المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ٢

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب البيع]

- ‌[باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز]

- ‌[باب بيع النجش والتلقي وبيع الحاضر لباد وبيعه على بيع غيره والعينة]

- ‌[باب تفريق الصفقة]

- ‌[باب الثنيا في البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار في البيع]

- ‌[باب الربا]

- ‌[باب بيع الأصول]

- ‌[باب بيع الثمار]

- ‌[باب بيع المصراة]

- ‌[باب الرد بالعيب]

- ‌[باب بيع المرابحة والمواضعة والتولية والإقالة]

- ‌[باب اختلاف المتبايعين]

- ‌[كتاب السلم]

- ‌[فصل في السلم في الحيوان]

- ‌[ما يجوز فيه السلم وما لا يجوز]

- ‌[باب القرض]

- ‌[فصل فيما يصح قرضه]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[الرهن بمال الكتابة]

- ‌[باب ما يصح رهنه وما لا يصح]

- ‌[باب ما يدخل في الرهن وما يملكه الراهن وما يلزمه]

- ‌[باب جناية الرهن والجناية عليه]

- ‌[باب الشروط في الرهن]

- ‌[باب اختلاف المتراهنين]

- ‌[كتاب التفليس]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[تصرفات الولي في مال المحجور عليه]

- ‌[فصل في اختلاف الولي والحجور عليه]

- ‌[فصل فيما ينفك به الحجر]

- ‌[فصل في تعريف الرشد وما يعرف به]

- ‌[فصل في تصرفات المحجور عليه]

- ‌[كتاب الصلح]

- ‌[فصل في صلح المكاتب والمأذون له من العبيد والصبيان]

- ‌[فصل في الصلح عن المجهول]

- ‌[باب الصلح فيما ليس بمال]

- ‌[فصل حقوق الارتفاق والجوار]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[فصل في آثار الحوالة]

- ‌[كتاب الضمان]

- ‌[فصل فيمن يصح منه الضمان]

- ‌[فصل فيما يصح ضمانه]

- ‌[فصل في اختلاف الضامن والمضمون عنه]

- ‌[باب الكفالة]

- ‌[تعليق الكفالة على شرط أو إضافتها لوقت]

- ‌[فصل في الكفالة بالبدن]

- ‌[كتاب الوكالة]

- ‌[باب الشركة]

- ‌[باب المضاربة]

- ‌[باب العبد المأذون]

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[كتاب الإجارة]

- ‌[باب ما يجوز فسخ الإجارة وما يوجبه]

- ‌[باب ما يلزم المتكاريين وما لهما فعله]

- ‌[باب تضمين الأجير واختلاف المتكاريين]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب المسابقة]

- ‌[باب المناضلة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[كتاب الشفعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب أحكام المياه]

- ‌[باب الوقف]

- ‌[باب الهبة]

- ‌[كتاب الوصايا]

- ‌[باب من تصح وصيته والوصية له ومن لا تصح]

- ‌[باب ما تجوز الوصية به]

- ‌[باب ما يعتبر من الثلث]

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء]

- ‌[باب جامع الوصايا]

- ‌[باب الرجوع في الوصية]

- ‌[باب الأوصياء]

- ‌[فصل في عزل الوصي]

- ‌[كتاب الفرائض]

- ‌[فصل في أسباب التوارث]

- ‌[باب أصحاب الفروض]

- ‌[باب من يسقط من ذوي الفروض]

- ‌[باب أصول سهام الفرائض]

- ‌[باب تصحيح المسائل]

- ‌[باب الرد في الميراث]

- ‌[باب ميراث العصبة من القرابة]

- ‌[باب المناسخات في الميراث]

- ‌[باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم]

- ‌[باب ميراث ذوي الأرحام]

- ‌[باب ميراث الخنثى]

- ‌[باب ميراث الحمل]

- ‌[باب ما يمنع الميراث]

- ‌[باب ذكر الطلاق الذي لا يمنع الميراث]

- ‌[باب الإقرار بمشارك في الميراث]

- ‌[باب ميراث المفقود]

- ‌[باب الولاء]

- ‌[باب الميراث بالولاء]

- ‌[كتاب العتق]

- ‌[باب تعليق العتق بالصفة]

- ‌[باب التدبير]

- ‌[باب الكتابة]

