الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَقَّيْنِ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا شُفْعَةٌ، وَتَخْتَصُّ بِاسْمٍ. وَتَغَايُرُ الْأَحْكَامِ وَالْأَسْمَاءِ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَسَمَتْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم الْغَنَائِمَ بالحجف. وَذَلِكَ كَيْلُ الْأَثْمَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْهُمْ، وَانْتَشَرَ فِي بَقِيَّتِهِمْ فَلَمْ يُنْكَرْ، فَصَارَ إجْمَاعًا عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
[فَصْل الْمَرْجِعُ إلَى الْعُرْفِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ]
(2813)
فَصْلٌ: فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ بِالْحِجَازِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِعَادَتِهِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ، وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ مَكَّةَ» . وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى بَيَانِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مَكِيلًا بِالْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ التَّحْرِيمُ فِي تَفَاضُلِ الْكَيْلِ إلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَغَيَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا الْمَوْزُونُ، وَمَا لَا عُرْفَ لَهُ بِالْحِجَازِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالْحِجَازِ، كَمَا أَنَّ الْحَوَادِثَ تُرَدُّ إلَى أَشْبَهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ.
وَالثَّانِي، يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الشَّرْعِ حَدٌّ كَانَ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، كَالْقَبْضِ، وَالْإِحْرَازِ، وَالتَّفَرُّقِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَتْ الْبِلَادُ، فَالِاعْتِبَارُ بِالْغَالِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ بَطَلَ هَذَا الْوَجْهُ، وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَالْبُرُّ، وَالشَّعِيرُ مَكِيلَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْبُرُّ بِالْبُرِّ كَيْلًا بِكَيْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ» .
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُبُوبِ، وَالْأَبَازِيرِ، وَالْأُشْنَانِ، وَالْجِصِّ، وَالنُّورَةِ، وَمَا أَشْبَهَهَا. وَالتَّمْرُ مَكِيلٌ، وَهُوَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ تَمْرِ النَّخْلِ مِنْ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَسَائِرُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الثِّمَارِ، مِثْلِ الزَّبِيبِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْبُنْدُقِ، وَالْعُنَّابِ، وَالْمِشْمِشِ، وَالْبُطْمِ، وَالزَّيْتُونِ، وَاللَّوْزِ. وَالْمِلْحُ مَكِيلٌ، وَهُوَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عليه السلام:«الْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ» . وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَوْزُونَانِ.
ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ كَالْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالصُّفْرِ، وَالرَّصَاصِ، وَالزُّجَاجِ، وَالزِّئْبَقِ. وَمِنْهُ الْإِبْرَيْسَمُ، وَالْقُطْنُ، وَالْكَتَّانُ، وَالصُّوفُ،
وَغَزْلُ ذَلِكَ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَمِنْهُ الْخُبْزُ، وَاللَّحْمُ، وَالشَّحْمُ، وَالْجُبْنُ، وَالزُّبْدُ، وَالشَّمْعُ، وَمَا أَشْبَهَهُ، وَكَذَلِكَ الزَّعْفَرَانُ، وَالْعُصْفُرُ، وَالْوَرْسُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(2814)
فَصْلٌ: وَالدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ مَكِيلَانِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا مَكِيلٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُلُهُمَا عَنْهُ، وَلِأَنَّهُمَا يُشْبِهَانِ مَا يُكَالُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الدَّقِيقِ، أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ بِالْوَزْنِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مَكِيلًا وَهُوَ مَوْزُونٌ، كَالْخُبْزِ.
وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ يُقَدَّرُ بِالصَّاعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُخْرَجُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعٌ مِنْ دَقِيقٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَالصَّاعُ إنَّمَا يُقَدَّرُ بِهِ الْمَكِيلَاتُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْأَقِطُ مَكِيلًا؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ:«صَاعٌ مِنْ أَقِطٍ» . (2815) فَصْلٌ: فَأَمَّا اللَّبَنُ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ، كَالْأَدْهَانِ مِنْ الزَّيْتِ، وَالشَّيْرَجِ، وَالْعَسَلِ، وَالْخَلِّ، وَالدِّبْسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَكِيلَةٌ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْأَدْهَانِ: هِيَ مَكِيلَةٌ.
وَفِي اللَّبَنِ: يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يُبَاعُ اللَّبَنُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا كَيْلًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّلَفِ فِي اللَّبَنِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ كَيْلًا، أَوْ وَزْنًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ مُقَدَّرٌ بِالصَّاعِ، وَلِذَلِكَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَيَغْتَسِلُ هُوَ وَبَعْضُ نِسَائِهِ مِنْ الْفَرَقِ» . وَهَذِهِ مَكَايِيلُ قُدِّرَ بِهَا الْمَاءُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِ الْأَنْعَامِ إلَّا بِالْكَيْلِ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ فِي كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، وَلَا يُشْبِهُ مَا جَرَى فِيهِ الْعُرْفُ بِذَلِكَ، كَالثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْمَعْدُودَاتِ مِنْ الْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ، وَالرُّمَّانِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ، وَسَائِرِ الْخَضْرَاوَاتِ، وَالْبُقُولِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْخَوْخِ، وَنَحْوِهَا، فَهَذِهِ الْمَعْدُودَاتُ إذَا اعْتَبَرْنَا التَّمَاثُلَ فِيهَا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّمَاثُلُ فِي الْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْآخَرُ، قَالُوا: يُعْتَبَرُ مَا أَمْكَنَ كَيْلُهُ بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْأَعْيَانُ الْأَرْبَعَةُ، وَهِيَ مَكِيلَةٌ، وَمِنْ شَأْنِ الْفَرْعِ أَنْ يُرَدَّ إلَى أَصْلِهِ. بِحُكْمِهِ، وَالْأَصْلُ حُكْمُهُ تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ بِالْكَيْلِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُ فُرُوعِهَا.