الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ كَدِينِهِمْ. وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا مَوْلِدًا؛ فَهُوَ عَيْبٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْعَادَةِ.
(3011)
فَصْلٌ: وَالثُّيُوبَةُ لَيْسَتْ عَيْبًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْجَوَارِي الثُّيُوبَةُ، فَالْإِطْلَاقُ لَا يَقْتَضِي خِلَافَهَا، وَكَوْنُهَا مُحَرَّمَةً عَلَى الْمُشْتَرِي بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، لَيْسَ بِعَيْبٍ، إذْ لَيْسَ فِي الْمَحَلِّ مَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْمَالِيَّةِ، وَلَا نَقْصًا، وَإِنَّمَا التَّحْرِيمُ مُخْتَصٌّ بِهِ. وَكَذَلِكَ الْإِحْرَامُ وَالصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُمَا يَزُولَانِ قَرِيبًا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا. وَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْبَائِنِ.
وَأَمَّا عِدَّةُ الرَّجْعِيَّةِ فَهِيَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ، وَلَا يُؤْمَنُ ارْتِجَاعُهُ لَهَا. وَمَعْرِفَةُ الْغِنَاءِ وَالْحِجَامَةِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، فِي الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ، أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْغِنَاءَ مُحَرَّمٌ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَقْصٍ فِي عَيْنِهَا، وَلَا قِيمَتِهَا، فَلَمْ يَكُنْ عَيْبًا كَالصِّنَاعَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغِنَاءَ مُحَرَّمٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، فَالْمُحَرَّمُ اسْتِعْمَالُهُ، لَا مَعْرِفَتُهُ، وَالْعُسْرُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَكَانَ شُرَيْحٌ يَرُدُّ بِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْصِ، وَعَمَلُهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ يَقُومُ مَقَامَ عَمَلِهِ بِالْأُخْرَى، وَالْكُفْرُ لَيْسَ بِعَيْبٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] .
وَلَنَا، أَنَّ الْعَبِيدَ يَكُونُ فِيهِمْ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْأَصْلُ فِيهِمْ الْكُفْرُ، فَالْإِطْلَاقُ لَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، وَكَوْنُ الْمُؤْمِنِ خَيْرًا مِنْ الْكَافِرِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْكُفْرِ عَيْبًا، كَمَا أَنَّ الْمُتَّقِيَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] . وَلَيْسَ عَدَمُ ذَلِكَ عَيْبًا. وَكَوْنُهُ وَلَدَ زِنًا لَيْسَ بِعَيْبٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلِافْتِرَاشِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ. وَلَنَا أَنَّ النَّسَبَ فِي الرَّقِيقِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ يُشْتَرَوْنَ مَجْلُوبِينَ، غَيْرَ مَعْرُوفِي النَّسَبِ. وَكَوْنُ الْجَارِيَةِ لَا تُحْسِنُ الطَّبْخَ أَوْ الْخَبْزَ أَوْ نَحْوَ هَذَا لَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حِرْفَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ فَوَاتُهَا عَيْبًا، كَسَائِرِ الصَّنَائِعِ، وَكَوْنُهَا لَا تَحِيضُ، لَيْسَ بِعَيْبٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ عَيْبٌ إذَا كَانَ لِكِبَرٍ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا تَحْمِلُ. وَلَنَا، أَنَّ الْإِطْلَاقَ لَا يَقْتَضِي الْحَيْضَ، وَلَا عَدَمَهُ، فَلَمْ يَكُنْ فَوَاتُهُ عَيْبًا، كَمَا لَوْ كَانَ لِغَيْرِ الْكِبَرِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْع صِفَة مَقْصُودَة مِمَّا لَا يَعُدْ فَقَدَهُ عَيْبًا]
(3012)
فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ صِفَةً مَقْصُودَةً مِمَّا لَا يُعَدُّ فَقْدُهُ عَيْبًا، صَحَّ اشْتِرَاطُهُ، وَصَارَتْ مُسْتَحَقَّةً، يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ عِنْدَ عَدَمِهَا، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ مُسْلِمًا، فَيَبِينُ كَافِرًا، أَوْ يَشْتَرِطَ الْأَمَةَ بِكْرًا أَوْ جَعْدَةً أَوْ طَبَّاخَةً، أَوْ ذَاتَ صَنْعَةٍ، أَوْ لَبَنٍ، أَوْ أَنَّهَا تَحِيضُ، أَوْ يَشْتَرِطَ فِي الدَّابَّةِ أَنَّهَا
هِمْلَاجَةٌ، أَوْ فِي الْفَهْدِ أَنَّهُ صَيُودٌ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا. فَمَتَى بَانَ خِلَافَ مَا اشْتَرَطَهُ، فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ، وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ، أَوْ الرِّضَا بِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ. لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ، فَصَارَ بِالشَّرْطِ مُسْتَحِقًّا.