- ‌[باب ما يملكه المكاتب وما لا يملكه]

- ‌[باب الأداء والعجز في الكتابة]

- ‌[باب الكتابة الفاسدة]

- ‌[باب جامع الكتابة]

- ‌[باب اختلاف السيد ومكاتبه]

- ‌[باب حكم أمهات الأولاد]

الفصل: ‌[باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز]

إلا فيما يجب، فإن أكره على بيع غير واجب، لم يصح لعدم الرضى المشترط، وإن أكره على بيع واجب صح، لأنه قول حمل عليه بحق، فصح كإسلام المرتد. ولا يصح من غير عاقل، كالطفل والمجنون والسكران، والنائم والمبرسم، لأنه قول يعتبر له الرضى، فلم يصح من غير عاقل كالإقرار.

[باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز]

كل عين مملوكة يباح نفعها واقتناؤها من غير ضرورة يجوز بيعها، كالمأكول والمشروب، والملبوس والمركوب، والعقار والعبيد والإماء، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وقد «اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من جابر بعيراً» ، «ومن أعرابي فرساً» . «ووكل عروة بن الجعد في شراء شاة» ، وباع مدبراً وحلساً وقدحاً، وأقر أصحابه على بيع هذه الأعيان وشرائها.

ويجوز بيع دود القز وبزره، لأنه منتفع به، وبيع النحل في كوارته ومنفرداً عنها إذا رئي وعلم قدره، وبيع الطير الذي يقصد صوته كالهزار والبلبل والببغة، لأنه يشتمل على منفعة مباحة، أشبه الأنعام. ويجوز بيع الهر وسباع البهائم، والطير التي تصلح للصيد، كالفهد والبازي ونحوهما غير الكلب في إحدى الروايتين، وهي اختيار الخرقي والأخرى: لا يجوز وقال أبو بكر وابن أبي موسى: لا يجوز بيعها لنجاستها، فأشبهت الكلب والأول أصح، لأنه حيوان أبيح نفعه واقتناؤه من غير وعيد في جنسه، فجاز بيعه، كالحمار وبهذا يبطل ما ذكراه ويجوز بيع الجحش الصغير، والفهد الصغير، وفرخ البازي، لأنه يصير إلى حال ينفع، فأشبه طفل العبيد. وما ينفع من بيض الطير لمصيره فرخاً فهو كفرخه، لأن مآله إلى النفع.

وقال القاضي: لا يجوز بيعه، لعدم نفعه في الحال. قال أحمد: أكره بيع القرد، قال ابن عقيل: هذا محمول على بيعه للإطافة به واللعب وأما بيعه لحفظ المتاع فيجوز، لأنه منتفع به. وقال أحمد: أكره بيع لبن الآدميات، فيحتمل التحريم، لأنه مائع خارج من آدمية، أشبه العرق ويحتمل كراهية التنزيه، لأنه طاهر منتفع به، أشبه لبن الشاة.

فصل:

ويجوز بيع العبد المرتد، لأنه مملوك منتفع به، وخشية هلاكه لا يمنع بيعه كالمريض، فإن علم المشتري حاله، فلا شيء له، لأنه رضي بعيبه، وإن لم يعلم فله

ص: 4

الرد أو الأرش، قتل أو أسلم كالمعيب. ويصح بيع العبد الجاني عمداً أو خطأ على النفس أو ما دونها، لأنه حق تعلق برقبته غير متحتم، فأشبه القتل بالردة، فإن كانت الجناية موجبة للقصاص فهي كالردة، وإن كانت موجه للمال فهو على السيد، لأنه رضي بالتزام ما عليه، فإن كان معسراً فللمجني عليه رقبة العبد، إن شاء فسخ العقد ورجع به، وإن شاء رجع على البائع بالأرش. وإن كان قاتلاً في المحاربة، فكذلك في قول بعض أصحابنا، لأنه ينتفع به إلى قتله ويعتقه، فيجر ولاء ولده، فصح بيعه كالزمن وحكمه حكم المرتد.

وقال القاضي: لا يصح بيعه، لأنه متحتم القتل، فلا منفعة فيه، فأشبه الميت.

فصل:

وفي بيع رباع مكة وإجارتها روايتان:

إحداهما: يجوز لأن عمر رضي الله عنه اشترى من صفوان بن أمية داراً بأربعة آلاف، واشترى معاوية من حكيم بن حزام دارين بمكة، ولأنها أرض حية لم ترد عليها صدقة محرمة، فجاز بيعها كغيرها.

