الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما سُنَّة العشاء الملحقة بالرواتب فهي ركعتان اثنتان، أو رَكَعاتٌ أربعٌ تضاف إلى ركعتي العشاء البعديتين الراتبتين المُؤَكَّدتين، فعن شُريح بن هاني قال «سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: لم تكن صلاةٌ أخرى أن يؤخِّرها إذا كان على حديث من صلاة العشاء الآخرة، وما صلاها قط فدخل عليَّ إلا صلى بعدها أربعاً أو ستاً
…
» رواه أحمد والنَّسائي وأبو داود. قوله أربعاً أو ستاً: أي يشمل الراتبتين والسُّنة الملحقة.
هذه هي السُّنن الملحقة بالسنن الراتبة المؤكدة، أعلاها وأولاها بالالتزام ركعتان قبل الظهر، فيصلي المسلم أربع ركعات قبلية للظهر، وأدناها ركعتان قبل المغرب، ومجموعها أربع عشرة ركعة في اليوم والليلة.
قضاءُ السنن الراتبة والسنن الملحقة بها
يُشرع قضاء السنن الراتبة والسنن الملحقة بها إن هي فاتت بنوم أو نسيان أو انشغال فلم تُصلَّ في أوقاتها، وقد وردت عدة نصوص في هذا الباب، وباستعراض هذه النصوص نجد جملة من الأحاديث الشريفة تنص على وقائع عدة من قضاء السنن هذه، وهذه الوقائع ليست للحصر وإنما هي لمجرد التنصيص على أفرادٍ منها فحسب، فينسحب الحكم المستنبط منها على جميع هذه السنن، ولا يُوقف الحكم هذا على الأفراد المنصوص عليها فحسب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يصلِّ ركعتي الفجر فلْيُصَلِّهما بعدما تطلع الشمس» رواه الترمذي وابن حِبَّان. وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم نام عن ركعتي الفجر فصلاها بعدما طلعت الشمس» رواه ابن حِبَّان. وعن ابن أبي مريم رضي الله عنه قال «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأسرينا ليلة، فلما كان في وجه الصبح نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام ونام الناس، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت علينا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن فأذن، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، ثم أمره فأقام، فصلى بالناس» رواه النَّسائي. وفي رواية للنَّسائي من طريق نافع بن جبير عن أبيه بلفظ «.. فضُرب على آذانهم حتى أيقظهم حرُّ الشمس فقاموا، فقال: توضأوا، ثم أذن بلال فصلى ركعتين، وصلوا ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر» . فهذه نصوص في قضاء سُنَّة الفجر الراتبة.
وعن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعاً قبل الظهر صلاهن بعدها» رواه الترمذي. وعنها رضي الله عنها أنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الركعتين بعد الظهر» رواه ابن ماجة وابن أبي شيبة. فهذان نصَّان في قضاء سنة الظهر القبلية الراتبة منها والملحقة، لأن الراتبة ركعتان والملحقة ركعتان، فهما أربع ركعات.
وقد مرَّ معنا في بحث [السنن الراتبة المؤكدة] في هذا الفصل حديث كُرَيب عند البخاري ومسلم والدارمي وأبي داود وجاء فيه «وإنه أتاني ناسٌ من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان» . كما مرَّ في البحث نفسه حديث عبد الله بن أبي قيس عند أحمد والنَّسائي وجاء فيه «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الظهر فشُغِل عنهما حتى صلى العصر، فلما فرغ ركعهما في بيتي» . كما مرٌَّ في البحث نفسه حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عند أحمد وجاء فيه «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وقد أُتِيَ بمالٍ، فقعد يقسمه حتى أتاه المؤذن بالعصر، فصلى العصر ثم انصرف إلىَّ وكان يَومي، فركع ركعتين خفيفتين، فقلنا: ما هاتان الركعتان يا رسول الله، أمرت بهما؟ قال: لا، ولكنهما ركعتان كنتُ أركعهما بعد الظهر، فشغلني قَسْمُ هذا المال حتى جاءني المؤذن بالعصر فكرهتُ أن أدعهما» . فهذه نصوص ثلاثة في قضاء سُنَّة الظهر الراتبة البعدية.
وقد مرَّ في بحث [السنن الراتبة المؤكدة] في هذا الفصل حديث أبي سلمة - بن عبد الرحمن - عند مسلم والنَّسائي وجاء فيه «كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شُغِل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر» . فهذا نصٌ في قضاء سُنَّة العصر القبلية. وكما سبق وقلنا فإن النصوص قد ذكرت وقائع من قضاء السنن الراتبة والملحقة، وهي ليست للحصر، وإنما تدل على مشروعية قضاء السنن الراتبة كلها، والسنن الملحقة بها كلها.
