المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

جانب النهر قبل المقسم، يأخذ حقه فيها، ولا أن ينصب - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ٢

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب البيع]

- ‌[باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز]

- ‌[باب بيع النجش والتلقي وبيع الحاضر لباد وبيعه على بيع غيره والعينة]

- ‌[باب تفريق الصفقة]

- ‌[باب الثنيا في البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار في البيع]

- ‌[باب الربا]

- ‌[باب بيع الأصول]

- ‌[باب بيع الثمار]

- ‌[باب بيع المصراة]

- ‌[باب الرد بالعيب]

- ‌[باب بيع المرابحة والمواضعة والتولية والإقالة]

- ‌[باب اختلاف المتبايعين]

- ‌[كتاب السلم]

- ‌[فصل في السلم في الحيوان]

- ‌[ما يجوز فيه السلم وما لا يجوز]

- ‌[باب القرض]

- ‌[فصل فيما يصح قرضه]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[الرهن بمال الكتابة]

- ‌[باب ما يصح رهنه وما لا يصح]

- ‌[باب ما يدخل في الرهن وما يملكه الراهن وما يلزمه]

- ‌[باب جناية الرهن والجناية عليه]

- ‌[باب الشروط في الرهن]

- ‌[باب اختلاف المتراهنين]

- ‌[كتاب التفليس]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[تصرفات الولي في مال المحجور عليه]

- ‌[فصل في اختلاف الولي والحجور عليه]

- ‌[فصل فيما ينفك به الحجر]

- ‌[فصل في تعريف الرشد وما يعرف به]

- ‌[فصل في تصرفات المحجور عليه]

- ‌[كتاب الصلح]

- ‌[فصل في صلح المكاتب والمأذون له من العبيد والصبيان]

- ‌[فصل في الصلح عن المجهول]

- ‌[باب الصلح فيما ليس بمال]

- ‌[فصل حقوق الارتفاق والجوار]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[فصل في آثار الحوالة]

- ‌[كتاب الضمان]

- ‌[فصل فيمن يصح منه الضمان]

- ‌[فصل فيما يصح ضمانه]

- ‌[فصل في اختلاف الضامن والمضمون عنه]

- ‌[باب الكفالة]

- ‌[تعليق الكفالة على شرط أو إضافتها لوقت]

- ‌[فصل في الكفالة بالبدن]

- ‌[كتاب الوكالة]

- ‌[باب الشركة]

- ‌[باب المضاربة]

- ‌[باب العبد المأذون]

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[كتاب الإجارة]

- ‌[باب ما يجوز فسخ الإجارة وما يوجبه]

- ‌[باب ما يلزم المتكاريين وما لهما فعله]

- ‌[باب تضمين الأجير واختلاف المتكاريين]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب المسابقة]

- ‌[باب المناضلة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[كتاب الشفعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب أحكام المياه]

- ‌[باب الوقف]

- ‌[باب الهبة]

- ‌[كتاب الوصايا]

- ‌[باب من تصح وصيته والوصية له ومن لا تصح]

- ‌[باب ما تجوز الوصية به]

- ‌[باب ما يعتبر من الثلث]

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء]

- ‌[باب جامع الوصايا]

- ‌[باب الرجوع في الوصية]

- ‌[باب الأوصياء]

- ‌[فصل في عزل الوصي]

- ‌[كتاب الفرائض]

- ‌[فصل في أسباب التوارث]

- ‌[باب أصحاب الفروض]

- ‌[باب من يسقط من ذوي الفروض]

- ‌[باب أصول سهام الفرائض]

- ‌[باب تصحيح المسائل]

- ‌[باب الرد في الميراث]

- ‌[باب ميراث العصبة من القرابة]

- ‌[باب المناسخات في الميراث]

- ‌[باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم]

- ‌[باب ميراث ذوي الأرحام]

- ‌[باب ميراث الخنثى]

- ‌[باب ميراث الحمل]

- ‌[باب ما يمنع الميراث]

- ‌[باب ذكر الطلاق الذي لا يمنع الميراث]

- ‌[باب الإقرار بمشارك في الميراث]

- ‌[باب ميراث المفقود]

- ‌[باب الولاء]

- ‌[باب الميراث بالولاء]

- ‌[كتاب العتق]

- ‌[باب تعليق العتق بالصفة]

