الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَمِيعُ، بَطَلَ الْعَقْدُ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ ثُلُثَ الْمَبْلَغِ، وَقِيلَ: ثُلُثَ الْقِيمَةِ. فَإِنْ تَلِفَ الْجَمِيعُ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ، رَجَعَ بِقِيمَةِ التَّالِفِ كُلِّهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْجَائِحَةِ، أَوْ قَدْرِ مَا أُتْلِفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ. وَلِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَالْقَوْلُ فِي الْأُصُولِ قَوْلُ الْغَارِمِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى تَلِفَتْ]
(2944)
فَصْلٌ: فَإِنْ بَلَغَتْ الثَّمَرَةُ أَوَانَ الْجِزَازِ، فَلَمْ يَجُزَّهَا حَتَّى اُجْتِيحَتْ، فَقَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي لَا يُوضَعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ النَّقْلِ فِي وَقْتِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ. وَلَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، فَأَمْكَنَهُ قَطْعُهَا، فَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى تَلِفَتْ، فَهِيَ مِنْ ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّ تَلَفَهَا بِتَفْرِيطِهِ. وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ إمْكَانِ قَطْعِهَا، فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ بَائِعِهَا، كَالْمَسْأَلَةِ فِيهَا.
[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَزَرْعهَا فَتُلْفِ الزَّرْع]
(2945)
فَصْلٌ: إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا، فَزَرَعَهَا، فَتَلِفَ الزَّرْعُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُ الْأَرْضِ، وَلَمْ تَتْلَفْ، وَإِنَّمَا تَلِفَ مَالُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا، فَصَارَ كَدَارٍ اسْتَأْجَرَهَا لِيَقْصُرَ فِيهَا ثِيَابًا، فَتَلِفَتْ الثِّيَابُ فِيهَا.
[مَسْأَلَةٌ وَقَعَ الْبَيْع عَلَى مَكِيل أَوْ عَلَى مَوْزُون أَوْ مَعْدُود فَتُلْفِ قَبْلَ قَبَضَهُ]
(2946)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى مَكِيلٍ، أَوْ عَلَى مَوْزُونٍ، أَوْ مَعْدُودٍ، فَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ) . ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْمَكِيلَ، وَالْمَوْزُونَ، وَالْمَعْدُودَ، لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إلَّا بِقَبْضِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُتَعَيِّنًا، كَالصُّبْرَةِ، أَوْ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ، كَقَفِيزِ مِنْهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ إِسْحَاقَ.
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَنَّ كُلَّ مَا بِيعَ عَلَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: الْمُرَادُ بِالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْدُودِ، مَا لَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ مِنْهُ، كَالْقَفِيزِ مِنْ صُبْرَةٍ، وَالرِّطْلِ مِنْ زُبْرَةٍ، وَمَكِيلَةِ زَيْتٍ مِنْ دَنٍّ، فَأَمَّا الْمُتَعَيِّنُ، فَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، كَالصُّبْرَةِ يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ كَيْلٍ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، فِي رَجُلٍ اشْتَرَى طَعَامًا، فَطَلَبَ مَنْ يَحْمِلُهُ، فَرَجَعَ وَقَدْ احْتَرَقَ الطَّعَامُ، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: مَا أَدْرَكَتْ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي. وَذَكَرَ الْجُوزَجَانِيُّ عَنْهُ فِي مَنْ اشْتَرَى مَا فِي السَّفِينَةِ صُبْرَةً، وَلَمْ يُسَمِّ كَيْلًا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا، وَيَبِيعَ مَا شَاءَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا كَيْلٌ، فَلَا يُوَلِّي حَتَّى
يُكَالَ عَلَيْهِ.
وَنَحْوَ هَذَا قَالَ مَالِكٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَا بِيعَ مِنْ الطَّعَامِ مُكَايَلَةً، أَوْ مُوَازَنَةً، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَا بِيعَ مُجَازَفَةً، أَوْ بِيعَ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ مُكَايَلَةً، أَوْ مُوَازَنَةً، جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ، مَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ:«مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ تَعْلِيقًا.
وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ. يَقْتَضِي سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، فَكَانَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، كَغَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْمَطْعُومَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الطَّعَامَ خَاصَّةً لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ مَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
قَوْلِهِ: نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ: هَذَا فِي الطَّعَامِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ، فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْأَصَحُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ الَّذِي يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ هُوَ الطَّعَامُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. فَمَفْهُومُهُ إبَاحَةُ بَيْعِ مَا سِوَاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ:«رَأَيْت الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مُجَازَفَةً يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ» . وَهَذَا نَصٌّ فِي بَيْعِ الْمُعَيَّنِ. وَعُمُومُ قَوْلِهِ عليه السلام: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ» .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ، وَلَوْ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، جَازَ لَهُ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعْمِيمِ الْمَنْعِ فِي كُلِّ طَعَامٍ، مَعَ تَنْصِيصِهِ عَلَى الْمَبِيعِ مُجَازَفَةً بِالْمَنْعِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الطَّعَامَ يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الطَّعَامَ الْمَنْهِيَّ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْ كَوْنِهِ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا، أَوْ مَعْدُودًا، فَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِذَلِكَ كَتَعَلُّقِ رِبَا الْفَضْلِ بِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَكِيلَ، وَالْمَوْزُونَ، وَالْمَعْدُودَ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي وَرَدَ النَّصُّ بِمَنْعِ بَيْعِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ دَلِيلًا وَأَحْسَنُ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إنَّ تَلِفَ الْمَبِيعُ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، بَطَلَ الْعَقْدُ، وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ. وَإِنْ تَلِفَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، اسْتَقَرَّ الثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ. وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ، لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الْجَائِحَةِ، وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَهُوَ كَحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِهِ، وَبَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْعَقْدِ، وَمُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا.