الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسليمه. وقال أبو الخطاب: ليس برجوع. وإن وصى بقفيز من صبرة، ثم خلط الصبرة بأخرى، لم يكن رجوعاً، لأنه كان مشاعاً، ولم يزل، فهو باق على صفته.
فصل:
وإن وصى بحنطة فزرعها وطحنها، أو بدقيق فخبزه، أو بخبز فثرده، أو جعله فتيتاً، أو بشاة فذبحها، أو بثوب فقطعه قميصاً، أو بخشب ثم نجره باباً، أو بقطن فغزله، أو بغزل فنسجه، كان رجوعاً، لأنه أزال اسمه وهيأه للانتفاع به. وقال أبو الخطاب: ليس برجوع، لأنه لا يمنع التسليم أشبه غسل الثوب. وإن أوصى له بقطن، ثم حشا به فراشاً، أو مسامير، ثم سمر بها باباً، أو بحجر وبناه في حائط، كان رجوعاً، لأنه شغله بملكه على وجه الاستدامة. وإن أوصى له بعنب فجعله زبيباً، ففيه وجهان:
أحدهما: يكون رجوعاً، لأنه أزال اسمه.
والثاني: ليس برجوع، لأنه أبقى له وأحفظ على الموصى له. وإن وصى بدار ثم هدمها، كان رجوعاً في أحد الوجهين. وفي الآخر: لا يكون رجوعاً، بناء على ما إذا طحن الحنطة، وإن انهدمت بنفسها فكذلك إذا زال رسمها، وإن لم يزل اسمها، فالوصية ثابتة فيما بقي، وفيما انفصل وجهان.
فصل:
وإن وصى بأرض ثم زرعها، لم يكن رجوعاً، لأنه لا يراد للبقاء، وقد يحصد قبل الموت. فإن غرسها أو بناها، ففيه وجهان:
أحدهما: يكون رجوعاً، لأنه جعلها لمنفعة مؤبدة.
والثاني: لا يكون رجوعاً، لأنه استيفاء منفعة أشبه الزراعة. وإن أوصى له بسكنى داره سنة، ثم أجرها فمات قبل انقضاء الإجارة، ففيه وجهان:
أحدهما: يسكن سنة بعد انقضاء مدة الإجارة، لأنه موصى له بسنة.
والثاني: تبطل الوصية بقدر ما بقي من مدة الإجارة، وتبقى في الباقي.
[باب الأوصياء]
لا تصح الوصية إلا إلى عاقل، فأما المجنون والطفل، فلا تصح الوصية إليهما، لأنهما ليسا من أهل التصرف في مالهما، فلا يجوز توليتهما على غيرهما، ولا تصح الوصية إلى فاسق، لأنه غير مأمون.
وعنه: تصح ويضم إليه أمين ينحفظ به المال. قال القاضي: هذه الرواية محمولة على من طرأ فسقه بعد الوصية، لأنه يثبت في الاستدامة ما لا يثبت في الابتداء. واختار القاضي: أنه إذا طرأ الفسق أزال الولاية. لأن هذه أمانة، والفاسق ليس من أهلها. وقال الخرقي: إذا كان خائناً، ضم إليه أمين، لأنه أمكن الجمع بين حفظ المال بالأمين، وتحصيل نظر الوصي بإبقائه في الوصية، ولا تصح وصية مسلم إلى كافر، لأنه ليس من أهل الولاية على مسلم. وفي وصية الكافر، إلى الكافر وجهان:
أحدهما: يجوز، لأنه يجوز أن يكون ولياً له، فجاز أن يكون وصياً له، كالمسلم.
والثاني: لا يجوز، لأنه أسوأ حالاً من الفاسق، وتصح وصيته إلى المسلم، لأن المسلم مقبول الشهادة عليه وعلى غيره.
فصل:
وتصح وصية الرجل إلى المرأة، لأن عمر أوصى إلى حفصة، ولأنها من أهل الشهادة، فأشبهت الرجل، وإلى الأعمى، لأنه من أهل الشهادة والتصرفات، فأشبه البصير، وإلى الضعيف لذلك، إلا أنه يضم إليه أمين يعينه، وتصح وصية الرجل إلى أم ولده. نص عليه. لأنها حرة عند نفوذ الوصية. وقال ابن حامد: تصح الوصية إلى العبد، سواء كان له أو لغيره، لأنه يصح توكيله، فأشبه الحر، والمكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة، كالقن، لأنهم عبيد. وفي الوصية إلى الصبي العاقل وجهان:
أحدهما: تصح، لأنه يصح توكيله، فأشبه الرجل.
