الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند الترجيح تُرجَّح الروايات التي تذكر لصلاة الكسوف ركوعين في كل ركعة، لأنها أكثر مما سواها وأقوى منها إسناداً، فقد اتفق عليها البخاري ومسلم إماما الحديث، وما اتفق عليه هذان الإمامان الجليلان يعتبر في القمة من حيث القوة والصحة. ولهذا نقول إن كل الكيفيات عدا كيفية الركوعين في كل ركعة هي مرجوحة.
ولا بأس بأن أُضيف أنه عليه الصلاة والسلام لم يُرْوَ عنه حديث واحد صحيح أو حسن بأنه قد صلَّى هذه الصلاة عند خسوف القمر في أية ليلة من الليالي، وأن مشروعية صلاة الكسوف عند خسوف القمر لم تأت من فعله عليه الصلاة والسلام وإنما من قوله الذي تعدد نقلُه وهو أن تُصلَّى هذه الصلاة إن كَسَفَت الشمسُ أو خَسَف القمرُ مما سبق إيراده، وهذا أيضاً يدعم قولنا باتحاد القصة وعدم التعدد، ويدعم بالتالي وجوب الترجيح بين الروايات المتعارضة، لأنه لا يمكن الجمع بينها لكونها كلها قد ذكرت حادثة واحدة، مما يمنع من قبول جميع هذه الروايات إلا رواية واحدة فحسب هي التي أشرنا إليها.
ط. صلاة الاستسقاء
الاستسقاء في اللغة هو طلبُ الشخصِ سقيَ الماءِ لنفسه أو طلبُه لغيره. وفي الشرع هو طلبُ الشخصِ سقيَ الماءِ من الله سبحانه عند انحباس المطر وحصول القحط على وجهٍ مخصوصٍ من العبادة. وقد ورد ذكر الاستسقاء في كتاب الله عز وجل، قال تعالى {وإذْ اسْتَسْقَىْ مُوْسَىْ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَاً
…
} الآية 60 من سورة البقرة. وقال سبحانه {.. وَأَوْحَيْنَا إلى مُوْسَىْ إذ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَن اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَاً
…
} الآية 160 من سورة الأعراف. ونزول الماء رحمة وانحباسه كثيراً عذاب يعذِّب الله به عباداً خرجوا على الطريقة، أو عصَوْا ولم يتقوا الله سبحانه، قال تعالى {وَأَنْ لَو اسْتَقَامُوْا عَلَى الطَّرِيْقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} الآية 16 من سورة الجن. وقال عز وجل {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَىْ آمَنُوْا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِن السَّمَاءِ وَالأَرْضِ
…
} الآية 96 من سورة الأعراف.
وقد جاء في الحديث النبوي الشريف أنه ما من قوم يمنعون الزكاة إلا مُنِعوا القَطْرَ من السماء، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال «أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين، خمسُ إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن:
…
ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطَروا
…
» رواه ابن ماجة. وقد اتفقت كلمة العلماء والفقهاء على أن صلاة الاستسقاء سنة مستحبة، لا أعلم فقيهاً قال بوجوبها.
والأصل في مشروعيتها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صلَاّها، وصلَاّها معه صحابته رضوان الله عليهم، فعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المُصلَّى، فاستسقى فاستقبل القِبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين» رواه البخاري ومسلم وابن ماجة والنَّسائي وابن خُزَيمة. وعن عبَّاد بن تميم عن عمه قال «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي، قال: فحوَّل إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حوَّل رداءه، ثم صلَّى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة» رواه البخاري ومسلم وأحمد.
وقد شُرعت الجماعةُ في صلاة الاستسقاء، وأن تُصلَّى بدون أذان ولا إقامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال «خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، وصلَّى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا ودعا الله، وحوَّل وجهه نحو القِبلة رافعاً يده، ثم قلب رداءه، فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن» رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والأثرم وابن خُزَيمة.
أما وقت هذه الصلاة، فأي وقت عدا أوقات النهى هو وقتها، ولكن الأفضل تأديتُها في أول النهار كما تُؤدَّى صلاةُ العيدين، فعن عائشة رضي الله عنها قالت «شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبَّر صلى الله عليه وسلم، وحمد الله عز وجل ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبَّان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. ملك يوم الدين. لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أَنْزِل علينا الغيث واجعل ما أنزلتَ لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حوَّل إلى الناس ظهره، وقلب - أو حوَّل - رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين
…
» رواه أبو داود وابن حِبَّان والحاكم. قوله حين بدا حاجب الشمس: أي حين طلعت الشمس. وهذا هو وقت صلاة العيدين.