والثانية: لا يجوز، لأنها فتحت عنوة، ولم تقسم بين الغانمين، فصارت وقفاً على المسلمين، فحرم بيعها كسواد العراق.

والدليل على فتحها عنوة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنما أحلت لي ساعة من نهار» . متفق عليه. وقالت أم هانئ: «يا رسول الله إني أجرت حموين لي، فزعم ابن أم هانئ علي أنه قاتلهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت» حديث صحيح وقتل ابن خطل ومقيس بن صبابة، ولو فتحت صلحاً لم يجز قتل أهلها.

فصل:

ولا يجوز بيع الشام، وسواد العراق ونحوهما مما فتح عنوة، لأن عمر رضي الله عنه وقفه على المسلمين، وأقره في يد أربابه بالخراج الذي ضربه يكون أجرة له في كل عام، ولم يقدر مدتها لعموم المصلحة فيها، وقد اشتهر ذلك في قصص نقلت عنه.

ص: 5

وعن أحمد: أنه كره بيعها، لأنه يأخذ ثمن الوقف، وأجاز شراءها، لأنه كالاستنقاذ لها، فجاز كشراء الأسير، وتجوز إجارتها لأنها مستأجرة في يد أربابها، وإجارة المستأجر جائزة، فأما المساكن في المدائن فيجوز بيعها، لأن الصحابة رضي الله عنهم اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر رضي الله عنه، وبنوها مساكن، وتبايعوها من غير نكير فكان إجماعاً.

فصل:

قال أحمد: لا أعلم في بيع المصحف رخصة، ورخص في شرائه وقال: هو أهون، وذلك لأن ابن عمر وابن عباس وأبا موسى كرهوا بيعه، ولأنه يشتمل على كلام الله تعالى، فيجب صيانته عن الابتذال، والشراء أسهل، لأنه استنقاذ له فلم يكره كشراء الأسير. وقال أبو الخطاب: يجوز بيعها مع الكراهة، وفي شرائها وإبدالها روايتان، فإن بيعت لكافر لم يصح رواية واحدة، لأن «النبي صلى الله عليه وسلم نهى على المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم» حديث صحيح متفق عليه فلم يجز تمليكهم إياه، وتمكينهم منه، ولأنه يمنع من استدامة ملكه، فمنع ابتداء، كنكاح المسلمة.

فصل:

ولا يجوز بيع الخمر والميتة، والخنزير والأصنام. لما روى جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن الله ورسوله حرم بيع الخمرة والميتة، والخنزير والأصنام» متفق عليه.

ولا يجوز بيع ما لا نفع فيه، كالحشرات، وسباع البهائم، والطير التي لا يصاد بها، وما لا يؤكل من الطير، ولا بيضه، لأنه لا نفع فيها، فأشبهت الخنزير. ولا يجوز بيع الحر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ذكر منهم رجلاً باع حراً، فأكل ثمنه» . رواه البخاري. ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك، كالمباحات قبل حيازتها، لأنها غير مملوكة أشبهت الحر. ولا يجوز بيع الدم، ولا السرجين النجس، لأنه مجمع على تحريمه، ونجاسته، أشبه الميتة. ولا يجوز بيع شحم الميتة، لأنه منها. وفي حديث جابر قيل: «يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة؟ فإنه تدهن بها الجلود، وتطلى بها السفن، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو

ص: 6

حرام» . متفق عليه وما نجس من الأدهان كالزيت، فظاهر المذهب تحريم بيعها قياساً على شحم الميتة، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه» رواه أبو داود وعنه: يباع لكافر، ويعلم بحاله، لأنه يعتقد حله. وفي جواز الاستصباح بها روايتان:

إحداهما: لا يجوز لأنه دهن نجس، أشبه شحم الميتة.

والثانية: يجوز، لأنه أمكن الانتفاع بها من غير ضرر، أشبه الانتفاع بالجلد اليابس. قال أبو الخطاب: ويتخرج على جواز الاستصباح بها جواز بيعها. قال القاضي: ولا تطهر بالغسل، لأنه لا يتأتى فيها العصر، ويتخرج أنها تطهر بصبها في ماء كثير، ثم تُترك حتى تطفو فتؤخذ، والعصر: إنما يعتبر فيما يتأتى العصر فيه، بدليل الخشب والأحجار، اختاره أبو الخطاب، فأما غير الأدهان، كالخل، واللبن، فلا تطهر وجهاً واحداً.

