الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليه قيمة ذلك لما روي عن علي رضي الله عنه: أنه قضى في رجل اشترى ناقة، وشرط ثنياها فقال: اذهبوا معه إلى السوق، فإن بلغت أقصى ثمنها، فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها. وعن الشعبي قال: قضى زيد بن ثابت، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقرة باعها رجل، واشترط رأسها بالشروى. يعني أن يعطيه رأساً مثل رأس.
فصل:
ومن باع شيئاً، واستثنى منفعته مدة معلومة، كجمل اشترط ركوبه إلى موضع معين، وداراً استثنى سكناها شهراً، وعبداً استثنى خدمته سنة صح لما روى جابر: أنه «باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة» . متفق عليه. ولأنها ثنيا معلومة، فتدخل في خبر أبي هريرة، فإن عرض المشتري على البائع عوضها لم يلزمه قبوله، لأن حقه تعلق بعينها، فأشبه ما لو استأجرها، وإن أراد البائع إجارتها تلك المدة، فقال ابن عقيل: يصح في قياس المذهب، لأنه استحق نفعها فملك إجارتها كالمستأجر. وإن أتلف المشتري العين، فعليه قيمة المنفعة، لتفويته حق غيره. وإن تلف بغير تفريط، فكلام أحمد رضي الله عنه يقتضي ذلك بعمومه، ويحتمل أن لا يضمن، لأن البائع لم يملك المنفعة من جهة المشتري، فلم يلزمه عوضها له، كما لو تلفت النخلة المبيعة مؤبرة بثمرتها والحائط الذي استثني منه شجرة، ويحمل كلام أحمد على من فرط. وإن باع المشتري العين صح وتكون المنفعة مستثناة في يد المشتري، فإن لم يعلم به فله الخيار، لأنه عيب، فهو كالتزويج في الأمة، ومن باع أمة واستثنى وطأها لم يصح، لأنه لا يحل إلا في تزويج، أو في ملك يمين، ومن استثنى مدة غير معلومة لم يصح للخبر.
[باب الشروط في البيع]
وهي على أربعة أضرب:
أحدها: ما هو من مقتضى البيع، كالتسليم والرد بالعيب فهذا لا أثر له، لأنه بيان وتأكيد لمقتضى العقد.
الثاني: ما هو من مصلحته، كالخيار والأجل والرهن والضمين، فهذا شرط صحيح لازم، ورد الشرع به نذكره في مواضعه.
الثالث: شرط ينافي مقتضى العقد وهو نوعان:
أحدهما: ما لم يبن على التغليب والسراية، كشرط أن لا يملك، ولا يتصرف، ولا يسلم أو لا يعتق، أو إن أعتق فالولاء له أو متى نفق المبيع وإلا رده، أو إن
خسر فيه، فعلى البائع فهذا شرط باطل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما أرادت شراء بريرة، فاشترط أهلها ولاءها:«اشتريها فأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق ثم قال: من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط» متفق عليه.
وهل يفسد البيع به؟ فيه روايتان:
إحداهما: لا يفسد، لحديث بريرة.
والثانية: يفسد، لأنه إذا فسد الشرط وجب رد ما في مقابلته من الثمن، وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولاً.
النوع الثاني: أن يشتريه بشرط أن يعتقه ففيه روايتان:
إحداهما: الشرط فاسد، لأنه ينافي مقتضى البيع، فأشبه ما قبله.
والثانية: يصح لأن عائشة اشترت بريرة لتعتقها، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا إن امتنع المشتري من العتق أجبر عليه في أحد الوجهين، لأنه عتق مستحق عليه، فأجبر عليه كما لو نذر عتقه.
والثاني: لا يجبر عليه لأن الشرط لا يوجب فعل المشروط، كما لو شرط رهناً أو ضميناً لم يجبر، ولكن يثبت للبائع خيار الفسخ كمشترط الرهن، فإن مات العبد رجع البائع على المشتري بما نقصه شرط العتق، وإن كان المبيع أمة فأحبلها أعتقها وأجزأه لأن الرق باق فيها.
الرابع: ما لا ينافي مقتضى العقد، ولا هو من مصلحته، وهو نوعان:
أحدهما: أن يشرط عقداً آخر، مثل أن يبيعه بشرط أن يبيعه عيناً أخرى أو يؤجره أو يسلفه، أو يشتري منه، أو يستسلف، فهذا شرط فاسد يفسد العقد به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع» . قال الترمذي: هذا حديث صحيح. ونهى عن بيعتين في بيعة وهذا منه.
