المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قلنا من قبل إن تحية المسجد سُنَّة مندوبة وليست فرضاً - الجامع لأحكام الصلاة - محمود عويضة - جـ ٣

[محمود عبد اللطيف عويضة]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الحادي عشرصلاة التطوُّع أو صلاة النّفْل

- ‌فضل صلاة التطوع وأصنافها

- ‌أ. السُّنَنُ الراتبة المؤكدة

- ‌ب. السُّنن الملحقة بالسنن الراتبة المؤكَّدة

- ‌قضاءُ السنن الراتبة والسنن الملحقة بها

- ‌صلاة الرواتب في السفر

- ‌ج. تحيَّة المسجد

- ‌د. الوتر

- ‌القنوت في الوتر وفي الصلاة المكتوبة

- ‌هـ. صلاة التراويح

- ‌و. قيام الليل

- ‌ز. صلاة الضُّحى

- ‌ح. صلاة الكسوف

- ‌ط. صلاة الاستسقاء

- ‌ي. صلاة التسابيح

- ‌ك. صلاة الاستخارة

- ‌ل. سجدة التلاوة

- ‌م. سجدة الشكر وصلاة الشكر

- ‌ن. الصلاة بعد الفراغ من الطواف عند المقام

- ‌س. الصلاةُ عَقِبَ الأذان

- ‌ع. الصلاةُ عَقِبَ الوضوء

- ‌الأوقاتُ المنهيُّ عن الصلاة فيها

- ‌أحكامٌ عامة لصلاة التطوُّع

- ‌1- في صلاة الفريضة لا يجوز الجلوس ولا الاضطجاع إلا من ضرورة

- ‌2 - إذا كان المسلم في المسجد فأقيمت الصلاة المفروضة

- ‌3 - الصلاة المكتوبة الأصل فيها أن تُؤدَّى في المساجد جماعة

- ‌4 - وكما يجوز أن تصلَّى النافلةُ انفرادياً فإنه يجوز أن تصلَّى جماعةً

- ‌الفصل الثاني عشرصلاة الجماعة

- ‌حكم صلاة الجماعة وفضلها

- ‌صلاة النساء

- ‌الإمام يصلي صلاة خفيفة

- ‌متابعة المأموم للإمام

- ‌تنعقد الجماعة بإمام ومأموم واحد

- ‌مفارقةُ الإمام

- ‌الصلاةُ جماعةً في المسجد مرتين

- ‌المسبوق يدخل في الصلاة على الحال التي عليها الإمام

- ‌خروج المُحْدِث من الصلاة

- ‌أ. صفة الأئمَّةالأحقُّ بالإمامة

- ‌إِمامة الأعمى

- ‌إمامة الصبي

- ‌إمامة المرأة

- ‌اقتداء المقيم بالمسافر وبالعكس

- ‌اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس

- ‌الإمام يصلي جالساً

- ‌صلاة الإمام المخلّ بشروط الصلاة

- ‌الإمام يستخلف في صلاته

- ‌الإمام يكرهه المصلون

- ‌موقف الصبيان والنساء

- ‌صلاة الرجل وحده خلف الصفوف

- ‌أين يقف الإمام من المأمومين

الفصل: قلنا من قبل إن تحية المسجد سُنَّة مندوبة وليست فرضاً

قلنا من قبل إن تحية المسجد سُنَّة مندوبة وليست فرضاً خلافاً لما توهمه بعضُهم من النصوص التي تحث كثيراً وتشدد على أدائها، فالطحاوي وأبو داود قد أخرجا حديثاً من طريق عبد الله بن بُسر رضي الله عنه قال «جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيتَ وآنيتَ» . قوله آنيتَ: أي تأخرتَ في المجئ. وقد قيد أبو داود قدوم الرجل بأنه كان في أثناء خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «فجاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت» . بدون قوله (آنيت) ، فلو كانت تحية المسجد واجبة لأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدائها ولم يأمره بالجلوس.

وقلنا من قبل إن تحية المسجد تُسَنُّ في كل وقت يدخل فيه المسلم المسجد، لا فرق بين أوقات الكراهة وغيرها، ولا بين الليل والنهار، ونقول هنا باستثناء حالة جاءت بها النصوص هي حالةُ ما إذا دخل المسلم المسجد، فوجد الصلاة المكتوبة قائمة، فعندها لا تُشرع تحية المسجد، ويدخل المسلم في الصلاة المكتوبة فوراً، وذلك لما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاةَ إلا المكتوبة» رواه ابن حِبَّان ومسلم وابن خُزَيمة، ورواه أصحاب السنن.

أما بخصوص صلاة العيدين، وما جاء من عدم التَّنفُّل قبلها، فإن ذلك خاص بما إذا صُلِّيت صلاةُ العيدين في المصلى، أي خارج البيوت والمدن، لأن المُصَلَّى ليس مسجداً، فلا تحيةَ له، أما إن صُلِّيت صلاةُ العيدين في المسجد فلْيصلِّ المسلم تحية المسجد، لأن حكمها عام يشمل العيدين وغيرهما.

