الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَوْ مَصْلَحَتِهِ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَالتَّأْجِيلِ، وَالرَّهْنِ، وَالضَّمِينِ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْمَبِيعَ أَوْ الثَّمَنَ. فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ كَثُرَ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ ": ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَتَى شَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَرْطَيْنِ، بَطَلَ، سَوَاءٌ كَانَا صَحِيحَيْنِ، أَوْ فَاسِدَيْنِ، لِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، أَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهِ. أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَعَمَلًا بِعُمُومِهِ. وَلَمْ يُفَرِّقْ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ، وَرَوَوْا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» .
وَلِأَنَّ الصَّحِيحَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَثُرَ، وَالْفَاسِدُ يُؤَثِّرُ فِيهِ وَإِنْ اتَّحَدَ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ. وَلِأَنَّ الْغَرَرَ الْيَسِيرَ إذَا اُحْتُمِلَ فِي الْعَقْدِ، لَا يَلْزَمُ مِنْهُ احْتِمَالُ الْكَثِيرِ. وَحَدِيثُهُمْ لَمْ يَصِحَّ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَحْمَدُ، وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْوِيًّا فِي مُسْنَدٍ، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ الْقَاضِي: إنَّ النَّهْيَ يُبْقِي عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ شَرْطَيْنِ. بَعِيدٌ أَيْضًا؛ فَإِنَّ شَرْطَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَشَرْطَ مَا هُوَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، كَالْأَجَلِ، وَالْخِيَارِ، وَالرَّهْنِ، وَالضَّمِينِ، وَشَرْطَ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ، كَالْكِتَابَةِ، وَالصِّنَاعَةِ، فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَثِّرَ أَيْضًا فِي بُطْلَانِهِ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ.
[فَصْلٌ الشُّرُوط فِي الْبَيْع تَنْقَسِم إلَى أَرْبَعَة أَقْسَام]
(3118)
فَصْلٌ: وَالشُّرُوطُ تَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدِهَا، مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَاشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَالتَّقَابُضِ فِي الْحَالِ. فَهَذَا وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، لَا يُفِيدُ حُكْمًا، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ. الثَّانِي، تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةُ الْعَاقِدَيْنِ، كَالْأَجَلِ، وَالْخِيَارِ، وَالرَّهْنِ، وَالضَّمِينِ، وَالشَّهَادَةِ، أَوْ اشْتِرَاطِ صِفَةٍ مَقْصُودَةٍ فِي الْمَبِيعِ، كَالصِّنَاعَةِ وَالْكِتَابَةِ، وَنَحْوِهَا. فَهَذَا شَرْطٌ جَائِزٌ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي صِحَّةِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ خِلَافًا. الثَّالِثُ، مَا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَاهُ، وَلَا مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَلَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ، وَهُوَ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، اشْتِرَاطُ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ، فَهَذَا قَدْ مَضَى ذِكْرُهُ.
الثَّانِي، أَنْ يَشْتَرِطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ، نَحْوَ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا آخَرَ، أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ، أَوْ يُؤْجِرَهُ، أَوْ يُزَوِّجَهُ، أَوْ يُسَلِّفَهُ، أَوْ يَصْرِفَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ غَيْرَهُ، فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، سَوَاءٌ اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعُ، اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا، اشْتِرَاطُ مَا بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي عِتْقَ الْعَبْدِ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛
إحْدَاهُمَا، يَصِحُّ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ «لِأَنَّ عَائِشَةَ. رضي الله عنها اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَشَرَطَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا عِتْقَهَا وَوَلَاءَهَا، فَأَنْكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَرْطَ الْوَلَاءِ، دُونَ الْعِتْقِ» وَالثَّانِيَةُ، الشَّرْطُ فَاسِدٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَشْبَهَ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ إزَالَةَ مِلْكِهِ عَنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا شَرَطَتْ لَهُمْ الْعِتْقَ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْهُمْ بِإِرَادَتِهَا لِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَاشْتَرَطُوا الْوَلَاءَ، فَإِذَا حَكَمْنَا بِفَسَادِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَأْتِي ذِكْرُهَا.