- ‌[باب التدبير]

- ‌[باب الكتابة]

- ‌[باب ما يملكه المكاتب وما لا يملكه]

- ‌[باب الأداء والعجز في الكتابة]

- ‌[باب الكتابة الفاسدة]

- ‌[باب جامع الكتابة]

- ‌[باب اختلاف السيد ومكاتبه]

- ‌[باب حكم أمهات الأولاد]

الفصل: جانب النهر قبل المقسم، يأخذ حقه فيها، ولا أن ينصب

جانب النهر قبل المقسم، يأخذ حقه فيها، ولا أن ينصب على حافتي النهر رحى تدور بالماء، ولا غير ذلك؛ لأن حريم النهر مشترك، فلم يملك التصرف فيه بغير إذن شريكه.

فصل

ومن سبق إلى مباح كالسنبل الذي ينتثر من الحصادين، وثمر الشجر المباح، والبلح، وما ينبذه الناس رغبة عنه، فهو أحق به للخبر؛ فإن استبق إليه اثنان، قسم بينهما؛ لأنهما اشتركا في السبب، فاشتركا في المملوك به، كما لو ابتاعاه.

[باب الوقف]

ومعناه: تحبيس الأصل، وتسبيل الثمرة، وهو مستحب؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به من بعده، وولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية» رواه مسلم.

ويجوز وقف الأرض؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما: «أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمرني فيها؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يوهب، ولا يورث قال: فتصدق بها عمر في الفقراء، وذوي القربى، والرقاب، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها، أو يطعم صديقًا بالمعروف، غير متأثل منه أو غير متمول فيه» متفق عليه.

ووقف السلاح والحيوان جائز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما خالد فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله» متفق عليه. وفي رواية: «وأعتده» ويصح وقف كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها دائمًا، قياسًا على المنصوص عليه. ويصح وقف المشاع؛ لأن في حديث عمر أنه أصاب مائة سهم من خيبر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بوقفها، وهذا صفة المشاع، ولأن القصد تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، وهذا يحصل في المشاع، كحصوله من المفرز، ويصح وقف علو الدار، دون سفلها، وسفلها دون علوها؛ لأنهما عينان يجوز وقفهما، فجاز وقف أحدهما كالدارين.

فصل

ولا يصح وقف ما لا ينتفع به مع بقاء عينه، كالأثمان، والمأكول والمشروب، والشمع؛ لأنه لا يحصل تسبيل ثمرته مع بقائه، ولا ما يسرع إليه الفساد، كالرياحين؛ لأنها لا تتباقى، ولا ما لا يجوز بيعه: كالكلب، والخنزير، ولا المرهون، والحمل

ص: 250

المنفرد، ولا أم الولد؛ لأن الوقف تمليك، فلا يجوز في هذه، كالبيع. ولا يجوز في غير معين، كأحد هذين العبدين، وفرس، وعبد؛ لأنه نقل ملك على وجه القربة، فلم يصح في غير معين كالهبة.

فصل

ولا يصح الوقف إلا على بر: كالمساجد، والقناطر، والفقراء، والأقارب، أو آدمي معين، مسلمًا كان أو ذميًا؛ لأنه في موضع القربة، ولهذا جازت الصدقة عليه، ولا يصح على غير ذلك، كالبيع وكتب التوراة والإنجيل؛ لأن هذا إعانة على المعصية، ولأن هذه الكتب منسوخة قد بدل بعضها، وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر شيئًا استكتبه منها، ولا على قطاع الطريق؛ لأنه إعانة على المعصية.

والقصد بالوقف القربة، ولا على من لا يملك: كالميت، والملك، والجني؛ لأن الوقف تمليك في الحياة، ولا على عبد، أو أم ولد؛ لأنه لا يملك في رواية، وفي أخرى: ملكه غير لازم، والوقف لا يجوز أن يكون متزلزلًا، ولا على حربي أو مرتد؛ لأن ملكهما تجوز إزالته، والوقف يجب أن يكون لازمًا، ولا على غير معين: كرجل أو امرأة؛ لأن تمليك غير المعين لا يصح، فإن قيل: فكيف جاز الوقف على المساجد؟ وهي لا تملك، قلنا: الوقف إنما هو على المسلمين، لكن عين نفعًا خاصًا لهم.

