الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملكتك فأنت حر. أو ملكت فلاناً، فهو حر، ففيه روايتان:
إحداهما: لا يعتق لذلك.
والثانية: يعتق إذا ملكه، لأنه أضاف العتق إلى حال يملك عتقه فيه، فأشبه ما لو كان التعليق في ملكه. وإن قال الحر: كل مملوك أملكه، فهو حر، ففيه روايتان، لما ذكرنا. وإن قال ذلك العبد، ثم عتق وملك، فهل يعتق عليه؟ على وجهين:
أحدهما: يعتق عليه، كالحر.
والثاني: لا يعتق عليه، لأن العبد لا يملك، فلا يصح منه التعليق. ولو قال الحر: آخر مملوك أشتريه، فهو حر، وقلنا بصحة التعليق، فمتى مات، تبينا حصول الحرية لآخر مملوك اشتراه من حين الشراء فيكون اكتسابه له. فإن أشكل الآخر منهم، أقرع بينهم، لإخراج الحر، وكذلك لو قال لأمته: أول ولد تلدينه فهو حر، فولدت ابنين، أقرع بينهما إذا أشكل أولهما خروجاً.
[باب التدبير]
ومعناه: تعليق الحرية بالموت: وصريحه: أنت حر أو عتيق، بعد موتي، أو أنت مدبر، أو قد دبرتك، لأن هذا اللفظ موضوع له، فكان صريحاً فيه، كلفظ العتق في الإعتاق، وهو مستحب، لأنه يقصد به العتق، ويعتبر من الثلث، لأنه تبرع بالمال بعد الموت، فهو كالوصية، ونقل عنه حنبل أنه من رأس المال، وليس عليه عمل، وذكر أبو بكر أنه كان قولاً قديماً، وربما رجع عنه.
فصل
ويجوز مطلقاً ومقيداً، فالمطلق كما ذكرنا، والمقيد نحو أن يقول: إن مت من مرضي هذا، أو في هذا البلد، فأنت حر، لأنه تعليق على صفة، فجاز مطلقاً ومقيداً. والمقيد: كتعليقه على دخول الدار. وإن قال: إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي، جاز، لأنه تعليق على صفة، فجاز تعليقه على صفة أخرى، كما ذكرنا. فإن دخل الدار
في حياة السيد، فهو مدبر، وإن لم يدخل حتى مات، بطلت الصفة بالموت، لأنه يزول به الملك، ولم يوجد التدبير، لعدم شرطه.
فصل
ويجوز تدبير المعلق عتقه على صفة وتعليق عتق المدبر على صفة، لأن التدبير تعليق على صفة، فلا يمنع التعليق على صفة أخرى، كغيره من الصفات، فإن وجدت إحداهما، عتق وبطلت الأخرى، لزوال الرق قبل وجودها. ويجوز تدبير المكاتب، كما يجوز تعليق عتقه على صفة، وتجوز كتابة المدبر، كما يجوز أن يبيعه نفسه. فإذا كاتبه ودبره، فأدى كتابته قبل موت سيده، عتق وبطل التدبير. فإن مات السيد قبل الأداء، عتق بالتدبير إن حمل الثلث ما بقي من كتابته، وبطلت الكتابة. وإن لم يحمله الثلث، عتق منه قدر الثلث، وسقط من مال الكتابة بقدر ما عتق، وهو على الكتابة فيما بقي، وما في يده من الكسب له في الحالين، لأنه كان مملوكاً له ولم يوجد ما يخرجه عن يده، فبقي له، كما لو أبرأه من مال الكتابة، ويحتمل أن تكون كتابة المدبر رجوعاً في تدبيره، إن قلنا: إنه يملك إبطاله بالرجوع فيه، ولا يصح تدبير أم الولد، لأنها تستحق العتق بموت سيدها، بسسب مؤكد، فلا يفيد التدبير. ولو استولد المدبرة، بطل تدبيرها لذلك.