أما متى تُقضى هذه السنن، فإن جميع الأوقات تصلح لقضاء السنن، لا فرق بين أوقات الكراهة وغيرها، فقد مرَّ قبل قليل حديث كُرَيب، وحديث عبد الله بن أبي قيس، وحديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وكلها تدل على قضاء سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر، وكذلك حديث أبي سلمة، فإنه يدل على قضاء السنة قبل العصر بعد صلاة العصر، والصلاة بعد العصر منهيٌّ عنها للأحاديث التي أوردناها في بحث [السنن الراتبة المؤكدة] في هذا الفصل عند الحديث على سُنَّة العصر الراتبة. وروى قيس - بن عمرو رضي الله عنه «أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح، ثم قام يصلي ركعتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هاتان الركعتان؟ فقال: يا رسول الله ركعتا الفجر لم أكن صليتهما فَهُما هاتان، قال، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم» رواه ابن خُزَيمة والحاكم والبيهقي. ورواه ابن حِبَّان بلفظ «.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فلم ينكر ذلك عليه» . فهذا الحديث يدل على جواز قضاء سُنَّة الفجر في وقت الكراهة، وهو الوقت الذي يعقب صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وترتفع. فالصلاة عقب صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وترتفع منهيٌّ عنها للأحاديث الواردة في بحث [السنن الراتبة المؤكدة] في هذا الفصل عند الحديث على سُنَّة العصر الراتبة، ولكن الكراهية في أداء الصلاة في أوقات النهي إنما هي خاصة بصلاة التطوع المطلقة غير المقيدة بوقت أو بسبب أو بغرض خاصٍّ، أما قضاء السنن الراتبة والملحقة بها، وأداء الصلوات ذوات الأسباب والأغراض الخاصَّة، كتحية المسجد وصلاة الكسوف وصلاة الجنازة، وكصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة الاستسقاء، فكلُّ ذلك جائز في أوقات النهي هذه.
أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «مَن نسي ركعتي الفجر فَلْيُصلِّهما إذا طلعت الشمس» رواه ابن خُزَيمة وابن ماجة. ورواه الترمذي بلفظ «مَن لم يُصَلِّ ركعتي الفجر فلْيُصلِّهما بعدما تطلع الشمس» . فإنه لا يتعارض مع حديث قيس عند ابن خُزَيمة المارِّ آنفاً، فقوله ليصلهما إذا طلعت الشمس لا يعني عدم جواز صلاتهما قبل طلوع الشمس، فالأمر بالشئ ليس نهياً عن غيره، هذا أولاً.
وثانياً إن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة سُنَّة الفجر بعد طلوع الشمس يدل على الاستحباب، وأما سكوته عليه الصلاة والسلام على قضاء صلاة سُنَّة الفجر قبل طلوع الشمس فيدل على الإباحة والجواز، فالمسلم يندب له أن يختار لقضاء سُنَّة الفجر الوقت الذي يعقب طلوع الشمس بل وارتفاعها، فإنْ هو تعجَّل فلم ينتظر طلوع الشمس وارتفاعها، وصلاها قبل ذلك أجزأت عنه وجازت له، فلا تعارض بين الحديثين.
وأما الشبهة التي أثارها حديث أم سلمة عند الطحاوي وأحمد والبيهقي وابن حِبَّان الذي سنورده الآن، وهي عدم مشروعة قضاء السنن والنوافل في أوقات النهي، فهي شبهة ضعيفة لا تصمد أمام الأحاديث الكثيرة القاضية بجواز قضاء السنن والنوافل في أوقات النهي، فالحديث يقول: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله صليتَ صلاة لم تكن تصليها، قال: قدم عليَّ مال فشغلني عن ركعتين كنت أُصليهما بعد الظهر فصليتهما الآن، قلت: يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا» رواه الطحاوي وأحمد والبيهقي. ورواه ابن حِبَّان ولفظه «
…
شغلني عن ركعتين كنت أركعهما قبل العصر
…
» . فأولاً: هذه الرواية ضعَّفها البيهقي فلا تصمد أمام الأحاديث الصحيحة والحسنة القائلة بمشروعية قضاء السنن، ولا تقوى على معارضتها. وثانياً: على فرض قبول هذه الرواية من حيث السند فإن قوله «أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا» يُفسَّر بنفي الأمر بالقضاء، فكأن أم سلمة رضي الله عنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم: هل تأمرنا بالقضاء؟ فقال: لا. ولا يفيد هذا النص نفي مشروعية القضاء. يشهد لهذا الفهم ما أخرجه الطحاوي نفسه «أن معاوية أرسل إلى أم سلمة يسألها عن الركعتين اللتين ركعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر، فقالت: نعم، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي ركعتين بعد العصر، فقلتُ: أمرتَ بهما؟ قال: لا، ولكني كنت أُصليهما بعد الظهر فشُغلتُ عنهما فصليتهما الآن» . والأحاديث يفسر بعضها بعضاً، وهذا الحديث يفسر الحديث الذي قبله لا سيما وأنهما في موضوع واحد ومن قِبَلِ راو واحدٍ هو أم سلمة رضي الله عنها.