الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحَدُهُمَا، مَعْرِفَةُ صِفَةِ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ. وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ صِفَتِهِ، إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ عِوَضَيْ السَّلَمِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا اشْتَرَطَ مَعْرِفَةَ صِفَتِهِ، كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ مُعَيَّنٌ، انْصَرَفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ، وَقَامَ مَقَامَ وَصْفِهِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، فَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ وَصْفِهِ، وَاحْتَجَّا بُقُولِ أَحْمَدَ: يَقُولُ: أَسْلَمْت إلَيْك كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا. وَيَصِفُ الثَّمَنَ. فَاعْتَبَرَ ضَبْطَ صِفَتِهِ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَمْلِكُ إتْمَامَهُ فِي الْحَالِ، وَلَا تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُؤْمَنُ انْفِسَاخُهُ، فَوَجَبَ مَعْرِفَةُ رَأْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، لِيَرُدَّ بَدَلَهُ، كَالْقَرْضِ وَالشَّرِكَةِ. وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَظْهَرَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُسْتَحِقًّا، فَيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ فِي قَدْرِهِ، فَلَا يَدْرِي فِي كَمْ بَقِيَ وَكَمْ انْفَسَخَ؟ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَوْهُومٌ، وَالْمَوْهُومَاتُ لَا تُعْتَبَرُ. قُلْنَا: التَّوَهُّمُ مُعْتَبَرٌ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ إذَا وَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْغَرَرِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا، بِدَلِيلِ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ قَدَّرَ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِصَنْجَةٍ أَوْ مِكْيَالٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ شَرَائِطَ السَّلَمَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُشَاهَدٌ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ، كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ. وَكَلَامُ أَحْمَدَ إنَّمَا تَنَاوَلَ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ، وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ أَوْصَافِهِ.
وَدَلِيلُهُمْ يَنْتَقِضُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ مَعَ الْيَقِينِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَوْصَافِ. وَلِأَنَّ رَدَّ مِثْلِ الثَّمَنِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ عِنْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ، لَا مِنْ جِهَةِ عَقْدِهِ، وَجَهَالَةُ ذَلِكَ لَا تُؤَثِّرُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَكِيلَ، أَوْ الْمَوْزُونَ. وَلِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّتْ شَرَائِطُهُ. فَلَا يَبْطُلُ بِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَعْتَبِرُ صِفَاتَهُ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَاتِهِ، كَالْجَوَاهِرِ وَسَائِرِ مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، فَإِنْ جَعَلَاهُ سَلَمًا بَطَلَ الْعَقْدُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَقِيمَتِهِ إنْ عُرِفَتْ إذَا كَانَ مَعْدُومًا.
فَإِنْ اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ. وَهَكَذَا إنْ حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ ثُمَّ انْفَسَخَ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: فِي مِائَةِ مُدَّيْ حِنْطَةٍ. وَقَالَ الْآخَرُ: فِي مِائَةِ مُدَّيْ شَعِيرٍ. تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ.
[فَصْلٌ مَنَعَ بَيْعَ الْعُرُوضِ بَعْضَهَا بِبَعْضِ نِسَاء]
(3236)
فَصْلٌ: وَكُلُّ مَالَيْنِ حَرُمَ النَّسَاءُ فِيهِمَا، لَا يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ مِنْ شَرْطِهِ النَّسَاءُ وَالتَّأْجِيلُ. وَالْخِرَقِيُّ مَنَعَ بَيْعَ الْعُرُوضِ بَعْضُهَا بِبَعْضِ نَسَاءً. فَعَلَى قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ إلَّا عَيْنًا أَوْ وَرِقًا.
وَقَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ هَاهُنَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ. قِيلَ لِأَحْمَدَ: يُسْلَمُ مَا يُوزَنُ فِيمَا يُكَالُ، وَمَا يُكَالُ فِيمَا يُوزَنُ؟ فَلَمْ يُعْجِبْهُ. وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ ثَمَنًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا
لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا ثَمَنًا، فَلَا تَكُونُ مُثَمَّنَةً. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ بِجَوَازِ النَّسَاءِ فِي الْعُرُوضِ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَرْضًا، كَالثَّمَنِ سَوَاءً، وَيَجُوزُ إسْلَامُهَا فِي الْأَثْمَانِ.
قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ صَدَاقًا، فَتَثْبُتُ سَلَمًا، كَالْعُرُوضِ. وَلِأَنَّهُ لَا رِبًا بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسَاءُ، فَصَحَّ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، كَالْعَرْضِ فِي الْعَرْضِ، وَلَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ صَحَّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُثَمَّنًا. فَعَلَى هَذَا إذَا أَسْلَمَ عَرْضًا فِي عَرْضٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَاتِهِ، فَجَاءَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ بِذَلِكَ الْعَرْضِ بِعَيْنِهِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَتَاهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى صِفَتِهِ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَهُ.
وَالثَّانِي، لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى كَوْنِ الثَّمَنِ هُوَ الْمُثَمَّنُ، وَمَنْ نَصَرَ الْأَوَّلَ قَالَ: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ. وَهَذَا عِوَضٌ عَنْهُ. وَهَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي كَبِيرَةٍ فَحَلَّ الْمَحِلُّ وَهِيَ عَلَى صِفَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَأَحْضَرَهَا، فَعَلَى احْتِمَالَيْنِ أَيْضًا؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَصِحُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَمْتَعَ بِهَا وَرَدَّهَا خَالِيَةً عَنْ عُقْرٍ. وَالثَّانِي، يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَحْضَرَ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَلَى صِفَتِهِ. وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ بِمَا إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً؛ لِيَنْتَفِعَ بِالْعَيْنِ، أَوْ لِيَطَأَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَرُدَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، لَمْ يَجُزْ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْحِيَلَ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ.
الشَّرْطُ الثَّانِي الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، تَعَيُّنُ مَكَانُ الْإِيفَاءِ. قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» . وَلَمْ يَذْكُرْ مَكَانَ الْإِيفَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ.
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ «، أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَسْلَمَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَلَا، وَلَكِنْ كَيْلٌ مُسَمًّى، إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» . وَلَمْ يَذْكُرْ مَكَانَ الْإِيفَاءِ. وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ، كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَجِبُ بِحُلُولِهِ، وَلَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ حِينَئِذٍ، فَيَجِبُ شَرْطُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مَجْهُولًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً، وَجَبَ شَرْطُهُ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً اخْتَلَفَ فِيهِ الْغَرَضُ، بِخِلَافِ مَا لَا مُؤْنَةَ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ كَانَا فِي بَرِّيَّةٍ لَزِمَ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي بَرِّيَّةٍ، فَذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ حَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهُ كَانَ الْإِيفَاءُ فِي مَكَانَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَا فِي بَرِّيَّةٍ لَمْ يُمْكِنْ التَّسْلِيمُ