الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإن طولب بالوديعة فأنكرها، فالقول قوله؛ لأن الأصل عدمها، وإن أقر بها وادعى ردها، أو تلفها بأمر خفي، قبل قوله مع يمينه؛ لأنه قبضها لنفع مالكها. وإن كان بأمر ظاهر، فعليه إقامة البينة بوجوده في تلك الناحية، ثم القول قوله مع يمينه.
فصل:
وإن طالبه برد الوديعة، فأخره لعذر لم يضمن؛ لأنه لا تفريط من جهته، وإن أخره لغير عذر، ضمنها لتفريطه، ومؤنة ردها على مالكها؛ لأن الإيداع لحظة.
[باب العارية]
وهي هبة المنافع، وهي مندوب إليها؛ لقول الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، ولأن فيها عونًا لأخيه المسلم، وقضاء حاجته " «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ، وتصح في كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها، " لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة فرسًا فركبها، «واستعار من صفوان بن أمية أدراعًا» رواه أبو داود. وسئل عن حق الإبل فقال:«إعارة دلوها، وإطراق فحلها» فثبتت إعارة ذلك بالخبر، وقسنا عليه سائر ما ينتفع به مع بقاء عينه، فيجوز إعارة الفحل للضراب للخبر، والكلب للصيد قياسًا عليه.
فصل:
ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر؛ لأنه لا يجوز أن يستخدمه، ولا الصيد لمحرم؛ لأنه لا يجوز له إمساكه، ولا الجارية الجميلة لغير ذي محرم منها على وجه يفضي إلى خلوته بها؛ لأنه لا يؤمن عليها، فإن كانت شوهاء، أو كبيرة لا يشتهى مثلها فلا بأس؛ لأنه يؤمن عليها، ويكره استعارة والديه للخدمة؛ لأنه يكره له استخدامهما فكره استعارتهما لذلك.
فصل:
فإن قبض العين ضمنها؛ لما روى صفوان بن أمية: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه
أدراعًا يوم حنين، فقال: أغصبًا يا محمد؟ قال: «بل عارية مضمونة» ، وروي:«مؤداة» رواه أبو داود. ولأنه قبض مال غيره لنفع نفسه، لا للوثيقة. فضمنه كالمغصوب، وعليه مؤنة ردها لذلك، فإن شرط نفي الضمان، لم ينتف؛ لأن ما يضمن لا ينتفي بالشرط، وقال أبو حفص العكبري: يبرأ؛ لأن الضمان حقه، فسقط بإسقاطه، كالوديعة التي تعدى فيها، فإن استخلق الثوب، أو نقصت قيمتها لم يضمن؛ لأنه مأذون فيه؛ لدخوله فيما هو من ضرورته. ولو تلفت ضمنها بقيمتها يوم تلفها؛ لأن نقصها قبل ذلك غير مضمون، بدليل أنه لو ردها، لم يضمنه، فإن تلفت أجزاؤها بالاستعمال كخمل المنشفة، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يضمنه، لما ذكرنا.
والثاني: يضمنه؛ لأنه من أجزائها فيضمنه كسائر أجزائها، وإن تلف ولد العارية، ففيه وجهان:
أحدهما: يضمنه؛ لأنه تابع لما يجب ضمانه، فيجب ضمانه، كولد المغصوب.
والثاني: لا يضمن؛ لأنه لم يدخل في العارية، فلم يدخل في الضمان، بخلاف المغصوب، فإن ولدها داخل في الغصب.
فصل:
والعارية عقد جائز لكل واحد منهما فسخها؛ لأنها إباحة، فأشبهت إباحة الطعام، وعليه ردها إلى المعير، أو من جرت عادته أن يجري ذلك على يديه كرد الدابة إلى سائسها، فإن ردها إلى غيرهما، أو دار المالك، أو إصطبله، لم يبرأ من الضمان؛ لأن ما وجب رده، لم يبرأ برده إلى ذلك، كالمغصوب.
فصل:
ومن استعار شيئًا، فله استيفاء نفعه بنفسه، ووكيله؛ لأنه نائب عنه. وليس له أن يعيره؛ لأنها إباحة فلا يملك بها إباحة غيره، كإباحة الطعام؛ فإن أعاره فتلف عند الثاني، فللمالك تضمين أيهما شاء، ويستقر الضمان على الثاني؛ لأنه قبضه على أنه ضامن له، وتلف في يده، فاستقر الضمان عليه، كالغاصب من الغاصب.
فصل:
وتجوز العارية مطلقة ومعينة؛ لأنها إباحة، فأشبهت إباحة الطعام، فإن أطلقها، فله أن ينتفع بها في كل ما يصلح له، فإن كانت أرضًا، فله أن يبني ويغرس ويزرع؛ لأنها تصلح لذلك كله، وإن عين نفعًا، فله أن يستوفيه ومثله ودونه، وليس له استيفاء أكثر منه
على ما ذكرنا في الإجارة.
فصل:
وتجوز مطلقة ومؤقتة، فإن أعارها لغراس سنة، لم يملك للغرس بعدها، فإن غرس بعدها، فحكمه حكم غرس الغاصب؛ لأنه بغير إذنه، وإن رجع قبل السنة، لم يملك الغرس بعد الرجوع؛ لأن الإذن قد زال، فأما ما غرسه بالإذن، فإن كان قد شرط عليه قلعه لزمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«المسلمون على شروطهم» حديث حسن صحيح.
