المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عقوبة ترك الجهاد في سبيل الله - الجامع الصحيح للسنن والمسانيد - جـ ٧

[صهيب عبد الجبار]

فهرس الكتاب

- ‌فَضْلُ الصَّلَاة

- ‌تَكْفِيرُ الصَلَاةِ لِلذُّنُوب

- ‌فَضْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْس

- ‌فَضْلُ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْر

- ‌فَضْلُ أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي جَمَاعَة

- ‌فَضْلُ أَدَاءِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْر فِي جَمَاعَة

- ‌فَضْلُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي جَمَاعَة

- ‌فَضْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاة

- ‌فَضْلُ سَدِّ الْفُرَجِ فِي الصَّلَاة

- ‌فَضْلُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وفَضْلُ يَوْمِهَا

- ‌فَضْلُ التَّبْكِيرِ إِلَى صَلَاةِ الْجُمُعَة

- ‌فَضْلُ انْتِظَارِ الصَّلَاة

- ‌فَضْلُ السُّنَنِ الرَّوَاتِب

- ‌فَضْلُ سُنَّةِ الْفَجْر

- ‌فَضْلُ سُنَّةِ الْظُّهْرِ القَبْلِيّةِ وَالْبَعْدِيَّة

- ‌فَضْلُ سُنَّةِ الْعَصْر

- ‌فَضْلُ سُنَّةِ الْمَغْرِب

- ‌فَضْلُ سُنَّةِ الْعِشَاء

- ‌فَضْلُ السُّنّنِ النَّوَافِل

- ‌فَضْلُ قِيَامِ اللَّيْل

- ‌فَضْلُ قِيَامِ رَمَضَان (التَّرَاوِيح)

- ‌فَضْلُ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْر

- ‌فَضْلُ صَلَاةِ الضُّحَى

- ‌فَضْلُ سُنَّةِ الْوُضُوء

- ‌فَضْلُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَزِيَارَةُ الْمُسْلِمِين

- ‌فَضْلُ تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ وَكَتْمِ مَا يَرَاهُ مِنْ عُيُوب

- ‌فَضْلُ اتِّبَاعِ جَنَائِزِ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّلَاةِ عَلَيْها

