الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الوصايا]
الوصية: هي التبرع بعد الموت، وهي مستحبة لمن ترك خيراً، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله تعالى تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم» . رواه ابن ماجه. وليست واجبة، لأنها عطية لا تجب في الحياة، فلا تجب بعد الموت، كالزائد على الثلث. وحكي عن أبي بكر أنها واجبة للأقارب غير الوارثين، لظاهر قَوْله تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] .
والمستحب فيها الإيصاء بالخمس. وقال القاضي وأبو الخطاب: يستحب لمن كثر ماله الوصية بالثلث لما ذكرنا في الحديث، ووجه ما ذكرنا ما روى عامر بن سعد عن أبيه قال:«مرضت مرضاً أشفيت منه على الموت، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت: يا رسول الله لي مال كثير، وليس يرثني إلا ابنتي، أفأوصي بمالي كله؟ قال: لا، قلت: فبالثلثين؟ قال: لا، قلت: فبالشطر، قال: لا، قلت: فبالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» متفق عليه. يعني يطلبون الناس بأكفهم. فاستكثر الثلث مع إخباره إياه بكثرة ماله وقلة عياله، قال ابن عباس: وددت لو أن الناس غضوا من الثلث، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والثلث كثير» . متفق عليه. وأوصى أبو بكر بالخمس. وقال: رضيت نفسي ما رضي الله به لنفسه. وقال علي: لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالثلث. أما قليل المال ذو العيال، فلا تستحب له الوصية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» .
فصل:
ويستحب لمن رأى موصياً يحيف في وصيته أن ينهاه، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم سعداً عن الزيادة في الثلث. وقال بعض أهل التفسير في قَوْله تَعَالَى:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} [النساء: 9] هو أن يرى المريض يحيف على ولده فيقول له: اتق الله ولا توص بمالك كله.
فصل:
ولا يجوز لمن له وارث الوصية بزيادة على الثلث، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم سعداً عن ذلك، فإن فعل، وقف الزائد على الثلث على إجازة الورثة. فإن أجازوه، جاز. وإن ردوه بطل بغير خلاف، ولأن الحق لهم، فجاز بإجازتهم، وبطل بردهم. وظاهر المذهب أن الإجازة صحيحة. وإجازة الورثة تنفيذ، لأن الإجازة تنفيذ في الحقيقة. ولا خلاف في تسميتها إجازة، فعلى هذا يكتفى فيها بقوله: أجزت، وما يؤدي معناه، وإن كانت عتقاً، فالولاء للموصي يختص به عصباته. وقال بعض أصحابنا: الوصية باطلة، والإجازة هبة يفتقر إلى لفظها، وولاء المعتقين لجميع الورثة، وللمجيز إذا كان أباً للموصى له، الرجوع فيها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، والنهي يقتضي الفساد، ولأنه أوصى بمال غيره فلم يصح، كالوصية بما استقر ملك وارثه عليه. ولا يعتبر الرد والإجازة إلا بعد الموت، لأنه لا حق للوارث قبل الموت، فلم يصح إسقاطه، كإسقاط الشفعة قبل البيع. فأما من لا وارث له، ففيه روايتان:
إحداهما: تجوز وصيته بماله كله، لأن النهي معلل بالإضرار بالورثة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» .
والثانية: الوصية باطلة، لأن ماله يصير للمسلمين، ولا مجيز منهم.
فصل:
وإن أوصى بجزء من المال، فأجازها الوارث، ثم قال: إنما أجزتها ظناً مني أن المال قليل، قبل قوله مع يمينه، لأنه مجهول في حقه، فلا تصح الإجازة فيه، ويحتمل أن لا يقبل، لأنه رجوع عن قول يلزمه به حق، فلم يقبل، كالرجوع عن الإقرار، وإن وصى بعبد، فأجازه، ثم قال: ظننت المال كثيراً فأجزته لذلك، ففيه أيضاً وجهان. وقيل: يصح هنا وجهاً واحداً، لأن العبد معلوم.