الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقطعك لتحتجره على الناس، فخذ ما قدرت على عمارته ودع باقيه» رواه أبو عبيد في الأموال.
فصل:
وليس للإمام إقطاع المعادن الظاهرة، لما ذكرنا في إحيائها. وقال أصحابنا: وكذلك المعادن الباطنة؛ لأنها في معناها، ويحتمل جواز إقطاعها؛ لما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية، جلسيها وغوريها» رواه أبو داود. ولأنه يفتقر في الانتفاع بها إلى المؤن، فجاز إقطاعه، كالموات.
فصل في الحمى: لا يجوز لأحد أن يحمي لنفسه مواتًا يمنع الناس الرعي فيها؛ لما روى الصعب بن جثامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا حمى إلا لله ولرسوله» متفق عليه، ورواه أبو داود. وقال:«الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» وللإمام أن يحمي مكانًا لترعى فيه خيل المجاهدين، ونعم الجزية، وإبل الصدقة، وضوال الناس التي يقوم بحفظها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، لخيل المسلمين؛ لأن عمر وعثمان رضي الله عنهما حميا، واشتهر في الصحابة، فلم ينكر، فكان إجماعًا.
وقال عمر رضي الله عنه: والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله، ما حميت من الأرض شبرًا في شبر رواه أبو عبيد. وليس له أن يحمي قدرًا يضيق به على الناس؛ لأنه إنما جاز
للمصلحة
، فلا يجوز ذلك بضرر أكثر منها، وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه، ولا يملك بالإحياء؛ لأن ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم نص، فلم يجز نقضه بالاجتهاد، وما حماه غيره من الأئمة، جاز لغيره من الأئمة تغييره في أحد الوجهين، وفي الآخر ليس له ذلك، لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، والأول أولى؛ لأن الاجتهاد في حماها في تلك المدة دون غيرها، ولهذا ملك الحامي لها تغييرها. وإن أحياه إنسان ملكه؛ لأن حمى الأئمة اجتهاد، وملك الأرض بإحيائها نص، فيقدم على الاجتهاد.
[باب أحكام المياه]
وهي ضربان: مباح وغيره، فغير المباح: ما ينبع في أرض مملوكة، فصاحبه أحق به، لأنه يملكه في رواية، وفي الأخرى: لا يملكه، إلا أنه ليس لغيره دخول أرضه بغير إذنه، وما فضل عن حاجته، لزمه بذله لسقي ماشية غيره؛ لما روى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ، منعه الله فضل رحمته» ، ولا يلزمه الحبل والدلو؛ لأنه يتلف بالاستعمال فيتضرر به، فأشبه بقية ماله، وهل يلزمه بذل فضل مائه لزرع غيره، فيه روايتان:
إحداهما: لا يلزمه؛ لأن الزرع لا حرمة له في نفسه.
والثانية: يلزمه؛ لما روى إياس بن عبد: أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع فضل الماء» رواه أبو داود. وإن لم يفضل عنه شيء، لم يلزمه بذله؛ لأن الوعيد على منع الفضل يدل على جواز منع غيره، ولأن ما يحتاج إليه يستضر ببذله، فلم يجب بذله كحبله ودلوه.
الضرب الثاني: الماء النابع في الموات، فمن سبق إلى شيء منه، فهو أحق به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فهو أحق به» ، وإن أراد أن يسقي أرضًا، وكان الماء في نهر عظيم لا يستضر أحد بسقيه، جاز أن يسقي كيف شاء؛ لأنه لا ضرر فيه على أحد، وإن كان نهرًا صغيرًا، أو من مياه الأمطار، بدئ بمن في أول النهر فيسقي، ويحبس الماء حتى يبلغ الكعب، ثم يرسل إلى الذي يليه، كذلك إلى الآخر؛ لما روى عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم:«أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مهزور ومذينيب: يمسك حتى يبلغ الكعبين، ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل» أخرجه مالك في الموطأ.
وعن عبد الله بن الزبير: أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك: فغضب الأنصاري فقال: كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا زبير، اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر» متفق عليه.
وشراج الحرة: مسايل الماء، جمع شرج، وهو النهر الصغير، ولأن السابق إلى أول النهر كالسابق إلى أول المشرعة، وإن كانت أرض الأول بعضها أنزل من بعض، سقى كل واحدة على حدتها، فإن أراد إنسان إحياء أرض على النهر. بحيث إذا سقاها يستضر أهل الأرض الشاربة منه منع منه؛ لأن من ملك أرضًا كانت له حقوقها ومرافقها، واستحقاق السقي من هذا النهر من حقوقها، فلا يملك غير إبطاله.
فصل
فإن اشترك جماعة في استنباط عين، اشتركوا في مائها، وكان بينهم على ما اتفقوا عليه عند استخراجها، فإن اتفقوا على سقي أرضهم منها بالمهايأة جاز، وإن أرادوا قسمته بنصب حجر، أو خشبة مستوية في مصدم الماء، فيها نقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز، وتخرج حصة كل واحد منهما في ساقيته منفردة، وإن أراد أحدهما أن يسقي نصيبه أرضًا لا حق لها في الشرب منه فله ذلك؛ لأن الماء لا حق لغيره فيه، فكان له التصرف فيه كيف شاء، كما لو انفرد بالعين وفيه وجه آخر: أنه لا يجوز؛ لأنه يجعل لهذه الأرض رسمًا في الشرب منه، فمنع منه، كما لو كان له داران متلاصقتان في دربين، أراد فتح إحداهما إلى الأخرى، وليس لأحدهما فتح ساقية في