فصل:

ولا يجوز بيع الكلب، وإن كان معلماً، لما روى أبو مسعود الأنصاري، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب» ، وقال «ثمن الكلب خبيث» متفق عليهما. ولا غرم على قاتله، لأنه لا قيمة له، وقد أساء من قتل كلباً يباح اقتناؤه، ولا يباح اقتناء كلب، إلا لصيد، أو حفظ ماشية، أو حرث، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية، أو صيد، أو زرع نقص من أجره كل يوم قيراط» متفق عليه. ويجوز تربية الجرو الصغير لذلك، لأنه قصد به ما يباح، فيأخذ حكمه، كالجحش الصغير، ولأنه لو لم يقتن غير المعلم، لم يمكن تعليمه، وتعذر اقتناء المعلم وفيه وجه آخر، أنه لا يجوز اقتناؤه، لأنه ليس من الثلاثة، فإن اقتنى كلب الصيد، من لا يصيد به جاز للحديث. وفيه وجه آخر أنه لا يجوز، لأن اقتناءه لغير حاجة أشبه من اقتناه للماشية، ولا ماشية له.

فصل:

ولا يجوز بيع معدوم، لما روى أبو هريرة:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر»

ص: 7

رواه مسلم.

وبيع المعدوم بيع غرر، ولأن تحريم بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، تنبيه على تحريم بيعها قبل وجودها، فلا يجوز بيع الثمرة قبل خلقها، ولا بيع الماء العد الذي له مادة، كماء العيون والآبار، لأنه بيع لما يتجدد، وهو في الحال معدوم.

فصل:

ولا يجوز بيع ما لا يُقدر على تسليمه، كالطير في الهواء، والسمك في الماء، والعبد الآبق، والجمل الشارد، والفرس العائر، والمغصوب في يد الغاصب، لحديث أبي هريرة. وقال ابن مسعود: لا تشتروا السمك في الماء، فإنه غرر. ولأن القصد بالبيع تمليك التصرف، ولا يمكن ذلك فيما لا يقدر على تسليمه، فإن باع طيراً له في برج مغلق الباب، أو سمكاً له في بركة معدة للصيد وكان معروفاً بالرؤية مقدوراً على تناوله بلا تعب جاز بيعه، لعدم الغرر فيه. وإن اختل بعض ذلك لم يجز. وإن باع الآبق لقادر عليه، أو المغصوب لغاصبه، أو لقادر على أخذه منه جاز لذلك وإلا فلا.

فصل:

ولا يجوز بيع ما تُجهل صفته، كالحمل في البطن، واللبن في الضرع والبيض في الدجاج، والنوى في التمر، لحديث أبي هريرة: وروى ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المجر» والمجر: شراء ما في الأرحام. وعن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين والملاقيح» قال أبو عبيدة: الملاقيح: ما في البطون، وهي الأجنة، والمضامين: ما في أصلاب الفحول. وما سواه يقاس عليه. وروي «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع صوف على ظهر، أو لبن في ضرع» رواه ابن ماجة.

وعنه: في بيع الصوف على الظهر روايتان:

إحداهما: لا يجوز للخبر، ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالبيع، كأعضائه.

والثانية: يجوز بشرط جزه في الحال، لأنه معلوم ممكن تسليمه، فجاز بيعه كالزرع في الأرض.

ص: 8

فصل:

ولا يجوز بيع الأعيان من غير رؤية أو صفة يحصل بها معرفة المبيع في ظاهر المذهب، لحديث أبي هريرة، ولأنه مجهول عند العاقد، فلم يصح بيعه، كالنوى في التمر، فعلى هذا يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع، كداخل الثوب، وشعر الجارية. وعنه: يجوز لأنه عقد معاوضة، فأشبه النكاح، فعلى هذا هل يثبت له خيار الرؤية؟ فيه روايتان:

إحداهما: لا خيار له لأنه عقد معاوضة صح من الغيبة، فأشبه النكاح.

