الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإن أعتق المشتري الجارية، أو استولدها، أو أتلفت المبيع، أو تلف في يده لم يبطل خيار البائع، لأنه لم يوجد منه رضى بإبطاله. وله أن يفسخ ويرجع ببدل المبيع، وهو مثله إن كان مثلياً وإلا قيمته يوم أتلفه. وعنه: أن خياره يبطل بذلك، اختارها الخرقي، لأنه خيار فسخ، فبطل بتلف المبيع، كخيار الرد بالعيب.
فصل:
وإن مات أحد المتبايعين بطل خياره، ولم يثبت لورثته، لأنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه، فلم يورث، كخيار الرجوع في الهبة. ويتخرج أن يورث قياساً على الأجل في الثمن. وإن جن أو أغمي عليه، قام وليه مقامه، لأنه قد تعذر منه الاختيار مع بقاء ملكه. وإن خرس ولم يفهم إشارته، فهو كالمجنون وإن فهمت إشارته قام مقام لفظه. وإن مات في خيار المجلس بطل خياره، وفي خيار صاحبه وجهان:
أحدهما: يبطل لأن الموت أعظم الفرق.
والثاني: لا يبطل، لأن الفرقة بالأبدان لم تحصل.
[باب الربا]
الربا محرم، لقول الله تعالى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . وما بعدها من الآيات، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لعن الله آكل الربا، وموكله وشاهديه وكاتبه» متفق عليه. وهو على ضربين: ربا الفضل، وربا النسيئة، والأعيان على الربا فيها ستة مذكورة في حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل، والتمر بالتمر مثلاً بمثل، والبر بالبر مثلاً بمثل، والشعير بالشعير مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل، من زاد أو ازداد فقد أربى، بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد» رواه مسلم.
واختلفت الرواية في علة الربا ثلاث روايات. فأشهرهن: أن علته في الذهب والفضة الوزن والجنس، وفي غيرهما الكيل والجنس، لما روي عن عمار أنه قال: العبد خير من العبدين، والثوب خير من الثوبين، فما كان يداً بيد فلا بأس به، إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن. ولأنه لو كانت العلة الطعم لجرى الربا في الماء، لأنه مطعوم، قال الله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] فعلى هذا يحرم التفاضل في كل مكيل، أو موزون من جنس، سواء كان مطعوماً كالقطنيات، أو غير مطعوم كالأشنان والحديد. ويجري الربا فيما كان جنسه مكيلاً أو موزوناً، وإن تعذر الكيل فيه أو الوزن، إما لقلته، كالتمرة والقبضة وإما دون الأرزة من الذهب والفضة، وإما لعظمه كالزبرة العظيمة، وإما للعادة كلحم الطير، لأنه من جنس فيه الربا، فجرى فيه الربا كالزبرة العظيمة. وما نسج من القطن والكتان لا ربا فيه نص عليه، لحديث عمار وما عمل من الحديد ونحوه ما كان يقصد وزنه جرى فيه الربا، لأنه تقصد زنته، فجرى فيه الربا، كلحم الطير، وما لا تقصد زنته لا يجري فيه الربا كالثياب. والرواية الثانية: العلة في الذهب والفضة: الثمينة غالباً، وفيها عداهما كونه مطعوم جنس، لما روى معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم:«نهى عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل» . رواه مسلم. ولأنه لو كان الوزن علة فلم يجز إسلام النقد في الموزنات، لأن اجتماع المالين في أحد وصفي علة ربا الفضل يمنع النساء، بدليل إسلام المكيل في المكيل، فعلى هذه الرواية يحرم التفاضل في كل مطعوم بيع بجنسه من الأقوات، والأدام والفواكه والأدوية والأدهان المطيبة وغيرها. وإن لم يكن مكيلاً ولا موزوناً، كالبطيخ والرمان والبيض ونحوها. والرواية الثالثة: العلة كونه مطعوم جنس مكيلاً أو موزوناً، لأن «النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل» . والمماثلة المعتبرة هي المماثلة في الكيل والوزن، فدل على أنه لا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن، ولا يحرم فيما لا يطعم كالأشنان والحديد، ولا فيما لا يكال كالبطيخ والرمان.
