الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: فِي حَوَالَةٍ أَوْ كَفَالَةٍ. وَهَذَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ، وَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ كَانَ قَوْلُ عَلِيٍّ مُخَالِفًا لَهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ مُعَاوَضَةٌ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى بَيْعِ الدَّيْنِ، بِالدَّيْنِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيُفَارِقُ الْمُعَاوَضَةَ بِالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَبْضًا يَقِفُ اسْتِقْرَارُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَهَا هُنَا الْحَوَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ، وَإِلَّا كَانَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.
[فَصْلٌ شَرَطَ مُلَاءَة الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَبَانَ مُعْسِرًا]
(3559)
فَصْلٌ: فَإِنْ شَرَطَ مُلَاءَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَبَانَ مُعْسِرًا، رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ. وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تُرَدُّ بِالْإِعْسَارِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُلَاءَةَ، فَلَا تُرَدُّ بِهِ، وَإِنْ شَرَطَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ كَوْنَهُ مُسْلِمًا، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ؛ فَإِنَّ الْفَسْخَ يَثْبُتُ بِالْإِعْسَارِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ.
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . وَلِأَنَّهُ شَرَطَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَيَثْبُتُ الْفَسْخُ بِفَوَاتِهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ صِفَةً فِي الْمَبِيعِ، وَقَدْ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ مَا لَا يَثْبُتُ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ، بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ.
[فَصْلٌ لَمْ يَرْضَ الْمُحْتَالُ بِالْحَوَالَةِ]
(3560)
فَصْلٌ: وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُحْتَالُ بِالْحَوَالَةِ، ثُمَّ بَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا أَوْ مَيِّتًا، رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ، بِلَا خِلَافٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَالُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ لِمَا عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَإِنَّمَا «أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ إذَا أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ» وَلَوْ أَحَالَهُ عَلَى مَلِيءٍ فَلَمْ يَقْبَلْ حَتَّى أَعْسَرَ، فَلَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا، عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِكَوْنِهِ اشْتَرَطَ فِي بَرَاءَةِ الْمُحِيل إبْدَاءَ رِضَى الْمُحْتَالِ.
[مَسْأَلَةٌ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ]
(3561)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَالَ) الْمَلِيءُ: هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْوَفَاءِ. جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ الْمَلِيءَ غَيْرَ الْمُعْدِمِ.» وَقَالَ الشَّاعِرُ:
تُطِيلِينَ لَيَّانِي وَأَنْتِ مَلِيئَة
…
وَأُحْسِنُ يَا ذَاتَ الْوِشَاحِ التَّقَاضِيَا
يَعْنِي قَادِرَةٌ عَلَى وَفَائِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِرَقِيِّ أَرَادَ بِالْمَلِيءِ هَاهُنَا الْقَادِرَ عَلَى الْوَفَاءِ غَيْرَ الْجَاحِدِ وَلَا الْمُمَاطِلِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي تَفْسِيرِ الْمَلِيءِ، كَأَنَّ الْمَلِيءَ عِنْدَهُ، أَنْ يَكُونَ مَلِيًّا بِمَالِهِ وَقَوْلِهِ وَبَدَنِهِ وَنَحْو هَذَا.
فَإِذَا أُحِيلَ عَلَى مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَزِمَ الْمُحْتَالَ وَالْمُحَالَ عَلَيْهِ الْقَبُولُ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، فَيُعْتَبَرُ الرِّضَا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُعْتَبَرُ رِضَى الْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِالدَّيْنِ عَرْضًا.