الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستحقون، والجعل على المنضولين بالسوية وجهًا واحدًا؛ لأنه لزمهم بالتزامهم لإصابتهم بخلاف الناضلين.
فصل:
فإن كان في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي، بطل العقد فيه؛ لأنها لا تنعقد على من لا يحسن الرمي، ويخرج من الحزب الآخر بإزائه، كما إذا بطل البيع في بعض المبيع، بطل في ثمنه، وهل يبطل العقد في الباقين؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة، فإن قلنا: لا يبطل، فلهم الخيار في الفسخ والإمضاء؛ لأن الصفقة تفرقت عليهم، فإن اختاروا إمضاءه، ورضوا بمن يخرج بإزائه وإلا انفسخ العقد.
فصل:
ويرمي واحد بعد الآخر؛ لأن رميهما يفضي إلى التنازع بالمصيب، فإن اتفقا على المبتدئ منهما جاز، وإن كان بينهما شرط عمل به، وإن اختلفا ولا شرط بينهما، قدم المخرج، فإن كان المخرج غيرهما، اختار منهما، فإن لم يختر أقرع بينهما، وإذا بدأ أحدهما في وجه، بدأ الآخر في الثاني تعديلًا بينهما، فإن شرطا البداية لأحدهما في كل الوجوه، لم يصح؛ لأنه تفضيل، وإن فعلاه بغير شرط جاز؛ لأنه لا أثر له في إصابة، ولا تجويد رمي، ويرميان مراسلة سهمًا وسهمًا، أو سهمين وسهمين. وإن اتفقا على غير هذا، جاز لعدم تأثيره في مقصود المناضلة.
فصل:
وإن مات أحد الراميين، أو ذهبت يده، بطل العقد؛ لأن المعقود عليه تلف، فأشبه موت الفرس في السباق، وإن مرض أو رمد لم تبطل؛ لأنه يمكن الاستيفاء بعد زوال العذر، وله الفسخ؛ لأن فيه تأخير المعقود عليه، فملك الفسخ كالإجارة، وإن عرض مطر، أو ريح، أو ظلمة؛ أخر إلى زوال العارض، وإن أراد أحدهما التأخير لغير عذر، فله ذلك إن قلنا: هي جعالة؛ لأنها جائزة، وليس له ذلك إن قلنا: هي إجارة، ويكره للأمين مدح أحدهما أو زجره؛ لأن فيه كسر قلبه أو قلب صاحبه.
[باب اللقطة]
وهي المال المضاع عن ربه وهي ضربان: ضال وغيره، فأما غير الضال فيجوز التقاطه بالإجماع، وهو نوعان: يسير يباح التصرف فيه بغير تعريف؛ لما روى جابر قال: «رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به» رواه أبو داود.
ولا تحديد في اليسير إلا أنه ينبغي أن يعفى عما رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث وشبهه، وقال أحمد رضي الله عنه: ما كان مثل التمرة والكسرة والخرقة، وما لا خطر له؛ فلا بأس، ويحتمل أن لا يجب تعريف ما لا يقطع فيه السارق؛ لأنه تافه. قالت عائشة رضي الله عنها: كانوا لا يقطعون في الشيء التافه.
والنوع الثاني: الكثير؛ فظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أن ترك التقاطه أفضل؛ لأنه أسلم من خطر التفريط، وتضييع الواجب من التعريف، فأشبه ولاية اليتيم، واختار أبو الخطاب: أن أخذه أفضل إذا وجد بمضيعة، وأمن نفسه عليه، لما فيه من حفظ مال المسلم، فكان أولى كتخليصه من الغرق، ولا يجب أخذه؛ لأنه أمانة، فلم يجب كالوديعة، ومن لم يأمن نفسه عليه، ويقوى على أداء الواجب، لم يجز له أخذه؛ لأنه تضييع لمال غيره، فحرم كإتلافه.
فصل:
إذا أخذها، عرف عفاصها، وهو: وعاؤها. ووكاءها وهو: الذي تشد به، وجنسها وقدرها؛ لما روى زيد بن خالد الجهني قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال: «اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف، فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فادفعها إليه» متفق عليه. نص على الوكاء والعفاص، وقسنا عليهما القدر والجنس، ولأنه إذا عرف هذه الأشياء، لم تختلط بغيرها، وعرف بذلك صدق مدعيها، أو كذبه، وإن أخر معرفة صفتها إلى مجيء مدعيها، أو تصرفه فيها جاز؛ لأن المقصود يحصل، وقد جاء ذلك في حديث أبي.
