الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْنَا: لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ السَّقْيِ، لِضَرَرٍ يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ.
[فَصْلٌ بَيْعُ الثَّمَرَةِ فِي شَجَرِهَا]
(2908)
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِمُشْتَرِي الثَّمَرَةِ بَيْعُهَا فِي شَجَرِهَا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَكَرِهَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَأَبُو سَلَمَةَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَلَمْ يَقْبِضهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ، كَمَا لَوْ جَزَّهُ. وَقَوْلُهُمْ: لَمْ يَقْبِضْهُ. لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ قَبْضَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، وَهَذَا قَبْضُهُ التَّخْلِيَةُ، وَقَدْ وُجِدَتْ.
[مَسْأَلَةٌ ثَمَرَة النَّخْل بُدُوّ صَلَاحِهَا أَنْ تَظْهَرَ فِيهَا الْحُمْرَةُ أَوْ الصُّفْرَةُ]
(2909)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةَ نَخْلٍ، فَبُدُوُّ صَلَاحِهَا أَنْ تَظْهَرَ فِيهَا الْحُمْرَةُ أَوْ الصُّفْرَةُ. وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةَ كَرْمٍ فَصَلَاحُهَا أَنْ تُتِمُّوهُ، وَصَلَاحُ مَا سِوَى النَّخْلِ وَالْكَرْمِ أَنْ يَبْدُوَ فِيهَا النُّضْجُ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الثَّمَرَةِ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ عِنْدَ صَلَاحِهِ، كَثَمَرَةِ النَّخْلِ، وَالْعِنَبِ الْأَسْوَدِ، وَالْإِجَّاصِ، فَبُدُوُّ صَلَاحِهِ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الْعِنَبُ أَبْيَضَ، فَصَلَاحُهُ بِتَمَوُّهِهِ؛ وَهُوَ أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ الْمَاءُ الْحُلْوُ، وَيَلِينَ، وَيَصْفَرَّ لَوْنُهُ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَلَوَّنُ، كَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهِ، فَبِأَنْ يَحْلُوَ، أَوْ يَطِيبَ.
وَإِنْ كَانَ بِطِّيخًا، أَوْ نَحْوَهُ، فَبِأَنْ يَبْدُوَ فِيهِ النُّضْجُ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ، وَيُؤْكَلُ طَيِّبًا، صِغَارًا وَكِبَارًا، كَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ، فَصَلَاحُهُ بُلُوغُهُ أَنْ يُؤْكَلَ عَادَةً. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: بُلُوغُهُ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ. وَمَا قُلْنَاهُ أَشْبَهُ بِصَلَاحِهِ مِمَّا قَالُوهُ؛ فَإِنَّ بُدُوَّ صَلَاحِ الشَّيْءِ ابْتِدَاؤُهُ، وَتَنَاهِيَ عِظَمِهِ آخِرُ صَلَاحِهِ. وَلِأَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ يَسْبِقُ حَالَ الْجِزَازِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيمَا يُقَاسُ عَلَيْهِ بِسَبْقِهِ قَطْعَهُ عَادَةً؛ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِتَنَاهِي عِظَمِهِ انْتِهَاءَهُ إلَى الْحَالِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَخْذِهِ فِيهَا، فَيَكُونُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَمَا قُلْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَوْ مُقَارِبٌ لَهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يُبَاعُ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْ التَّمْرِ قَلِيلٌ، أَوْ كَثِيرٌ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَلِعَلَّهمْ أَرَادُوا صَلَاحَهُ لِلْأَكْلِ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إلَى مَا قُلْنَا؛ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ، أَوْ يُؤْكَلَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَرَادُوا حَقِيقَةَ الْأَكْلِ كَانَ مَا ذَكَرْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا رَوَوْهُ يَحْتَمِلُ صَلَاحَهُ لِلْأَكْلِ، فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ، مُوَافَقَةً لِأَكْثَرِ الْأَخْبَارِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطِيبَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَنَهَى أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تَزْهُوَ. قِيلَ: وَمَا تَزْهُو؟ قَالَ: (تَحْمَارُّ أَوْ تَصْفَارُّ) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. «وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ.» رَوَاهُ