الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَبْقَى قِيمَةُ الْعَيْبِ فِي ذِمَّةِ مَنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ، فَيَرُدُّ مِثْلَهَا، أَوْ عِوَضَهَا إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّرْفُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازُ أَخْذِ الْأَرْشِ، وَالْأُوَلُ أَوْلَى، إلَّا أَنْ يَكُونَا فِي الْمَجْلِسِ، وَالْعِوَضَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ.
[فَصْلٌ إذَا عَلِمَ الْمُصْطَرِفَانِ قَدْرَ الْعِوَضَيْنِ]
(2847)
فَصْلٌ: إذَا عَلِمَ الْمُصْطَرِفَانِ قَدْرَ الْعِوَضَيْنِ، جَازَ أَنْ يَتَبَايَعَا بِغَيْرِ وَزْنٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْبَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِوَزْنِ مَا مَعَهُ، فَصَدَّقَهُ، فَإِذَا بَاعَ دِينَارًا بِدِينَارٍ كَذَلِكَ، وَافْتَرَقَا، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا مَا قَبَضَهُ نَاقِصًا، بَطَلَ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا فِيمَا قَبَضَهُ زِيَادَةً عَلَى الدِّينَارِ نَظَرْت فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الدِّينَارَ بِهَذَا. فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا،
وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك دِينَارًا بِدِينَارٍ. ثُمَّ تَقَابَضَا، كَانَ الزَّائِدُ فِي يَدِ الْقَابِضِ مُشَاعًا مَضْمُونًا لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ عِوَضٌ، وَلَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ دِينَارًا بِمِثْلِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْقَبْضُ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَرَادَ دَفْعَ عِوَضِ الزَّائِدِ، جَازَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ آخِذَ الزَّائِدِ وَجَدَ الْمَبِيعَ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ مَعِيبًا بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، وَدَافِعُهُ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ عِوَضِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَجْلِسِ، فَيُرَدَّ الزَّائِدَ، وَيَدْفَعَ بَدَلَهُ. وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَوَفَّاهُ عَشَرَةً عَدَدًا، فَوَجَدَهَا أَحَدَ عَشَرَ، كَانَ هَذَا الدِّينَارُ الزَّائِدُ فِي يَدِ الْقَابِضِ مُشَاعًا مَضْمُونًا لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ مَالِهِ، فَكَانَ مَضْمُونًا بِهَذَا الْقَبْضِ، وَلِمَالِكِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ.
[فَصْلٌ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي النَّقْدِ]
(2848)
فَصْلٌ: وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي النَّقْدِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْعَقْدِ فِيمَا عَيَّنَاهُ، وَيَتَعَيَّنُ عِوَضًا فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ، وَإِنْ خَرَجَ مَغْصُوبًا بَطَلَ الْعَقْدُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ، فَيَجُوزُ إبْدَالُهَا، وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِخُرُوجِهَا مَغْصُوبَةً. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُهَا فِي الْعَقْدِ، فَلَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِيهِ، كَالْمِكْيَالِ وَالصَّنْجَةِ وَلَنَا، أَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدٍ، فَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَسَائِرِ الْأَعْوَاضِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْآخَرِ، وَيُفَارِقُ مَا ذَكَرُوهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِتَقْدِيرِ الْعُقُودِ عَلَيْهِ، وَتَعْرِيفِ قَدْرِهِ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ بِحَالٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
[مَسْأَلَةٌ إذَا تُبَايِعَا الْمُصْطَرِفَانِ ذَلِكَ بِغَيْرِ عَيْنه فَوَجَدَ أَحَدهمَا فِيمَا اشْتَرَاهُ عَيْبًا]
(2849)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا تَبَايَعَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا فِيمَا اشْتَرَاهُ عَيْبًا، فَلَهُ الْبَدَلُ، إذَا كَانَ الْعَيْبُ لَيْسَ بِدَخِيلٍ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَالْوُضُوحِ فِي الذَّهَبِ وَالسَّوَادِ فِي الْفِضَّةِ) يَعْنِي اصْطَرَفَا فِي الذِّمَّةِ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك دِينَارًا مِصْرِيًّا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ. فَيَقُولُ الْآخَرُ: قَبِلْت. فَيَصِحُّ الْبَيْعُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عِنْدَهُمَا، أَوْ لَمْ يَكُونَا، إذَا تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، بِأَنْ يَسْتَقْرِضَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ
الْعَيْنَانِ حَاضِرَتَيْنِ.
وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ حَتَّى تَظْهَرَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَتُعَيَّنَ. وَعَنْ زُفَرَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَبِيعُوا غَائِبًا مِنْهَا بِنَاجِزٍ» . وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيَّنْ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ، كَانَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدِينٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَنَا، أَنَّهُمَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ. وَالْحَدِيثُ يُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يُبَاعَ عَاجِلٌ بِآجِلٍ، أَوْ مَقْبُوضٌ بِغَيْرِ مَقْبُوضٍ؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ غَائِبًا، وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ يَجْرِي مَجْرَى الْقَبْضِ حَالَةَ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ:«عَيْنًا بِعَيْنٍ» . «يَدًا بِيَدٍ» . وَالْقَبْضُ يَجْرِي فِي الْمَجْلِسِ، كَذَا التَّعَيُّنُ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِمَا بِالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَمَتَى تَقَابَضَا، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَهُ عَيْبًا قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مُطْلَقٍ، لَا عَيْبَ فِيهِ، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، كَالْمُسْلَمِ فِيهِ. وَإِنْ رَضِيَهُ بِعَيْبِهِ، وَالْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ جَازَ، كَمَا لَوْ رَضِيَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مَعِيبًا، وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْأَرْشِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّفَاضُلِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمَاثُلُ، وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ.
فَأَمَّا إنْ تَقَابَضَا وَافْتَرَقَا، ثُمَّ وَجَدَ الْعَيْبَ مِنْ جِنْسِهِ، فَلَهُ إبْدَالُهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَالْخِرَقِيُّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ إبْدَالُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، جَازَ بَعْدَهُ، كَالْمُسْلَمِ فِيهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ، وَمَنْ صَارَ إلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَالَ: قَبْضُ الْأَوَّلِ صَحَّ بِهِ الْعَقْدُ، وَقَبْضُ الثَّانِي يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، فَإِنْ تَفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ وَجَدَ الْبَعْضَ رَدِيئًا فَرَدَّهُ، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لَهُ الْبَدَلُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَبْطُلُ فِي الْمَرْدُودِ. وَهَلْ يَصِحُّ فِيمَا لَمْ يَرُدَّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَبِيعِ مِنْ جِنْسٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ وَجَدَ دِرْهَمًا زَيْفًا فَرَضِيَ بِهِ، جَازَ، وَإِنْ رَدَّهُ، انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي دِينَارٍ، وَإِنْ رَدَّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي دِينَارَيْنِ، وَكُلَّمَا زَادَ عَلَى دِينَارٍ، انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي دِينَارٍ آخَرَ. وَلَنَا أَنَّ مَا لَا عَيْبَ فِيهِ لَمْ يُرَدَّ، فَلَمْ يَنْتَقِضْ الصَّرْفُ فِيمَا يُقَابِلُهُ، كَسَائِرِ الْعِوَضِ. وَإِنْ اخْتَارَ وَاجِدُ الْعَيْبِ الْفَسْخَ، فَعَلَى قَوْلِنَا لَهُ الْبَدَلُ، لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إذَا أَبْدَلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَخْذُ حَقِّهِ غَيْرَ مَعِيبٍ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، لَهُ الْفَسْخُ، أَوْ الْإِمْسَاكُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مَعَ