ولا يحل له التصرف فيها إلا بعد معرفة صفتها؛ لأن عينها تذهب، فلا يعلم صدق مدعيها إلا من حفظ صفتها، ويستحب أن يشهد عليها، نص عليه؛ لما روى عياض بن حمار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من وجد لقطة فليشهد ذا عدل، أو ذوي عدل، ولا يكتم ولا يغيب» رواه أبو داود. ولأن فيه حفظها من ورثته إن مات وغرمائه إن أفلس، وصيانته من الطمع فيها، ولا يجب ذلك لتركه في حديث زيد، ولأنه أمانة فلا يجب الإشهاد عليها كالوديعة، قال أحمد رضي الله عنه: ولا يبين في الإشهاد كم هي، لكن يقول: أصبت لقطة.
فصل:
ويجب تعريفها، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، ولأنه طريق وصولها إلى صاحبها فوجب كحفظها، ويجب التعريف حولًا من حين التقاطها متواليًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به عند وجدانها، والأمر يقتضي الفور، ولأن الغرض وصول الخبر وظهور أمرها، وإنما يحصل
بذلك؛ لأن صاحبها إنما يطلبها عقيب ضياعها، ويكون التعريف في مجامع الناس، كالأسواق وأبواب المساجد، وأوقات الصلوات؛ لأن المقصود إشاعة أمرها، وهذا طريقه، ويكثر منه في موضع وجدانها، وفي الوقت الذي يلي التقاطها، ولا يعرفها في المسجد؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله تعالى عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا» رواه مسلم. ويقول: من ضاع منه كذا، يذكر جنسها: أو يقول: شيء ولا يزيد في صفتها؛ لئلا يفوت طريق معرفة صاحبها، وأجرة المعرف على الملتقط؛ لأن التعريف عليه، ولأنه سبب تملكها، فكان على متملكها، قال أبو الخطاب: إن التقطها للحفظ لصاحبها لا غير، فالأجرة على مالكها يرجع بها عليه. وقاله ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف.
فصل:
فإذا جاء مدعيها، فوصفها بصفاتها المذكورة، لزم دفعها إليه؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، ولأنها لو لم تدفع بالصفة لتعذر وصول صاحبها إليها، لتعذر إقامة البينة، فإن وصفها اثنان، أقرع بينهما، فمن قرع صاحبه، حلف وسلمت إليه، كما لو ادعى الوديعة اثنان، وقال أبو الخطاب: تقسم بينهما، وإن وصفها أحدهما وللآخر بينة، قدم ذو البينة؛ لأنها أقوى من الوصف، فإن كان الواصف سبق فأخذها نزعت منه، وإن تلفت في يده، فلصاحبها تضمين من شاء منهما؛ لأن الواصف أخذ مال غيره بغير إذنه، والملتقط دفعه إليه بغير إذن مالكه، ويستقر الضمان على الواصف؛ لأن التلف حصل في يده، فإن ضمن لم يرجع على أحد، وإن ضمن الملتقط رجع عليه، إلا أن يكون الملتقط دفعها بحكم حاكم، فلا يضمن؛ لأنها تؤخذ منه قهرًا. وإن أتلفها الملتقط، فغرمه الواصف عوضها، ثم جاء صاحب البينة، لم يرجع إلا على الملتقط؛ لأن الواصف إنما أخذ مال الملتقط ولم يأخذ اللقطة، ثم يرجع الملتقط على الواصف.
فصل:
فإن لم تعرف، دخلت في ملك الملتقط عند الحول حكمًا، كالميراث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد:«وإن لم تعرف فاستنفقها» وفي لفظ: «وإلا فهي كسبيل مالك» ولأنه كسب مال بفعل، فلم يعتبر فيه اختيار التملك كالصيد. واختار أبو الخطاب: أنه لا يملكها إلا باختياره؛ لأنه تملك مال ببدل، فاعتبر فيه اختيار التملك، كالبيع. والغني والفقير سواء في هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق، ولأنه تملك مال بعوض، أشبه البيع.
