الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَمْرَيْنِ، وَنَظَرٌ لِلْفَرِيقَيْنِ، وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ، فَكَانَ أَوْلَى.
[فَصْلٌ مَا امْتَدَّ مِنْ عُرُوق شَجَرَة إنْسَان إلَى أَرْض جَاره]
(3503)
فَصْلٌ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا امْتَدَّ مِنْ عُرُوقِ شَجَرَةِ إنْسَانٍ إلَى أَرْضِ جَارِهِ، سَوَاءٌ أَثَّرَتْ ضَرَرًا مِثْلُ تَأْثِيرِهَا فِي الْمَصَانِعِ، وَطَيِّ الْآبَارِ، وَأَسَاسِ الْحِيطَانِ أَوْ مَنْعِهَا مِنْ ثَبَاتِ شَجَرٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ زَرْعٍ، أَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي قَطْعِهِ وَالصُّلْحِ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ فِي الْفُرُوعِ، إلَّا أَنَّ الْعُرُوقَ لَا ثَمَرَ لَهَا، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مَا نَبَتَ مِنْ عُرُوقِهَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، أَوْ جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ، فَهُوَ كَالصُّلْحِ عَلَى الثَّمَرِ فِيمَا ذَكَرْنَا، فَعَلَى قَوْلِنَا، إذَا اصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ، فَمَضَتْ مُدَّةٌ، ثُمَّ أَبَى صَاحِبُ الشَّجَرَةِ دَفْعَ نَبَاتِهَا إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ فِي أَرْضِهِ لِهَذَا، فَلَمَّا لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ، رَجَعَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ بَذَلَهَا بِعِوَضٍ فَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي مَنْ مَالَ حَائِطُهُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ ذَلِقَ مِنْ أَخْشَابِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَالْحُكْمِ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ صَالِحه عَلَى الْمُؤَجَّلِ بِبَعْضِهِ حَالًّا]
(3504)
فَصْلٌ: وَإِذَا صَالَحَهُ عَلَى الْمُؤَجَّلِ بِبَعْضِهِ حَالًّا، لَمْ يَجُزْ، كَرِهَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عُمَرَ - وَقَالَ: نَهَى عُمَرُ أَنْ تُبَاعَ الْعَيْنُ بِالدَّيْنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقُ.
وَرَوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَعَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِالْعُرُوضِ أَنْ يَأْخُذُهَا مِنْ حَقِّهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا الْعُرُوضَ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا. وَلَعَلَّ ابْنَ سِيرِينَ يَحْتَجُّ بِأَنَّ التَّعْجِيلَ جَائِزٌ وَالْإِسْقَاطَ وَحْدَهُ جَائِزٌ، فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ فَعَلَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ عَلَيْهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ يَبْذُلُ الْقَدْرَ الَّذِي يَحُطُّهُ عِوَضًا عَنْ تَعْجِيلِ مَا فِي ذِمَّتِهِ، وَبَيْعُ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ عَشَرَةً حَالَّةً بِعِشْرِينَ مُؤَجَّلَةٍ. وَلِأَنَّهُ يَبِيعُهُ عَشَرَةً بِعِشْرِينَ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً، وَيُفَارِقُ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ وَلَا عَقْدٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَبَرِّعٌ بِبَذْلِ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ جَوَازُهُ فِي الْعَقْدِ، أَوْ مَعَ الشَّرِكَة كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ.
