الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن القول بالسُّنَّة البعدية لصلاة العصر لم يقل به سوى عائشة وابن الزبير فيما رُوي عنهما من آثار، وقد رأيتم كيف حصل ذلك منهما، ولم يفعلها سوى عليٍّ رضي الله عنه، وقد رأيتم كيف أن عمر رضي الله عنه قد أنكرها عليه، وذكَّره بالنهي عنها.
وأما سُنة المغرب فهي ركعتان راتبتان مؤكدتان تُؤدَّيان عقب صلاة الفريضة كما أسلفنا، ونضيف إلى ما سبق ما رواه أحمد والترمذي من طريق ابن عمر رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد المغرب في بيته» وما رواه ابن ماجة من طريق عائشة رضي الله عنها قالت «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين» .
وأما سُنة العشاء فهي ركعتان راتبتان مؤكدتان تُؤدَّيان عقب صلاة الفريضة كما أسلفنا، ونضيف إلى ما سبق ما رواه أحمد والبخاري ومسلم من طريق ابن عمر رضي الله عنهما «أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العشاء في بيته» . وما رواه أحمد ومسلم والبيهقي من طريق عائشة رضي الله عنها قالت «
…
وكان يصلي بهم العشاء، ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين
…
» طَرَفٌ من حديث طويل.
ب. السُّنن الملحقة بالسنن الراتبة المؤكَّدة
وهي السنن التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بها أحياناً ويتركها أحياناً أخرى، وهذه السنن هي: ركعتان أُخريان قبل الظهر، فيصلي أربعاً قبل الظهر، وركعتان أُخريان بعد الظهر، فيصلي أربعاً بعد الظهر، وركعتان قبل العصر أو أربع ركعات، وركعتان أُخريان أو أربعٌ بعد العشاء، فيصلي أربعاً أو ستَّاً بعد العشاء. وهؤلاء أربع عشرة ركعة في اليوم والليلة. وفي كلٍّ وردت نصوص، فعن قابوس عن أبيه قال «أرسل أبي امرأةً إلى عائشة يسألها أي الصلاة كانت أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يواظب عليها؟ قالت: كان يصلي قبل الظهر أربعاً يطيل فيهن القيام ويحسن فيهن الركوع والسجود، فأما ما لم يكن يدع صحيحاً ولا مريضاً ولا غائباً ولا شاهداً فركعتين قبل الفجر» رواه أحمد والبخاري والنَّسائي وأبو داود والبيهقي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدعُ أربعاً قبل الظهر، وركعتين قبل الفجر على حال» رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي والبخاري ومسلم. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعاً وبعدها ركعتين» رواه الترمذي وابن ماجة. وهو جزء من حديث طويل، وعن عبد الله بن شقيق قال «سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطوُّع فقالت: كان يصلي قبل الظهر أربعاً في بيتي، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، ثم يصلي بهم العشاء، ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين، ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر» رواه ابن خُزَيمة وأحمد ومسلم وأبو داود والنَّسائي.
وقد بلغ من شدة حرصه عليه الصلاة والسلام على هاتين الركعتين الأُخريين قبل صلاة الظهر أنه قلَّما تركهما، حتى إنَّ ابن أبي شيبة روى عن إبراهيم - النخعي - قال «كانوا يَعُدُّون من السُّنَّة أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر، قال إبراهيم: وكانوا يستحبون ركعتين قبل العصر إلا أنهم لم يكونوا يَعُدُّونها من السُّنَّة» . فقد ألحق الركعتين هاتين بالسنن الراتبة المؤكدة، لأن هذا هو ما كان يعنيه بقوله (يعُدُّون من السُّنَّة) .
وكما قلنا إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص من السنن الراتبة المؤكدة على ركعتي الفجر، فإنا نقول كذلك إنه عليه الصلاة والسلام كان شديد الحرص من السنن الملحقة على ركعتي الظهر هاتين، ولولا أنه ثبت بالنصوص التي أوردناها سابقاً أنه عليه الصلاة والسلام حصل منه أنْ صلى قبل الظهر ركعتين اثنتين فقط لأدخلنا هاتين الركعتين في السنن الراتبة المؤكدة.
وقد ذكرت النصوص أن لهاتين الركعتين فضلاً عظيماً لا ينازعهما فيه أية سُنة أخرى من السنن الملحقة، فعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى في يومٍ وليلةٍ ثِنتي عشرةَ ركعةً بُنِي له بيتٌ في الجنة: أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر صلاة الغداة» رواه الترمذي. وروى ابن حِبَّان وابن خُزيمة والحاكم عنها رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من صلى ثِنتي عشرةَ ركعةً في اليوم بنى الله له بيتاً في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعد الظهر، وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين قبل الصبح» . ورواه النَّسائي وقيَّده بقوله «سوى المكتوبة» . وجاء هذا القيد صريحاً فيما رواه مسلم وأحمد وأبو داود وابن خُزَيمة وابن حِبَّان بلفظ «ما من عبدٍ مسلم يصلي لله كل يوم ثِنتي عشرةَ ركعةً تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة، أو إلا بُنِي له بيتٌ في الجنة» . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ثابر على ثِنتي عشرةَ ركعةً من السُّنة بُني له بيت في الجنة: أربعٍ قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر» رواه ابن ماجة والنَّسائي وابن أبي شيبة. فإذا علمنا أن السنن الراتبة عشرٌ، وأن بناء بيت في الجنة يكون بالمثابرة على اثنتي عشرة ركعة من السنن، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكمل السنن الراتبة العشر بركعتي الظهر هاتين دون سواهما من السُّنن الملحقة، أدركنا ما لهاتين الركعتين من فضل.
