الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا يظهر أن هذه الأحاديث الثلاثة لا يُستدلُّ بها على وجود السنن الراتبة المؤكَّدة في السفر. وبناء على ما سبق فإنا نقول إنه لا سنن راتبة في حالة السفر، وإنما نوافل وسنن غير راتبة، أظهرها ركعتان قبل صلاة الصبح، فقد كثرت الأحاديث التي تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليهما في السفر، ولولا أنه عليه الصلاة والسلام قد روي عنه في الحديث الصحيح السابق أنه ترك السنن الراتبة كلها، ومنها هاتان الركعتان، لأثبتناهما في السفر كما هما في الحضر، ولكنَّ تركَه عليه الصلاة والسلام للسنن الراتبة كلها ومنها ركعتا الفجر في السفر يحول دون اعتبار هاتين الركعتين سنة راتبة مؤكدة، فلا مناص من تعميم الحكم بنفي جميع السنن الراتبة في السفر، واعتبار أن كل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوافل أداها في السفر على الراحلة أو على الأرض إنما هي نوافل مطلقة وتطوُّعٌ غير مقيد.
ج. تحيَّة المسجد
يُندب للمسلم إذا ذهب إلى المسجد أن يصلي لله تعالى ركعتين عند دخول المسجد وقبل أن يجلس، ولا يزيد عن ذلك إلا أن يصلي غير تحية المسجد، فتحيَّة المسجد ركعتان اثنتان فحسب، فقد روى أبو قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا دخل أحدكم المسجد فلْيركع ركعتين قبل أن يجلس» رواه البخاري ومسلم وأحمد. وفي رواية عند البخاري من طريق أبي قتادة أيضاً بلفظ «إذا دخل أحدُكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» . ورواه ابن حِبَّان بلفظ «إذا دخل أحدُكم المسجد فلا يجلس فيه حتى يركع ركعتين» . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال «كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دَيْن فقضاني وزادني، ودخلت عليه المسجد فقال لي: صلِّ ركعتين» رواه مسلم وابن حِبَّان، ورواه البخاري بتقديمٍ وتأخير.
وتُسنُّ تحية المسجد في كل وقت يدخل فيه المسلم المسجد، لا فرق بين أوقات الكراهة وغيرها، ولا بين النهار والليل، فمتى دخل المسجد صلى ركعتين، وحتى في يوم الجمعة وفي أثناء خطبة الجمعة فإن حكم الندب باق ومستمر، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فلْيصلِّ ركعتين» رواه مسلم. ورواه البخاري بلفظ «إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج فلْيصلِّ ركعتين» . وفي هذه الحالة - أعني في أثناء خطبة الجمعة - فإنه يشرع تخفيف هاتين الركعتين والتجوُّز فيهما وعدم إطالتهما، لما رُوي عن جابر رضي الله عنه أنه قال «دخل رجلٌ المسجد والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال له: صلِّ ركعتين خفيفتين قبل أن تجلس» رواه ابن حِبَّان.
نعم إن الأصل هو أن تُصلَّى الركعتان قبل الجلوس، وهذا لا يعني أن مَن دخل المسجد فجلس لسبب أو لآخر لا يُشرعُ له أداء هاتين الركعتين بعد ذلك، فالركعتان هاتان الأصلُ في أدائهما أن يكون قبل الجلوس، ولكنَّ أداءَهما يظلُّ مشروعاً أيضاً عَقِبَ الجلوس، فقد رُوي عن جابر رضي الله عنه أنه قال «جاء سُلَيْكٌ الغَطَفَاني يوم الجمعة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ على المنبر، فقعد سُليك قبل أن يصلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أركعتَ ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فاركعهما» رواه مسلم والطحاوي. وفي رواية عند مسلم وأبي داود بلفظ «عن جابر بن عبد الله قال: جاء سُلَيك الغطَفاني يوم الجمعة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس فقال له: يا سُليك قم فاركع ركعتين وتجوَّز فيهما، ثم قال: إذا جاء أحدكم يومَ الجمعة والإمامُ يخطب فليركع ركعتين ولْيتجوَّز فيهما» . وعنه رضي الله عنه قال «دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصلِّ الركعتين» رواه مسلم والبخاري وأبو داود. قوله قم فصلِّ الركعتين يدل على أن الرجل كان قد جلس قبل أن يؤدي تحية المسجد، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصليهما، أي بعدما كان قد جلس.