الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُتَبَايِعَيْنِ. وَفَارَقَ الْعِدَّةَ، فَإِنَّهَا اُعْتُبِرَتْ لِلِاسْتِبْرَاءِ،
وَالْحَاجَةُ
دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فِي كُلِّ فُرْقَةٍ بَعْدَ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ. لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْقَبْضِ، فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ إنْ كَانَتْ فَسْخًا؛ لِأَنَّهَا رَفْعٌ لِلْعَقْدِ، وَإِزَالَةٌ لَهُ، وَلَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةِ، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الْفُسُوخِ.
وَمَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَأَقَالَ، لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا، اُسْتُحِقَّتْ بِهَا الشُّفْعَةُ، وَحَنِثَ الْحَالِفُ عَلَى تَرْكِ الْبَيْعِ بِفِعْلِهَا، كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ. وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: هِيَ فَسْخٌ أَوْ بَيْعٌ؛ لِأَنَّهَا خُصَّتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، كَالتَّوْلِيَةِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. وَأَقَلَّ مِنْهُ إذَا قُلْنَا: إنَّهَا بَيْعٌ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَأَقَالَ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ، وَكَانَ الْمِلْكُ بَاقِيًا لِلْمُشْتَرِي. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهَا تَصِحُّ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِقَالَةِ اقْتَضَى مِثْلَ الثَّمَنِ، وَالشَّرْطُ يُنَافِيهِ، فَبَطَلَ، وَبَقِيَ الْفَسْخُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، كَسَائِرِ الْفُسُوخِ. وَلَنَا، أَنَّهُ شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّمَاثُلُ، فَبَطَلَ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ. وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْإِقَالَةِ رَدُّ كُلِّ حَقٍّ إلَى صَاحِبِهِ، فَإِذَا شَرَطَ زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا، أَخْرَجَ الْعَقْدَ عَنْ مَقْصُودِهِ، فَبَطَلَ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إلَيْهِ. وَيُفَارِقُ سَائِرَ الْفُسُوخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا مِنْهُمَا، بَلْ يَسْتَقِلُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، فَإِذَا شُرِطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِدُونِهِ.
وَإِنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ الْفَسْخِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنَّمَا رَضِيَ بِهَا أَحَدُهُمَا مَعَ الزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ، فَإِذَا أَبْطَلْنَا شَرْطَهُ فَاتَ رِضَاهُ، فَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ؛ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِهَا.
[مَسْأَلَةٌ بَيْع الصُّبْرَة جُزَافًا مَعَ جَهْل الْبَائِع وَالْمُشْتَرِي بِقَدْرِهَا]
(2968)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمِنْ اشْتَرَى صُبْرَةَ طَعَامٍ، لَمْ يَبِعْهَا حَتَّى يَنْقُلَهَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى حُكْمَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا؛ إبَاحَةُ بَيْعِ الصُّبْرَةِ جُزَافًا مَعَ جَهْلِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِقَدْرِهَا، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالرُّؤْيَةِ، فَصَحَّ بَيْعُهُ، كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ. وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ مُشَاهَدَةِ بَاطِنِ الصُّبْرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ؛ لِكَوْنِ الْحَبِّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يُمْكِنُ بَسْطُهَا حَبَّةً حَبَّةً، وَلِأَنَّ الْحَبَّ تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ فِي الظَّاهِرِ، فَاكْتُفِيَ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ، فَإِنَّ نَشْرَهُ لَا يَشُقُّ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ أَجْزَاؤُهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهَا مَعَ الْمُشَاهَدَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا اشْتَرَى بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ، وَهُوَ الرُّؤْيَةُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: بِعْتُك نِصْفَ هَذِهِ
الصُّبْرَةِ، أَوْ ثُلُثَهَا، أَوْ جُزْءًا مِنْهَا مَعْلُومًا. جَازَ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُ جُمْلَتِهِ، جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ، كَالْحَيَوَانِ. وَلِأَنَّ جُمْلَتَهَا مَعْلُومَةٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، فَكَذَلِكَ جُزْؤُهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الصُّبْرَةُ مُتَسَاوِيَةَ الْأَجْزَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً، مِثْلَ صُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ، لَمْ يَصِحَّ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْهَا جُزْءًا مُشَاعًا، فَيَسْتَحِقُّ مِنْ جَيِّدِهَا وَرَدِيئِهَا بِقِسْطِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْمُثَمَّنَاتِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا جُزَافًا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ فِي الْأَثْمَانِ لِأَنَّ لَهَا خَطَرًا وَلَا يَشُقُّ وَزْنُهَا وَلَا عَدَدُهَا، فَأَشْبَهَ الرَّقِيقَ وَالثِّيَابَ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، فَأَشْبَهَ الْمُثَمَّنَاتِ وَالنُّقْرَةَ وَالْحَلْيَ. وَيَبْطُلُ بِذَلِكَ مَا قَالَهُ. أَمَّا الرَّقِيقُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ إذَا شَاهَدَهُمْ وَلَمْ يَعُدَّهُمْ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ إذَا نَشَرَهَا وَرَأَى جَمِيعَ أَجْزَائِهَا. الْحَكَمُ الثَّانِي، أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الصُّبْرَةَ جُزَافًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا حَتَّى يَنْقُلَهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ نَقْلِهَا. اخْتَارَهَا الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَقِّ تَوْفِيَةٍ، فَأَشْبَهَ الثَّوْبَ الْحَاضِرَ.
وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ:«إنْ كُنَّا لَنَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ.» وَعُمُومُ قَوْلِهِ عليه السلام: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، قَالَ:«قَدِمَ زَيْتٌ مِنْ الشَّامِ، فَاشْتَرَيْت مِنْهُ أَبْعِرَةً، وَفَرَغْت مِنْ شِرَائِهَا، فَقَامَ إلَيَّ رَجُلٌ فَأَرْبَحَنِي فِيهَا رِبْحًا، فَبَسَطْت يَدِي لِأُبَايِعَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ يَأْخُذُنِي مِنْ خَلْفِي، فَنَظَرْت فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لَا تَبِعْهُ حَتَّى تَنْقُلَهُ إلَى رَحْلِك، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ» .
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنَّ قَبْضَهَا نَقْلُهَا. كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْقَبْضَ لَوْ لَمْ يُعَيَّنْ فِي الشَّرْعِ لَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْعُرْفِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْإِحْيَاءِ وَالْإِحْرَازِ، وَالْعَادَةُ فِي قَبْضِ الصُّبْرَةِ النَّقْلُ (2969) فَصْلٌ: وَلَا يَحِلُّ لِبَائِعِ الصُّبْرَةِ أَنْ يَغُشَّهَا؛ بِأَنْ يَجْعَلَهَا عَلَى دِكَّةٍ، أَوْ رَبْوَةٍ، أَوْ حَجَرٍ يُنْقِصُهَا، أَوْ يَجْعَلَ الرَّدِيءَ فِي بَاطِنِهَا أَوْ الْمَبْلُولَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا. فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ، مَا هَذَا؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ ثُمَّ قَالَ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