الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الله عز وجل: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)
.
الرسالة: باب (ابتداء الناسخ والمنسوخ)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم
وبهم، (لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) الآية.
وأنزل عليهم الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة، وفرض فيه فرائض)
أثبتها، وأخرى نسخها رحمة لخلقه، بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم، زيادة فيما ابتدأهم به من نعمة. وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم: جنته، والنجاة من عذابه. فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ. فله الحمد على نعمه.
وأبان اللَّه لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأن السنة لا
ناسخة للكتاب، وإنما هي تبع للكتاب، بمثل ما نزل نصاً، ومفسرة معنى ما
أنزل اللَّه منه جُملاً.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي كتاب الله دلالة عليه، قال عز وجل:(مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) الآية.
فأخبر اللَّه أن نسخ القرآن وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله.
وقال عز وجل: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) الآية، وهكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسخها إلا سنة
لرسول الله ولو أحدث الله لرسوله في أمر سنَّ فيه: غير ما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لسن فيما أحدث الله إليه حتى يبين للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلها مما يخالفها. وهذا مذكور في سنته صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: فقد وجدنا الدلالة على أن القرآن ينسخ القرآن لأنه لا مثل للقرآن فأوجدنا ذلك في السنة؟.
قال الشَّافِعِي: فيما وصفت من فرض الله على الناس
اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: دليل على أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قبلت عن الله فمن اتبعها فبكتاب الله تبعها ولا نجد خبرا ألزمه الله خلقه نصا بينا: إلا كتابه ثم سنة نبيه. فإذا كانت السنة كما وصفت لا شبه لها من قول خلق من خلق الله-: لم يجز أن ينسخها إلا مثلها ولا مثل لها غير سنة رسول لأن الله لم يجعل لآدمي بعده ما جعل له بل فرض على خلقه اتباعه فألزمهم أمره فالخلق كلهم له تبع ولا يكون للتابع أن يخالف ما فرض عليه اتباعه ومن وجب عليه اتباع سنة رسول الله لم يكن له خلافها ولم يقم مقام أن ينسخ شيئا منها.
فإن قال: أفيحتمل أن تكون له سنة مأثورة قد نسخت ولا تؤثر السنة التي نسختها؟.
فلا يحتمل هذا وكيف يحتمل أن يؤثر ما وضع فرضه ويترك ما يلزم فرضه؟! ولو جاز هذا خرج عامة السنن من أيدي الناس بأن يقولوا: لعلها منسوخة!! وليس ينسخ فرض أبدا إلا أثبت مكانه فرض.
كما نسخت قبلة بيت المقدس فأثبت مكانها الكعبة. وكل منسوخ في كتاب وسنة هكذا.
فإن قال قائل هل تنسخ السنة بالقرآن
قال الشَّافِعِي: لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه سنة تبين أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة، حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشيء ينسخ بمثله.
فإن قال: ما الدليل على ما تقول؟
قال الشَّافِعِي: فما وصفت من موضعه من الإبانة عن الله معنى ما أراد
بفرائضه، خاصاً وعاماً، مما وصفتُ في كتابي هذا، وأنه لا يقول أبداً لشيء إلا بحكم الله.
ولو نسخ الله مما قال حكماً لسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نسخه سنة.
ولو جاز أن يقال: قد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخ سنته بالقرآن ولا يؤثر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة الناسخة: جاز أن يقال: فيما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم من
البيوع كلها: قد يحتمل أن يكون حَرمها قبل أن يُنزل عليه (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية، وفيمن رَجَمَ من الزناة: قد يحتمل أن يكون
الرجم منسوخاً؛ لقول الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، وفي المسح على الخفين: نسخت آية الوضوء المسح.
وجاز أن يقال: لا يدرأ عن سارق سرق من غير حرز، وسرقته أقل من ربع
دينار؛ لقول اللَّه تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) الآية.
لأن اسم السرقة يلزم من سرق قليلاً وكثيراً، ومن حرز ومن غير
حرز، ولجاز ردُّ كل حديث عن رسول اللَّه بأن يقال: لم يقله، إذا لم يجده مثل التنزيل، وجاز رد السنن بهذين الوجهين، فتُركت كل سنة معها كتاب جملة تحتمل سنته أن توافقه، وهي لا تكون أبداً إلا موافقة له، إذا احتمل اللفظ فيما روي عنه خلاف اللفظ في التنزيل بوجه، أو احتمل أن يكون في اللفظ عنه كثر مما في اللفظ في التنزيل، وإن كان محتمِلاً أن يخالفه من وجه.
وكتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تدل على خلاف هذا القول، وموافقة لما قلنا.
وكتاب اللَّه البيان الذي يُشفى به من العَمَى، وفيه الدلالة على موضع
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من كتاب اللَّه ودينه، واتباعه له، وقيامه بتبيينه عن اللَّه.
اختلاف الحديث: (المقدمة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولا ينسخ كتاب اللَّه إلا لقول اللَّه:
(مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) الآية.
وقوله: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) الآية.
فأبان أن نسخ القرآن لا يكون إلا بقرأن مثله، وأبان جل ثناؤه أنه فرض
على رسوله اتباع أمره، فقال:(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية.
وشهد له باتباعه، فقال جل ثناؤه:(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ) الآية.
فأعلم اللَّه خلقه أنه يهديهم إلى صراطه، قال فتُقام سنة رسول اللَّه مع
كتاب اللَّه جل ثناؤه، مقام البيان عن اللَّه عدد فرضه كبيان ما أراد بما أنزل عاماً.
العامَ أراد به أو الخاص، وما أنزل فرضاً وأدباً وإباحة وإرشاداً إلا أن شيئاً من
سنة رسول الله يخالف كتاب اللَّه في حال، لأن اللَّه جل ثناؤه قد أعلم خلقه أن رسوله يهدي إلى صراط مستقيم صراط اللَّه، ولا أن شيئاً من سنن رسول اللَّه ناسخ لكتاب اللَّه، لأنه قد أعلم خلقه أنه إنما ينسخ القرآن بقرآن مثله، والسنة تبع للقرآن.
وقد اختصرت من إبانة السنة عن كتاب اللَّه بعض ما حضرني مما يدل
على ما في مثل معناه إن شاء اللَّه، قال اللَّه جل ثناؤه:(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) .
فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدد
الصلاة، ومواقيتها والعمل بها وفيها، ودل على أنها على العامة الأحرار
والمماليك من الرجال والنساء إلا الحُيض، فأبان منها المعاني التي وصفت.
وأنها مرفوعة عن الحُيض. . . الخ.
أحكام القرآن: (فصل في النسخ)
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم
وبهم. . . وساق النص الوارد سابقاً في كتاب الرسالة.
قال الله عز وجل: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) .
سبق تفسيرها في الآية / 43، وانظر الإشارة إلى مواضع كلام الإمام
الشَّافِعِي عنها في الآية / 83 من سورة البقرة.