الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: كان سبب ميتة سيبويه أنه كان عنده صديق له، فتمسى عنده وأخذ منه الشراب، فحرص به صاحب المنزل أن يبيت عنده، فأبى فوجّه معه غلاماً ليوصله إلى منزله، فصار إلى دربه وقد أغلق دونه، فتسور الدرب ومكث الغلام مكانه، فتردى من أعلى الدرب على رأسه فوقص فسمع وهو يقول " من الطويل ":
يَسُرُّ الفتى ماكان قدَّم من تقى
…
إذا أبصر الداءَ الذي هو قاتله
وقيل: إنه مات من علة وله ثمان وثمانون سنة. - وقيل له في علته التي مات فيها: ماتشتهي؟ فقال: أشتهي أن أشتهي. وقيل: لما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه، فأغمي عليه، فدمعت عبنُ أخيه فقطرت قطرة من دموعه على خده، فأفاق من غشيته فرأى أخاه يبكي فقال " من الطويل ":
أخَييَّنِ كنَّا فرَّقَ الدَهْرُ بيننا
…
إلى الأمدِ الأقصى فمن يأمن الدَهْرا
وقال ابن دريد: مات سيبويه بشيراز وقبره بها. وقال عبد الباقي بن قانع: مات بالبصرة سنة احدى وستين ومائة. قال المرزباني: وهم فيهما جميعاً أعني في الموضع والتاريخ.
26 - ومن أخبار أبي الحسن الأخفش وهو سعيد بن مسعدة
المجاشعي، مولى بني مجاشع بن دارم، وضع كتباً في النحو، ومات قل استتمامها، ولو بقي وخرج علمه ما تقدمه أحد. وقيل: كان أعلم الناس بالكلام وأحذقهم فيه بالجدل، وكان غلام أبي شمر على مذهبه.
قال أبو عثمان المازني: قال لي الأخفش: أتلزم الأصمعي؟ قلت: ما أفارقه. قال: أتتعلم منه النحو؟ قلت: لا، ولكنني أتعلمُ منه المعاني واللغة والشعر. فقال: سلني عن شيء منه! فقلت: عن صعبه أم سهله؟ فقال: سهله. فقلت: مايريد الشاعر بقوله " من الهزج ":
أمن زينب ذي النارُ
…
قبيل الصبح ماتخبو
إذا ما خمدت يلقى
…
عليها المندلُ الرَطبُ
ولم أعرب البيت ألول كله؟ فقال الأخفش: أمن زينب صاحبة النار؟ فقلت: ليس هذا هكذا عنده، يريد: هذه النار التي تخبو. فقال: هذا أحسن.
قال المبرد: مات الأخفش بعد الفراء، ومات الفراء سنة سبع ومائتين بعد دخول المأمون العراق " بثلاث سنين ".
قال الأخفش: ".... " احتجت أنّ أركب في حاجة لي، فأردت أن أستعير منه دابته، ودابة لاتقع في الشعر لأن فيه حرفين ساكنين ملتقيين أحدهما الألف والآخر الباء المدغمة، فكتبت إليه " من المتقارب ":
أردت الركوب إلى حاجتي
…
فمرُ لي بفاعلة من دببتُ
فكتب إليَّ " من المتقارب ":
بُريذيننا يا أخي غامز
…
فكن محسناً فاعلاً من عذرتُ
وقال أبو حاتم السجستاني: كنت عند أبي الحسن الأخفش وعنده التوزي، فقال لي: ياأبا حاتم، ماصنعت في " كتاب المذكر والمؤنث "؟ قلتُ: قد عملت في ذلك شيئاً. قال: فما تقول في الفردوس؟ قلت: ذَكَر. قال: فإن الله عز وجل يقول: (الفرِدوسَ هُم فيهَا خَالِدونَ) . قلت: ذهب إلى الجنة فأنث. قال لي التوزي. ياغافل، أما تسمع الناس يقولون: أسألك الفردوس الأعلى!؟ فقلت: يانائم، الأعلى ههنا أفعل وليس بفعلي! قال الأخفش: حدثنا المجالد بن سعيد عن الشعبي قال: قالت كاهنة أشجع في الجاهلية: الرجالُ أربعة والنساء أربع: فطويل نعنع وقصير مدقع ومن لايضر ولا ينفع وأسك أصمع. وإنما أرادت الذكر فأوقعت اللفظ على الرجال والمعنى للذكر؛ وقولها: مُدقعٌ: لاشيء عنده من آلة الجماع، والأسك: الصغير الكمرة، ومن لايضر ولا ينفع: عنينٌ. والنساءُ أربعٌ: فمنهن الحرحة: وهي المساحقة، والشَّفرة: وهي التي شهوتها بين شفريها، والقعرة: التي شهوتها في أقصاه والعنينة.