وَإِنْ حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ، فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي، فَقَدْ وَفَّى بِمَا شَرَطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ إذَا صَحَّ، تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ، فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَهُ. وَالثَّانِي، لَا يُحْبَرُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يُوجِبُ فِعْلَ الْمَشْرُوطِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ شَرَطَ الرَّهْنَ، وَالضَّمِينَ، فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا شَرَطَهُ لَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَهْنًا.
وَإِنْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ، أَوْ كَانَ أَمَةً، فَأَحْبَلَهَا، أَعْتَقَهُ، وَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ بَاقٍ فِيهِ. وَإِنْ اسْتَغَلَّهُ، أَوْ أَخَذَ مِنْ كَسْبِهِ شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ. وَإِنْ مَاتَ الْمَبِيعُ، رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا نَقَصَهُ شَرْطُ الْعِتْقِ، فَيُقَالُ: كَمْ قِيمَتُهُ لَوْ بِيعَ مُطْلَقًا؟ وَكَمْ يُسَاوِي إذَا بِيعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ؟ فَيَرْجِعُ بِقِسْطِ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْآخَرِ يَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ. الضَّرْبُ الثَّانِي، أَنْ يَشْتَرِطَ غَيْرَ الْعِتْقِ؛ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَبِيعَ، وَلَا يَهَبَ، وَلَا يَعْتِقَ، وَلَا يَطَأَ. أَوْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ يَقِفَهُ، أَوْ مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعُ وَإِلَّا رَدَّهُ، أَوْ إنْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَالْوَلَاءُ لَهُ. فَهَذِهِ وَمَا أَشْبَهَهَا شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ. وَهَلْ يَفْسُدُ بِهَا الْبَيْعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ قَالَ الْقَاضِي: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَالثَّانِيَةُ، الْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِيهِ عَقْدًا آخَرَ. وَلِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا فَسَدَ، وَجَبَ الرُّجُوعُ بِمَا نَقَصَهُ الشَّرْطُ مِنْ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا. وَلِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَبِيعِ بِشَرْطِهِ، وَالْمُشْتَرِي كَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ لَهُ، فَلَوْ صَحَّ الْبَيْعُ بِدُونِهِ، لَزَالَ مِلْكُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَالْبَيْعُ مِنْ شَرْطِهِ التَّرَاضِي. وَلَنَا، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ
عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْت: إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً وَاحِدَةً، وَيَكُونَ لِي وَلَاؤُك فَعَلْت. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إنِّي عَرَضْت عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَبْطَلَ الشَّرْطَ، وَلَمْ يُبْطِلْ الْعَقْدَ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: خَبَرُ بَرِيرَةَ ثَابِتٌ. وَلَا نَعْلَمُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ، فَالْقَوْلُ بِهِ يَجِبُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ ". أَيْ عَلَيْهِمْ. بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِهِ، وَلَا يَأْمُرُهَا بِفَاسِدٍ. قُلْنَا: لَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْوَلَاءَ لَهَا بِإِعْتَاقِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ. الثَّانِي، أَنَّهُمْ أَبَوْا الْبَيْعَ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَلَاءَ لَهُمْ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهَا بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَهُ مِنْهَا؟ وَأَمَّا أَمْرُهُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ أَمْرًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ صِيغَةُ الْأَمْرِ بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الِاشْتِرَاطِ وَتَرْكِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] وَقَوْلِهِ {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور: 16] وَالتَّقْدِيرُ: وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، أَوْ لَا تَشْتَرِطِي. وَلِهَذَا قَالَ عَقِيبَهُ:«فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَحَدِيثُهُمْ لَا أَصِلَ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ.
(3119)
فَصْلٌ: فَإِنْ حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِمَا نَقَصَهُ الشَّرْطُ مِنْ الثَّمَنِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِطَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا سَمَحَ بِبَيْعِهَا بِهَذَا الثَّمَنِ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْغَرَضِ بِالشَّرْطِ، وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا سَمَحَ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ مِنْ أَجَلِ شَرْطِهِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ، يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِمَا سَمَحَ بِهِ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا. (3120) فَصْلٌ: فَإِنْ حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ، لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مِلْكٌ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ. وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعِ، وَلَا هِبَةٍ، وَلَا عِتْقٍ، وَلَا غَيْرِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ، فَيَأْخُذُهُ مَعَ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، إلَّا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي تَصَرُّفًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهِ، فَيَأْخُذَ قِيمَتَهُ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ؛ فَإِنَّ