والثاني: لا يصح، لأنه ليس من أهل الشهادة، فلا يكون ولياً، كالفاسق.
فصل:
وتعتبر هذه الشروط حال العقد في أحد الوجهين، لأنها شروط لعقد، فاعتبرت حال وجوده، كسائر العقود.
والثاني: تعتبر حال الموت، لأنه حال ثبوت الوصية ولزومها، فاعتبرت الشروط فيها، كالوصية له، ولأن شروط الشهادة تعتبر عند أدائها، لا عند تحملها، فكذلك ها هنا. ولو كانت الشروط موجودة عند الوصية، ثم عدمت عند الموت، بطلت الوصية إليه، لأنه يخرج بذلك كونه من أهل الولاية.
فصل:
ويجوز أن يوصي إلى نفسين، لما روي أن ابن مسعود كتب في وصيته: إن مرجع وصيتي إلى الله، ثم إلى الزبير وابنه عبد الله، ولأنها استنابة في التصرف، فجازت إلى
اثنين، كالوكالة، ويجوز أن يجعل التصرف إليهما جميعاً، وإلى كل واحد منهما منفرداً، لأنه تصرف مستفاد بالإذن، فجاز ذلك فيه، كالتوكيل، فإن جعل إلى كل واحد منهما، فلكل واحد أن ينفرد بالتصرف والحفظ. فإن ضعف أو فسق أو مات، فالآخر على تصرفه، ولا يقام غير الميت مقامه، لأن الموصي رضي بنظر هذا الباقي. وإن جعل التصرف إليهما جميعاً، أو أطلق الوصية إليهما، لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف، لأنه لم يرض بنظره وحده. وإن فسق أحدهما، أو جن، أو مات، أقام الحاكم مكانه أميناً، لأن الموصي له لم يرض بنظر أحدهما وحده، وليس للحاكم أن يفوض الجميع إلى الباقي؛ لذلك. وإن ماتا معاً، فهل للحاكم تفويض ذلك إلى واحد؟ فيها وجهان:
أحدهما: يجوز، لأن حكم وصيتهما سقط بموتهما، فكان الأمر إلى الحاكم، كمن لم يكن له وصي.
والثاني: لا يجوز، لأن الموصي لم يرض بنظر واحد. وإن اختلف الوصيان في حفظ المال، جعل في مكان واحد تحت نظريهما، لأن الموصي لم يرض بأحدهما، فلم يجز له الانفراد به، كالتصرف. وإن أوصى إلى رجل، وبعده إلى آخر، فهما وصيان، إلا أن يقول: قد خرجت الأول، أو ما يدل على ذلك، لما ذكرنا في الوصية له.
فصل:
ويجوز أن يوصي إلى رجل، فإن مات فإلى آخر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جيش مؤتة:«أميركم زيد، فإن قتل فأميركم جعفر، فإن قتل، فأميركم عبد الله بن رواحة» رواه أحمد والنسائي.
والوصية في معنى التأمير. ولو قال: أنت وصيي، فإذا كبر ابني، فهو وصيي، صح، لأنه إذن في التصرف، فجاز مؤقتاً، كالتوكيل. ومن أوصي إليه في مدة، لم يكن وصياً في غيرها، لذلك. فإذا أوصى إلى رجل وجعل له أن يوصي إلى من شاء، جاز. وله أن يوصي إلى من شاء من أهل الوصية، لأنه رضي باجتهاده وولاية من ولاه. وإن نهاه عن الإيصاء، لم يكن له أن يوصي، كما لو نهى الوكيل عن التوكيل. وإن أطلق، ففيه روايتان:
إحداهما: له أن يوصي، لأنه قائم مقام الأب فملك ذلك كالأب.
والثانية: ليس له ذلك. اختاره أبو بكر وهو ظاهر كلام الخرقي، لأنه يتصرف بالتولية، فلم يكن له التفويض من غير إذن فيه، كالتوكيل.