الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
وقال قوم: (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) الآية، أي: لا يُضَارَر ولا يُدعى وهو مشغول، لا يمكنه ترك شغله إلا بضرر يدخل عليه، وكذلك لا يُدعى الشاهد ومجيئه للشهادة يَضُر به.
والأول: أبين، لقوله تعالى:(وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) الآية.
ومن كذب بالشهادة، وحرَّف الكتاب، فهو أولى بالفسوق ممن دعا كاتباً ليكتب وهو مشغول، أو شاهداً ليشهد وهو مشغول.
* * *
قال الله عز وجل: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ
وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)
الأم: باب (الشهادة في البيوع) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: - بعد آية الدين في السياق - قال الله تعالى:
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) الآية، فلما أمر إذا لم يجدوا كاتباً بالرهن، ثم أباح
ترك الرهن، وقال:(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ) الآية، دلَّ على أن الأمر
الأول دلالة على الحظ، لا فرض منه، يعصي من تركه - والله أعلم -.
وقد حُفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه بايع أعرابياً في فرس، فجحد الأعرابي بأمر بعض المنافقين، ولم يكن بينهما بينة، فلو كان هذا حتماً لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا بينة، وقد حفظت عن عدة لقيتهم مثل معنى قولي، من أنَّه لا يعصي من ترك الإشهاد، وأن البيع لازم، إذا تصادقا، لا ينقضه أن لا تكون بيّنة كما يُنقض
النكاح، لاختلاف حكمها.
الأم (أيضاً) : باب (السلف) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله جلَ ثناؤه: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) الآية.
والرهن غير الكتاب والشهادة، ثم قال:(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) الآية.
دلَّ كتاب الله عز وجل على أن أمره بالكتاب.
ثم الشهود، ثم الرهن ارشاداً لا فرضاً عليهم؛ لأن قوله:(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) الآية، إباحة لأن يأمن بعضهم بعضاً فيدع
الكتاب والشهود والرهن.
الأم (أيضاً) : كتاب (الرهن الكبير - إباحة الرهن:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)
الآية، وقال عز وجل:(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌة) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في الآية، الأمر بالكتاب في الحضر والسفر، وذكر اللَّه تبارك اسمه الرهن إذا كانوا مسافرين، ولم يجدوا كاتباً، فكان معقولاً - والله أعلم فيها - أنهم أمروا بالكتاب والرهن احتياطاً لمالك الحق بالوثيقة، والمملوك عليه بألَّا ينسى ويذكر، لا أنَّه فرض عليهم أن يكتبوا، ولا أن يأخذوا رهناً، لقول الله عز وجل:(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) الآية.
فكان معقولاً أن الوثيقة في الحق في السفر والإعواز غير محرمة، والله أعلم في
الحضر وغير الإعواز، ولا بأس بالرهن في الحق الحالِّ، والدين في الحضر والسفر.
وما قلت من هذا مما لا أعلم فيه خلافاً، وقد رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه في الحضر عند أبي الشحم اليهودي.
وقيل: في سلف، والسلف حالٌّ.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأذن اللَّه جل ثناؤه بالرهن في الدين، والدين حق
لازم، فكل حق مما يملك، أو لزم بوجه من الوجوه جاز الرهن فيه.
الأم (أيضاً) : الرهن الصغير:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أصل أجازة الرهن في كتابه عز وجل: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) الآية، فالسنة تدلُّ على إجازة الرهن، ولا أعلم مخالفاً في إجازته.
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن ابن
شهاب، عن سعيد بن المسيب رحمه الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا يَغلَقُ الرهنُ، الرهنَ من صاحبه الذي رهنه، له غنمُه وعليه غرمُه" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالحديث جملة على الرهن، ولم يخص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا رهناً دون رهن.
واسم الرهن يقع على: ما ظهر هلاكه ومخفي.
ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم واللَّه تعالى أعلم -:
"لا يغلق الرهن بشيء"، أي: إن ذهب لم يذهب بشيء، وإن أراد صاحبه افتكاكه، ولا يغلق في يدي الذي هو في يديه. ..
والرهن للراهن أبداً، حتى يخرجه من ملكه بوجه يصحُّ إخراجه له، والدليل
على هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرهن من صاحبه الذي رهنه"، ثم بيّنه وأكدّه فقال:
"له غنمه وعليه غرمه"، وغنمه: سلامته وزيادته، وغرمه: عطبه ونقْصه.
الأم (أيضاً) : رهن المشاع:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا بأس بأن يرهن الرجل نصف أرضه، ونصف
داره، وسهماً من أسهم من ذلك مشاعاً غير مقسوم، إذا كان الكلّ معلوماً، وكان ما رهن منه معلوماً، ولا فرق بين ذلك وبين البيوع.
وقال بعض الناس: لا يجوز الرهن إلا مقبوضاً مقسوماً، لا يخالطه غيره، واحتجّ بقول اللَّه تبارك وتعالى:(فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالقبض: اسم جامع، وهو يقع كعان مختلفة، كيفما
كان الشيء معلوماً، أو كان الكلّ معلوماً، والشيء من الكل جزء معلوم من
أجزاء، وسُلِّم حتى لا يكون دونه حائل فهو قبض، فقبض الذهب والفضة
والثياب في مجلس الرجل، والأرض أن يؤتى في مكانها فتسلم، لا تحويها يد ولا يحيط بها جدار، والقبض في كثير من الدور والأرضيين إسلامها بأعْلَاقها،
والعبيد تسليمهم بحضرة القابض، والمشاع من كل أرض وغيرها أن لا يكون
دونه حائل، فهذا كله قبض مختلف يجمعه اسم القبض، وإن تفرق الفعل فيه، غير أنه يجمعه أن يكون مجموع العين، والكل جزء من الكل معروف، ولا حائل دونه، فإذا كان هكذا فهو مقبوض، والذي يكون في البيع قبضاً، يكون في الرهن قبضاً، لا يختلف ذلك.
الأم (أيضاً) : الوديعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا استودع الرجلُ الرجلَ الوديعة، فاختلفا، فقال
المستودع: دفعتها إليك، وقال المستودع: لم تدفعها، فالقول قول المستودع، ولو كانت المسألة بحالها غير أن المستودعَ قال: أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها.
وقال المستودِع: لم آمرك، فالقول قول المستودِع، وعلى المستودع البينة، وإنَّما فرقنا بينهما أنَّ المدفوع إليه غير المستودع، وقد قال الله عز وجل:(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) الآية.
فالأول: إنَّما ادعى دفعها إلى من اتممنه، والثاني: إنَّما ادعى دفعها إلى غير
المستودِع بأمره، فلما أنكر أنه أمره، أغرم له؛ لأنٌ المدفوع إليه غير الدافع.
الأم (أيضاً) : باب (ما يجب على المرء من القيام بشهادته) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عز وجل: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) الآية.
وقال: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) .