فصل

ولا يصح تعليقه على شرط مستقبل؛ لأنه عقد يبطل بالجهالة، فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالبيع، إلا أن يقول: هو وقف بعد موتي فيصح، ويكون وصية يعتبر خروجه من الثلث؛ لأنه تبرع مشروط بالموت فكان وصية، كما لو قال: إذا مت، فهذا صدقة للمساكين. وجعل القاضي وأبو الخطاب: تعليق الوقف على الموت كتعليقه على شرط في الحياة، فلا يصح في الموضعين إلا على قول الخرقي. والأولى التفريق بينهما؛ لأن تعليقه بالموت وصية فجاز.

كما لو قال: إذا مات، فداري لفلان، أو أبرأته من ديني عليه، ولا يلزم من جواز ذلك صحة تعليق الهبة والإبراء، على شرط في الحياة، كذا هاهنا، ولا يجوز الوقف إلى مدة؛ لأنه إخراج مال على سبيل القربة، فلم يجز إلى مدة، كالصدقة، فإن شرط فيه الخيار، أو شرط فيه الرجوع إذا شاء، أو يبيعه إذا احتاج، أو لم يدخل فيه من شاء لم يصح؛ لأنه إخراج ملك على سبيل القربة، فلم يصح مع هذه الشروط، كالصدقة.

فصل

وإن شرط أن يأكل منه أيام حياته، أو مدة يعينها، فله شرطه. نص عليه أحمد

ص: 251

- رضي الله عنه، واحتج بما روى حجر المدري:«أن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل أهله بالمعروف غير المنكر» ، ولأن عمر رضي الله عنه قال في وقفه: لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقًا، وكان الوقف في يده إلى أن مات، ولأنه لو وقف وقفًا عامًا، كالسقاية والمسجد، لكان له أن ينتفع منه، كذلك إذا خصه بانتفاعه.

فصل

وإن وقف على نفسه ثم على أولاده، ففيه روايتان:

إحداهما: لا يصح؛ لأن الوقف تمليك، فلم يصح أن يملك نفسه به كالبيع.

والثانية: يصح؛ لأنه لما جاز أن يشترط لنفسه منه شيئًا، جاز أن يختص به أيام حياته كالوصية.

فصل

ولا يكون الوقف، إلا على سبيل غير منقطع: كالفقراء، والمساكين، وطلبة العلم، والمساجد، أو على رجل بعينه، ثم على ما لا ينقطع، فإن وقفه على رجل بعينه وسكت، صح وكان مؤبدًا؛ لأن مقتضاه التأبيد، فحمل فيما سماه على ما شرطه، وفيما سكت عنه على مقتضاه، ويصير كأنه وقف مؤبد، أو قدم المسمى على غيره. فإذا انقرض المسمى صرف إلى أقارب الواقف؛ لأنهم أحق الناس بصدقته، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:«صدقتك على غير رحمك صدقة، وصدقتك على رحمك صدقة وصلة» .

وعنه: أنه يرجع إلى المساكين؛ لأنها مصارف الصدقات المفروضات، كالزكوات والكفارات.

والأول: ظاهر المذهب، وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه والخرقي: أنه يرجع إلى الأغنياء، والفقراء من أقاربه؛ لأن الوقف يستوي فيه الغني والفقير، ويحتمل أن يختص الفقراء؛ لأنهم مصرف الصدقات، ويرجع إلى جميع الورثة في إحدى الروايتين؛ لأنه يصرف إليهم ماله عند موته.

والثانية: يرجع إلى أقرب عصبة الواقف؛ لأنه مصرف ولاء معتقه، وعليهم عقله، فخصوا بهذا، ويكون وقفًا على من رجع إليه؛ لأنه إنما صرف إليهم بوقف مالكه له، والوقف يقتضي التأبيد، فإذا انقرضوا رجع إلى المساكين، وإن لم يكن له أقارب رجع إلى المساكين ليعيلهم، ولو جعل الانتهاء مما لا يجوز الوقف عليه فقال: وقفت على أولادي، ثم على البيع، فحكمه حكم ما لم يسم له انتهاء؛ لأن ذكر ما لا يجوز كعدمه. وإن قال: وقفت داري ولم يذكر سبلها، صح في قياس المذهب؛ لأنه إزالة ملك على

ص: 252

سبيل القربة، فصح مطلقًا، كالعتق. وحكمه حكم منقطع الانتهاء.