- ‌فَضْلُ تَعْزِيَةِ الْمُؤْمِن

- ‌فَضْلُ الصَّدَقَة

- ‌فَضْلُ الصَّدَقَةِ وَإنْ قَلَّت

- ‌فَضْلُ صَدَقَةِ السِّرّ

- ‌أَفْضَلُ الصَّدَقَات

- ‌فَضْلُ الْعَمَلِ عَلَى الصَّدَقَة

- ‌فَضْلُ الصَّوْم

- ‌فَضْلُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَصَوْمِه

- ‌فَضْلُ صَوْمِ شَعْبَان

- ‌فَضْلُ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّال

- ‌فَضْلُ صَوْمِ الثَّمَانِيَةِ الْأُولَى مِنْ ذِي الْحِجَّة

- ‌فَضْلُ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجّ

- ‌فَضْلُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاء

- ‌فَضْلُ صَوْمِ شَهْرِ الْمُحَرَّم

- ‌فَضْلُ صِيَامِ الثَّلَاثِ الْبِيض

- ‌فَضْلُ صِيَامِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس

- ‌فَضْلُ صِيَامِ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْم

- ‌فَضْلُ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا

- ‌فَضْلُ الْحَجّ

- ‌فَضْلُ أَعْمَالِ الْحَجّ

- ‌فَضْلُ الْإهْلَالِ وَالتَّلْبِيَة

- ‌فَضْلُ الطَّوَاف

- ‌فَضْلُ اسْتِلَامِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَد

- ‌فَضْلُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَة

- ‌فَضْلُ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَة

- ‌فَضْلُ رَمْيِ الْجِمَار

- ‌فَضْلُ الْعُمْرَة

- ‌فَضْلُ الْعُمْرَةِ فِي رَمَضَان

- ‌فَضْلُ الْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ رَمَضَان

- ‌فَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْن

- ‌فَضْلُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ الله

- ‌فَضْلُ الْجِهَادِ فِي الْبَحْر

- ‌فَضْلُ الْحِرَاسَةِ فِي سَبِيلِ الله

- ‌فَضْلُ الرِّبَاطِ فِي سَبِيلِ الله

- ‌فَضْلُ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ الله

- ‌فَضْلُ الصِّيَامِ فِي سَبِيلِ الله

- ‌فَضْلُ مَنْ جُرِحَ فِي سَبِيلِ الله

- ‌فَضْلُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ الله

- ‌أَنْوَاعُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ الله

- ‌فَضْلُ تَجْهِيزِ الْغُزَاةِ وَالْإنْفَاقِ فِي سَبِيلِ الله

- ‌عُقُوبَةُ تَرَكِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ الله

- ‌فَضْلُ الْهِجْرَة

- ‌فَضْلُ الْمَوْتِ فِي بَلَدِ الْغُرْبَة

- ‌فَضْلُ اِقْتِنَاءِ الْخَيْلِ وَإِكْرَامِهَا

- ‌أَنْوَاعُ الْخَيْلِ مِنْ حَيْثُ الْأَجْر

- ‌أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الْخَيْلِ مِنْ حَيْثُ اللَّوْن

- ‌فَضْلُ إطْرَاقِ الْخَيْل

- ‌فَضْلُ الْحُبِّ فِي الله

الفصل: ‌عقوبة ترك الجهاد في سبيل الله

‌عُقُوبَةُ تَرَكِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ الله

قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ، أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ، وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ، وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ، وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1)

وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ ، وَأَبْنَاؤُكُمْ ، وَإِخْوَانُكُمْ ، وَأَزْوَاجُكُمْ ، وَعَشِيرَتُكُمْ ، وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا ، وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ، وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ، أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ، فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ، وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ، لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ ، وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا} (2)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (3)

(1)[التوبة: 38، 39]

(2)

[الحج: 40]

(3)

[البقرة: 251]

ص: 458

(طس)، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ ، إِلَّا عَمَّهُمُ اللهُ بِالْعَذَابِ "(1)

(1)(طس) 3839 ، انظر الصَّحِيحَة: 2663

ص: 459

(د)، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَمْ يَغْزُ ، أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا ، أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ ، أَصَابَهُ اللهُ بِقَارِعَةٍ (1) قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ "(2)

(1) أَيْ: بمُصِيبَةٍ مُهْلِكَة.

(2)

(د) 2503 ، (جة) 2762 ، انظر صحيح أبي داود: 2261 ، الصحيحة: 2561 ، صحيح الترغيب والترهيب: 1391

ص: 460

(د)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةِ مِنْ نِفَاقٍ (1) "(2)

(1) أَيْ: عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعه ، والْمُرَاد أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَشْبَهَ الْمُنَافِقِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجِهَادِ فِي هَذَا الْوَصْف، فَإِنَّ تَرْكَ الْجِهَادِ أَحَدُ شُعَبِ النِّفَاق. (النووي - ج 6 / ص 391)

قلت: في الحديث دليل على أن الجهاد يَنفي النفاقَ عن القلب ، لأن المنافق لا يجاهد. ع

(2)

(د) 2502 ، (م) 158 - (1910) ، (س) 3097 ، (حم) 8852

ص: 461

(ت د)، وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ التُّجَيْبِيِّ قَالَ:(غَزَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ ، وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رضي الله عنه وَعَلَى الْجَمَاعَةِ (1) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ) (2)(فَأَخْرَجَ الرُّومُ إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْهُمْ)(3)(وَأَلْصَقُوا ظُهُورَهُمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَةِ)(4)(فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ ، فَصَاحَ النَّاسُ)(5)(وَقَالُوا: مَهْ ، مَهْ؟ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(6)(فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ هَذَا التَّأوِيلَ ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآية فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، لَمَّا أَعَزَّ اللهُ الْإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ ، قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ - سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا ، فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (7) فَكَانَتْ التَّهْلُكَةُ) (8)(أَنْ نُقِيمَ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحَهَا ، وَنَدَعَ الْجِهَادَ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصًا (9) يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ (10)) (11).

(1) أَيْ: أَمِيرُهُمْ. تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 292)

(2)

(د) 2512

(3)

(ت) 2972

(4)

(د) 2512

(5)

(ت) 2972

(6)

(د) 2512

(7)

[البقرة/195]

(8)

(ت) 2972

(9)

شُخُوصُ الْمُسَافِرِ: خُرُوجُهُ عَنْ مَنْزِلِهِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ رضي الله عنه: إِنَّمَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ مَنْ كَانَ شَاخِصًا. أَيْ: مُسَافِرًا. تحفة الأحوذي (7/ 292)

(10)

الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِلْقَاءِ الْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الْإِقَامَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ ، وَتَرْكُ الْجِهَادِ.