فصل
ويجوز بيع المدبرة، لما روى جابر بن عبد الله «أن رجلاً من الأنصار أعتق غلاماً له عن دبر منه، ولم يكن له مال غيره، فاحتاج. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتريه مني؟ فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه وقال: أنت أحوج منه» رواه البخاري ومسلم والنسائي. ولأنه إما وصية، وإما تعليق على صفة، وأيهما كان، لم يمنع البيع. وعن أحمد أنه لا يباع إلا في الدين، أو حاجة صاحبه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما باعه لحاجة صاحبه.
وعنه: لا يجوز بيع المدبرة خاصة، لأن بيعها إباحة فرجها، والحكم في هبته ووقفه، كالحكم في بيعه واكتسابه ومنافعه. وأرش الجناية عليه لسيده، لأنه كالقن. وإن جنى فسيده بالخيار بين فدائه أو تسليمه للبيع، كالقن. فإن مات السيد قبل ذلك، عتق، وأرش جنايته في تركته، لأنه عتق من جهته، فتعلق الأرش بماله كالمنجر. وإن كانت الجناية لا تستغرق قيمته، فبيع بعضه فيها، فباقيه باق على التدبير، لأن المانع اختص ببعضه، فوجب أن يختص المنع به.
فصل
فإذا زال ملكه عن المدبر، ببيع أو غيره، ثم عاد إليه، رجع التدبير بحاله، لأنه
علق العتق بصفة، فلم تبطل بالبيع، كالتعليق بدخول الدار. وفيه وجه آخر: أنه يبطل بالبيع، لأنه وصية، فبطل بالبيع، كالوصية له بمال.
فصل
ولو دبره، ثم قال: قد رجعت في تدبيري، أو أبطلته، لم يبطل، لأنه تعليق بصفة، فأشبه تعليقه بدخول الدار.
وعنه: يبطل، لأنه تصرف معلق بالموت يعتبر من الثلث، فأشبه الوصية. وإن قال للمدبر: إن أديت إلى ورثتي ألفاً، فأنت حر، فهو رجوع، لأنه وقفه على أداء ألف، وذلك مناف للتدبير، فأشبه قوله: رجعت في تدبيري. والصبي كالبائع في هذا، لأنه مثله في التدبير، فكان مثله في الرجوع فيه.
فصل
وإذا دبر أحد الشريكين نصيبه، لم يسر إلى نصيب شريكه، لأنه تعليق للعتق بصفة، أو وصية، وكلاهما لا يسري، ويحتمل أن يضمن ويصير كله مدبراً له، لأنه سبب يوجب العتق بالموت فسرى، كالاستيلاد. فإن أعتق الآخر نصيبه، سرى العتق إلى جميعه، وقوم عليه نصيب شريكه، لحديث ابن عمر. ويحتمل أن لا يسري العتق فيه، إذا قلنا: إنه يجوز بيعه.
فصل
وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها، فولدها بمنزلتها، لأنها تستحق الحرية بالموت، فيتبعها ولدها، كأم الولد. ولا يتبعها ولدها الموجود قبل التدبير، لأنه لا يتبع في حقيقة العتق، ففي تعليقه أولى. وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى: أنه يتبعها في التدبير. وإن دبر عبده، ثم أذن له في التسري، فولد له ولد، لم يكن مدبراً، لأن أمه غير مدبرة.
وعنه: أنه يصير مدبراً، لأنه ولده من أمته فيتبعه، كولد الحر. وإذا صار الولد مدبراً لتدبير أمه، فبطل تدبيرها لبيعها، والرجوع في تدبيرها، لم يبطل في ولدها، لأنه استحق الحرية، فلم يبطل حقه، لمعنى وجد في غيره، كما لو باشره بالتدبير.
فصل
ويصح تدبير الصبي المميز والسفيه، لما ذكرنا في صحة وصيتهما. ويصح تدبير الكافر، لأنه يصح إعتاقه. فإن أسلم مدبره، أمر بإزالة ملكه عنه، لأن الكافر لا يمكن من استدامة الملك على مسلم، مع إمكان بيعه. وفيه وجه آخر: أنه لا يباع، لأنه استحق الحرية بالموت، فأشبه أم الولد إذا أسلمت، ولكن تزال يده عنه، وينفق عليه من كسبه.