والثانية: يثبت له الخيار عند الرؤية في الفسخ والإمضاء، لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه» ويكون خياره على الفور، للحديث، وقيل: يتقيد بالمجلس، لأنه خيار ثابت بمقتضى العقد، فتقيد بالمجلس، كخيار المجلس، فإن اختار إمضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم، لأنه تعلق بالرؤية، ولأنه يؤدي إلى إلزام العقد في مجهول الصفة. وإن اختار الفسخ انفسخ، لأن الفسخ يصح في مجهول الصفة، ويعتبر لصحة العقد الرؤية من المتعاقدين جميعاً، لأن الرضا معتبر منهما، فتعتبر الرؤية التي هي مظنة له منهما جميعاً.

فصل:

فإن رأيا المبيع، ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه صح في صحيح المذهب.

وعنه: لا يصح، لأن ما كان شرطاً يعتبر وجوده حال العقد كالشاهدة في النكاح.

ولنا أنه معلوم عندهما، أشبه ما لو شاهداه حال العقد، أو اشترى منه داراً كبيرة، وهو في طرفها، والشرط العلم، وهو مقارن للعقد، ثم إن وجد المبيع لم يتغير لزم، وإن وجده ناقصاً فله الخيار لأن ذلك كالعيب، وإن اختلفا في التغيير فالقول قول المشتري، لأن الثمن يلزمه، فلا يلزمه إلا ما اعترف به. وإن عقدا بعد الرؤية بزمن يفسد فيه ظاهراً، لم يصح لأنه غير معلوم. وإن احتمل الأمرين، ولم يظهر التغير فالعقد صحيح، لأنه الأصل سلامته.

فصل:

ويصح البيع بالصفة في صحيح المذهب إذا ذكر أوصاف السلم، لأنه لما عدمت المشاهدة للمبيع وجب استقصاء صفاته كالسلم، وإذا وجد على الصفة لزم العقد، وإن وجده على خلافها فله الفسخ، فإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري لما ذكرناه.

ص: 9

وعنه: لا يصح البيع بالصفة، لأنه لا يمكن استقصاؤها.

والمذهب الأول، لأنه مبيع معلوم بالصفة، فصح بيعه كالمسلم فيه. وبيع الأعمى، وشراؤه بالصفة كبيع البصير بها، فإن عدمت الصفة، وأمكنه معرفة المبيع بذوق أو شم صح بيعه وإلا لم يصح، لأنه مجهول في حقه.

فصل:

ولا يجوز بيع عبد من عبيد ولا شاة من قطيع، ولا ثوب من أثواب ولا أحد هذين العبدين، لأنه غرر، فيدخل في الخبر، ولأنه يختلف فيفضي إلى التنازع ويجوز بيع قفيز من صبرة، ورطل زيت من دن أو ركوة، لأن أجزاءه لا تختلف، فلا يفضي إلى التنازع، فإن باع جريباً من ضيعة يعلمان جربانها صح، وكان المبيع مشاعاً منها، وإن كانت عشرة أجربة فالمبيع عشرها، وإن لم يعلما جربانها لم يصح، لأنه لا يعلم قدره منها، فيكون مجهولاً.

فصل:

وما لا تختلف أجزاؤه، كصبر الطعام، وزق الزيت، يكتفى برؤية بعضه، لأنها تزيل الجهالة، لتساوي أجزائه، ولأنه تتعذر رؤية جميعه فاكتفي ببعضه كأساسات الحيطان، وما تشق رؤيته، كالذي مأكوله في جوفه يكتفى برؤية ظاهره لذلك وكذلك أساسات الحيطان وطي الآبار وشبهها ويجوز بيع الباقلا والجوز واللوز في قشريه والحب في سنبله، لأن «النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد» رواه أبو داود. فمفهومه جواز بيع المشتد، ولأنه مستور بما خلق فيه فجاز بيعه، كالذي مأكوله في جوفه، ولأن قشره الأعلى من مصلحته، لأنه يحفظ رطوبته، وادخار الحب في سنبله أبقى له، فجاز بيعه فيه، كالسلت والأرز، وما لا تشق رؤية جميعه ويشترط رؤية جميعه على ما أسلفناه.