فصل

فإن قال: وقفت على هذا العبد، ولم يذكر له مالًا فهو باطل؛ لأنه منقطع الابتداء والانتهاء. وإن جعل له ما لا يجوز الوقف عليه فقال: ثم على المساكين صح؛ لأنه جمع فيه بين ما يجوز وما لا يجوز فصح، كما لو وقفه على أولاده، ثم على البيع، ويحتمل أن يخرج صحته على الروايتين في تفريق الصفقة، فإن قلنا بصحته، وكان من لا يصح الوقف عليه لا يمكن اعتبار انقراضه، كالميت والمجهول، صرف في الحال إلى من يجوز؛ لأن ذكر من لا يجوز كعدمه، وإن أمكن اعتبار انقراضه كعبد معين، احتمل ذلك أيضًا لذلك، واحتمل أن يصرف إلى أقارب الواقف إلى أن ينقرض من لا يجوز الوقف عليه، ثم يصرف إلى من يجوز؛ لأن وقفه على من يجوز مشروط بانقراض من لا يجوز، فكان الوقف قبل ذلك لا مصرف له، فصرف إلى الأقارب، كمنقطع الانتهاء.

فصل

ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه، مثل أن يبني مسجدًا، ويأذن للناس في الصلاة فيه، أو مقبرة، ويأذن لهم في الدفن فيها، أو سقاية ويشرع بابها، ويأذن في دخولها؛ لأن العرف جار به، وفيه دلالة على الوقف، فجاز أن يثبت به كالقول، وجرى مجرى من قدم طعامًا لضيفانه، أو نثر نثارًا، أو صب في خوابي السبيل ماء، وأما القول فألفاظه ستة، ثلاثة صريحة، وهي: وقفت، وحبست، وسبلت، متى أتى بواحدة منها صار وقفًا؛ لأنه ثبت لها عرف الاستعمال، وعرف الشرع بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه:«إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها» فصارت كلفظ الطلاق فيه، وثلاثة كناية، وهي: تصدقت، وحرمت، وأبدت، فليست صريحة؛ لأنها مشتركة بين الوقف وغيره من الصدقات والتحريمات، فإن نوى بها الوقف، أو قرن بها لفظًا من الألفاظ الخمسة، أو حكم الوقف، بأن يقول: صدقة محبسة، أو محرمة، أو مؤبدة، أو صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، صار وقفًا؛ لأنه لا يحتمل مع هذه القرائن إلا الوقف.

فصل

ولا يجوز التصرف في الوقف بما ينقل الملك في الرقبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر: «لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث» ولأن مقتضى الوقف التأبيد، وتحبيس الأصل، بدليل أن ذلك من بعض ألفاظه، والتصرف في رقبته ينافي ذلك.

ص: 253

فصل

والوقف يزيل ملك الواقف؛ لأنه يزيل ملكه عن التصرف في العين والمنفعة، فأزال ملكه عن الرقبة، كالعتق، ويزيل الملك بمجرد لفظه؛ لأن الوقف يحصل به.

وعنه: لا يحصل إلا بإخراجه عن يده.

قال أحمد: الوقف المعروف أن يخرجه من يده، ويوكل من يقوم به؛ لأنه تبرع، فلم يلزم بمجرده كالهبة والوصية، والأول المشهور؛ لحديث عمر رضي الله عنه، ولأنه تبرع يمنع البيع والهبة والميراث، فلزم بمجرده كالعتق، ولا يفتقر إلى قبول، ويحتمل أنه متى كان على آدمي معين، افتقر إلى القبول؛ لأنه تبرع لآدمي معين، أشبه الهبة، فإن لم يقبل أو رده بطل في حقه، ولم يبطل في حق من بعده، وصار كالوقف على من لا يصح، ثم على من يصح، وعلى الظاهر من المذهب أنه لا يفتقر إلى القبول، ولا يبطل برده؛ لأنه إزالة ملك على وجه القربة، أشبه العتق والوقف على غير معين.

فصل

وينتقل الملك في الوقف إلى الموقوف عليه في ظاهر المذهب؛ لأنه سبب نقل الملك، ولم يخرجه عن المالية وجد إلى من يصح تمليكه، أشبه البيع والهبة.

