الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في صلح المكاتب والمأذون له من العبيد والصبيان]
فصل
وصلح المكاتب والمأذون له، من العبيد والصبيان من دين لهم ببعضه، لا يصح إلا إذا كان لهم به بينة، أو أقر لهم به؛ لأنه تبرع وليس لهم التبرع. فإن كان على الإنكار، صح؛ لأن استيفاءهم للبعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه.
[فصل في الصلح عن المجهول]
فصل
ويصح الصلح عن المجهول الذي لا سبيل إلى معرفته، عيناً كان أو ديناً؛ لما روي «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في رجلين اختصما إليه في مواريث درست: استهما وتوخيا الحق، وليحلل أحدكما صاحبه» رواه أبو دواد. وسواء كان الجهل من الجانبين كالحقوق الدارسة، أو ممن عليه الحق، لأن الحاجة تدعو إليه. فأما ما يمكن معرفته، فلا يجوز، قال أحمد: إن صالحوا امرأة من ثمنها، لم يصح. ولو قال الوارث لبعضهم: نخرجك عن الميراث بألف، أكره ذلك، حتى يعرفه. ويعلم ما هو؟ إنما يصالح الرجل عن الشيء لا يعرفه، ولا يدري ما هو؟ أو يكون رجلاً يعلم ماله على الآخر، والآخر لا يعرفه فيصالحه. فأما إذا علم فلم يصالحه إنما يريد أن يهضم حقه. ولأن هذا لا حاجة إليه، فلم يجز كبيع المجهول.
[باب الصلح فيما ليس بمال]
يصح الصلح عن دم العمد بما يزيد على الدية وينقص عنها؛ لأن المال لم يتعين فإن خرج العوض حراً أو مستحقاً، رجع بقيمته. ولو صالح عن دار فخرج العوض مستحقاً، رجع في الدار؛ لأنه بيع، فإذا فسد عوضه تبينا فساده، والصلح في الدم إسقاط، فلم يعد بعد سقوطه، ورجع ببدل العوض وهو القيمة.
[فصل حقوق الارتفاق والجوار]
فصل
وإذا أراد أن يجري في أرض غيره ماء، له غنى عن إجرائه فيها، لم يجز إلا برضاه لأن فيه تصرفاً في أرض غيره بغير إذنه، فلم يجز، كالزرع فيها، فإن صالحه على موضع القناة، جاز، إذا بينا موضعها وطولها وعرضها لأنه بيع لموضع من أرضه، ولا حاجة إلى بيان عمقها؛ لأن قرارها لمشتريها يعمق ما شاء، وإن شرط أن أرضهما لرب الأرض، كان إجارة، يفتقر إلى معرفة عمقها، ومدتها كإجارتها للزرع، فإن كان رب الأرض مستأجراً لها، جاز أن يصالح على إجراء ماء فيها في ساقية محفورة مدة لا تتجاوز مدة إجارته، وليس له حفر ساقية؛ لأنه إحداث شيء لم تتناوله الإجارة، وكذلك إن كانت الأرض وقفاً عليه. وإن صالح رجلاً على أن يجري على سطحه، أو أرضه ماء المطر، جاز، إذا كان السطح الذي يجري ماؤه معلوماً؛ لأن الماء يختلف بصغره،
وكبره، ومعرفة موضع الميزاب الذي يجري الماء إليه؛ لأن ضرره يختلف. ولا يفتقر إلى ذكر المدة؛ لأن الحاجة تدعو إلى هذا، ولأن هذا لا يستوفي به منافع السطح، بخلاف الساقية. ومن كانت له أرض، لها ماء، لا طريق له، إلا في أرض جاره، وفي إجرائه ضرر بجاره، لم يجز إلا بإذنه؛ لأنه لا يملك الإضرار به، بالتصرف في ملكه، بغير إذنه، وإن لم يكن فيه ضرر، ففيه روايتان:
إحداهما: لا يجوز، لما تقدم.