فصل:

إذا قال: بعتك هذه الصبرة صح، وإن لم يعلم قدرها، لأن ابن عمر قال:«كنا نبتاع الطعام من الركبان جزافاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» . متفق عليه. ولأن غرر ذلك مُنْتَفٍ بالمشاهدة فاكتفي بها. وإن باعه نصفها أو ثلثها أو جزءاً منها مشاعاً صح لأن من عرف شيئاً عرف جزأه. وإن قال: بعتكها كل قفيز بدرهم صح، لأن المبيع معلوم بالمشاهدة، والثمن معلوم لإشارته إلى من يعلم مبلغه بجهة، لا تتعلق بالمتعاقدين، وهو

ص: 10

كيل الصبرة فجاز كما لو باعه مرابحة لكل عشرة درهم. ولو قال: بعتك بعض هذه الصبرة لم يصح، لأنه البعض مجهول. ولو قال: بعتك منها كل قفيز بدرهم لم يصح، لأنه باعه بعضها، ولو قال: بعتكها على أن أزيدك قفيزاً لم يصح، لأن الزائد مجهول، فإن قال: على أن أزيدك قفيزاً من هذه الأخرى صح لأن معناه بعتكها وقفيزاً من هذه، وإن قال على أن أزيدك من هذه أو أنقصك قفيزاً لم يصح، لأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه، وإن قال: بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزاً من هذه الأخرى، وهما يعلمان قدر قفزانها صح لأنهما إذا علماها عشرة، فمعناه: بعتك كل قفيز، وعشراً بدرهم، وإن لم يعلما قدرها لم يصح لجهالة الثمن، لأنه يصير قفيزاً وشيئاً لا يعلمان قدره بدرهم، لجهلهما بكمية قفزانها، وكذلك إن قال: على أن أنقصك قفيزاً. وإن جعلا للقفيز الزائد ثمناً مفرداً صح في الحالين.

فصل:

ويكتفى بالرؤية فيما لا تتساوى أجزاؤه، كالأرض والثوب، والقطيع من الغنم، لما ذكرنا في الصبرة، وفيه نحو من مسائلها. ولو قال: بعتك من الدار من هاهنا إلى هاهنا جاز، لأنه معلوم. وإن قال: عشرة أذرع ابتداؤها من هاهنا لم يصح، لأنه لا يدري إلى أين ينتهي. ولو قال: بعتك نصف داري مما يلي دارك لم تصح، نص عليه لذلك. وإن قال: بعتك من هذا الثوب من أوله إلى هاهنا صح، لأنه معلوم. وقال القاضي: إن كان ينقصه القطع لم يصح لعجزه عن التسليم إلا بضرر، والأول أصح، لأن التسليم ممكن، والضرر لا يمنع الصحة إذا التزمه، كما لو باعه نصفاً مشاعاً، أو نصف حيوان.

فصل:

ويشترط لصحة المبيع معرفة الثمن، لأنه أحد العوضين، فيشترط العلم به، كالمبيع ورأس مال السلم. وإن باعه بثمن مطلق في موضع فيه نقد معين انصرف إليه، وإن لم يكن فيه نقد معين لم يصح لجهالته. وإن باعه سلعة برقمها أو بما باع به فلان، وهما لا يعلمان ذلك، أو أحدهما، أو بما ينقطع به السعر لم يصح، لأنه مجهول. وإن قال: بعتك بألف درهم ذهباً وفضة لم يصح، لأنه لم يبين القدر من كل واحد منهما. وإن باعه بعشرة نقداً أو بخمس عشرة نسيئة، أو بعشرة صحاحاً، أو بعشرين مكسرة لم يصح، لأن «النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة» حديث صحيح.

ص: 11

وهو هذا. ولأنه لم يعقد على ثمن بعينه، أشبه إذا قال: بعتك أحد هذين العبدين. ويتخرج أنه يصح بناء على قوله في الإجارة، وقيل: معنى " بيعتين في بيعة " أن يقول: بعتك هذا بمائة على أن تبيعني دارك بألف، أو على أن تصرفها لي بذهب. وأياً ما كان فهو غير صحيح. وإن باع بثمن معين تعين، لأنه عوض، فتعين بالتعيين، كالمبيع فعلى هذا إن وجده مغصوباً بطل العقد، وإن وجده معيباً فرده انفسخ العقد لرد المعقود عليه، فأشبه رد المبيع. وعن أحمد: أن الثمن لا يتعين إلا بالقبض، فتنعكس هذه الأحكام. وإن باعه بثمن في الذمة لم يتعين، فإذا قبضه فوجده مغصوباً لم يبطل العقد، وإن رده لم ينفسخ، لأن الثمن في الذمة.