وعنه: لا يملكه، ويكون الملك لله تعالى؛ لأنه حبس للعين، وتسبيل للمنفعة على وجه القربة، فأزال الملك إلى الله سبحانه كالعتق.

فصل

ويملك الموقوف عليه غلته وثمرته، وصوفه ولبنه؛ لأنه من غلته، فهو كالثمرة، ويملك تزويج الأمة؛ لأنه عقد على نفعها، فأشبه إجارتها، ويملك مهرها؛ لأنه بدل نفعها أشبه أجرتها، وإن ولدت، فولدها وقف معها؛ لأن الوقف حكم ثبت في الأم، فسرى إلى الولد، كالاستيلاد والكتابة، ولا يملك الموقوف عليه وطأها؛ لأن ملكه فيها ضعيف، ولا يؤمن إفضاؤه إلى إخراجها من الوقف فإن وطئها، فلا حد عليه؛ لأنها ملكه، ولا مهر عليه لذلك. وإن لم تلد منه، فهي وقف بحالها، وإن ولدت منه، فالولد حر؛ لأنه من مالكها، وعليه قيمته يوم الوضع؛ لأنه فوت رقه، ويشتري بها عبدًا يكون وقفًا مكانه، وتصير أم ولد له؛ لأنه أحبلها بحر في ملكه، فإذا مات عتقت، ووجبت قيمتها في تركته حينئذ؛ لأنه أتلفها على من بعده، ويشتري بالقيمة جارية تكون وقفًا مكانها، وإن قلنا: ليست ملكًا له، لم تصر أم ولد بوطئه.

ص: 254

فصل

وإن أتلف الوقف أجنبي أو الواقف، أو الموقوف عليه، فعليه قيمته يشتري بها مثله يقوم مقامه؛ لأن الموقوف عليه لا يملك التصرف في رقبته، إنما له نفعه، وإن وطئت الجارية بشبهة فولدها حر، وعلى الواطئ قيمته يوم وضعه يشتري بها ما يقوم مقامه، وإن جنى الوقف، تعلقت جنايته بالموقوف عليه؛ لأنه يملكه، ولم تتعلق بالوقف؛ لأن رقبته محلًا للبيع، فتعلقت بمالكه كأم الولد.

فصل

وتصرف الغلة على ما شرط الواقف من التسوية، والتفضيل، والتقديم، والتأخير، والجمع، والترتيب، وإدخال من أدخله بصفة، وإخراج من أخرجه بصفة؛ لأنه ثبت بوقفه، فوجب أن يتبع فيه شرطه، ولأن عمر رضي الله عنه وقف أرضه على الفقراء، وذوي القربى، والرقاب، وابن السبيل، والضيف، وجعل لمن وليها أن يأكل منها، أو يطعم صديقًا. ووقف الزبير على ولده، وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضرًا بها، وإذا استغنت بزوج فلا حق لها فيه.

فصل

فإذا قال: وقفت على أولادي، دخل فيه الذكر منهم والأنثى والخنثى؛ لأن الجميع أولاد، وهل يدخل فيه ولد الولد؟ فيه روايتان:

إحداهما: يدخلون؛ لأنهم دخلوا في قول الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11]، وفي قوله:{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] ، فعلى هذه الرواية يدخل ولد البنين دون ولد البنات؛ لأن ولد البنين هم الذين دخلوا في النص دون ولد البنات.

قال الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأجانب

والثانية: لا يدخل ولد الولد؛ لأن ولده حقيقة ولد صلبه، والكلام بحقيقته، إلا أن يقرن به ما يدل على إدخالهم كقوله: وقفت على أولادي، لولد الذكور الثلثان، وولد الإناث الثلث ونحوه. فإن قال: وقفت على أولادي، فإذا انقرض أولاد أولادي، فهو على المساكين، دخل أولاد الأولاد في الوقف؛ لأن قرينة اشتراط انقراضهم دليل على أنهم أريدوا به، وقيل: لا يدخلون أيضًا؛ لأن اللفظ لا يتناولهم، بل يكون وقفًا