الثاني: أن يشترط المشتري منفعة البائع في المبيع، فيصح إذا كانت معلومة، مثل أن يشتري ثوباً، ويشترط على بائعه خياطه قميصاً، أو فلعة ويشترط حذوها نعلاً، أو حطباً ويشترط حمله، لأن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب وشرط عليه حملها، واشتهر ذلك فلم ينكر، ولأنه بيع، وإجارة فصح، كما لو باعه عبده وأجره داره في عقد واحد. وقال الخرقي: إن شرط مشتري الرطبة جزها على بائعها بطل
العقد، فيحتمل أن يخص قوله بهذه الصورة وشبهها لإفضائه إلى التنازع، فإن البائع يريد قطعها من أعلاها، لتبقى له منها بقية، والمشتري يريد، الاستقصاء عليها، ويحتمل أن يعدى حكمها إلى كل عقد شرط فيه منفعة البائع، لأنه شرط عقداً في عقد، فأشبه ما قبله. وقال القاضي: لم أجد بما قال الخرقي رواية في المذهب، والمذهب جوازه. فإن شرط شرطين، مثل أن اشترط خياطة الثوب وقصارته، وفي الحطب حمله وتكسيره، أو اشترط منفعة البائع، واشترط البائع منفعة المبيع مدة معلومة فسد العقد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا شرطان في بيع» وإن شرط منفعة معلومة لم يصح لإفضائه إلى التنازع.
فصل:
فإن شرط في البيع أنه إن باعه فهو أحق به بالثمن، ففيه روايتان:
إحداهما: لا يصح، لأنه شرطان في بيع، لأنه شرط أن يبعه إياه، وأن يعطيه إياه بالثمن ولأنه شرط ينافي مقتضى العقد، لأنه شرط أن لا يبيعه لغيره.
والثانية: يصح، لأنه يروى عن ابن مسعود أنه اشترى أمة بهذا الشرط. وإن قلنا بفساده فهل يفسد [به] البيع؟ فيه روايتان.
فصل:
وكل موضع فسد العقد لم يحصل به ملك وإن قبض، لأنه مقبوض بعقد فاسد، فأشبه ما لو كان الثمن ميتة، ولا ينفذ تصرف المشتري فيه، وعليه رده بنمائه المنفصل والمتصل، وأجرة مثله مدة مقامه في يديه، ويضمنه إن تلف أو نقص بما يضمن به المغصوب، لأنه ملك غيره حصل في يده بغير إذن الشرع، أشبه المغصوب، ولا حد عليه إن وطئ للشبهة، وعليه مهر مثلها، وأرش بكارتها إن كانت بكراً، والولد حر، لأنه من وطء شبهة، ويلحق نسبة به لذلك، ولا تصير به الجارية أم ولد، لأنها ولدت في غير ملك. وإن حكمنا بفساد الشرط وحده، فقال القاضي: يرجع المشتري بما نقص، لأنه إنما سمح به، لأجل الشرط، فإذا لم يحصل رجع بما سمح به.
فصل:
ولا يحل البيع بعد النداء للجمعة قبل الصلاة لمن تجب عليه الجمعة، لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] . فإن باع لم يصح للنهي ويجوز ذلك لمن لا تجب عليه الجمعة، لأن الخطاب بالسعي لم يتناوله، فكذلك النهي والنداء الذي تعلق به السعي والنهي هو
الثاني الذي يكون عند صعود الإمام المنبر، لأنه الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلق الحكم به، وإنما زاد الأول عثمان رضي الله عنه. وفي النكاح والإجارة وجهان:
أحدهما: حكمهما حكم البيع، لأنهما عقدا معاوضة.
والثاني: يصحان، لأنهما غير منصوص عليهما وليسا في معنى المنصوص عليه، لأنهما لا يكثران، فلا تؤدي إباحتهما إلى ترك الجمعة بخلاف البيع.
فصل:
ولا يحل التسعير، لما روى أنس قال:«غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله قد غلا السعر فسعر لنا، فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق إني لأرجو أن ألقى الله، وليس أحد يطلبني بمظلمة» قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
ولأنه ظلم للبائع بإجباره على البيع سلعته سلعته بغير حق، أو منعه من بيعها بما يتفق عليه المتعاقدان، وهو من أسباب الغلاء، لأنه يقطع الجلب، ويمنع الناس من البيع فيرتفع السعر.
فصل:
والاحتكار محرم، لما روى سعيد بن المسيب، عن معمر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من احتكر فهو خاطئ» رواه مسلم وأبو داود.
والاحتكار المحرم: ما جمع أربعة أوصاف، أن يشتري قوتاً يضيق به على الناس في بلد فيه ضيق، فأما الجالب فليس بمحتكر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» ولأنه لا ضرر على الناس على جلبه. ومن استغل من أرضه شيئاً فهو كالجالب. ولا يمنع من احتكار الزيت، وما ليس بقوت، لأن سعيد بن المسيب راوي الحديث كان يحتكر الزيت ومن اشترى في حال الرخص على وجه لا يضيق على أحد، فليس بمحتكر، لأنه لا ضرر فيه، بل ربما كان نفعاً.
فصل:
وبيع التلجئة: وهو أن يخاف الرجل ظالماً يأخذ ماله، فيواطئ رجلاً يظهر بيعه