الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَرَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ. وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَا عَلِمَ بِهِ فَكَتَمَهُ، وَمَا سَتَرَ، فَكُلَاهُمَا تَدْلِيسٌ حَرَامٌ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. فَإِذَا فَعَلَهُ الْبَائِعُ، فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي حَتَّى تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ، فَلَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ، وَأَخْذُ ثَمَنِهِ كَامِلًا، وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَادِثُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، كَوَطْءِ الْبِكْرِ، وَقَطْعِ الثَّوْبِ، أَوْ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ آخَرَ، مِثْلُ أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهِ جَانٍ، أَوْ بِفِعْلِ الْعَبْدِ كَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ، أَوْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، سَوَاءٌ كَانَ نَاقِصًا لِلْمَبِيعِ، أَوْ مَذْهَبًا لَجَمِيعِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا، فَأَبَقَ مِنْ يَدِهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ إبَاقَهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْبَائِعِ: يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ، بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ، وَيَتْبَعُ الْبَائِعُ عَبْدَهُ حَيْثُ كَانَ. وَهَذَا يُحْكَى عَنْ الْحَكَمِ، وَمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ غَرَّهُ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ. وَظَاهِرُ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ، أَوْ لَمْ يُدَلِّسْهُ، فَإِنَّ التَّصْرِيَةَ تَدْلِيسٌ، وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْ الْمُشْتَرِي ضَمَانَ اللَّبَنِ، بَلْ ضَمِنَهُ بِصَاعٍ مِنْ التَّمْرِ، مَعَ كَوْنِهِ قَدْ نَهَى عَنْ التَّصْرِيَةِ، وَقَالَ:«بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خَلَابَةٌ، وَلَا تَحِلُّ الْخَلَابَةُ لِمُسْلِمٍ» .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ الْخَرَاجُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِكَوْنِهِ جَعَلَ الضَّمَانَ عِلَّةً لِوُجُوبِ الْخَرَاجِ لَهُ. فَلَوْ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى الْبَائِعِ لَكَانَ الْخَرَاجُ لَهُ؛ لِوُجُودِ عِلَّتِهِ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ قِيَاسٍ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا، وَالْقِيَاسُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَصْلٍ، وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا أَصْلًا. وَلَا يُشْبِهُ هَذَا التَّغْرِيرَ بِحُرِّيَّةِ الْأَمَةِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَيِّدَ الْأَمَةِ، وَهَاهُنَا لَوْ كَانَ التَّدْلِيسُ مِنْ وَكِيلِ الْبَائِعِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.
[فَصْلٌ النَّقَائِص الْمُوجِبَة لَنَقَصَ الْمَالِيَّة فِي عَادَاتِ التُّجَّار]
(3010)
فَصْلٌ: فِي مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ؛ وَهِيَ النَّقَائِصُ الْمُوجِبَةُ لِنَقْصِ الْمَالِيَّةِ فِي عَادَاتِ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا صَارَ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ، فَمَا يُوجِبُ نَقْصًا فِيهَا يَكُونُ عَيْبًا، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ فِي عُرْفِ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ، وَهُمْ التُّجَّارُ. فَالْعُيُوبُ فِي الْخِلْقَةِ؛ كَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَالْعَمَى، وَالْعَوَرِ، وَالْعَرَجِ، وَالْعَفَلِ، وَالْقَرْنِ، وَالْعِتْقِ، وَالرَّتَقِ، وَالْقَرَعِ، وَالصَّمَمِ، وَالطَّرَشِ، وَالْخَرَسِ، وَسَائِرِ الْمَرَضِ، وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَالنَّاقِصَةِ، وَالْحَوَلِ،
وَالْخُوصِ، وَالسُّبُلِ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْأَجْفَانِ، وَالتَّخْنِيثِ، وَكَوْنِهِ خُنْثَى، وَالْخِصَاءِ، وَالتَّزَوُّجِ فِي الْأَمَةِ، وَالْبَخَرِ فِيهَا.
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجَارِيَةِ تُشْتَرَى وَلَهَا زَوْجٌ أَنَّهُ عَيْبٌ. وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُعْسِرًا، وَالْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَوَدِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ صَارَتْ كَالْمُسْتَحِقَّةِ لِوُجُوبِ الدَّفْعِ فِي الْجِنَايَةِ وَالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ، وَمُسْتَحِقَّةً لِلْإِتْلَافِ بِالْقِصَاصِ، وَالزِّنَى وَالْبَخَرُ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ جَمِيعًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبِ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلْفِرَاشِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ.
وَلَنَا، أَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ وَمَالِيَّتَهُ، فَإِنَّهُ بِالزِّنَى يَتَعَرَّضُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَالتَّعْزِيرِ، وَلَا يَأْمَنُهُ سَيِّدُهُ عَلَى عَائِلَتِهِ وَحَرِيمِهِ، وَالْبَخَرُ يُؤْذِي سَيِّدَهُ، وَمَنْ جَالَسَهُ وَخَاطَبَهُ أَوْ سَارَّهُ. وَأَمَّا السَّرِقَةُ، وَالْإِبَاقُ، وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ، فَهِيَ عُيُوبٌ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي جَاوَزَ الْعَشْرَ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: فِي الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ: لَيْسَ بِعَيْبٍ فِيهِ حَتَّى يَحْتَلِمَ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِهِ، مِنْ التَّكْلِيفِ، وَوُجُوبِ الْحُدُودِ، بِبُلُوغِهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا. وَلَنَا، أَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ يَتَحَرَّزُ مِنْ هَذَا عَادَةً، كَتَحَرُّزِ الْكَبِيرِ، فَوُجُودُهُ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَوْلَ لِدَاءٍ فِي بَاطِنِهِ، وَالسَّرِقَةَ وَالْإِبَاقَ لِخُبْثٍ فِي طَبْعِهِ، وَحُدَّ ذَلِكَ بِالْعَشْرِ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَأْدِيبِ الصَّبِيِّ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ عِنْدَهَا، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ لِبُلُوغِهَا.
فَأَمَّا مَنْ دُونَ ذَلِكَ فَتَكُونُ هَذِهِ الْأُمُورُ مِنْهُ لِضَعْفِ عَقْلِهِ، وَعَدَمِ تَثَبُّتِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، أَوْ يَسْكَرُ مِنْ النَّبِيذِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَهُوَ كَالزِّنَى. وَكَذَلِكَ الْحُمْقُ الشَّدِيدُ، وَالِاسْتِطَالَةُ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّأْدِيبِ، وَرُبَّمَا تَكَرَّرَ فَأَفْضَى إلَى تَلَفِهِ، وَلَا يَكُونُ عَيْبًا إلَّا فِي الْكَبِيرِ دُونَ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى فِعْلِهِ. وَعَدَمُ الْخِتَانِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ وَقْتُهُ، وَلَا فِي الْأَمَةِ الْكَبِيرَةِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: هُوَ عَيْبٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ أَلَمٍ، فَأَشْبَهَتْ الْعَبْدَ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ فِي حَقِّهَا، وَالْأَلَمُ فِيهِ يَسِيرٌ لَا يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْكَبِير. فَأَمَّا الْعَبْدُ الْكَبِيرُ، فَإِنْ كَانَ مَجْلُوبًا مِنْ الْكُفَّارِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَتِنُونَ، فَصَارَ