والثانية: يجوز؛ لما روي أن الضحاك بن خليفة، ساق خليجاً من العريض، فأراد أن يمر به على محمد بن مسلمة فمنعه، فقال له عمر: لم تمنع جارك ما ينفعه ولا يضرك، تشربه أولاً وآخراً؟ فقال له محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر رضي الله عنه أن يمر به، ففعل. رواه سعيد بن منصور. ولأنه نفع لا ضرر فيه، فأشبه الاستظلال بحائطه.
فصل
ولا يجوز أن يشرع إلى الطريق النافذ جناحاً، وهو الروشن، على أطراف خشب مدفونة في الحائط، ولا ساباطاً، وهو المستولي على هواء الطريق على حائطين؛ لأنه بناء في ملك غيره، بغير إذنه، فلم يجز، كالبناء في أرض الطريق، ولا ميزاباً، ولا يبني فيها دكة لذلك، ولأنه يضر بالمارة، أشبه بناء بيت، ولا يباح ذلك بإذن الإمام؛ لأنه ليس له الإذن فيما يضر المسلمين، وسواء أضر في الحال، أو لم يضر؛ لأن هذا يراد للدوام، وقد يحدث الضرر فيه. وقال ابن عقيل: يجوز أن يأذن الإمام فيما لا ضرر فيه؛ لأنه نائب عن المسلمين، فجرى مجرى إذنه في الجلوس.
فصل
ولا يجوز أن يفعل هذا في ملك إنسان، ولا درب غير نافذ، إلا بإذن أهله؛ لأنه حقهم، فلم يجز التصرف فيه بذلك، بغير إذنهم، فإن صالحه المالك، أو أهل الدرب بشيء معلوم، جاز؛ لأنه يجوز بإذنهم بغير عوض، فجاز بعوض، كما في القرار. وقال القاضي: لا يصح الصلح عن الجناح والساباط؛ لأنه بيع للهواء دون القرار.
فصل
وإذا حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره، فطالبه بإزالتها، لزمه ذلك؛ لأن هواء ملكه ملكه، فإن لم يزله، فلمالك الأرض إزالتها، بالقطع وغيره، كما لو دخلت بهيمة جاره داره، ملك إخراجها، فإن صالحه على تركها بعوض، جاز عند ابن حامد، وابن عقيل؛ لأن الجهالة هاهنا لا تمنع التسليم، فلم تمنع الصحة، كالصلح عن
المواريث الدارسة، ولأن هذا مما يحتاج إليه، ويسامح فيه، فجرى سمن المستأجر للركوب، وهزاله. وقال القاضي: يصح في اليابس، المعتمد على حائط، ولا يصح في الرطب؛ لأنه يزيد ويتغير، ولا في غير المعتمد؛ لأنه لا قرار له. وقال أبو الخطاب: لا يصح في الجميع؛ لأن الرطب يزيد ويتغير، واليابس ينقص ويذهب. وإن صالحه بجزء من ثمرتها معلوم، ففيه وجهان:
أحدهما: المنع؛ للجهالة فيه وفي عوضه.
والثاني: يجوز؛ لأن هذا يكثر في الأملاك المتجاورة، وفي القطع إتلاف وإضرار، فدعت الحاجة إلى الصلح بجزء من الثمرة؛ لأنه أسهل، ولو امتدت عروق شجرة، حتى أثرت في بناء غيره، أو بئره، فعليه إزالته؛ لأن قرار ملك الإنسان ملكه، فهو كهوائه، ولو مال حائطه إلى ملك جاره، أو طريق، لزمه إزالته.