فصل:
وما يجري فيه الربا اعتبرت المماثلة فيه في المكيل كيلاً، وفي الموزون وزناً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «الذهب بالذهب وزناً بوزن، والفضة بالفضة وزناً بوزن، والبر بالبر كيلاً بكيل، والشعير بالشعير كيلاً بكيل» رواه الأثرم. ولا يجوز بيع مكيل بجنسه وزناً، ولا موزون كيلاً للخبر، ولأنه لا يلزم من تساويهما في أحد المعيارين التساوي في الآخر، لتفاوتهما في الثقل والخفة، ولا يجوز بيع بعضه ببعض جزافاً من الطرفين، ولا من
أحدهما، لما روى جابر قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر» رواه مسلم. ولأن المماثلة لا تعلم بدون الكيل من الطرفين، فوجب ذلك. وما لا يكال ولا يوزن يعتبر التماثل فيه بالوزن، لأنه أحصر، ومنه ما لا يتأتى كيله.
فصل:
والمرجع في الكيل والوزن إلى عادة أهل الحجاز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة» وما لا عرف له بالحجاز يعتبر بأشبه الأشياء به بالحجاز في أحد الوجهين، لأن الحوادث ترد إلى أقرب الأشياء شبهاً بها وهو القياس. والثاني ترد إلى عرفه في موضعه، لأن ما لا حد له في الشرع يرد إلى العرف، كالقبض والحرز.
فصل:
والجيد والرديء، والتبر والمضروب، والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع متماثلاً وتحريمه متفاضلاً، للخبر وفي بعض ألفاظه «الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها» رواه أبو داود. وفي لفظ «جيدها ورديئها سواء» .
فصل:
ولا يحرم التفاضل إلا في الجنس الواحد، للخبر والإجماع، وكل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة فهما جنس، كأنواع التمر وأنواع البر. وإن اختلفا في الاسم من أصل الخلقة فهما جنسان، كالستة المذكورة في الخبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الزيادة فيها إذا بيع منها شيء بما يوافقه في الاسم، وأباحها إذا بيع بما يخالفه في الاسم، فدل على أن ما اتفقا في الاسم جنس، وما اختلفا فيه جنسان. وعنه: أن البر والشعير جنس، لأن معمر بن عبد الله قال لغلامه فيهما لا تأخذن إلا مثلاً بمثل، «فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل» رواه مسلم. والمذهب الأول، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأعيان الستة «فإذا اختلفت هذه الأصناف الستة فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد» رواه مسلم. وقال «لا بأس ببيع البر بالشعير، والشعير أكثرهما يداً
بيد» . رواه أبو داود وحديث معمر لا بد فيه من إضمار الجنس الواحد.
فصل:
والمتخذ من أموال الربا معتبر بأصله فما أصله جنس واحد فهو جنس واحد، وإن اختلفت أسماؤه. وما أصله أجناس فهو أجناس، وإن اتفقت أسماؤه، فدقيق الحنطة والشعير جنسان، ودهن اللوز والجوز جنسان، وزيت الزيتون والبطم جنسان، وكذلك خل العنب وخل التمر. وعنه: أنهما جنسان، والأول أصح، لأنهما فرعا أصلين مختلفين، فكانا جنسين كالأدقة، وفي اللحم ثلاث روايات:
إحداهن: أنه كله جنس واحد، لأنه اشترك في الاسم الواحد حال حدوث الربا فيه، وكان جنساً واحداً كالتمر.
والثانية: أنه أربعة أجناس لحم الأنعام، ولحم الوحش، ولحم الطير، ولحم دواب الماء، لأنها تختلف منفعتها والقصد إلى أكلها، فكانت أجناساً.
والثالثة: أنها أجناس، فكانت أجناساً، كالتمر الهندي والبرني، وبهذا ينتقض دليل الرواية الأولى، والثانية لا أصل لها، فعلى هذه الرواية لحم بهيمة الأنعام كلها ثلاثة أجناس، ولحم بقر الوحش والأهلية جنسان، وكل ما انفرد باسم وصفة فهو جنس. وقال ابن أبي موسى: لا خلاف عن أحمد أن لحم الطير والسمك جنسان، وفي الألبان من القول نحو مما في اللحم، لأنها من الحيوانات يتفق اسمها فأشبهت اللحم.
فصل:
واللحم والشحم والكبد والطحال والرئة والكلية والقلب والكرش أجناس، لأنها مختلفة في الاسم والخلقة. قال بعض أصحابنا: الشحم والألية جنسان لذلك، وقالوا: اللحم الأحمر والأبيض الذي على الظهر والجنبين جنس، لاتفاقهما في الدسم المقصد ويحتمل أن يكون الشحم الذي يذوب بالنار كله جنساً واحداً لاتفاقهما في اللون والصفة والذوب بالنار. وقد قال الله تعالى:{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] . فاستثناه من الشحم.
