الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الله عز وجل: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) .
الأم: باب (ما نسخ من الوصايا) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ) إلى قوله: (الْمُتَّقِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكان فرضاً في كتاب اللَّه تعالى على من ترك
خيراً - والخير: المال - أن يوصي لوالديه وأقربيه، ثم زعم بعض أهل العلم
بالقرآن أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة، واختلفوا في الأقربين غير الوارثين، فكثر من لقيت من أهل العلم ممن حفظت عنه قال: الوصايا منسوخة، لأنه إنما أمر بها إذا كانت إنما يورث بها، فلما قسُّم اللَّه - تعالى ذكره - المواريث كانت تطوعاً.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهذا إن شاء اللَّه تعالى كله كما قالوا.
فإن قال قائل: ما دلَّ على ما وصفتَ؟
قيل له: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية.
أخبرنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا وصية لوارث ".
وما وصفت من أن الوصية للوارث منسوخة بآي المواريث، وأن لا
وصية لوارث مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافاً.
الأم (أيضاً) : باب (الوصية للوارث) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه عز وجل: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ) إلى قوله: (الْمُتَّقِينَ) الآية، وقال في آي المواريث:(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية.
وذكر من ورُّث - جل ثناؤه - في آي من كتابه.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: واحتمل إجماع أمر اللَّه تعالى بالوصية
للوالدين والأقربين معنيين:
أحدهما: أن يكون للوالدين والأقربين الأمران معاً، فيكون على الموصي
أن يوصي لهم، فيأخذون بالوصية، ويكون لهم الميراث فيأخذون به.
ثانيهما: واحتمل أن يكون الأمر بالوصية نزل ناسخاً لأن تكون الوصية
لهم ثابتة، فوجدنا الدلالة على أن الوصية للوالدين، والأقربين الوارثين منسوخة بآي المواريث، من وجهين:
الأول: أخبار ليست بمتصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الحجازيين منها: أن سفيان بن عيينة أخبرنا، عن سليمان الأحول عن مجاهد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لا وصية لوارث" الحديث.
وغيره يثبته بهذا الوجه، ووجدنا غيره قد يصل فيه
حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا المعنى، ثم لم نعلم أهل العلم في البلدان اختلفوا في
أن الوصية للوالدين منسوخة بآي المواريث.
الثاني: واحتمل إذا كانت منسوخة أن تكون الوصية للوالدين ساقطة، حتى
لو أوصى لهما لم تجز الوصية، وبهذا نقول، وما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم وما نعلم أهل العلم اختلفوا فيه يدل على هذا، وإن كان يحتمل أن يكون وجوبها منسوخاً، وإذا
أوصى لهم جاز، وإذا أوصى للوالدين فأجاز الورثة فليس بالوصية أخذوا، وإنما أخذوا بإعطاء الورثة لهم ما لهم، لأنا قد أبطلنا حكم الوصية لهم فكان نص المنسوخ في وصية الوالدين، وسُمِّي معهم الأقربين جملة، فلما كان الوالدان وارثين، فسنا عليهم كل وارث، وكذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان الأقربون
ورثة، وغير ورثة، أبطلنا الوصية للورثة من الأقربين بالنص والقياس والخبر:" لا وصية لوارث " وأجزنا الوصية للأقربين، ولغير الورثة من كان.
فالأصل في الوصايا لمن أوصى في كتاب اللَّه عز وجل.
وما روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وما لم أعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه، في أن يُنظر إلى الوصايا:
1 -
فإذا كانت لمن يرث الميت أبطلتها.
2 -
وإن كانت لمن لا يرثه أجزتها على الوجه الذي تجوز به، وموجود
عندي - واللَّه أعلم - فيما وصفت من الكتاب، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحيث إن ما لم نعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه، أنه إنما يمنع الورثة
الوصايا لئلا يأخذوا مال الميت من وجهتين، وذلك أن ما ترك المُتَوَفى يؤخذ
بميراث أو وصية، فلما كان حكمهما مختلفين، لم يجز أن يجمع لواحد الحكمان المختلفان في حكم واحد، وحال واحدة، كما لا يجوز أن يُعطى بالشيء وضد الشيء، ولم يحتمل معنى غيره بحال.
الأم (أيضاً) : باب (الوصية للوارث) أيضاً
قال الشَّافِعِي -رحمه الله تعالى-: ولقد ذكر الله تبارك وتعالى الوصية فقال:
(إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية.
وأن الأغلب من الأقربين، لأنهم يبتلون أولاد الموصي بالقرابة ثم الأغلب أن يزيدوا، وأن يبتلوهم بصلة أبيهم لهم بالوصية.
وينبغي لمن منع أحداً مخافة أن يرد على وارث، أو ينفعه، أن
يمنع ذوي القرابة، وألا يعتق العبيد الذين قد عرفوا بالعطف على الورثة، ولكن لا يمنع أحد وصية غير الوارث بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لا يختلف فيه من أحفظ عنه ممن لقيت.
الأم (أيضاً) : باب (المدَّعي والمدَّعَى عليه) :
قال الشَّافِعِي -رحمه الله تعالى-: فإذا كان الناس أجمعوا على خبر الواحد
بتصديق المخبر عنه، ولا يحتجون عليه بمثل ما تحئجون به، ويتبعون فيه أمر
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم جاء خبر آخر أقوى منه، فكيف جاز لك أن تخالفه؛ وكيف جاز لك أن تثبت ما اختلفوا فيه، مما وصفنا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرة، وتعيب علينا أن ثبتنا ما هو أقوى منه؟ وقلت لبعض من يقول هذا القول:
قد قال اللَّه (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) الآية.
فإن قال لك قائل: تجوز الوصية لوارث؛ قال
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا: فالحديث لا تجوز الوصية لوارث أثبت أم حديث
اليمين مع الشاهد؛ قال: بل حديث اليمين مع الشاهد، ولكن الناس لا يختلفون في أن الوصية لوارث منسوخة.
قلنا: أليس بخبر؟ قال: بلى. قلت: فإذا كان
الناس يجتمعون على قبول الخبر ثم جاء خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أقوى منه، لم جاز - أي لم يجز - لأحد خلافه، قلنا: أرأيت إن قال لك قائل: لا تجوز الوصية إلا لذي قرابة، فقد قاله طاووس، قال: العتق وصية، قد أجازها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث
عمران للمماليك، ولا قرابة لهم، قلنا: أفتحتج بحديث عمران مرة، وتتركه أخرى؟! وقلت له: نصير بك إلى ما ليس فيه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نوجدك (أي: نجدك) تخرج من جميع ما احتججت به، وتخالف فيه ظاهر الكتاب عندك.
الأم (أيضاً) : كتاب (القرعة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: بعد أن ذكر حديثي عمران بن حصين رضي الله عنه وابن المسيب رحمه الله ثم ساق حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، بعد ذلك.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وبهذا كله نأخذ، وحديث القرعة عن عمران
ابن حصين، وابن المسيب، موافق قول ابن عمر رضي الله عنه في العتق، لا
يختلفان في شيء حُكِيَ فيهما، ولا في واحد منهما.
وهذا يدل على خلاف ما قال بعض أهل العلم: إن قول الله تبارك وتعالى:
(الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية.
منسوخة بالمواريث، والآخر: إن الوصايا إذا
جُوِّزَ بها الثلث رُدت إلى الثلث، وهذه الحجة في ألا يُجَاوَزَ بالوصايا الثلث.
وذلك أنه لو شاء رجل أن يقول: إنما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد، ولم يعلمه
أنه لا يجوز له أن يوصي بكثر من الثلث، وفي هذا حجة لنا على من زعم أن من لم يدع وارثاً يعرف، أوصى بماله كله، فحديث عمران بن حصين يدل على خمسة معانٍ، وحديث نافع يدل على ثلاثة معانِ كلها في حديث عمران.
الأم (أيضاً) : المكاتب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال اللَّه عز وجل: (إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) الآية، فعقلنا أنه ترك مالاً؛ لأن المال: المتروك.
وبقوله: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) قال: فلما قال اللَّه عز وجل: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية.
كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب: قوة على اكتساب المال وأمانة؛ لأنه قد يكون قوياً فيكسب، فلا يؤدي
إذا لم يكن ذا أمانة، وأميناً فلا يكون قوياً على الكسب فلا يؤدى.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولا يجوز عندي - واللَّه تعالى أعلم - في
قوله: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية، إلا هذا.
الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي تدل عليه السنة والإجماع:
قال الله تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) الآية.
وقال اللَّه: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فأنزل اللَّه ميراث الوالدين، ومن ورث
بعدهما، ومعهما من الأقربين، وميراث الزوج من زوجته، والزوجة من زوجها.
فكانت الآيتان محتملتين لأن تثبتا الوصية للوالدين والأقربين، والوصية
للزوج، والميراث مع الوصايا، فيأخذون بالمير اث والوصايا، ومحتملة بأن تكون المواريث ناسخة للوصايا.
فلما احتملت الآيتان ما وصفنا، كان على أهل العلم طلب الدلالة من
كتاب الله، فما لم يجدوه نصاً في كتاب الله، طلبوه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن وجدوه فما قبلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قبلوه، بما افترض من طاعته.
ووجدنا أهل الفتيا، ومن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي (من قريش وغيرهم) لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح:" لا وصية لوارث، ولا يقتل مومن بكافر " الحديث.
ويأثِرونه عمن حفظوا عنه ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي.
فكان هذا نقل عامة عن عامة، وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد
عن واحد.
وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مجمعين.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وروى بعض الشاميين حديثاً ليس مما يثبته أهل
الحديث فيه: إن بعض رجاله مجهولون، فرويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعاً.
وإنما قبلناه بمن وصفت من نقل أهل المغازي، وإجماع العامة عليه، وإن كنا
قد ذكرنا الحديث فيه، واعتمدنا على حديث أهل المغازي عامًّا، وإجماع الناس.