وَيُفَارِقُ مَا إذَا اشْتَرَى الْعُرُوضَ بِثَمَنِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عَنْ الْحُلُولِ عِوَضًا، فَأَمَّا إنْ صَالَحَهُ عَنْ أَلْفٍ حَالَّةٍ بِنِصْفِهَا مُؤَجَّلًا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَتَبَرُّعًا بِهِ، صَحَّ الْإِسْقَاطُ، وَلَمْ يَلْزَمْ التَّأْجِيلُ؛ لِأَنَّ الْحَالَ لَا يَتَأَجَّلُ بِالتَّأْجِيلِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى، وَالْإِسْقَاطُ صَحِيحٌ. وَإِنْ فَعَلَهُ لِمَنْعِهِ مِنْ حَقِّهِ بِدُونِهِ، أَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْوَفَاءِ، لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ أَيْضًا. عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي هَذَا رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ. وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ أَوْلَى، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ الصُّلْح عَنْ الْمَجْهُولِ]
(3505)
فَصْل: وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْمَجْهُولِ، سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، إذَا كَانَ مِمَّا لَا سَبِيلَ إلَى
مَعْرِفَتِهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يُصَالِحُ عَلَى الشَّيْءِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ، لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُوقِفَهُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا لَا يَدْرِي مَا هُوَ، وَنَقَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ، إذَا اخْتَلَطَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ بِقَفِيزِ شَعِيرٍ، وَطُحِنَا، فَإِنْ عَرَفَ قِيمَةَ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِ الشَّعِيرِ، بِيعَ هَذَا، وَأُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةَ مَالِهِ، إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ وَيَتَحَالَّا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الصُّلْحُ الْجَائِزُ هُوَ صُلْحُ الزَّوْجَةِ مِنْ صَدَاقِهَا الَّذِي لَا بَيِّنَةَ لَهَا بِهِ، وَلَا عِلْمَ لَهَا، وَلَا لِلْوَرَثَةِ بِمَبْلَغِهِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا الْمُعَامَلَةُ وَالْحِسَابُ الَّذِي قَدْ مَضَى عَلَيْهِ الزَّمَانُ الطَّوِيلُ، لَا عِلْمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا عَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ، فَيَجُوزُ الصُّلْحُ، بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ لَا عِلْمَ لَهُ بِقَدْرِهِ، جَازَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ يَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، أَوْ لَا عِلْمَ لَهُ. وَيَقُول الْقَابِضُ: إنْ كَانَ لِي عَلَيْك حَقٌّ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ. وَيَقُول الدَّافِعُ: إنْ كُنْت أَخَذْت مِنِّي أَكْثَرَ مِنْ حَقِّك فَأَنْتَ مِنْهُ فِي حِلٍّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْبَيْعِ، وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى مَجْهُولٍ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ دُرِسَتْ:«اسْتِهِمَا، وَتَوَخَّيَا، وَلْيَحْلِلْ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ» . وَهَذَا صُلْحٌ عَلَى الْمَجْهُولِ.
وَلِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ، كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّ الصُّلْحُ مَعَ الْعِلْمِ، وَإِمْكَانِ أَدَاءِ الْحَقِّ بِعَيْنِهِ، فَلَأَنْ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ أَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا فَلَهُمَا طَرِيقٌ إلَى التَّخَلُّصِ وَبَرَاءَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِدُونِهِ، وَمَعَ الْجَهْلِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ أَفْضَى إلَى ضَيَاعِ الْمَالِ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَالٌ لَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرَ حَقِّهِ مِنْهُ. وَلَا نُسَلِّمُ كَوْنَهُ بَيْعًا، وَلَا فَرْعَ بَيْعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إبْرَاءٌ.
وَإِنْ سَلَّمْنَا كَوْنَهُ بَيْعًا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِدَلِيلِ بَيْعِ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ، وَطَيِّ الْآبَارِ، وَمَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ، وَلَوْ أَتْلَفَ رَجُلٌ صُبْرَةَ طَعَامٍ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهَا، فَقَالَ صَاحِبُ الطَّعَامِ لِمُتْلِفِهِ: بِعْتُك الطَّعَامَ الَّذِي فِي ذِمَّتِك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، أَوْ بِهَذَا الثَّوْبِ. صَحَّ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ فِي الصُّلْحِ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، كَالْمُخْتَصِمِينَ فِي مَوَارِيثَ دَارِسَةٍ، وَحُقُوقٍ سَالِفَةٍ، أَوْ عَيْنٍ مِنْ الْمَالِ لَا يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرَ حَقِّهِ مِنْهَا، صَحَّ الصُّلْحُ مَعَ الْجَهَالَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِهِ، لَمْ يَجُزْ مَعَ الْجَهَالَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ وَاجِبٌ، وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ، وَتُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ، فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الصُّلْحِ
(3506)
فَصْلٌ: فَأَمَّا مَا يُمْكِنُهُمَا مَعْرِفَتُهُ، كَتَرِكَةٍ مَوْجُودَةٍ، أَوْ يَعْلَمُهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَيَجْهَلُهُ صَاحِبُهُ، فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ مَعَ الْجَهْلِ. قَالَ أَحْمَدُ: إنْ صُولِحَتْ امْرَأَةٌ مِنْ ثُمُنِهَا، لَمْ يَصِحَّ. وَاحْتَجَّ بُقُولِ شُرَيْحٍ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ صُولِحَتْ مِنْ ثُمُنِهَا، لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهَا مَا تَرَكَ زَوْجُهَا، فَهِيَ الرِّيبَةُ كُلُّهَا.
قَالَ: وَإِنْ وَرِثَ قَوْمٌ مَالًا