وَقِيلَ: هُوَ الْبُخْلُ ، وَتَرْكُ الْإِنْفَاقِ فِي الْجِهَاد ِ. تحفة الأحوذي (7/ 292)

(11)

(د) 2512، (ت) 2972، (ن) 11029، (حب) 4711 ، انظر الصَّحِيحَة: 13، صحيح موارد الظمآن 1386

ص: 462

(خ) ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ - وَرَأَى سِكَّةً (1) وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ - فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ الذُّلَّ "(2)

وفي رواية: " مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَغْدُو عَلَيْهِمْ فَدَّانٌ (3) إِلَّا ذَلُّوا "(4)

الشرح (5)

(1) السِّكَّة: هِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تُحْرَثُ بِهَا الْأَرْض. فتح الباري (7/ 169)

(2)

(خ) 2196 ، (طس) 8921 ، (مش) 230

(3)

الْفَدَّان: آلَةُ الْحَرْث ، وَالسِّكَّة. فتح الباري (ج 10 / ص 84)

(4)

(طب) ج8ص293ح8123 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 5698

(5)

قال الألباني في السلسلة الصحيحة ح10: التكالُب على الدنيا يورث الذل ذكرتُ في المقال السابق بعض الأحاديث الواردة في الحض على استثمار الأرض، مما لَا يَدع مجالا للشك في أن الإسلام شَرَع ذلك للمسلمين ، ورغَّبَهم فيه أيَّما ترغيب ، واليوم نورد بعض الأحاديث التي قد يتبادر لبعض الأذهان الضعيفة ، أو القلوب المريضة ، أنها مُعارِضة للأحاديث المتقدمة، وهي في الحقيقة غير مُنافية له إذا ما أُحْسِن فَهْمُها ، وخَلَت النفسُ من اتِّباع هواها! ، وقد وفَّق العلماء بين هذا الحديث والأحاديث المتقدِّمة في المَقال المشار إليه بوجهين اثنين:

أ - أن المراد بالذُّل ، ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تُطالبهم بها الولاة من خراج أو عُشر، فمن أدخل نفسه في ذلك ، فقد عَرَّضها للذل.

قال المناوي في (الفيض): " وليس هذا ذَمًّا للزراعة ، فإنها محمودة ، مُثاب عليها ،لكثرة أكل العوافي منها، إذ لَا تَلازُم بين ذُلِّ الدنيا وحرمان ثواب البعض.

ولهذا قال ابن التين: هذا من أخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيَّبات، لأن المُشَاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث.

ب - أنه محمول على من شَغَله الحرثُ والزرعُ عن القيام بالواجبات ، كالحرب ونحوه، وإلى هذا ذهب البخاري ، حيث ترجم للحديث بقوله:" باب ما يُحْذَر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، أو مجاوزة الحدِّ الذي أُمِرَ به ".

فإن من المعلوم أن الغُلُوَّ في السعي وراء الكسب ، يُلْهي صاحبه عن الواجب ، ويَحمله على التَّكالُب على الدنيا ، والإخلاد إلى الأرض ، والإعراض عن الجهاد، كما هو مُشاهد من الكثيرين من الأغنياء. أ. هـ

ص: 463

(د)، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ (1) وَأَخَذْتُمْ بِأَذْنَابِ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ (2) وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا (3) لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ (4) "(5)

(1) قَالَ فِي الْقَامُوس: هو التَّاجِرُ إذا بَاعَ سِلْعَتَهُ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَل ، ثُمَّ اِشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَن ، اِنْتَهَى.

وقَالَ الرَّافِعِيّ: وَبَيْعُ الْعِينَةِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّل ، وَيُسَلِّمُهُ إِلَى الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ يَشْتَرِيهِ قَبْل قَبْضِ الثَّمَنِ ، بِثَمَنِ نَقْدٍ أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ اِنْتَهَى. عون المعبود - (ج 7 / ص 453)

وقَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رحمه الله كما في عون المعبود (7/ 453): وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقِ السُّبَيْعِيِّ عَنْ اِمْرَأَته " أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي بِعْتُ غُلَامًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَم نَسِيئَة، وَإِنِّي اِبْتَعْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَة: بِئْسَمَا اِشْتَرَيْتِ، وَبِئْسَمَا شَرَيْتِ، أَخْبِرِي زَيْدًا أَنَّ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَطَلَ إِلَى أَنْ يَتُوب ".