أخبرنا سفيان - يعني ابن عيينة -، عن سليمان الأحول، عن مجاهد أن
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: " لا وصية لوارث" الحديث.
فاستدللنا بما وصفتُ، من نقل عامة أهل المغازي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن " لا وصية لوارث" الحديث.
على أن المواريث ناسخة للوصية (للوالدين والزوجة) مع الخبر المنقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماع العامة على القول به.
وكذلك قال أكثر العامة: إن الوصية للأقربين منسوخة زائل فرضها، إذا
كانوا وارثين بالميراث، وإن كانوا غير وارثين فليس بفرض أن يُوصي لهم.
إلا أن طاووساً وقليلاً معه قالوا: نسخت الوصية للوالدين، وثبتت للقرابة
غير الوارثين، فمن أوصى لغير قرابة لم يجز.
فلما احتملت الآية ما ذهب إليه طاووس من أن الوصية للقرابة ثابتة، إذ
لم يكن في خبر أهل العلم بالمغازي إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا وصيهْ لوارث "
وجب عندنا على أهل العلم، طلب الدلالة على خلاف ما قال طاووس أو
موافقته.
فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكم في ستة مملوكين، كانوا لرجل لا مال له غيرهم، فأعتقهم عند الموت، فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين وأرقَّ أربعة.
أخبرنا بذلك عبد الوهاب (بن عبد المجيد الثقفي) ، عن أيوب
(السختياني) ، عن أبي فلابة (عبد اللَّه بن زيد الجرمي البصرى) ، عن أبي المهلب (الجَرْمي البصري - عم أبي قلابة) ، عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله: فكانت دلالة السنة في حديث عمران بن حصين بينة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل في عتقهم في المرض وصية، والذي أعتقهم رجل من العرب.
والعربي إنما يملك من لا قرابة بينه وبين العجم، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم لهم الوصية.
فدل ذلك على أن الوصية لو كانت تبطل لغير قرابة بطلت للعبيد المعتقين.
لأنهم ليسوا بقرابة للمعتق.
ودلُّ ذلك على: أن لا وصية لميت إلا في ثلث ماله، ودل ذلك على أن يُرَدُّ
ما جاوز الثلث في الوصية، وعلى إبطال الاستسعاء، وإثبات القَسمِ والقُرعَة.
وبطلت وصية الوالدين، لأنهما وارثان وثبت ميراثهما، ومن أوصى له
الميت من قرابة وغيرهم، جازت الوصية، إذا لم يكن وارثاً.
وأحَبّ إليَّ لو أوصَى لقرابته.
جماع العلم: باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له أيضاً: يلزمك هذا في ناسخ القرآن
ومنسوخه؟
قال: فاذكر منه شيئاً. قلت: قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية، وقال في الفرائض:
(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية.
فزعمنا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آية الفرائض نسخت الوصية للوالدين
والأقربين، فلو كنا مما لا يقبل الخبر، فقال قائل: الوصية نسخت الفرائض.
هل نجد الحجة عليه إلا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
قال: هذا شبيه بالكتاب والحكمة، والحجة لك ثابتة، بأن علينا قبول الخبر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد صرتُ إلى: قَبول الخبرِ لَزم للمسلمين، لما ذكرتَ وما في
مثل معانيه من كتاب اللَّه.
وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره، إذا بانت
الحجة فيه، بل أتديَّن بأنَّ عليَّ الرجوعَ عما كنت أرى إلى ما رأيتُ الحقُّ.
أحكام القرآن: ما نسخ من الوصايا:
لقد لخص الإمام البيهقي تفسير الشَّافِعِي لهذه الآية بما يلي:
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه عز وجل: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان فرضاً في كتاب اللَّه عز وجل، على من ترك خيراً
(والخير: المال) أن يوصي لوالديه وأقربين.
وزعم بعض أهل العلم بالقرآن: أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين
منسوخة، واختلفوا في الأقربين غير الوارثين، فأكثر من لقيت من أهل العلم، وممن حفظت عنه قال: الوصايا منسوخة؛ لأنه إنما أمر بها إذا كانت إنما يُوَرثُ بها، فلما قسم اللَّه المواريث كانت تطوعاً.
وهذا - إن شاء اللَّه - كلّه كما قالوا.
واحتج الشَّافِعِي رحمه الله في عدم جواز الوصية للوارث بآية الميراث.
وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: " لا وصية لوارث".
واحتج في جواز الوصية لغير ذي الرحم، بحديث عمران بن حصين:
"أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له، ليس له مال غيرهم، فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين، وأرَقَّ أربعة" الحديث.
ثم قال الشَّافِعِي: والمعتق: عربي، وإنَّما كانت العرب: تملك من لا قرابة
بينها وبينه، فلو لم تجز الوصية إلا لذي قرابة، لم تجز للمملوكين، وقد أجازها لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه - الشافعى - في القرعة والعتق، والولاء، والكتابة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه عز وجل: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) الآية، فعقلنا أنه إن ترك مالاً، لأن المال: المتروك، ولقوله:(الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية.
فلما قال اللَّه عز وجل: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية.
كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب قوة على