يأته الأصنام إذ ذاك تعبدُ

فأظهر بالإسلام دعوة صادقٍ

فضَّل له سهمٌ إليها مُسَدّدُ

ففاضت عيون البئر من كل جانبٍ

بماءٍ فراتٍ نابعٍ يتوَّلدُ

فأسقتهم حتى رووا وركابهم

وقد زوَّدوا منه الذي يُتزوَّدُ

وكان أراد الشأم في بعض أمره

فأقبل سيلً ينشرُ الأرض مُزْبدُ

فقحَّمَ في سيلٍ بعاقٍ يعُمُّه

فصار طريقاً يابساً يتخدَّدُ

ويسمعُ من أصواتها في طريقه

تمجدهُ أنّ النبيَّ مُمجَّدُ

وليس رأى إلا الحجارة حوله

ويسمع صوتاً بالسلام يُردَّدُ

وفي مزود إحدى وعشرون تمرةً

به جاءت الآثار تروى وتسند

وقد ضمَّها قدَّامه في ردائه

وأقبل يدعو ربَّه ويمجدُ

فزادت ولاتحصى زيادات ربنا

ولايبلغ الغايات منها المعدد

ثلاثة آلافٍ قضوا منه شبعهم

وما أفضلوا حتى احتشى منه مزود

وجهز منه مزنة فوق رأسه

رآها بحيرا الراهب المتعبدُ

تُظلله من كل حر يصبه

تقيمُ عليه ما أقام فيركدُ

ص: 65