فصل:
وما جاز التقاطه ووجب تعريفه، ملك به، نص عليه أحمد رضي الله عنه في
الصياد يقع في شبكته الكيس والنحاس يعرفه سنة، فإن جاء صاحبه، وإلا فهو كسائر ماله. وهذا ظاهر كلام الخرقي. وقال أكثر أصحابنا: لا يملك غير الأثمان؛ لأن الخير ورد فيها، ومثلها لا يقوم مقامها من كل وجه؛ لعدم تعلق الغرض بعينها، فلا يقاس عليها غيرها، وقال أبو بكر: ويعرفها أبدًا، وقال القاضي: هو مخير بين ذلك، وبين دفعها إلى الحاكم. وقال الخلال: كل من روى عن أبي عبد الله أنه يعرفها سنة، ثم يتصدق بها، والذي نقل عنه أنه يعرفها أبدًا، قول قديم رجع عنه، والأول أولى؛ لما روى عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:«أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف ترى في متاع يوجد في الطريق الميتاء، أو في قرية مسكونة؟ قال: عرفه سنة، فإن جاء صاحبه، وإلا فشأنك به» رواه الأثرم. «وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عيبة - والعيبة: هي وعاء من أدم توضع فيه الثياب -: عرفها سنة، فإن عرفت وإلا، فهي لك. أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، ولأنه مال يجوز التقاطه، ويجب تعريفه فملك به، كالأثمان وقد دل الخبر على جواز أخذ الغنم مع تعلق الغرض بعينها، فيقاس عليها غيرها.
فصل:
ولقطة الحرم تملك بالتعريف في ظاهر كلامه، لظاهر الخبر، ولأنه أحد الحرمين أشبه المدينة، وعنه: لا تملك بحال، ويجب تعريفها أبدًا أو يدفعها إلى الحاكم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة:«لا تحل ساقطتها إلا لمنشد» متفق عليه.
فصل:
واللقطة مع الملتقط قبل تملكها أمانة، عليه حفظها بما يحفظ به الوديعة، وإن ردها إلى موضعها، ضمنها؛ لأنه ضيعها، وإن تلفت بغير تفريط، لم يضمنا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ولتكن الوديعة وديعة عندك» ولأنه يحفظها لصاحبها بإذن الشرع، أشبه الوديعة، وإن جاء صاحبها، أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة؛ لأنها ملكه، وإن جاء بعد تملكها أخذها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدها إليه» ويأخذها بزيادتها المتصلة؛ لأنها تتبع في الفسوخ، وزيادتها المنفصلة بعد تملكها لملتقطها؛ لأنها حدثت على ملكه، فأشبه نماء المبيع في يد المشتري، فإن تلفت بعد تملكها، ضمنها؛ لأنها تلفت من ماله، وإن نقصت بعد التملك، فعليه أرش نقصها، وإن باعها أو وهبها بعد تملكها، صح؛ لأنه تصرف صادف ملكه، فإن جاء صاحبها في مدة الخيار، وجب فسخ البيع وردها إليه؛ لأنه يستحق العين، وقد أمكن ردها إليه، وإن جاء بعد لزوم البيع، فهو كتلفها؛ لأنه تعذر ردها.
فصل:
الضرب الثاني: الضوال، وهي الحيوانات الضائعة، وهى نوعان:
أحدهما: ما يمتنع من صغار السباع إما بقوته: كالإبل والخيل، أو بجناحه: كالطير، أو بسرعته: كالظباء، أو بنابه: كالفهد، فلا يجوز التقاطه؛ لما روى زيد بن خالد:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل، فقال: ما لك ولها، دعها فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربها» متفق عليه. وللإمام أخذها، ليحفظها لأربابها؛ لأن للإمام ولاية في حفظ أموال المسلمين، ولهذا كان لعمر حظيرة يحفظ فيها الضوال، فإذا أخذها، وكان له حمى ترعى فيه، تركها، وأشهد عليها، ورسمها بسمة الضوال، وإن لم يكن له حمى، خلاها وحفظ صفاتها، ثم باعها، وحفظ ثمنها لصاحبها؛ لأنها تحتاج إلى علف، فربما استغرق ثمنها، وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ضمنها ولم يملكها، وإن عرفها، فإن دفعها إلى الإمام برئ من ضمانها؛ لأنه دفعها إلى من له الولاية عليها، أشبه دفعها إلى صاحبها، وإن ردها إلى موضعها، لم يبرأ؛ لأن ما لزمه ضمانه، لا يبرأ منه إلا برده إلى صاحبه أو نائبه كالمسروق.