ص: 255

منقطع الوسط، يصرف بعد أولاده إلى مصرف الوقف المنقطع، فإذا انقرض أولاد أولاده، صرف إلى المساكين. وإن وصل لفظه بما يقتضي تخصيص أولاده، فقال: وقفت على ولدي لصلبي، أو قال: على أولادي، ثم على أولادهم، اختص بالولد وجهًا واحدًا، ومتى كان الوقف على الأولاد مطلقًا، سوي فيه بين الذكر والأنثى والخنثى؛ لاقتضاء لفظه التسوية، كقوله تعالى في ولد الأم:{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] ، وإن كان في لفظه تفضيل بعضهم، فهو كذلك، وإن كان له حمل، لم يدخل في الوقف حتى ينفصل، ثم يستحق ما يحدث من الغلة بعد انفصاله، دون ما كان موجودًا قبله، كالثمرة المؤبرة، والزرع المدرك؛ لأنه لا يسمى ولدًا قبل الانفصال، وإن نفي ولده بلعان، خرج من الوقف، لخروجه عن كونه ولدًا له.

فصل

وإن وقف على بنيه، لم يدخل فيه بنت ولا خنثى؛ لأنه لم يعلم كونه ابنًا، وإن وقف على بناته، لم يدخل فيه ذكر ولا خنثى. وإن وقف على ولد فلان أو بنيه أو بناته، فهو كوقفه على ولد نفسه وبنيه وبناته، إلا أن يقف على بني فلان، وهم قبيلة كبني هاشم، فيدخل فيه الذكر والأنثى والخنثى من ولد البنين دون البنات؛ لأن هذا الاسم يقع على القبيلة ذكرهم وأنثاهم، وولد البنات لا يعدون منها.

فصل

وإن وقف على أولاده وأولاد أولاده، دخل في الوقف أولاده الذكور والإناث والخناثى، وأولادهم الذكور والإناث والخناثى من ولد البنين، فأما ولد البنات، فقال الخرقي: لا يدخلون؛ لأنهم لم يدخلوا في قوله سبحانه: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] ، ولا يدخلون في الوقف على ولد فلان وهم قبيلة، فلا يدخلون هاهنا، ولأنهم إنما ينسبون إلى قبيلة آبائهم دون قبيلة أمهاتهم، وقال أبو بكر وابن حامد: يدخلون في الوقف؛ لأنهم أولاد أولاده. وإن قال: وأولاد أولادي المنتسبين إلي، لم يدخلوا وجهًا واحدًا، وإن قال: لولد الذكر سهمان، ولولد الأنثى سهم دخلوا فيه؛ لأنه صرح بدخولهم، ولو وقف على قوم بأعيانهم، ثم على أولادهم، وكانوا ذكورًا وإناثًا، دخل أولاد الإناث في الصحيح؛ لأن اللفظ تناولهم، كتناوله ولد البنين، وإن كان جميعهم إناثًا، دخل في أولادهن؛ لأن لفظه نص فيهم.

ص: 256

فصل

وإذا شرك بين الولد وولد الولد بالواو، اشترك الجميع فيه، وإن رتب فقال: على أولادي، ثم على أولادهم، أو قال: الأعلى فالأعلى، أو الأقرب فالأقرب، وجب ترتيبه، وإن رتب بطنين، ثم شرك بين الباقين، أو شرك بين بطنين، ثم رتب الباقين، فهو على ما شرطه، وكيفما شرط فالأمر عليه؛ لأن الوقف ثبت بلفظه، فوجب أن يتبع مقتضاه.

فصل

وإن وقف على قرابته، أو قرابة فلان، فهو لولده وولد أبيه، وجده وجد أبيه الذكر والأنثى. ولا يعطى من بعد ذلك، ولا قرابته من جهة أمه شيئاً، لأن الله تعالى جعل خمس الخمس لذوي قربى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم قرابته إلى بني هاشم، لم يتجاوزهم، ولم يعط بني زهرة شيئاً. ويحتمل أن يعطي كل من عرف قرابته من الجهتين، لأن الاسم واقع عليهم لغة وعرفاً.

وعنه: إن لم يصل قرابته من جهة أمه في حياته، دخلوا فيه، وإلا فلا، لأن صلته لهم في حياته تدل على إرادتهم بصلته هذه، وإن وجدت قرينة لفظية، أو حالية تدل على إرادتهم أو حرمانهم، عمل عليه، وأهل بيته بمثابة قرابته. وقال الخرقي: إذا أوصى لأهل بيته، أعطي من قبل أبيه وأمه.