أما صفة صلاة الاستسقاء فهي ركعتان اثنتان مماثلتان لركعتي الجمعة من حيث التكبير والجهر، فقد مرَّ حديث عبد الله بن زيد عند البخاري وغيره وفيه «
…
وصلى ركعتين» . وكذلك مرَّ حديث عبَّاد بن تميم عن عمه آنفاً عند البخاري وغيره وفيه «ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة» . وعن أبي إسحق «خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري وخرج معه البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم فاستسقى، فقام بهم على رجليه على غير منبر فاستغفر، ثم صلَّى ركعتين يجهر بالقراءة، ولم يؤذن ولم يُقِم، قال أبو إسحق: وروى عبد الله بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم» رواه البخاري. وللعلم فإن عبد الله بن يزيد هو غير عبد الله بن زيد المار ذكره قبل قليل.
وهناك جماعة من الفقهاء يرون أن صلاة الاستسقاء تماثل تماماً صلاة العيدين، وأن فيها سبع تكبيرات في الركعة الأولى وخمساً في الثانية، مستدلين بما رواه ابن عباس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مُتَخَشعاً مُتَضَرِّعاً مُتواضِعاً مُتَبذِّلاً مُتَرسِّلاً، فصلى بالناس ركعتين كما يصلي في العيد، لم يخطب كخطبتكم هذه» رواه أحمد والحاكم والدارقطني وأبو داود والترمذي. قوله متبذِّلاً: أي يلبس لباس العمل. وقوله مترسِّلاً: أي متمهِّلاً غير مستعجل. فقالوا إن قول ابن عباس «كما يصلي في العيد» يفيد أن لصلاة الاستسقاء تكبيرات كتكبيرات العيد، واستدلوا بما رواه طلحة قال «أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سُنة الاستسقاء فقال: سُنَّة الاستسقاء سُنَّة الصلاة في العيدين، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب رداءه، فجعل يمينه على يساره ويساره على يمينه، وصلى ركعتين، وكبَّر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ سبح اسم ربك الأعلى، وقرأ في الثانية هل أتاك حديث الغاشية، وكبَّر فيها خمس تكبيرات» رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي. فنقول لهؤلاء: أما حديث الدارقطني ففيه محمد ابن عبد العزيز قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال النَّسائي: متروك الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. فالحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج فيطرح. وأما حديث أحمد فغير واضح الدلالة على ما ذهبوا إليه، فلا يصلح لتقييد الأحاديث الكثيرة الصحيحة التي أطلقت القول بالركعتين، ويحمل هذا القول من ابن عباس على أنه أراد أن يقول إن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد ركعتان اثنتان، يشهد لهذا الفهم ما جاء في روايةٍ لعبد الرزاق «
…
فدعا وصلَّى كما يصلي في العيد ركعتين» . فصلاة الاستسقاء ركعتان اثنتان عاديتان يُجهر فيهما بالقراءة.
يقف الإمام أمام المصلين مستقبل القِبلة مُولِّياً ظهره إلى الناس، ويُحوِّل ثوبه بحيث يجعل الظاهر باطناً والباطن ظاهراً، والأيمن من الثوب على يساره، والأيسر منه على يمينه، ويحوِّل المصلون ثيابهم، ثم يدعو بما يشاء، ويُكثر من الاستغفار بشكل خاص، وله أن يقتصر عليه، ثم يصلي بالناس ركعتين جهراً دون تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، حتى إذا سلَّم وقضى صلاته صعد المنبر وخطب الناس خطبة مناسبة ثم نزل، وإذا دعا رفع يديه كثيراً، وأشار بظهر كفيه إلى السماء، وجعل البطون مما يلي الأرض.