فصل:
ولا يجوز بيع ما فيه ربا بعضه ببعض، ومعهما أو مع أحدهما، من غير جنسه،
كمد بر ودرهم بمد ودرهم، أو بمدين أو درهمين. وعنه، ما يدل على الجواز إذا كان مع كل واحد منهما من غير جنسه، أو كان المفرد أكثر ليكون الزائد في مقابلة غير الجنس، والأول المذهب، لما روى فضالة بن عبيد قال:«أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها بتسعة دنانير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حتى تميز بينهما» . رواه أبو داود.
ولأن الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفي القيمة انقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما بدليل ما لو اشترى شقصاً وسيفاً، فإن الشفيع يأخذ الشقص بقسطه من الثمن. وإذا قسم الثمن على القيمة أدى إلى الربا، لأنه إذا باع مداً، قيمته درهمان ودرهماً بمدين، فقيمتهما ثلاثة، حصل في مقابلة الجيد مد وثلث. فأما إذا باع نوعين مختلفي القيمة من جنس بنوع واحد من ذلك الجنس، كدرهم صحيح، ودرهم قراضة بصحيحين، فقال القاضي: الحكم فيها كالتي قبلها لذلك، وقال أبو بكر: يجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «الفضة بالفضة مثلاً بمثل» ولأن الجودة ساقطة فيما قوبل بجنسه لما تقدم. وعن أحمد رضي الله عنه: منع ذلك في النقد وتجويزه في غيره، لأنه لا يمكن التحرز من اختلاط النوعين.
فصل:
ولا يجوز بيع خالصه بمشروبه، كحنطة فيها شعير، أو زوان بخالصة، أو غير خالصة، أو لبن مشوب بخالص أو مشوب أو عسل في شمعه بمثله إلا أن يكون الخلط يسيراً لا وقع له، كيسير التراب والزوان، ودقيق التراب الذي لا يظهر في الكيل، لأنه لا يخل بالتماثل، ولا يمكن التحرز منه.
فصل:
وما اشتمل على جنسين بأصل الخلقة، كالتمر فيه النوى، فلا بأس ببيع بعضه ببعض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح بيع التمر بالتمر، وقد علم أن في كل واحد نوى. ولو نزع النوى، ثم ترك مع التمر صار كمسألة مد عجوة لزوال التبعية، لو نزع من أحدهما نواه، ثم باعه بتمر فيه نواه فكذلك. وإن باع النوى بمثله، والمنزوع بمثله جاز لأنه جنس متماثل. وإن باع المنزوع وحده بالنوى جاز فيه التفاضل، لأنهما جنسان. وإن باع النوى بتمر فيه نواه ففيه روايتان:
إحداهما: لا يجوز، لأنه في مسألة مد عجوة.
والثانية: يجوز، لأن ما فيه الربا غير مقصود في أحد الجانبين، فلم يمنع كبيع دار مموه سقفها بذهب، بذهب. وكذلك يخرج في بيع شاة لبون بلبن، أو ذات صوف بصوف، أو لبون بمثلها، فإن كانت محلوبة اللبن جاز وجهاً واحداً، لأن الباقي لا أثر له، فهو كالتمويه في السقف، ويجوز بيع شاة ذات صوف بمثلها وجهاً واحداً، لأن ذلك لو حرم لحرم بيع الغنم بالغنم. قال أبو بكر: يجوز بيع نخلة مثمرة بمثلها وبتمر،
لأن التمر عليها غير مقصود، ومنعه القاضي لكون الثمرة معلومة، يجوز إفرادها بالبيع بخلاف اللبن، ومنع القاضي بيع اللحم بجنسه إلا منزوع العظام لأن العظم من غير جنس اللحم، فأشبه الشمع في العسل ويحتمل الجواز، لأن العظم من أصل الخلقة، فأشبه النوى في التمر بخلاف الشمع.
فصل:
وما فيه خلط غير مقصود لمصلحته، كالماء في خل التمر والزبيب ودبس التمر، والملح في الخبز. والشيرج في الخبيص ونحوه لا يمنع بيعه بمثله، لأنه لمصلحته، فأشبه رطوبة تمر الرطب. ولا يجوز بيعه بخالص كخل الزبيب بخل العنب والخبز الرطب باليابس كما لا يجوز بيع الرطب بالتمر.