وأما الركعتان الأُخريان بعد الظهر فقد ورد فيهما قول أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم «أن حبيبها أبا القاسم صلى الله عليه وسلم أخبرها قال: ما من عبدٍ مؤمنٍ يصلي أربع ركعات بعد الظهر فتمسَّ وجهَه النارُ أبداً إن شاء الله عز وجل» رواه النَّسائي. وورد فيهما وفي الركعتين الأُخريين قبل الظهر قول أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها حرَّم الله لحمه على النار» رواه أحمد وابن ماجة والنَّسائي وابن أبي شيبة. وجاء في رواية عند أبي داود والترمذي وابن خُزَيمة من طريق أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لفظ «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربعٍ بعدها حُرِّم على النار» . وحتى يُفهم النَّصَّان جيداً أقول: إن السُّنة الراتبة للظهر هي ركعتان اثنتان قبلها، وركعتان أُخريان بعدها، فعندما تقول الأحاديث: أربعاً قبل الظهر، فإن معنى ذلك أن ركعتين أُخريين قد جُمِعتا مع الراتبتين فصار العدد أربعاً، وقل مثل ذلك بخصوص السُنَّة البعدية للظهر، فعندما تذكر الأحاديث فضل الركعات الأربع فإن معنى ذلك أن الفضل يشمل الركعتين الأُخريين، بل إن الفضل ما كان ليكون لولاهما.
أما هؤلاء الركعات الأربع القبلية منها والبعدية، فإنها تُصلى مَثنى مَثنى، أي ركعتين ركعتين، فقد روى ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «صلاة الليل والنهار مَثنى مَثنى» رواه ابن خُزَيمة وأبو داود والدارمي وابن حِبَّان. وأشار إليه البخاري في صحيحه. وسيأتي بعد قليل حديث يفيد أن الركعات الأربع التي تُصلَّى قبل العصر يفصل بينهن تسليم، فهؤلاء كأولئك.
وأما سُنَّة العصر الملحقة بالرواتب المؤكدة فهي ركعتان أو أربع، فمن شاء صلى ركعتين، ومن شاء صلى أربعاً، وتُؤدَّى هذه السُّنة قبل صلاة العصر وليس بعدها، فعن عبد الله بن شقيق قال «سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان يصلي أربعاً قبل الظهر وثنتين بعدها، وثنتين قبل العصر، وثنتين بعد المغرب، وثنتين بعد العشاء، ثم يصلي من الليل تسعاً
…
» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والبيهقي. وعن علي رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين» رواه أبوداود. وروى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن خُزَيمة وابن حِبَّان. وعن علي رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر أربعاً، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم
…
» رواه أحمد. وهو من حديث طويل. ورواه النَّسائي وابن ماجة. ورواه الترمذي ولفظه «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقرَّبين، ومَن تبعهم من المسلمين والمؤمنين» .
وقد أشكل هذا الحديث الذي يذكر التسليم على العديد من الفقهاء، فقال ناسٌ منهم إن التسليم المذكور في الحديث يعني التسليم الوارد في التَّشهُّد ولا يعني تسليم التَّحلُّل من الصلاة. وقال الآخرون بل هو التسليم الذي يتحلل به المصلي من صلاته. وهو الصحيح، يشهد له قوله عليه الصلاة والسلام «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» . وقد مرَّ قبل قليل.
أما الحديث الذي رواه أبو أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أربعٌ قبل الظهر ليس فيهن تسليم تُفتَح لهن أبواب السماء» رواه أبو داود وأحمد - وهو يدل على أنَّ الأربع ركعات لا يفصل بينهن تسليم - فإن هذا الحديث في سنده عبيدة، قال أبو داود (عبيدة ضعيف) . فيردُّ ولا يصلح للاستدلال. وكما سبق وقلت فقد وردت للعصر سُنَّة قبلية ملحقة بالسنن الراتبة المؤكدة، هي ركعتان أو أربع ركعات، وأنت بالخيار بين الاثنتين والأربع.
وأما سُنَّة المغرب فهي ركعتان قبل الصلاة المفروضة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال «كان المؤذِّن إذا أذَّن قام ناسٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري، حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك، يصلُّون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شئ» رواه البخاري ومسلم والنَّسائي وابن حِبَّان. ورواه أحمد ولفظه «.. ولم يكن بين الأذان صلى الله عليه وسلم -والإقامة إلا قريب» أي فترة قصيرة. وعن مختار بن فلفل قال «سألت أنس بن مالك عن التطوُّعِ بعد العصر فقال: كان عمر يضرب الأيدي على صلاةٍ بعد العصر، وكنا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا» رواه مسلم وأبو داود. وعن عبد الله المُزَني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «صلوا قبل صلاة المغرب، قال في الثالثة: لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سُنَّة» رواه البخاري وأبو داود. ورواه أحمد ولفظه «صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال عند الثالثة: لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سُنَّة» . وهذه السُّنَّة لم يُعرف أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاها يوماً، لذا فإنها تصنَّف في أدنى الدرجات بالنسبة للسنن الملحقة بالرواتب المؤكدة.