فصل
ليس للإنسان أن يفتح في حائط جاره طاقاً، ولا يغرز فيه وتداً، ولا مسماراً، ولا يحدث عليه حائطاً، ولا سترة بغير إذنه؛ لأنه يصرف في ملك غيره، بما يضر به، فلم يجز، كهدمه. وليس له وضع خشبة عليه، إن كان يضر بالحائط، أو يضعف عن حمله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار» وإن كان لا يضر، وبه غنى عنه، لم يجز عند أكثر أصحابنا؛ لأنه تصرف في ملك غيره، بما يستغني عنه، فلم يجز، كفتح الطاق، وغرز المسمار، وأجازه ابن عقيل لخبر أبي هريرة. ولأن ما أبيح لا تعتبر له حقيقة الحاجة، كانتزاع الشقص المشفوع، والفسخ بالعيب. وإن احتاج إليه، بحيث لا يمكنه التسقيف إلا به جاز؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يمنع أحدكم جاره، أن يضع خشبة على جداره» متفق عليه. ولأنه انتفاع، لا ضرر فيه، دعت الحاجة إليه، فوجب بذله، كفضل الماء لبهائم غيره، وذكر القاضي، وأبو الخطاب: أنه لا يجوز، إلا لمن ليس له إلا حائط واحد، ولجاره ثلاثة، وقد يتعذر التسقيف على الحائطين غير المتقابلين، فالتفريق تحكم، فأما وضع الخشب في حائط المسجد مع الشرطين، ففيه روايتان:
إحداهما: يجوز؛ لأن تجويزه في ملك الآدمي المبني حقه على الضيق، تنبيه على جوازه في حق الله، المبني على المسامحة والسهولة.
والثانية: المنع، اختارها أبو بكر؛ لأن الأصل المنع، خولف في الآدمي المعين، فيبقى فيما عداه على مقتضى الأصل، ويتخرج من هذه الرواية، أن يمنع من وضعه في ملك الجار إلا بإذنه؛ لما ذكرنا للرواية الأولى، فإن صالحه المالك على وضع خشبه
بعوض في الموضع الذي يجوز له وضعه، لم يجز؛ لأنه يأخذ عوض ما يجب عليه بذله، وإن كان في غيره، جاز، سواء كانت إجارة في مدة معلومة، أو على التأبيد، بشرط كون الخشب معلوماً برؤية، أو صفة، والبناء معلوم، والآلة معلومة، ومتى زال الخشب، لسقوط الحائط أو غيره، فله إعادته؛ لأنه استحق بقاءه بعوض، ولو كان له رسم طرح خشب، فصالحه المالك بعوض، على أن لا يعيده عليه، أو ليزيله عنه، جاز؛ لأنه لما جاز أن يصالح على وضعه، جاز على نزعه.
فصل
فإن كان له دار، بابها في زقاق غير نافذ، وظهرها إلى الشارع، فله فتح باب إلى الشارع؛ لأن له حقاً في الاستطراق فيه، وإن كان بابها إلى الشارع لم يكن له فتح باب إلى الزقاق للاستطراق؛ لأنه لا يجوز له أن يجعل لنفسه حق الاستطراق، في مكان مملوك لأهله، لاحق له فيه، ويحتمل الجواز لما نذكره في الفصل الذي يليه، وله أن يفتح مكاناً للضوء والنظر لا يصلح للاستطراق؛ لأن له رفع جميع حائطه، فرفع بعضه أولى. وإن فتحه باباً، يصلح للاستطراق، وقال: لا أجعله طريقاً، بل أغلقه وأسمره، ففيه وجهان:
أحدهما: له ذلك؛ لما ذكرنا.
والثاني: لا يجوز؛ لأن الباب دليل على الاستطراق فيجعل لنفسه حقاً. وإن كان له داران، باب إحداهما أو بابهما في زقاقين غير نافذين، بينهما حائط، فأنفذ إحداهما إلى الأخرى، جاز في أحد الوجهين؛ لأن رفع الحائط من بينهما، وجعلهما داراً واحدة، فرفع بعضه أولى.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه يجعل الزقاقين، ويجعل الاستطراق في كل واحد منهما من دار، لاحق لها فيه. وكل موضع لا يجوز إذا صالح أهل الدرب بعوض، أو أذنوا له بغير عوض، جاز لأن المنع لحقهم، فجاز لهم أخذ العوض عنه، كسائر حقوقهم.