فصل

وإن وقف على أقرب الناس إليه، وله أبوان وولد، فهم سواء فيه، لأن كل واحد منهم يليه في القرب من غير حاجز، ولأنه جزء والده، وولده جزؤه، ويحتمل تقديم الابن لتقديمه في التعصيب. وإن عدم بعضهم، فهو للباقين، ويقدم كل واحد من هؤلاء على من سواهم، لأن سواهم يدلي بواسطة. وإن عدموا، فهو لولد الابن، أو الجد أبي الأب، الأقرب منهم فالأقرب، فإن عدموا فهو للإخوة، لأنهم ولد الأب، ويقدم الأخ من الأبوين، ويسوى بين الأخ من الأب، والأخ من الأم، وكذلك الأخوات، فإن عدموا صرف إلى بنيهم على ترتيب آبائهم، ويسوى بين الأخ والجد لاستوائهما في الميراث، ولأن الجد أبو الأب، والأخ ولد الأب، ويحتمل تقديم الجد، لأن له ولادة، وهو أقوى في الميراث، وقيل يقدم الأخ، لأنه ابن الأب، فيكون أقوى من أبيه، لقوة تعصيبه، فإن لم يكن له إخوة، فهو للأعمام، ثم بنيهم على ترتيب الميراث. وإن وقف على جماعة من أقرب الناس إليه، صرف إلى ثلاثة منهم، فإن كان بعضهم أقرب من بعض، استوفي ما أمكن من الأقرب، وتمم الباقي من الأبعد، لأنه شرط العدد والأقرب، فوجب

ص: 257

اعتبارهما. وإن استوى جماعة في القرب، أعطي الجميع لتساويهم.

فصل

وإن وقف على عترته فهم عشيرته وولده، قاله ابن قتيبة، وقال ابن الأعرابي وثعلب: هم ذريته، والأول أولى، لأنه يروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: نحن عترة النبي صلى الله عليه وسلم. وإن وقف على مواليه، وله موال من فوق، وموال من أسفل، فهو لجميعهم، لأن الاسم يشملهم حقيقة. وإن وقف على زيد وعمرو والفقراء، فلهما الثلثان وللفقراء الثلث؛ لأنه جعله لثلاث جهات، فوجب قسمته أثلاثا. وإن وقف عليهما، ثم على الفقراء، فمن مات منهما، رجع نصيبه إلى صاحبه، فإذا ماتا، رجع إلى الفقراء، لأنه جعله لهم مشروطاً بانقراضهما.

فصل

وإن وقف نخلة فيبست، أو جذوعاً فتكسرت، جاز بيعها، لأنه لا نفع في بقائها، وفيه ذهاب ماليتها، فكانت المحافظة على ماليتها ببيعها أولى، لأنه لا يجوز وقف ما لا نفع فيه ابتداء، فلا يجوز استدامة وقفه، لأن ما كان شرطاً لابتداء الوقف، كان شرطاً لاستدامته كالمالية، وإذا بيعت، صرف ثمنها في مثلها، وإن حبس فرساً في سبيل الله، فصارت بحيث لا ينتفع بها فيه، بيعت، لما ذكرنا، وصرف ثمنها في حبيس آخر. وإن وقف مسجداً فخرب، وكان في مكان لا ينتفع به، بيع، وجعل في مكان ينتفع به، لما ذكرنا. وكل وقف خرب ولم يرد شيئاً بيع، واشتري بثمنه ما يرد على أهل الوقف. وإن وقف على ثغر فاختل صرف إلى ثغر مثله، لأنه في معناه.

فصل

وينفق على الوقف من حيث شرط الواقف؛ لأنه لما اتبع شرط الواقف في سُبُله كذلك في النفقة عليه، فإن لم يشرط النفقة عليه، أنفق عليه من غلته، لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا بالنفقة عليه، فإن لم يكن له غلة، أنفق عليه الموقوف عليه؛ لأنه ملكه.

فصل

وينظر في الوقف من حيث شرط الواقف، لأن عمر رضي الله عنه: جعل النظر في وقفه إلى حفصة ابنته، ثم إلى ذوي الرأي من أهلها، ولأن سبله إلى شرطه، فكذلك النظر فيه. وإن لم يشرط الناظر، ففيه وجهان:

أحدهما: ينظر فيه الموقوف عليه، لأنه ملكه، وغلته له، فكان نظره إليه كالمطلق.

ص: 258