الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ، قَالَ: إنَّهُ غَرَرٌ. وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ. وَالْمَعْنَى لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا. الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ رَقِيقًا، لَا يَمْنَعُ مُشَاهَدَتَهُ وَمَعْرِفَتَهُ. الثَّالِثُ، أَنْ يُمْكِنَ اصْطِيَادُهُ وَإِمْسَاكُهُ. فَإِنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ، جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَعْلُومٌ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ فَجَازَ بَيْعُهُ، كَالْمَوْضُوعِ فِي الطَّسْتِ.
وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْنَا، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِذَلِكَ. وَإِنْ اخْتَلَّتْ الثَّلَاثَةُ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِثَلَاثِ عِلَلٍ. وَإِنْ اخْتَلَّ اثْنَانِ مِنْهَا، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِعِلَّتَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي مَنْ لَهُ أَجَمَةٌ يَحْبِسُ السَّمَكَ فِيهَا، يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ظَاهِرًا، أَشْبَهَ مَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ فِي كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَنَقْلِهِ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ، فَإِنَّهُ غَرَرٌ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ: صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَهَذَا مِنْهُ. وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا بَعْدَ اصْطِيَادِهِ، أَشْبَهَ الطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ، وَالْعَبْدَ الْآبِقَ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، كَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ، وَيُفَارِقُ مَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُؤْنَةِ الْقَبْضِ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ لِيُمْكِنَ قَبْضُهُ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ بِرْكَةٌ فِيهَا سَمَكٌ لَهُ يُمْكِنُ اصْطِيَادُهُ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ، وَالْمَاءُ رَقِيقٌ لَا يَمْنَعُ مُشَاهَدَتَهُ، صَحَّ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِمَشَقَّةٍ، وَكُلْفَةٍ يَسِيرَةٍ، بِمَنْزِلَةِ كُلْفَةِ اصْطِيَادِهِ الطَّائِرِ مِنْ الْبُرْجِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي بَيْعِ الطَّائِرِ فِي الْبُرْجِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ.
وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً، وَتَتَطَاوَلُ الْمُدَّةُ فِيهِ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَالْجَهْلِ لِوَقْتِ إمْكَانِ التَّسْلِيمِ.
[فَصْلٌ إذَا أَعُدْ بَرَكَة أَوْ مُصَفَّاة لِيَصْطَادَ فِيهَا السَّمَك فَحُصِلَ فِيهَا سُمّك]
(3082)
فَصْلٌ: إذَا أَعَدَّ بِرْكَةً، أَوْ مِصْفَاةً؛ لِيَصْطَادَ فِيهَا السَّمَكَ، فَحَصَلَ فِيهَا سَمَكٌ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ مُعَدَّةٌ لِلِاصْطِيَادِ، فَأَشْبَهَ الشَّبَكَةَ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْبِرْكَةَ، أَوْ الشَّبَكَةَ، أَوْ اسْتَعَارَهُمَا لِلِاصْطِيَادِ، جَازَ، وَمَا حَصَلَ فِيهِمَا مَلَكَهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْبِرْكَةُ غَيْرَ مُعَدَّةٍ لِلِاصْطِيَادِ، لَمْ يَمْلِكْ مَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ السَّمَكِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعَدَّةٍ لَهُ، فَأَشْبَهَتْ أَرْضَهُ إذَا دَخَلَ فِيهَا صَيْدٌ، أَوْ حَصَلَ فِيهَا سَمَكٌ. وَمَتَى نَصَبَ شَبَكَةً، أَوْ شَرَكًا، أَوْ فَخًّا، أَوْ أُحْبُولَةً، مَلَكَ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ يَدِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَصَبَ الْمَنَاجِلَ لِلصَّيْدِ، وَسَمَّى فَقَتَلَتْ صَيْدًا حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ، وَكَانَ كَذَبْحِهِ.
وَلَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ أَوْ شِبْهِهَا شَيْءٌ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ، أَنَّهُ كَيَدِهِ. وَلَوْ أَعَدَّ لِمِيَاهِ الْأَمْطَارِ مَصَانِعَ، أَوْ بِرَكًا، أَوْ أَوَانِيَ؛ لِيَحْصُلَ فِيهَا الْمَاءُ، مَلَكَهُ بِحُصُولِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فِي بَابِ الْإِعْدَادِ، كَالشِّبَاكِ لِلِاصْطِيَادِ. وَلَوْ أَعَدَّ سَفِينَةً
لِلِاصْطِيَادِ، كَاَلَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا الضَّوْءُ وَيُضْرَبُ صَوَانِي الصُّفْرِ؛ لِيَثِبَ السَّمَكُ فِيهَا، كَانَ حُصُولُهُ فِيهَا كَحُصُولِهِ فِي شَبَكَتِهِ؛ لِكَوْنِهَا صَارَتْ مِنْ الْآلَاتِ الْمُعَدَّةِ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يُعِدَّهَا لِذَلِكَ، لَمْ يَمْلِكْ مَا وَقَعَ فِيهَا. وَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَلَكَهُ، كَالْأَرْضِ الَّتِي لَمْ تُعَدَّ لِلِاصْطِيَادِ، مِثْلُ أَرْضِ الزَّرْعِ إذَا دَخَلَهَا مَاءٌ فِيهِ سَمَكٌ، ثُمَّ نَضَبَ عَنْهُ، أَوْ دَخَلَ فِيهَا ظَبْيٌ، أَوْ عَشَّشَ فِيهَا طَائِرٌ، أَوْ سَقَطَ فِيهَا جَرَادٌ، أَوْ حَصَلَ فِيهَا مِلْحٌ، لَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ، وَلَا مِمَّا هِيَ مُعَدَّةٌ لَهُ، لَكِنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، إذْ لَيْسَ لِغَيْرِهِ التَّخَطِّي فِي أَرْضِهِ، وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا، فَإِنْ تَخَطَّى وَأَخَذَهُ، أَخْطَأَ وَمَلَكَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي وَرَشَانَ عَلَى نَخْلَةِ قَوْمٍ، صَادَهُ إنْسَانٌ: هُوَ لِلصَّائِدِ. وَقَالَ فِي طَيْرَةٍ لِقَوْمٍ أَفْرَخَتْ فِي دَارِ جِيرَانِهِمْ: إنَّ الْفَرْخَ يَتْبَعُ الْأُمَّ، يُرَدُّ فِرَاخُهَا عَلَى أَصْحَابِ الطَّيْرَةِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْ أَمْلَاكِ النَّاسِ، مِنْ صَيْدٍ وَكَلَأٍ وَشِبْهِهِ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَمْ يَفِدْ الْمِلْكَ، كَالْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، إذْ السَّبَبُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ كَوْنِهِ بَيْعًا، أَوْ غَيْرَهُ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ.» وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّبَبَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَإِنَّ السَّبَبَ الْأَخْذُ، وَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، إنَّمَا نُهِيَ عَنْ الدُّخُولِ، وَهُوَ غَيْرُ السَّبَبِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ هَاهُنَا لِحَقِّ آدَمِيٍّ، فَلَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ، كَبَيْعِ الْمُصَرَّاةِ، وَالْمَعِيبِ، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَالنَّجْشِ، وَبَيْعِهِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ. وَلَوْ أَعَدَّ أَرْضَهُ لِلْمِلْحِ، فَجَعَلَهَا مَلَّاحَةً؛ لِيَحْصُلَ فِيهَا الْمَاءُ، فَيَصِيرَ مِلْحًا، كَالْأَرْضِ الَّتِي عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، يَجْعَلُ إلَيْهَا طَرِيقًا لِلْمَاءِ، فَإِذَا امْتَلَأَتْ قَطَعَهُ عَنْهَا، أَوْ تَكُونُ أَرْضُهُ سَبْخَةً، يَفْتَحُ إلَيْهَا الْمَاءَ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ يَجْمَعُ فِيهَا مَاءَ الْمَطَرِ، فَيَصِيرُ مِلْحًا، مَلَكَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لَهُ، فَأَشْبَهَتْ الْبِرْكَةَ الْمُعَدَّةَ لِلصَّيْدِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ، لَمْ يَمْلِكْ مَا حَصَلَ فِيهَا، كَمَا قَدَّمْنَا فِي مِثْلِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي إنْسَانٍ رَمَى طَيْرًا بِبُنْدُقٍ، فَوَقَعَ فِي دَارِ قَوْمٍ، فَهُوَ لَهُمْ دُونَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَلَكُوهُ بِحُصُولِهِ فِي دَارِهِمْ.