الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِمَّنْ رَأَى الْإِشْهَادَ عَلَى الْبَيْعِ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالنَّخَعِيُّ؛ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] . وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: صَارَ الْأَمْرُ إلَى الْأَمَانَةِ. وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» «وَاشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سَرَاوِيلَ» ، «وَمِنْ أَعْرَابِيٍّ فَرَسًا، فَجَحَدَهُ الْأَعْرَابِيُّ حَتَّى شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ» وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَشْهَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَتَبَايَعُونَ فِي عَصْرِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِشْهَادِ، وَلَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِعْلُهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ كَانُوا يُشْهَدُونَ فِي كُلِّ بِيَاعَاتِهِمْ لَمَا أُخِلَّ بِنَقْلِهِ. «وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً. وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِشْهَادِ، وَأَخْبَرَهُ عُرْوَةُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ تَرْكَ الْإِشْهَادِ.» وَلِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ وَجَبَ الْإِشْهَادُ فِي كُلِّ مَا يَتَبَايَعُونَهُ، أَفْضَى إلَى الْحَرَجِ الْمَحْطُوطِ عَنَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .
وَالْآيَةُ الْمُرَادُ بِهَا الْإِرْشَادُ إلَى حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَالتَّعْلِيمِ، كَمَا أَمَرَ بِالرَّهْنِ وَالْكَاتِبِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
[فَصْلٌ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ]
(3194)
فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ. وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا. وَرَأَى عِمْرَانُ الْقَصِيرُ رَجُلًا يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: هَذِهِ سُوقُ الْآخِرَةِ، فَإِنْ أَرَدْت التِّجَارَةَ فَاخْرُجْ إلَى سُوقِ الدُّنْيَا.
فَإِنْ بَاعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ، وَشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ وُجُودُ مُفْسِدٍ لَهُ، وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ، كَالْغِشِّ فِي الْبَيْعِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ. وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" قُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ". مِنْ غَيْرِ إخْبَارٍ بِفَسَادِ الْبَيْعِ، دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.