هَذَا الْحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيّ، وَأَعَلَّهُ بِالْجَهَالَةِ بِحَالِ اِمْرَأَة أَبِي إِسْحَاق، وَقَالَ: لَوْ ثَبَتَ ، فَإِنَّمَا عَابَتْ عَلَيْهَا بَيْعًا إِلَى الْعَطَاء، لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْر مَعْلُوم ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَثْبُتُ مِثْلُ هَذَا عَنْ عَائِشَة، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ لَا يَبِيعُ إِلَّا مَا يَرَاهُ حَلَالًا.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ أُمّه الْعَالِيَة بِنْتِ أَنْفَع " أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَة مَعَ أُمِّ مُحَمَّد " وَقَالَ غَيْره: هَذَا الْحَدِيث حَسَن وَيُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ الْعَالِيَة ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ: أَبُو إِسْحَاق زَوْجُهَا، وَيُونُس اِبْنُهَا ، وَلَمْ يُعْلَمْ فِيهَا جَرْح، وَالْجَهَالَةُ تَرْتَفِع عَنْ الرَّاوِي بِمِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ إِنَّ هَذَا مِمَّا ضُبِطَتْ فِيهِ الْقِصَّة، وَمَنْ دَخَلَ مَعَهَا عَلَى عَائِشَة، وَقَدْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا وَابْنُهَا ، وَهُمَا مَنْ هُمَا، فَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ.

وَقَوْله فِي الْحَدِيث الْمُتَقَدِّم " مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة، فَلَهُ أَوْكَسهمَا أَوْ الرِّبَا" هُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى الْعِينَة بِعَيْنِهَا، قَالَهُ شَيْخنَا، لِأَنَّهُ بَيْعَانِ فِي بَيْعٍ وَاحِد، فَأَوْكَسهمَا: الثَّمَنُ الْحَالّ ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَكْثَرِ - وَهُوَ الْمُؤَجَّل - أَخَذَ بِالرِّبَا ، فَالْمَعْنَيَانِ لَا يَنْفَكَّانِ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ، إِمَّا الْأَخْذُ بِأَوْكَسِ الثَّمَنَيْنِ، أَوْ الرِّبَا وَهَذَا لَا يَتَنَزَّلُ إِلَّا عَلَى الْعِينَة.

(2)

حُمِلَ هَذَا عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالزَّرْعِ فِي زَمَنٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْجِهَاد. عون (7/ 453)

(3)

أَيْ: سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ صَغَارًا وَمَسْكَنَة ، وَمَنْ أَنْوَاعِ الذُّلِّ: الْخَرَاجُ الَّذِي يُسَلِّمُونَهُ كُلَّ سَنَةٍ لِمُلَّاكِ الْأَرْض ، وَسَبَبُ هَذَا الذُّلِّ وَالله أَعْلَم أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، الَّذِي فِيهِ عِزُّ الْإِسْلَام ، وَإِظْهَارُهُ عَلَى كُلِّ دِين عَامَلَهُمْ اللهُ بِنَقِيضِهِ ، وَهُوَ إِنْزَالُ الذِّلَّةِ بِهِمْ ، فَصَارُوا يَمْشُونَ خَلْفَ أَذْنَابِ الْبَقَر ، بَعْد أَنْ كَانُوا يَرْكَبُونَ عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ ، الَّتِي هِيَ أَعَزّ مَكَان. عون المعبود (7/ 453)

(4)

قال الألباني في الصَّحِيحَة ح11: فتأمل كيف بيَّنَ هذا الحديثُ ما أُجْمِلَ في حديث أبي أمامة حين رَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الذُّلَّ "، فذكر أن تسليط الذُّل ليس هو لِمجرد الزرع والحرث ، بل لِمَا اقترن به من الإخلاد إليه ، والانشغالِ به عن الجهاد في سبيل الله ، فهذا هو المُراد بالحديث، وأما الزرع الذي لم يقترن به شيء من ذلك ، فهو المُراد بالأحاديث المُرَغِّبة في الحَرْث ، فلا تَعارُض بينها ولا إشكال. أ. هـ

(5)

(د) 3462 ، (هق) 10484 ، (مسند الشاميين) 2417 ، (بز) 5887

ص: 464