فصل:
النوع الثاني: ما لا ينحفظ عن صغار السباع، كالشاة وصغار الإبل والبقر ونحوها، فعن أحمد رضي الله عنه: لا يجوز التقاطها؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يئوي الضالة إلا ضال» رواه أبو داود. ولأنه حيوان أشبه الإبل. والمذهب جواز التقاطها؛ لما روى زيد بن خالد: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشاة، فقال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب» متفق عليه.
وهذا يخص عموم الحديث الآخر، ولأنه يخشى عليها التلف، أشبه غير الضالة، وسواء وجدها في المصر أو في مهلكة؛ لأن الحديث عام فيهما، ولأنه مال يجوز التقاطه، فاستويا فيه، كالأثمان، والعبد الصغير، كالشاة في جواز التقاطه؛ لأنه لا ينحفظ بنفسه، فأما الحمر فألحقها أصحابنا في النوع الأول؛ لأن لها قوة، فأشبهت البقر، وظاهر حديث زيد إلحاقها بالغنم؛ لأنه علل أخذ الشاة بخشية الذئب عليها، والحمر مثلها في ذلك، وعلل المنع من الإبل بقوتها على ورود الماء، وصبرها بقوله:«معها سقاءها» والحمر بخلافها.
ومتى التقط هذا النوع خير بين أكله في الحال، وحفظه لصاحبه وبيعه، وحفظ ثمنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«هي لك» ولم يأمر
هـ بحفظها، ولأن إبقاءها يحتاج إلى غرامة، ونفقة دائمة فيستغرق قيمتها، فإن اختار إبقاءها وحفظها لصاحبها، فهو الأولى متفق عليه. وينفق عليها؛ لأن به بقاءها، فإن لم يفعل ضمنها؛ لأنه فرط فيها، وإن أنفق عليها متبرعًا، لم يرجع على صاحبها، وإن نوى الرجوع على صاحبها، وأشهد على ذلك، ففي الرجوع به روايتان، بناء على الوديعة، وإن اختار أكلها
أو بيعها، لزمه حفظ صفتها، ثم يعرفها عامًا، فإذا جاء صاحبها، دفع إليه ثمنها، أو غرمه له إن أكلها، ولا يلزمه عزل ثمنها إذا أكلها؛ لأنه لا يخرج من ذمته بعزله، فلم يلزمه كسائر ما يلزمه ضمانه، وإن أراد بيعها، فله أن يتولى ذلك بنفسه؛ لأن ما ملك أكله، فبيعه أولى. فإذا عرفها حولًا، ولم تعرف، ملكها إن كانت باقية، أو ثمنها إن باعها؛ لأن حديث زيد يدل على ملكه لها؛ لأنه أضاف إليها بلام التمليك، ولأنه مال يجوز التقاطه، فيملك بالتعريف، كالأثمان. وعنه: لا يملكها، والمذهب الأول.
فصل:
فإن التقط ما لا يبقى عامًا، كالبطيخ والطبيخ، لم يجز تركه ليتلف، فإن فعل ضمنه؛ لأنه فرط في حفظه، فإن كان مما لا يبقى بالتجفيف، كالبطيخ خير بين بيعه وأكله، وإن كان يبقى بالتجفيف، كالعنب والرطب، فعل ما فيه الحظ لصاحبه من بيعه وأكله وتجفيفه، فإن احتاج في التجفيف إلى غرامة، باع بعضه فيها، وإن أنفقها من عنده، رجع بها؛ لأن النفقة هاهنا لا تتكرر بخلاف نفقة الحيوان، فإنها تتكرر، فربما استغرقت قيمته، فلا يكون لصاحبها حظ في إمساكها إلا بإسقاط النفقة عنه، وإن أراد بيعها، فله البيع بنفسه لما ذكرنا في الضوال. وعنه: له بيع اليسير، وأما الكثير، فإنه يرفعه إلى السلطان، والقول في تعريفه، وسائر أحكامه كالقول في الشاة.