فصل:
ولا يجوز بيع نيئه بمطبوخه، لأن النار تذهب برطوبته، وتعقد أجزاءه، فتمنع تساويهما. ويجوز بيع مطبوخه بمثله إذا لم يظهر عمل النار في أحدهما أكثر من الآخر، لتساويهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان في ثاني الحال، كالخبز بالخبز، والشواء والسكر والعسل المصفى بالنار بمثله.
فصل:
ولا يجوز بيع حبه بدقيقه، وعنه: الجواز إذا تساويا وزناً، لأن الدقيق أجزاء الحب، فجاز بيعه به، كما قبل الطحن، والمذهب الأول، لأن البر ودقيقه مكيلان ولا بيع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزناً، ولا يمكن التساوي في الكيل، لأن الطحن فرق أجزاء الدقيق ونشرها، ويجوز بيع كل واحد من الدقيق والسويق بمثله إذا تساويا في الكيل والنعومة، ولما ذكرنا في المطبوخ بمثله، ولا يجوز إذا تفاوتا في النعومة، لأنه يمنع تساويهما في الكيل إلا على قولنا: يجوز بيع الحب بدقيقه وزناً.
فصل:
ولا يجوز بيع أصله بعصيره كالزيتون بزيته، والسمسم بالشيرج، والعنب بعصيره، لأنه لا يتحقق التماثل بين العصير، وما في أصله منه. ويجوز بيع العصير بالعصير لما ذكرنا في المطبوخ. ولا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه لما روى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع اللحم بالحيوان» . رواه مالك في " الموطأ " ولأنه جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه، فلم يجز كالزيتون بالزيت. وإن باع اللحم بحيوان لا يؤكل جاز لعدم ما ذكر، وإن باعه بحيوان مأكول غير أصله، وقلنا: هما جنس واحد لم يجز وإلا جاز.
فصل:
ويجوز بيع اللبن باللبن، حليبين كانا أو رائباً وحليباً، لأن الرائب لبن خالص، إنما فيه حموضة. ولا يجوز بيع لبن بما استخرج منه من زبد وسمن ومخيض، ولا زبد بسمن، لأنه مستخرج منه، أشبه الزيتون بالزيت. وعنه: يجوز بيع الزبد باللبن إذا كان أكثر من الزبد الذي في اللبن، والسمن مثله، وهكذا كمسألة مد عجوة، والظاهر تحريمه. ولا بيع لبن مائع بجامد، لأنهما يتفاضلان ويجوز بيع السمن والزبد والمخيض واللباء والجبن، والمصل بمثله إذا تساويا في الرطوبة والنشافة، ولم ينفرد أحدهما بمس النار له. ويجوز بيع السمن بالمخيض متفاضلاً، لأنه ليس في أحدهما شيء من الآخر. وبيع الزبد بالمخيض نص عليه. لأن اللبن في الزبد يسير غير مقصود، أشبه الملح في الشيرج. ولا يجوز بيع شيء من هذه الأنواع بنوع لم ينزع زبده، كالجبن والمصل، لما ذكرنا في بيعه باللبن.
فصل:
ولا يجوز بيع رطبه بيابسه، «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر» . متفق عليه. وعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال:«أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا نعم، فنهاه عن ذلك» أخرجه أبو داود. فنهى وعلل بأنه ينقص عن يابسه، فدل على أن كل رطب يحرم بيعه بيابسه. ويجوز بيع رطبه برطبه، لأن مفهوم نهيه عن بيع الرطب بالتمر إباحة بيعه بمثله، ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا يتفرد أحدهما بالنقصان، فجاز بيعه به، كاللبن باللبن، وذكر الخرقي أن اللحم لا يباع باللحم إلا إذا تناهى جفافه فدل على أن كل رطب لا يجوز بيعه بمثله، اختارها أبو حفص لأنهما لم يتساويا حال الكمال. والمذهب والجواز: وقال القاضي: لم أجد بما قال الخرقي رواية عن أحمد رضي الله عنه.
فصل:
ويجوز بيع العرايا، وهو: بيع الرطب على رؤوس النخل خرصاً بالتمر على وجه الأرض. لما روى أبو هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص العرية في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق» متفق عليه. وإنما يجوز بشروط خمسة.
