الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِرْجَاعِهِ، لَمْ يَصِحَّ اسْتِرْجَاعُهُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْجُودِ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ رَجَعَ فِي الْمَبِيعِ، وَاشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ الْبَائِعُ: هَذَا هُوَ الْمَبِيعُ. وَقَالَ الْمُفْلِسُ: بَلْ هَذَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِاسْتِحْقَاقِ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، وَالْأَصْلُ مَعَهُ.
[مَسْأَلَةٌ وَجَبَ لَهُ حَقٌّ بِشَاهِدِ فَلَمْ يَحْلِفْ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَمَنْ وَجَبَ لَهُ حَقٌّ بِشَاهِدٍ، فَلَمْ يَحْلِفْ، لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَهُ، وَيَسْتَحِقُّوا. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُفْلِسَ فِي الدَّعْوَى كَغَيْرِهِ، فَإِذَا ادَّعَى حَقًّا لَهُ بِهِ شَاهِدُ عَدْلٍ، وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، ثَبَتَ الْمَالُ، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ. وَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِشَهَادَتِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى يَمِينٍ مَعَهُ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُ صِدْقَهُ كَغَيْرِهِ. فَإِنْ قَالَ الْغُرَمَاءُ: نَحْنُ نَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ. لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يَحْلِفُونَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ تَعَلَّقَتْ بِالْمَالِ، فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا، كَالْوَرَثَةِ يَحْلِفُونَ عَلَى مَالِ مَوْرُوثِهِمْ. وَلَنَا، أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ مِلْكًا لِغَيْرِهِمْ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِهِمْ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ ذَلِكَ، كَالْمَرْأَةِ تَحْلِفُ لِإِثْبَاتِ مِلْكٍ لِزَوْجِهَا؛ لِتَعَلُّقِ نَفَقَتِهَا بِهِ، وَكَالْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِمْ. وَفَارَقَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَالَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ، وَهُمْ يُثْبِتُونَ بِأَيْمَانِهِمْ مِلْكًا لَأَنْفُسِهِمْ.
[مَسْأَلَة كَانَ عَلَى الْمُفْلِسِ دَيْن مُؤَجَّلٌ]
(3444)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمُفْلِسِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، لَمْ يَحِلَّ بِالتَّفْلِيسِ، وَكَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ، إذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةُ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ يَحِلُّ بِفَلَسِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَحِلُّ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْإِفْلَاسَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الدَّيْنُ بِالْمَالِ، فَأَسْقَطَ الْأَجَلَ كَالْمَوْتِ. وَلَنَا، أَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُفْلِسِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفَلَسِهِ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُلُولَ مَالِهِ، فَلَا يُوجِبُ حُلُولَ مَا عَلَيْهِ، كَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ، وَلِأَنَّهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ عَلَى حَيٍّ، فَلَمْ يَحِلَّ قَبْلَ أَجَلِهِ، كَغَيْرِ الْمُفْلِسِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ، فَهُوَ كَمَسْأَلَتِنَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذِمَّتَهُ خَرِبَتْ وَبَطَلَتْ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا حُجِرَ عَلَى الْمُفْلِسِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُشَارِكُ أَصْحَابُ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ غُرَمَاءَ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ، بَلْ يُقْسَمُ الْمَالُ الْمَوْجُودُ بَيْنَ أَصْحَابِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ، وَيَبْقَى الْمُؤَجَّلُ فِي الذِّمَّةِ إلَى وَقْتِ حُلُولِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَسِمْ الْغُرَمَاءُ حَتَّى حَلَّ الدَّيْنُ، شَارَكَ الْغُرَمَاءَ، كَمَا لَوْ تَجَدَّدَ عَلَى الْمُفْلِسِ دَيْنٌ بِجِنَايَتِهِ، وَإِنْ أَدْرَكَ بَعْضَ الْمَالِ قَبْلَ قَسَمَهُ، شَارَكَهُمْ فِيهِ، وَيَضْرِبُ فِيهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ، وَيَضْرِبُ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ. فَإِنَّهُ يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِ، كَغَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ.
فَأَمَّا إنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ، فَهَلْ تَحِلُّ بِالْمَوْتِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا تَحِلُّ إذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةُ
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَالَ طَاوُسٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: الدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، أَنَّهُ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَسَوَّارٌ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، أَوْ الْوَرَثَةِ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ، لَا يَجُوزُ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ لِخَرَابِهَا، وَتَعَذُّرِ مُطَالَبَتِهِ بِهَا، وَلَا ذِمَّةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوهَا، وَلَا رَضِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِذِمَمِهِمْ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ مُتَبَايِنَةٌ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ وَتَأْجِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِالْمَيِّتِ وَصَاحِبِ الدَّيْنِ، وَلَا نَفْعَ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ؛ أَمَّا الْمَيِّتُ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمَيِّتُ مُرْتَهَنٌ بِدَيْنِهِ، حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» . وَأَمَّا صَاحِبُهُ فَيَتَأَخَّرُ حَقُّهُ، وَقَدْ تَتْلَفُ الْعَيْنُ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ
وَأَمَّا الْوَرَثَةُ، فَإِنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِالْأَعْيَانِ، وَلَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا، وَإِنْ حَصَلَتْ لَهُمْ مَنْفَعَةٌ، فَلَا يَسْقُطُ حَظُّ الْمَيِّتِ وَصَاحِبِ الدَّيْنِ لِمَنْفَعَةِ لَهُمْ. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُفْلِسِ، وَلِأَنَّ الْمَوْتَ مَا جُعِلَ مُبْطِلًا لِلْحُقُوقِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِيقَاتٌ لِلْخِلَافَةِ، وَعَلَامَةٌ عَلَى الْوِرَاثَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ»
وَمَا ذَكَرُوهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ بِالْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ، وَلَا يَشْهَدُ لَهَا شَاهِدُ الشَّرْعِ بِاعْتِبَارِ، وَلَا خِلَافَ فِي فَسَادِ هَذَا، فَعَلَى هَذَا يَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَ، وَيَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ مَالِهِ كَتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمُفْلِسِ عِنْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَحَبَّ الْوَرَثَةُ أَدَاءَ الدَّيْنِ، وَالْتِزَامَهُ لِلْغَرِيمِ، وَيَتَصَرَّفُونَ فِي الْمَالِ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَرْضَى الْغَرِيمُ أَوْ يُوَثِّقُوا الْحَقَّ بِضَمِينٍ مَلِيءٍ، أَوْ رَهْنٍ يَثِقُ بِهِ لِوَفَاءِ حَقِّهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ لَا يَكُونُونَ أَمْلِيَاءً، وَلَمْ يَرْضَ بِهِمْ الْغَرِيمُ، فَيُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْحَقِّ
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ إلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ الْتِزَامُهُمْ لَهُ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ الْإِنْسَانَ دَيْنٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلَمْ يَتَعَاطَ سَبَبَهُ، وَلَوْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ لِمَوْتِ مُوَرِّثِهِمْ لَلَزِمَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ. فَأَحَبَّ الْوَرَثَةُ الْقَضَاءَ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ، وَاسْتِخْلَاصَ التَّرِكَةَ، فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ قَضَوْا مِنْهَا، فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ الْقَضَاءِ، بَاعَ الْحَاكِمُ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ
وَإِنْ مَاتَ مُفْلِسٌ وَلَهُ غُرَمَاءُ، بَعْضُ دُيُونِهِمْ مُؤَجَّلٌ، وَبَعْضُهَا حَالٌ، وَقُلْنَا: الْمُؤَجَّلُ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ. تَسَاوَوْا فِي التَّرِكَةِ، فَاقْتَسَمُوهَا عَلَى قَدْرِ