الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ بَيْع الْمُرَابَحَة]
(3049)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا مُرَابَحَةً، فَعَلِمَ أَنَّهُ زَادَ فِي رَأْسِ مَالِهِ، رَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ وَحَطَّهَا مِنْ الرِّبْحِ مَعْنَى بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، هُوَ الْبَيْعُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحٍ مَعْلُومٍ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيَقُولُ: رَأْسُ مَالِي فِيهِ أَوْ هُوَ عَلَيَّ بِمِائَةٍ بِعْتُك بِهَا، وَرِبْحُ عَشَرَةٍ، فَهَذَا جَائِزٌ لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ كَرَاهَةً. وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك بِرَأْسِ مَالِي فِيهِ وَهُوَ مِائَةٌ، وَأَرْبَحُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا، أَوْ قَالَ: ده يازده. أَوْ ده داوزده. فَقَدْ كَرِهَهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ رُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَسْرُوقٍ، وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ لَا يَجُوزُ. لِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ حَالَ الْعَقْدِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِمَا يَخْرُجُ بِهِ فِي الْحِسَابِ. وَرَخَّصَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَشُرَيْحٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مَعْلُومٌ وَالرِّبْحَ مَعْلُومٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: وَرِبْحُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ.
وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَرِهَاهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، وَلِأَنَّ فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْجَهَالَةِ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْهَا أَوْلَى. وَهَذِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْجَهَالَةُ يُمْكِنُ إزَالَتُهَا بِالْحِسَابِ، فَلَمْ تَضُرَّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ صُبْرَةً كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ بِهِ فِي الْحِسَابِ، فَمَجْهُولٌ فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا عُدْنَا إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، فَنَقُولُ: مَتَى بَاعَ شَيْئًا بِرَأْسِ مَالِهِ، وَرِبْحِ عَشَرَةٍ، ثُمَّ عَلِمَ بِتَنْبِيهٍ أَوْ إقْرَارٍ أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ تِسْعُونَ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ، كَالْعَيْبِ وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا زَادَ فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ عَشَرَةٌ، وَحَطَّهَا مِنْ الرِّبْحِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ، فَيَبْقَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا.
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَخْذِ بِكُلِّ الثَّمَنِ، أَوْ يَتْرُكُ قِيَاسًا عَلَى الْمَعِيبِ. وَلَنَا، أَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَمَا قَدَّرَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِذَا بَانَ رَأْسُ مَالِهِ قَدْرًا مَبِيعًا بِهِ وَبِالزِّيَادَةِ الَّتِي اتَّفَقَا عَلَيْهَا، وَالْمَعِيبُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا، فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ الْأَرْشِ، ثُمَّ الْمَعِيبُ لَمْ يَرْضَ بِهِ، إلَّا بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ، وَهَاهُنَا رَضِيَ فِيهِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ الْمُقَرَّرِ. وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ؟ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْمَبِيعِ بِرَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَبَيْنَ تَرْكِهِ.
نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَحُكِيَ ذَلِكَ قَوْلًا لِلشَّافِعِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَأْمَنُ الْجِنَايَةَ فِي هَذَا الثَّمَنِ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي الشِّرَاءِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ بِعَيْنِهِ؛ لِكَوْنِهِ حَالِفًا، أَوْ وَكِيلًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. وَحُكِيَ ذَلِكَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَهُ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ، فَإِذَا حَصَلَ لَهُ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ، فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ، فَبَانَ صَحِيحًا، أَوْ أُمِّيٌّ، فَبَانَ صَانِعًا أَوْ كَاتِبًا أَوْ وُكِّلَ فِي شِرَاءٍ مُعَيَّنٍ بِمِائَةٍ،
فَاشْتَرَاهُ بِتِسْعِينَ.
وَأَمَّا الْبَائِعُ، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ. (3050) فَصْلٌ وَإِذَا أَرَادَ الْإِخْبَارَ بِثَمَنِ السِّلْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ بِحَالِهَا، لَمْ تَتَغَيَّرْ، أَخْبَرَ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ حَطَّ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، لَمْ يُجَزِّئْهُ، وَيُخْبِرُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، لَا غَيْرُ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، لَا يَكُونُ عِوَضًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ، وَيُخْبِرُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَحِقَ بِالْعَقْدِ، وَأَخْبَرَ بِهِ فِي الثَّمَنِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ. فَإِنْ تَغَيَّرَ سِعْرُهَا دُونَهَا، فَإِنْ غَلَتْ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِيهَا وَإِنْ رَخُصَتْ، فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِدُونِ الْإِخْبَارِ بِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِخْبَارُ بِالْحَالِ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ، لَمْ يَرْضَهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَكِتْمَانُهُ تَغْرِيرٌ بِهِ. فَإِنْ أَخْبَرَ بِدُونِ ثَمَنِهَا، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالتَّغْرِيرِ. فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ تَغَيَّرَتْ السِّلْعَةُ فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا، أَنْ تَتَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ، وَهِيَ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ تَزِيدَ لِنَمَائِهَا، كَالسَّمْنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، أَوْ يَحْصُلُ مِنْهَا نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ، كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ، وَالْكَسْبِ، فَهَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً، أَخْبَرَ بِالثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ.
وَإِنْ أَخَذَ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ، أَوْ اسْتَخْدَمَ الْأَمَةَ، أَوْ وَطِئَ الثَّيِّبَ، أَخْبَرَ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَبْيِينُ الْحَالِ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَبْيِينُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الْغَلَّةِ يَأْخُذُهَا: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً، وَفِي الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ لَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَلِأَنَّهُ مِنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ.
وَلَنَا أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ بِالْمُشْتَرِي، فَجَازَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَزِدْ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ بِدُونِ ذِكْرِهِ، كَالْغَلَّةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُوجَبَاتِ الْعَقْدِ. النَّوْعُ الثَّانِي، أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا عَمَلًا، مِثْلُ أَنْ يَقْصُرَهَا، أَوْ يَرْفُوَهَا، أَوْ يُجَمِّلَهَا أَوْ يَخِيطَهَا، فَهَذِهِ مَتَى أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً أَخْبَرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ، سَوَاءٌ عَمِلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ عَمِلَهُ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: يُبَيِّنُ مَا اشْتَرَاهُ وَمَا لَزِمَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: تَحَصَّلَتْ عَلَيَّ بِكَذَا. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ فِيمَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ الْأُجْرَةَ إلَى الثَّمَنِ، وَيَقُولَ: تَحَصَّلَتْ عَلَيَّ بِكَذَا. لِأَنَّهُ صَادِقٌ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَالشَّافِعِيُّ.