الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ - يُعْنَى لِعُمَرَ - فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ. فَقَالَ: هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هُوَ لَك يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْت» . وَهَذَا ظَاهِرُهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ بِالْهِبَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَاشْتَرَى مِنْ جَابِرٍ جَمَلَهُ، وَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ إيَّاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. كَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنَافِعِ.
وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، فَصَحَّ بَيْعُهُ، كَالْمَالِ فِي يَدِ مُودِعِهِ، أَوْ مُضَارِبِهِ. فَأَمَّا أَحَادِيثُهُمْ، فَقَدْ قِيلَ: لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا إلَّا حَدِيثُ الطَّعَامِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا بِمَفْهُومِهِ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ الطَّعَامَ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ فِيمَا سِوَاهُ. وَقَوْلُهُمْ: لَمْ يَتِمَّ الْمِلْكُ عَلَيْهِ، مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ السَّبَبَ الْمُقْتَضِيَ لِلْمِلْكِ مُتَحَقِّقٌ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ تَخَلُّفُ الْقَبْضِ، وَالْيَدُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الْمَالِ الْمُودَعِ، وَالْمَوْرُوثِ، وَالتَّصَرُّفِ فِي الصَّدَاقِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
(2956)
فَصْلٌ: وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِبَائِعِهِ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ فِيهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ، فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ، وَلَا أَخْذُ بَدَلِهِ، وَإِنْ تَرَاضَيَا؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ لَمْ يُقْبَضْ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ، جَازَ أَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَ فِي سَلَمٍ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
[فَصْلٌ كَّلَ عِوَض مُلْك بِعَقْدِ يَنْفَسِخ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّف فِيهِ قَبْلَ قَبَضَهُ]
(2957)
فَصْلٌ: وَكُلُّ عِوَضٍ مُلِكَ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا. وَالْأُجْرَةُ، وَبَدَلُ الصُّلْحِ، إذَا كَانَا مِنْ الْمَكِيلِ، أَوْ الْمَوْزُونِ، أَوْ الْمَعْدُودِ، وَمَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ، جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَعِوَضِ الْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَقِيمَةِ الْمُتْلَفِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلتَّصَرُّفِ الْمِلْكُ، وَقَدْ وُجِدَ. لَكِنَّ مَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ عَقْدٍ آخَرَ عَلَيْهِ؛ تَحَرُّزًا مِنْ الْغَرَرِ. وَمَا لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ ذَلِكَ الْغَرَرُ، انْتَفَى الْمَانِعُ، فَجَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْمَهْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَوَافَقَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ: لِأَنَّهُ يُخْشَى رُجُوعُهُ بِانْتِقَاضِ سَبَبِهِ بِالرِّدَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ انْفِسَاخُهُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ، أَوْ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ، أَوْ انْفِسَاخُهُ بِسَبَبِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ بَاطِلٌ بِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ قَبْضَهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
وَأَمَّا مَا مُلِكَ بِإِرْثٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ غَنِيمَةٍ، وَتَعَيَّنَ مِلْكُهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ
بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَهُوَ كَالْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَلَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ. وَإِنْ كَانَ لَإِنْسَانٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَدِيعَةٌ، أَوْ عَارِيَّةٌ، أَوْ مُضَارَبَةٌ، أَوْ جَعَلَهُ وَكِيلًا فِيهِ، جَازَ لَهُ بَيْعُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَمِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا، لَا يُخْشَى انْفِسَاخُ الْمِلْكِ فِيهَا، فَجَازَ بَيْعُهَا، كَاَلَّتِي فِي يَدِهِ. وَإِنْ كَانَ غَصْبًا، جَازَ بَيْعُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ مَعَهُ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْعَارِيَّةِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ؛ وَأَمَّا بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ اسْتِنْقَاذِهِ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ عَاجِزٌ، لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْجُوزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ.
وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِإِمْكَانِ قَبْضِهِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِنْقَاذِهِ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَالْإِمْضَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحَّ لِكَوْنِهِ مَظْنُونَ الْقُدْرَةِ عَلَى قَبْضِهِ. وَيَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ؛ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقَبْضِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ فَرَسًا، فَشَرَدَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا، أَوْ غَائِبًا بِالصِّفَةِ، فَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ.
(2958)
فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ، وَعَلَيْهِ لِعَمْرٍو مِثْلُ ذَلِكَ الطَّعَامِ سَلَمًا، فَقَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو: اذْهَبْ فَاقْبِضْ الطَّعَامَ الَّذِي لِي مِنْ غَرِيمِي لِنَفْسِك. فَفَعَلَ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ. وَهَلْ يَصِحُّ لِزَيْدٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ، فَأَشْبَهَ قَبْضَ وَكِيلِهِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ نَائِبًا لَهُ فِي الْقَبْضِ، فَلَمْ يَقَعْ لَهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، يَصِيرُ مِلْكًا لِزَيْدِ، وَعَلَى الثَّانِي، يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ.
وَلَوْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو: اُحْضُرْ اكْتِيَالِي مِنْهُ لِأَقْبِضَهُ لَك. فَفَعَلَ، لَمْ يَصِحَّ. وَهَلْ يَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أُولَاهُمَا، أَنَّهُ يَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَدْ وُجِدَ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ، فَصَحَّ الْقَبْضُ لَهُ، كَمَا لَوْ نَوَى الْقَبْضَ لِنَفْسِهِ. فَعَلَى هَذَا، إذَا قَبَضَهُ لِعَمْرٍو، صَحَّ. وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ بِهَذَا الْكَيْلِ الَّذِي قَدْ شَاهَدْته فَأَخَذَهُ بِهِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَاهَدَ كَيْلَهُ، وَعَلِمَهُ، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ كَيْلِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً. وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ. وَهَذَا دَاخِلٌ فِيهِ.
وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ جُزَافًا. وَلَوْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو: اُحْضُرْنَا حَتَّى أَكْتَالَهُ لِنَفْسِي، ثُمَّ تَكْتَالُهُ أَنْتَ. وَفَعَلَا، صَحَّ بِغَيْرِ إشْكَالٍ. وَإِنْ اكْتَالَهُ زَيْدٌ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَمْرٌو بِذَلِكَ الْكَيْلِ الَّذِي شَاهَدَهُ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ تَرَكَهُ زَيْدٌ فِي الْمِكْيَالِ، وَدَفَعَهُ إلَى عَمْرٍو لِيُفْرِغَهُ لِنَفْسِهِ، صَحَّ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْضًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْكَيْلِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ، وَلَا مَعْنَى لِابْتِدَاءِ الْكَيْلِ هَاهُنَا، إذْ لَا يَحْصُلُ بِهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَصِحُّ؛ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ. وَهَذَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ، وَقَبْضُ الْمُشْتَرِي لَهُ فِي الْمِكْيَالِ جَرْيٌ لِصَاعَيْهِ فِيهِ. وَلَوْ دَفَعَ زَيْدٌ إلَى عَمْرٍو دَرَاهِمَ، فَقَالَ: اشْتَرِ لَك بِهَا مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي لَك عَلَيَّ. فَفَعَلَ، لَمْ