أحدها: أن يكون دون خمسة أوسق. وعنه يجوز في الخمسة، لأن الرخصة ثبتت
في العرية، ثم نهى عما زاد على الخمسة، وشك الراوي في الخمسة، فردت إلى أصل الرخصة. والمذهب الأول، لأن الأصل تحريم بيع الرطب بالتمر فيما دون الخمسة بالخبر، والخمسة مشكوك فيها، فترد إلى الأصل.
الثاني: أن يكون مشتريها محتاجا ً إلى أكلها رطباً. لما روى محمود بن لبيد قال: «قلت لزيد بن ثابت: ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي، ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطباً يأكلونه، وعندهم فضول من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا [العرية] برخصها من التمر [يأكلونه] رطباً» . متفق عليه.
والرخصة الثابتة لحاجة لا تثبت مع عدمها فإن تركها حتى تتمر بطل البيع لعدم الحاجة.
الثالث: أن لا يكون له نقد يشتري به للخبر.
الرابع: أن يشتريها بخرصها للخبر، ولأن «رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً» متفق عليه.
ولا بد أن يكون التمر معلوماً بالكيل للخبر، وفي معنى الخرص روايتان:
إحداهما: أن ينتظر كم يجيء منها تمراً، فيبيعها بمثله، لأنه يخرص في الزكاة كذلك.
والثانية: يبيعها بمثل ما فيها من الرطب، لأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال بالكيل، فإذا خولف الدليل في أحدهما، وأمكن أن لا يخالف في الآخر وجب. ولا يجوز بيعها برطب ولا تمر على نخل خرصاً.
الخامس: أن يتقابضا قبل تفرقهما، لأن البيع تمر بتمر، فاعتبرت فيه أحكامه إلا ما استثناه الشرع، والقبض فيما على النخل بالتخلية، وفي التمر باكتياله، فإن كان حاضراً في مجلس البيع اكتاله، وإن كان غائباً مشيا إلى التمر فتسلما. وإن قبضه أو لا، ثم مشيا إلى النخلة، فتسلمها جاز. واشترط الخرقي كون النخلة موهوبة لبائعها، لأن العرية اسم لذلك.
واشترط أبو بكر والقاضي حاجة البائع إلى بيعها، وحديث زيد بن ثابت يرد ذلك مع أن اشتراطه يبطل الرخصة، إذ لا تتفق الحاجتان مع سائر الشروط، فتذهب الرخصة، فعلى قولنا يجوز لرجلين شراء عريتين من واحد وعلى قولهما لا يجوز إلا أن ينقصا بمجموعهما عن خمسة أوسق، ولا يجوز لوحد شراء عريتين فيهما جميعاً خمسة أوسق، لأنه في معنى شرائهما في عقد واحد.
فصل:
قال ابن حامد: لا يجوز بيع العرايا في غير ثمرة النخل، لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا، فإنه قد أذن لهم، وعن بيع العنب بالزبيب، وعن كل ثمر بخرصه» . وهذا حديث حسن، ولأن غير التمر لا يساويه في كثرة اقتياته، وسهولة خرصه، فلا يقاس عليه غيره. وقال القاضي: يجوز في جميع الثمار، لأن حاجة الناس إلى رطبها كحاجتهم إلى الرطب. ويحتمل الجواز في التمر والعنب خاصة، لتساويهما في وجوب الزكاة فيهما، وورود الشرع بخرصهما وكونهما مقتاتين دون غيرهما.
فصل:
في ربا النسيئة كل مالين اتفقا في علة ربا الفضل، كالمكلين والموزونين أو المطعومين على الرواية الأخرى لا يجوز بيع أحدهما بالآخر نساء، ولا التفرق قبل القبض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد» وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الذهب بالورق رباً، إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء» متفق عليه.
وما اختلفت علتهما، كالمكيل والموزون إذا لم يتفقا في الطعم جاز التفرق فيهما قبل القبض رواية واحدة، وفي النساء فيهما روايتان. وما لم يوجد فيه علة ربا الفضل، كالثياب والحيوان، ففيه روايات أربع.
إحداهن: يجوز النساء فيهما، لما روي عن عبد الله بن عمرو قال:«أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أستسلف إبلاً، فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى مجيء المصدق» . من " المسند ".
والثانية: لا يجوز، لما روى سمرة قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة» . قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
والثالثة: يحرم النساء في الجنس الواحد، لهذا الخبر، ويباح في الجنسين عملاً بمفهومه.