ومن السُّنَّة أن تُؤدَّى هذه الصلاة في المُصلَّى، أي خارج بيوت البلد، وأن يُؤتَى لها بمنبر يقف عليه الإمام في أثناء الخطبة، وأن يخرج المصلُّون إلى المُصلَّى بخشوع وهدوء وتضرُّعٍ غير متجمِّلين باللباس، وفي كل ذلك وردت أحاديث نذكر منها ما يلي:
1-
عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصةٌ له سوداءُ، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فثقُلت عليه، فقلبها عليه الأيمنَ على الأيسر والأيسرَ على الأيمن» رواه أحمد وأبو داود والبيهقي. قوله خميصة: أي كساءٌ أسودُ ثخين.
2-
عن عبَّاد بن تميم عن عمِّه عبد الله بن زيد قال «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي وحوَّل رداءه» رواه البخاري. وفي رواية أخرى للبخاري ومسلم من الطريق نفسها بلفظ «فقلب رداءه» .
3-
عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال «قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثرَ المسألة، قال: ثم تحوَّل إلى القِبلة وحوَّل رداءه، فقلبه ظهراً لبطن، وتحوَّل الناس معه» رواه أحمد.
4-
وقد مرَّ قبل قليل حديث ابن عباس رضي الله عنه عند أحمد وغيره وفيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مُتخشِّعاً مُتضرِّعاً متواضعاً مُتَبَذِّلاً مُتَرَسِّلاً
…
» . وجاء في رواية النَّسائي «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذِّلاً متواضعاً متضرِّعاً، فجلس على المنبر
…
» .
5-
ومرَّ حديث عائشة رضي الله عنها عند أبي داود وغيره «
…
فأمر بمنبرٍ فوُضع له في المُصلَّى
…
» .
6-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في الاستسقاء، وأنه يرفع حتى يُرى بياضُ إبطيه» رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنَّسائي.
7-
وعنه رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء» رواه أحمد ومسلم والبيهقي.
8-
وعنه رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي هكذا، يعني ومدَّ يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرض، حتى رأيت بياض إبطيه» رواه أبو داود.
9-
عن عبَّاد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى القِبلة يدعو، وحوَّل رداءه، ثم صلَّى ركعتين جهر فيهما بالقراءة» رواه البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والنَّسائي.
10-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، وصلَّى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا ودعا الله، وحوَّل وجهه نحو القِبلة رافعاً يده، ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن» رواه أحمد وغيره. وقد مرَّ قبل قليل.
11-
عن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه قال «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المُصلَّى واستسقى، وحوَّل رداءه حين استقبل، قال إسحق في حديثه: وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم استقبل القِبلة فدعا» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنَّسائي والبيهقي.
12-
عن الشعبي قال «خرج عمر بن الخطاب يستسقي بالناس، فما زاد على الاستغفار حتى رجع، فقالوا: يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت، قال: لقد طلبتُ المطر بمجاديح السماء التي تستنزل بها المطر {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوْا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارَاً. يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارَاً. وَيُمْدِدِْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِيْنَ} {اسْتَغْفِرُوْا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوْبُوْا إليهِ يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارَاً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} » رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور. قوله مجاديح السماء: أي الأنواء الدالة على المطر، شبه الاستغفار بها.
والاستسقاء الذي معناه طلب سقي الماء من الله سبحانه، كما يكون بالصلاة المخصوصة، فإنه يكون بالدعاء فقط دون صلاةٍ خاصة به، فقد يُقتصَر في الاستسقاء على مجرد الدعاء والاستغفار فحسب، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه «فما زاد على الاستغفار حتى رجع» . بمعنى أن عمر اقتصر في الاستسقاء على الاستغفار ولم يصلِّ، بدلالة رواية أخرى عند عبد الرزاق بلفظ «أن عمر بن الخطاب خرج بالناس إلى المُصلَّى، ودعا واستغفر ثم نزل، فانقلب ولم يُصلِّ» . وستأتي بعد قليل أحاديث تذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو يستسقي دون صلاة.