فصل:

ولا يجوز بيع الملامسة والمنابذة، لما روى أبو سعيد الخدري «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين: الملامسة والمنابذة» . والمنابذة: أن يقول: إذا نبذت إلي هذا الثوب فقد وجب البيع. والملامسة: أن يمسه بيده ولا ينشره. متفق عليه. ولأنه إذا علق البيع على نبذ الثوب ولمسه، فقد علقه على شرط، وهو غير جائز. وإذا باعه قبل نشره فقد باعه مجهولاً، فيكون غرراً ولا يجوز بيع الحصاة، لما روى أبو هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة» . رواه مسلم. وهو أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت، فهو لك بكذا. وقيل: هو أن يقول: بعتك من هذه الضيعة بقدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا. وكلاهما غير صحيح، لأنه غرر، ولا يجوز بيع حبل الحبلة، لما روى ابن عمر قال:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة» متفق عليه. قال أبو عبيدة: هو بيع ما يلد حمل الناقة.

وقيل: هو بيع السلعة بثمن إلى أن يلد حمل الناقة، وكلاهما لا يجوز، لأنه على التفسير الأول: بيع معدوم مجهول، وعلى الثاني: بيع بثمن إلى أجل مجهول. ولا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل كمجيء المطر، وقدوم زيد، وطلوع الشمس، لأنه غرر، ولأنه عقد معاوضة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل، كالنكاح.

فصل:

ولا يجوز بيع العنب والعصير لمن يتخذه خمراً، ولا السلاح لأهل الحرب، أو

ص: 12

لمن يقاتل به في الفتنة، ولا الأقداح لمن يشرب فيها الخمر، لأنه معونة على المعصية فلم يجز، كإجارة داره لبيع الخمر. ولا يجوز بيع العبد المسلم لكافر، لأنه يمنع من استدامة ملكه عليه فلم يصح عقده عليه، كالنكاح فإن أسلم في يده، أو يد موروثه، ثم انتقل إليه بالإرث أجبر على إزالة ملكه عنه، لأن في تركه في ملكه صغاراً، فإن باعه، أو وهبه لمسلم أو أعتقه جاز. وإن كاتبه ففيه وجهان:

أحدهما: يجوز، لأنه يصير كالخارج عن ملكه في التصرفات.

والثاني: لا يجوز، لأنه لا يزيل الملك فلم يقبل، كالتزويج.

وإن ابتاع الكافر مسلماً، يعتق عليه بالشراء، ففيه روايتان:

إحداهما: لا يصح، لأنه عقد يملك به المسلم.

والثانية: يجوز لأن ملكه يزول حال ثبوته، فلا يحصل به صغار، وإن حصل فقد حصل له من الكمال بالحرية، فوق ما لحقه برق لحظة. وإن قال الكافر لمسلم: أعتق عبدك عني وعلي ثمنه ففيه وجهان، بناء على ما ذكرناه، لأنه بقدر بيعه للكافر، وتوكيل البائع في عتقه.

فصل:

ولا يجوز أن يفرق في البيع بين ذوي رحم محرم قبل البلوغ، لما روى أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» حديث حسن.

وعن علي رضي الله عنه قال: «وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين، فبعت أحدهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل غلامك؟ فأخبرته، فقال: رده رده» رواه الترمذي. وقال حديث حسن. فإن فرق بينهما فالبيع باطل، رضيت الأم ذلك أم كرهته، نص عليه، لأنه فيه إسقاطاً لحق الولد. وهل يجوز التفريق بينهما بعد البلوغ؟ فيه روايتان:

إحداهما: لا يجوز لعموم الخبر.

والثانية: يجوز لأن «سلمة بن الأكوع أتى أبا بكر الصديق رضي الله عنه بامرأة وابنتها في غزوة فنفله أبو بكر ابنتها، ثم استوهبها النبي صلى الله عليه وسلم من سلمة فوهبها له» . رواه مسلم. وهذا تفريق. ولأن «النبي صلى الله عليه وسلم أهديت له أختان مارية وسيرين، فأمسك مارية ووهب أختها لحسان بن ثابت» .

ص: 13