الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) الآية، فذلك ما فرض الله على اللسان من
القول، والتعبير عن القلب، وهو عمله، والفرض عليه من الإيمان.
قال الله عز وجل: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)
الرسالة: باب (فرض الصلاة للذي دل الكتاب ثم السنة على من تزول عنه
بالعذر وعلى من لا تكتب صلاته بالمعصية) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ووجه اللَّه رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت
المقدس، فكانت القبلة التي لا يحل - قبل نسخها - استفبال غيرها، ثم نسخ
الله قِبلَة بيت المقدس، ووجهه إلى البيت فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس
أبداً لمكتوبة، ولا في أن يستقبل غير البيت الحرام.
وقال الشَّافِعِي أيضاً: وكل كان حقاً في وقته، فكان التوجه إلى بيت المقدس
- أيام وجه اللَّه إليه نبيه - حقاً، ثم نسخه، فصار الحق في التوجه إلى البيت
الحرام أبداً، لا في استقبال غيره في مكتوبة إلا في بعض الخوف - أي: بعض
أوجه صلاة الخوف - أو نافلة في سفر، استدلالاً بالكتاب والسنة.
وهكذا كل ما نسخ اللَّه - ومعنى (نَسَخَ) : ترك فرضه - كان حقاً في
وقته، وتركه حقاً إذا نسخه اللَّه، فيكون من أدرك فرضه مطيعاً به وبتركه، ومن لم يُدركِ فرضه مطيعاً باتباع الفرض الناسخ له.
قال اللَّه لنبيه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) الآية.
فإن قال قائل: فأين الدلالة على أنهم حولوا إلى قبلةِ بعد قبلةِ؟
ففي قول اللَّه: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن
عمر، قال:"بينما الناس بقباء في صلاة الصبح اذ جاءهم آتٍ فقال: إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن، قد أمِرَ أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة" الحديث.
وأخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول:
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس، ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين.
اختلاف الحديث: المقدمة (من أمثلة الكلام على النسخ / نسخ الكتاب بالكتاب)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والناسخ من القرآن؛ الأمر ينزله الله من بعد
الأمر يخالفه، كما حول القبلة، قال عز وجل:
(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) الآية،
وقال: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَ)
الآية، وأشياء له كثيرة في غير موضع.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) البقرة: 49 ا-.15، الآية.
عدة أقوال - منها -:
وقيل: في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها، إلى غيرها، وهذا أشبه.
ما قيل فيها - واللَّه أعلم - لقول اللَّه: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَ) إلى قوله: (مُسْتَقِيمٍ) الآية.
فأعلمَ اللَّه نبيه صلى الله عليه وسلم: أنه لا حجة عليهم في التحويل، يعني لا يتكلم في ذلك أحد بشيء يريد الحجة، إلا الذين ظلموا منهم.
لا أن لهم حجة (أي: الذين ظلموا)، لأن عليهم (أي: الرسول ومن معه) أن ينصرفوا عن قبلتهم، إلى القبلة التي أمِرُوا بها.