فصل:
قال أحمد رضي الله عنه: من اشترى سمكة، فوجد في بطنها درة، فهي للصياد، وإن وجد دراهم، فهي لقطة؛ لأنها لا تبتلع الدراهم إلا بعد ثبوت اليد عليها، وقد تبتلع درة من البحر مباحة، فيملكها الصياد بما فيها، فإن باعها ولم يعلم بالدرة، لم يزل ملكه عن الدرة، كما لو باع دارًا له فيها مال لم يعلم به.
فصل:
فإن وجد اللقطة اثنان، فهي بينهما؛ لأنهما اشتركا في السبب، فاشتركا في الحكم، وإن ضاعت من واجدها، فوجدها آخر ردها على الأول؛ لأنه قد ثبت له الحق فيها، فوجب ردها إليه كالملك، وإن رآها اثنان، فرفعها أحدهما فهي له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فهو له» وإن رآها أحدهما فقال للآخر: ارفعها ففعل، فهي لرافعها؛ لأنه مما لا يصح التوكيل فيه.
فصل:
فإن التقطها صبي أو مجنون أو سفيه، صح التقاطه؛ لأنه كسب بفعل، فصح منه كالصيد، فإن تلفت في يده بغير تفريط لم يضمنها؛ لأنه أخذ ماله، وإن تلفت بتفريط
ضمنها، ومتى علم وليه بها، لزمه نزعها منه وتعريفها؛ لأنها أمانة، والمحجور عليه ليس من أهلها، فإن تم تعريفها، دخلت في ملك واجدها حكمًا، كالميراث.
فصل:
ويصح التقاط العبد بغير إذن سيده؛ لعموم الخبر، ولما ذكرنا في الصبي، ويصح تعريفه لها؛ لأن له قولًا صحيحًا، فصح تعريفه كالحر، فإذا تم تعريفها ملكها سيده؛ لأنها كسب عبده، ولسيده انتزاعها منه قبل تعريفها؛ لأن كسب عبده له، ويتولى تعريفها أو إتمامه، وله إقرارها في يد عبده الأمين، ويكون مستعينًا به في حفظها وتعريفها، ولا يجوز إقراراها في يد من ليس بأمين؛ لأنها أمانة وإن فعل، فعليه الضمان، وإن علم العبد أن سيده غير مأمون عليها، لزمه سترها عنه، وتسليمها إلى الحاكم ليعرفها، ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان، وإن أتلفها العبد، فحكم ذلك حكم جنايته، وإن عتق العبد بعد الالتقاط، فلسيده أخذها؛ لأنها كسبه.
فصل:
والمكاتب كالحر؛ لأن كسبه لنفسه، والمدبر وأم الولد كالقن، ومن نصفه حر فلقطته بينه وبين سيده ككسبه، فإن كانت بينهما مهايأة، لم تدخل في المهايأة في أحد الوجهين؛ لأنهما من الأكساب النادرة، فأشبهت الميراث، والآخر تدخل؛ لأنها من كسبه فهي كصيده، وفي الهدية والوصية وسائر الأكساب النادرة وجهان كاللقطة.
فصل:
والذمي كالمسلم للخبر، ولأنه كسب يصح من الصبي، فصح من الذمي كالصيد، والفاسق كالعدل لذلك، لكن إن أعلم الحاكم بهما، ضم إليه أمينًا يحفظها، ويتولى تعريفها؛ لأنها أمانة، فلا يؤمن خيانته فيها، فإذا عرفها، ملكها ملتقطها.
فصل:
ومن التقط لقطة لغير التعريف، ضمنها ولم يملكها، وإن عرفها؛ لأنه أخذها على وجه يحرم عليه، فلم يملكها كالغاصب، ومن ترك التعريف في الحول الأول، لم يملكها وإن عرفها بعد؛ لأن السبب الذي يملكها به قد فات، ولم يبرأ منها إلا بتسليمها إلى الحاكم.
فصل:
ومن ترك دابة بمهلكة، فأخذها إنسان، فخلصها ملكها؛ لما روى الشعبي قال: حدثني غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ومن وجد دابة عجز عنها أهلها فسيبوها، فأخذها فأحياها فهي له» ولأن فيه إنقاذا للحيوان من الهلاك،