فَأَمَّا إنْ شَرَطَ صِفَةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ، فَبَانَتْ بِخِلَافِهَا، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَهَا سَبْطَةً فَبَانَتْ جَعْدَةً، أَوْ جَاهِلَةً، فَبَانَتْ عَالِمَةً، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا. وَإِنْ شَرَطَهَا كَافِرَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً، أَوْ ثَيِّبًا، فَبَانَتْ بِكْرًا، فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَصْدًا صَحِيحًا، وَهُوَ أَنَّ طَالِبَ الْكَافِرَةِ أَكْثَرُ؛ لِصَلَاحِيَتِهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهَا، أَوْ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَكْلِيفهَا الْعِبَادَاتِ. وَقَدْ يَشْتَرِطُ الثَّيِّبَ؛ لِعَجْزِهِ عَنْ الْبِكْرِ، أَوْ لِيَبِيعَهَا لِعَاجِزٍ عَنْ الْبِكْرِ. فَقَدْ فَاتَ قَصْدُهُ.
وَقِيلَ: لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ زِيَادَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْبِكْرِ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي. وَاسْتَبْعَدَ كَوْنَهُ يَقْصِدُ الثُّيُوبَةَ، لِعَجْزِهِ عَنْ الْبِكْرِ، وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ، فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ، وَالِاشْتِرَاطُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَيَصِيرُ بِالدَّلِيلِ قَرِيبًا. وَإِنْ شَرَطَ الشَّاةَ لَبُونًا، صَحَّ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، فَلَمْ يَجُزْ شَرْطُهُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَمْرٌ مَقْصُودٌ يَتَحَقَّقُ فِي الْحَيَوَانِ، وَيَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ، فَصَحَّ اشْتِرَاطُهُ، كَالصِّنَاعَةِ فِي الْأَمَةِ، وَالْهَمْلَجَةِ فِي الدَّابَّةِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَحُزْ بَيْعُهُ مُفْرَدًا؛ لِلْجَهَالَةِ، وَالْجَهَالَةُ تَسْقُطُ فِيمَا كَانَ بَيْعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ، صَحَّ بَيْعُهَا مَعَهُ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ بَيْعُ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمَا مُفْرَدَيْنِ. وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا تَحْلُبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَخْتَلِفُ، وَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ.
وَإِنْ شَرَطَهَا غَزِيرَةَ اللَّبَنِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَإِنْ شَرَطَهَا حَامِلًا صَحَّ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا حُكْمَ لَهُ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ اللِّعَانُ عَلَى الْحَمْلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رِيحٌ.
وَلَنَا، أَنَّهُ صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهَا، فَصَحَّ شَرْطُهُ، كَالصِّنَاعَةِ، وَكَوْنِهَا لَبُونًا، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا قَبْلُ أَنَّ لِلْحَمْلِ حُكْمًا، وَلِذَلِكَ حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الدِّيَةِ بِأَرْبَعِينَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. وَمَنَعَ أَخْذَ الْحَوَامِلِ فِي الزَّكَاةِ، وَمَنَعَ وَطْءَ الْحَبَالَى الْمَسْبِيَّاتِ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الْحَامِلِ وَضْعَ حَمْلِهَا، وَأَرْخَصَ لَهَا الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا، وَمَنَعَ مِنْ الِاقْتِصَاصِ مِنْهَا، وَإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ حَمْلِهَا. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي اللِّعَانِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَاعَنَهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا، فَانْتَفَى عَنْهُ وَلَدُهَا، وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا تَضَعُ الْوَلَدَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، لَمْ يَصِحَّ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