فصل
فإن كان بابه في زقاق، غير نافذ، فأراد تقديمه نحو أوله، جاز؛ لأنه يترك بعض حقه، وإن قدمه نحو آخره، لم يجز؛ لأنه يجعل لنفسه الاستطراق في موضع، لم يكن له ويحتمل الجواز؛ لأن له رفع حائطه كله، فيملك رفع بعضه، ولأن ما يلي حائطه فيئاً له، فملك فتح الباب فيه، كحالة ابتداء البناء، فإن له في ابتداء البناء جعل بابه حيث شاء، فتركه له لا يسقط حقه منه. ولو تنازع صاحبا البابين في الدرب، ففيه وجهان:
أحدهما: يحكم بالدرب من أوله إلى الباب الأول لهما؛ لأن يدهما عليه، واستطراقهما فيه، وسائر الدرب للآخر؛ لأن اليد له لاستطراقه وحده.
والثاني: هو بينهما؛ لأن لهما جميعا يداً وتصرفاً، فعلى الوجه الأول لصاحب الباب الصدراني جعل آخر الدرب دهليزاً يختص به عن سائر أهل الدرب؛ لأنه ملكه خاصة، وعلى الثاني لا يجوز؛ لأنه مشترك بين الجميع.
فصل
إذا كان بينهما حائط مشترك، فانهدم، فدعا أحدهما صاحبه إلى عمارته فأبى، أجبر؛ لأنه إنفاق على ملك مشترك يزيل الضرر عنهما، فأجبر عليه كإطعام العبد المشترك، ولأن في تركه ضرراً فأجبر عليه كالقسمة، فإن لم يفعل، باع الحاكم ماله، وأنفق عليه، فإن لم يكن له مال، اقترض عليه وأنفق، وإن أنفق الشريك بإذنه، أو إذن الحاكم، رجع عليه بالنفقة والحائط بينهما، كما كان قبل انهدامه، وعنه: لا يجبر؛ لأنه إنفاق على ملك لا يجب لو انفرد به، فلم يجب مع الاشتراك، كزرع الأرض، وإن أراد شريكه بناءه، لم يمنع؛ لأنه يعيد رسماً في مشترك، فلم يمنع كوضع الخشب الذي له رسم، فإن بناه بآلته، عاد بينهما كما كان برسومه وحقوقه؛ لأنه عاد بعينه، وليس للباني فيه إلا أثر تأليفه، وإن بناه بآلة من عنده، فهو للباني ليس لشريكه الانتفاع به، وللباني نقضه إن شاء؛ لأنه ملكه خاصة. ولو بذل له شريكه نصف قيمته لئلا ينقضه، لم يجبر على قبولها؛ لأنه لما لم يجبر على إنشائه، لم يجبر على إبقائه، وعلى الرواية الأولى يجبر على تركه؛ لأنه يجبر على إنشائه، فيجبر على إبقائه. فإن كان للشريك على الحائط رسم انتفاع قلنا للباني: إما أن تأخذ منه نصف القيمة، وتمكنه من إعادة رسمه، وأما أن تأخذ بناءك ليبني معك؛ لأن القرار مشترك بينهما، فلم يجز أن يسقط حق شريكه.
فصل
وإن كان السفل لأحدهما، والعلو للآخر، فانهدم السقف الذي بينهما، فالحكم فيه كالحائط المشترك سواء؛ لأنه ينفعهما فهو كالحائط بينهما، وأيهما هدم الحائط أو السقف، فعليه إعادته إلا أن يخاف سقوطه، ويجب هدمه، فيصير كالمنهدم بنفسه. وإن انهدمت حيطان صاحب السفل، لم يملك صاحبه إجبار صاحب العلو على مباناته؛ لأنه ملكه خاصة، وعنه: يجبر؛ لأنهما ينتفعان به، فأشبه الحائط المشترك. وهل لصاحب العلو إجبار صاحب على بنائه؟ على روايتين. وليس لصاحب السفل منع صاحب العلو من بنائه إن أراده، فإن بناه بآلته، فهو على ما كان لا يملك أحدهما نقضه، وإن بناه بغير