قال الأخفش: سمعت عيسى بن عمر يقول: الزابن واحد الزبانية، وقال بعضهم: واحدها الزباني والزبنية، والعرب لاتكاد تعرف هذا وتجعله من الجمع الذي لاواحد له مثا أبابيل، وتقول: جاءت إبلي أبابيل أي فرقاً، وهذا يجيءُ في معنى التكثير مثل عبابيد وشعارير. - قال: وكُلّ ماكان من الأسماء الأعجمية تحسن فيه الألف واللام في حال المعرفة فاصرفه مثل راقودٍ وياقوت وطاووس وزن فاعول. - وقال في قوله صلى الله عليه وسلم: لايدخل الجنة قتات! القتات والقساس: النمام.
27 - ومن أخبار النضر بن شُميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازنيّ
كنيته أبو الحسن، بصري الأصل، نزل مرورود وهي من بلاد بني مازن؛ وكان راوية عن البصريين، سمع من ابن عونٍ وشعبة بن الحجاج وأشكال هؤلاء، كان ثقة ثبتاً صاحب عربية، وكان يدعو إلى السُنَّة، ومات بمرورود سنة أربع وقيل ثلاث ومائتين.
قال النضر: دخلت على المأمون يوماً بمرو وعليَّ أطمار ثيابٍ رثةٍ، فقال: أتدخل على الخليفة في مثل هذه الاطمار؟ فقلت: إن حرَّ مرو لايدفع إلا بمثل هذه الأخلاق. قال: ولكنك متقشف! ثمّ تجارينا الحديث، فقال المأمون: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان في ذلك سدادٌ من عوز. وكان المأمون متكئاً فاستوى جالساً وقال: يانضر، السداد لحن! قلت: هو في هذا الحديث لحن، وإنما لحنه هشيم لأنه كان لحانةً. فقال: مالفرق بينهما؟ قلت: السداد القصد في الدين والسبيل، والسداد البلغة! - وقال الجوهري والسداد ما يسد به الشء - فقال: فهل تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي من ولد عثمان بن عفان حيث يقول " من الوافر ":
أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا
…
ليومِ كريهةٍ وسداد ثغر
فأطرق المأمون ملياً وقال: قبح الله من لاأدب له! ثمّ قال: أنشدني، يانضر، أخلب بيت للعرب! قلت: قول ابن بيضٍ، يا أمير المؤمنين " من المنسرح ":
تقول لي والعيون هاجعةٌ:
…
أقم علينا يوماً فلم أقم
أيَّ الوجوه انتجعت، قلت لها:
…
لا لي وجهٌ إلا إلى الحكم
متى يقل حاجباً سرادقه
…
هذا ابن بيض بالباب يبتسم
قد كنت أسلمت فيك مقتبلاً
…
فهات إذ حلَّ أعطني سلمي
فقال المأمون: لله درُّك! فكأنما شُقَ لك عن قلبي؟ ثمّ أنشدني أقنع بيت قالت العرب! قلت: قول ابن عبدلٍ - وقال الجوهري: قول راعي الإبل - " من المنسرح ":
إني امرؤ لم أزل وذاك من
…
الله أديباً أعلمُ الأُدبا
أقيم بالدار ما أطمأنت بي
…
الدارُ وإن كنتُ نازحاً طربا
أطلب ما يطلب الكريم من المال بنفسي وأحسن الطلبا
وأحلُبُ الثرة الصفيَّ ولا
…
أجهد أخلاف غيرها حلبا
إني رأيت الفتى الكريم إذا
…
رغبَّته في كريمة رغبا
والنذل لايطلب العلاء ولا
…
يعطيك شيئاً إلا إذا رهبا
ولم أجد غرة الخلائق
…
إلا الدين مهما اختبرت والحسبا
قد يرزق الخافض المقيم وما
…
شدَّ لعنس رحلا ولا قتبا
ويحرم الرزق ذو المطية والرحل ومن لايزال مغتربا
فقال: أحسنت أحسنت أحسنت - ثلاثا -، هذه أحسن من الأولى! فعندك ضدُّ هذا؟ قلت: نعم، أحسن منه. قال: هات! فأنشدته " من الوافر ":
يدُ المعروف غيمٌ حيث كانت
…
تحملها شكور أو كفورُ
قال: أحسنت، فأنشدني أنصف بيت قالته العرب! فقلت: هذا ابن أبي عروة - وقال الزبير بن بكار: هذا ابن أبي عروبة - " من الكامل ":
إني وإن كان ابن عمي كاشحاً
…
لمزاحم من خلفه وورائه
ومفيده نصري وإن كان آمرأً
…
متزحزحاً في أرضه وسمائه
وأكون والى سره فأصوته
…
حتى يحين عليَّ وقت أدائه
وإذا دعا باسمي ليركب مركبا
…
صعباً قعدت له على سيسائه
وإذا استجاش رفدته ونصرته
…
وإذا تصعلك كنت من قرنائه
وإذا الحوادث أجحفت بسوامه
…
قرنت صحيحتنا إلى جربائه
وإذا أتى من وجهه لطريقه
…
لم أطلع مما وراء خبائه
وإذا رأيت عليه ثوباً ناعماً
…
لم يلفني متمنياً لردائه
ويروى.
واذا ارتدى ثوباً جميلاً لم أقل
…
ياليت أنَّ عليَّ حسن ردائه