وإن شرط عليه تسوية الحفر لزمه للخبر، وإلا لم يلزمه؛ لأنه أذن في حفرها باشتراطه القلع، ولم يشترط تسويتها، وإن لم يشترط عليه قلعه لكن لا تنقص قيمته بقلعه، لزم قلعه؛ لأنه أمكن رد العارية فارغة من غير ضرر فوجب، وإن نقصت قيمته بالقلع فاختار المستعير، فله ذلك؛ لأنه ملكه فملك نقله، وعليه تسوية الأرض؛ لأن القلع باختياره لو امتنع منه، لم يجبر عليه؛ لأنه فعله لاستخلاص ملكه من ملك غيره فلزمته التسوية، كالمشتري مع الشفيع إذا أخذ غرسه. وقال القاضي: لا تلزمه التسوية؛ لأن المعير دخل على هذا بإذنه في الغراس الذي لا يزول إلا بالحفر عليه، وإن أبى قلعه فبذل المعير قيمته ليملكه، أجبر على قبولها؛ لأن غرسه حصل في ملك غيره بحق، فأشبه الشفيع مع المشتري، ولو بذل المستعير قيمة الأرض ليملكها مع غرسه، لم يجبر المعير عليه؛ لأن الغرس يتبع الأرض في الملك، بخلاف الأرض، فإنها لا تتبع للغرس، فإن بذل المعير أرش النقص الحاصل بالقلع، أجبر المستعير على قبوله؛ لأنه رجوع في العارية من غير إضرار، وإن لم يبذل القيمة، ولا أرش النقص، وامتنع المستعير من القلع، لم يقلع؛ لأنه إذن له فيما يتأبد، فلم يملك الرجوع على وجه يضر به، كما لو أذن له في وضع خشبة على حائطه، ولم يذكر أصحابنا عليه أجرة؛ لأن بقاء غرسه بحكم العارية، وهي انتفاع بغير أجرة، كالخشب على الحائط، وذكروا في الزرع أن عليه الأجرة لمدة بقاء الزرع من حين الرجوع؛ لأنه لا يملك الانتفاع بأرض غيره بعد الرجوع بغير أجرة، وهذا يقتضي وجوب الأجرة على صاحب الغراس بعد الرجوع، وللمعير دخول أرضه كيف شاء؛ لأن بياضها له، لا حق للمستعير فيها، وللمستعير دخولها، للسقي والإصلاح وأخذ الثمرة؛ لأن الإذن في الغراس إذن بما يعود في صلاحه، وأخذ الثمرة، وليس له دخولها للتفرج ونحوه، ولا يمنع واحد منهما من بيع ملكه لمن شاء يكون بمنزلته؛ لأنه ملكه على الخصوص فملك بيعه، كالشقص المشفوع.
فصل:
وإن رجع في العارية وفي الأرض، زرع مما يحصد قصيلًا، حصده؛ لأنه أمكن
الرجوع من غير إضرار، وإن لم يمكن، لزم المعير تركه بالأجرة إلى وقت حصاده؛ لأنه لا يملك الرجوع على وجه يضر بالمستعير، وإن حمل السيل بذر رجل إلى أرض آخر فنبت فيه، ففيه وجهان:
أحدهما: حكمه حكم العارية؛ لأنه بغير تفريط من ربه، إلا أن عليه أجرة الأرض؛ لأنه لا يجوز استيفاء نفع أرش إنسان بغير إذنه من غير أجرة، فصار كزرع المستعير بعد رجوع المعير، وقال القاضي: ليس عليه أجرة؛ لأنه حصل بغير تفريطه، أشبه مبيت بهيمته في دار غيره.
والثاني: حكمه حكم الغصب؛ لأنه حصل في ملكه بغير إذنه.
فصل:
وإن أعاره حائطًا ليضع عليه أطراف خشبه، لم يكن له الرجوع ما دام الخشب على الحائط؛ لأن هذا يراد للبقاء، وليس له الإضرار بالمستعير، فإن بذل المالك قيمة الخشب ليملكه، لم يكن له؛ لأن معظمه في ملك صاحبه، فإن أزيل الخشب لتلفه أو سقوطه أو هدم الحائط، لم يجز رده إلا بإذن مستأنف؛ لأن الإذن تناول الوضع الأول، فلا يتعدى إلى غيره، وإن وجدت أخشاب على حائط لا يعلم سببها، ثم نقلت جاز إعادتها؛ لأن الظاهر أنها بحق ثابت، وإن استعار سفينة، فحمل متاعه فيها، لم يملك صاحبها الرجوع فيها حتى ترسي. وإن أعاره أرضًا للدفن، لم يملك الرجوع فيها ما لم يبل الميت لما ذكرنا.
فصل:
وإن استعار شيئًا يرهنه مدة معلومة على دين معلوم صح؛ لأنه نوع انتفاع. فإن أطلق الإذن من غير تعيين صح؛ لأن العارية لا يشترط في صحتها تعيين النفع، فإن عين فخالفه، فالرهن باطل؛ لأنه رهنه بغير إذن مالكه، وإن أذن له في رهنه بمائة، فرهنه بأقل منها صح؛ لأن من أذن في شيء فقد أذن في بعضه؛ وإن رهنه أكثر منها بطل في الكل في أحد الوجهين؛ لأنه مخالف، أشبه ما لو خالف في الجنس، وفي الآخر: يصح في المأذون، ويبطل في الزائد، كتفريق الصفقة.
وللمعير مطالبة الراهن بفكاكه في الحال، سواء أجله أو أطلق؛ لأن العارية لا تلزم، وإن حل الدين قبل فكاكه بيع واستوفى الدين من ثمنه؛ لأن هذا مقتضى الرهن، ويرجع المعير على المستعير بقيمته أو مثله إن كان مثليًا؛ لأن العارية مضمونة بذلك، ولا يرجع بما بيع به إن كان أقل من القيمة؛ لأن العارية مضمونة فيضمن نقص ثمنها.
وإن بيع بأكثر من قيمته، رجع به؛ لأن ثمن العين ملك لصاحبها، وقيل: لا يرجع