وقد يستسقي الإمام بالدعاء فحسب في أثناء خطبة الجمعة دون صلاة استسقاء، فعن أنس رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام الناس فصاحوا فقالوا: يا رسول الله قحط المطر واحمرَّت الشجر وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا، فقال: اللهم اسقنا، مرتين، وايمُ اللهِ ما نرى في السماء قَزَعَةً من سحاب، فنشأت سحابةٌ فأمطرت، ونزل عن المنبر فصلى، فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، صاحوا إليه: تهدمت البيوت وانقطعت السبل فأدع الله يحبسها عنا، فتبسَّم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، فكَشَطَت المدينةُ، فجعلت تمطر حولها ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرتُ إلى المدينة، وإنها لفي مثل الإكليل» رواه البخاري ومسلم وابن خُزَيمة وابن حِبَّان والنَّسائي. وفي رواية أخرى عند البخاري من طريق أنس رضي الله عنه «
…
فادع الله أن يُغيثنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا
…
» . وستأتي. وفي رواية ثالثة عند البخاري بلفظ «اللهم أغِثْنا
…
» . ويجوز طبعاً أن يكون الدعاء عقب الصلوات المفروضات، لأن ذلك أرجى للاستجابة.
ومن الأدعية المأثورة في الاستسقاء ما يلي:
أ- اللهم اسقِ عبادَك وبهائمَك وانشرْ رحمتَك وأَحْيِ بلدَك الميت.
ب- اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً مَريئاً طَبَقَاً مُريعاً غَدَقاً عاجلاً غير رائث.
ج- اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً مَريئاً مُريعاً نافعاً غير ضارٍّ عاجلاً غير آجل.
1-
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأَحْيِ بلدك الميت» رواه أبو داود. ورواه مالك وعبد الرزاق دون أن يذكرا في السند عن أبيه عن جده.
2-
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع، ولا يَخْطِرُ لهم فحلٌ، فصعد المنبر فحمد الله ثم قال: اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً مَريئاً طَبَقاً مُريعاً غَدَقاً عاجلاً غير رائث، ثم نزل، فما يأتيه أحدٌ من وجه من الوجوه إلا قالوا: قد أُحْيِينا» . قوله مَريئاً: أي طيباً. وقوله طَبَقاً: أي مُغطِّياً الأرض كثيراً. وقوله مريعاً - بضم أوله وفتحه - أي يجلب الخصب والنَّماء. وقوله غَدَقاً: أي غزيراً كبير القطرات. وقوله رائث: أي آجل. وقوله ما يتزود لهم راعٍ: أي لا يخرج لهم راعٍ لرعي المواشي لعدم وجود مراع ذات أعشاب من انحباس المطر. وقوله لا يَخْطِر لهم فحل: أي لا يحرِّك لهم ذَكَرُ الجِمال ذنبَه يمنة ويسرة لشدة ضعفه من الجوع.
3-
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال «أتت النبيَّ بواكي فقال: اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً مَريئاً مُريعاً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، قال: فأطبقت عليهم السماء» رواه أبو داود وابن خُزَيمة. قوله بواكي: أي نساء يبكين من شدة الجدب.
فإذا أنعم الله سبحانه على المسلمين بالغيث ونزل المطر، استُحِبَّ لهم أن يقولوا [اللهم صَيِّباً نافعاً] فعن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل المطر قال: اللهم صيِّباً نافعاً» رواه البخاري وأحمد والنَّسائي. قوله صيِّباً: أي مطراً أو غيثاً.
فإذا اشتد نزول المطر حتى يتأذى منه الناس استُحِبَّ أن يقولوا [اللهم حوالينا ولا علينا] أو يقولوه ويزيدوا عليه [اللهم على الآكام والجبال والآجام والظِّراب والأودية ومنابت الشجر] . وليست هذه الألفاظ بلازمةٍ في الدعاء، فللمسلم أن يقول مثلاً [اللهم على التلال والجبال والمزارع والأودية والمراعي
…
] إلخ. فقد مرَّ حديث أنس رضي الله عنه عند البخاري ومسلم وغيرهما وجاء فيه «
…
صاحوا إليه: تهدَّمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله يحبسها عنا، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، فكَشَطَت المدينةُ فجعلت تمطر حولها ولا تمطر بالمدينة قطرة
…
» . وعن أنس رضي الله عنه «أن رجلاً دخل يوم الجمعة من بابٍ كان وُجاه المنبر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قَزَعَة ولا شيئاً، وما بيننا وبين سَلْعٍ من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس ستاً، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يُمْسِكَها، قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والظِّراب والأودية ومنابت الشجر، قال فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس» رواه البخاري. قوله وجاه المنبر - بضم أوله وكسره - أي قُبالة المنبر. وقوله في المرة الأولى [وانقطعت السبل] وفي رواية [تقطَّعت السبل] يعني أن الإبل