‌د. الوتر

ص: 34

الوتر هو الصنف الرابع من أصناف صلاة التطوع، بمعنى أن الوتر مندوب مستحب فحسب، وليس فرضاً ولا واجباً، فقد روى ابن محيريز «أن رجلاً من بني كِنانة يدعى المُخْدِجِيَّ سمع رجلاً بالشام يُدعى أبا محمد يقول إن الوتر واجب، قال المُخْدِجِيُّ: فَرُحت إلى عُبادة بن الصامت فأخبرتُه، فقال عُبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمسُ صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيِّع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة» رواه أبو داود وأحمد والنَّسائي وابن ماجة ومالك. وقد مرَّ طرف منه في بحث [حكم الصلاة المكتوبة] فصل [الصلاة: حكمها ومواقيتها] . وعن عليٍّ رضي الله عنه قال «الوتر ليس بحَتْمٍ كهيئة الصلاة المكتوبة، ولكنْ سُنة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه الترمذي وأحمد والنَّسائي والحاكم. وعن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال «الوتر أمرٌ حسنٌ عمل به النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده وليس بواجب» رواه الحاكم والبيهقي. ودلالة هذه الأحاديث واضحة، وأيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته» رواه البخاري. ورواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن خُزيمة بلفظ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبِّح على الراحلة قِبَل أي وجه توجَّه، ويوتِر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة» . فلولا أن الوتر مندوب وليس فرضاً لما أوتر عليه الصلاة والسلام على راحلته، وعن ابن عباس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن قال: إنك تقْدَم على قومٍ أهلِ كتاب، فليكن أولَ ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله

ص: 35

فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم

» رواه البخاري ومسلم. ورواه ابن حِبَّان وقال عقب ذلك (.. كان بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن قبل خروجه من الدنيا بأيام يسيرة، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، ولو كان الوتر فرضاً أو شيئاً زاده الله جلَّ وعلا للناس على صلواتهم كما زعم من جهل صناعة الحديث ولم يميِّز بين صحيحها وسقيمها، لأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل أن يخبرهم أن الله جلَّ وعلا فرض عليهم ستَ صلوات لا خمساً، ففيما وصفنا أبين البيان بأن الوتر ليس بفرض، وبالله التوفيق) .

ولكن هناك أحاديث تُوهم بوجوب صلاة الوتر، نذكرها أولاً ثم نناقشها:

أ - عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية «أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قدم الشام وأهل الشام لا يُوترون، فقال لمعاوية: ما لي أرى أهل الشام لا يوترون؟ فقال معاوية: وواجبٌ ذلك عليهم؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: زادني ربي عز وجل صلاة وهي الوتر، ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» رواه أحمد.

ب - عن نافع «سأل رجلٌ ابن عمر عن الوتر أواجب هو؟ فقال: أوتَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون» . ومن طريق ثانية «قال رجل لابن عمر: أرأيت الوتر أسنَّة هو؟ قال: ما سُنَّة؟ أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون، قال: لا أسنَّةٌ هو؟ قال: مَهْ أتعقل؟ أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون» رواهما أحمد وابن عبد البَر.

ج - عن بُرَيدة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا، قالها ثلاثاً» رواه أحمد وأبو داود والحاكم.

ص: 36

د - عن أبي أيوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الوتر حق، فمن أحبَّ أن يوتر بخمس فليوتر، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليوتر، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر، ومن شقَّ عليه ذلك فليُومئ إيماء» رواه ابن حِبَّان والبيهقي، ورواه أبو داود باختلاف في اللفظ.

هـ- عن ابن عباس قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ثلاثٌ هنَّ عليَّ فرائض وهنَّ لكم تطوُّعٌ: الوتر والنحر وصلاة الضحى» رواه أحمد والبيهقي والحاكم والدارقطني.

ص: 37

الحديث الأول في سنده عبيد الله بن زحر ضعيف، ضعفه الهيثمي وابن معين وابن المديني والدارقطني، وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال الهيثمي (ومعاوية لم يتأمَّر في زمن معاذ) . فالحديث لا يصلح للاحتجاج. والحديث الثاني لا يفيد وجوب الوتر، فامتناع ابن عمر عن إجابة السائل واكتفاؤه بتكرار فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين لا يدل على الوجوب، ويبدو لي أن ابن عمر خشي إن هو قال إن الوتر سنة أن يؤدي ذلك إلى تفريط الناس به، فاكتفى بترديد فِعل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين علَّ السامع يقتدي بفعلهم، وهذا على فرض أن الحديث صالح للاحتجاج، وإلا فإن العراقي قد ذكر الحديث هذا ضمن الأحاديث الضعيفة، وقل مثل ذلك بخصوص الحديث الثالث، فهو أيضاً ضعيف عند العراقي، وعلى فرض صلاحه للاحتجاج فإن لفظَهُ «الوتر حق» وارد في الحديث الرابع. فأقول: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم «الوتر حق» لا يفيد الوجوب الشرعي بالضرورة، فكما أن الواجب حق، فإن المندوب أو السنّة أيضاً حق، فكلمة حق هنا تعني أنه ثابت مشروع، وهذا اللفظ لا يعدو كونه يفيد الحث على صلاة الوتر، ولا يفيد أكثر من ذلك. أما الحديث الخامس ففي سنده أبو جناب الكلبي - يحيى بن أبي حية - ضعيف، ضعَّفه يحيى القطان والعِجلي والجوزجاني وأبو حاتم والنَّسائي والدارقطني والذَّهبي، فلا يصلح للاحتجاج. وهكذا يتبين أنه لا يوجد دليل أو نصٌّ واضح الدلالة على وجوب صلاة الوتر.

ص: 38

وقد حكى الخطابي الإجماع على عدم وجوب الوتر، ويبدو أنه نسي أو كان يجهل رأي أبي حنيفة القائل بوجوب الوتر. قال الشوكاني (وقد ذهب الجمهور إلى أن الوتر غير واجب بل سُنَّة، وخالفهم أبو حنيفة فقال إنه واجب) . وقال ابن المنذر (

وهو قول عوام أهل العلم غير النعمان، فإنه خالفهم وزعم أن الوتر فرض) . قول ابن المنذر عوام أهل العلم غير النعمان: يعني عموم أو عامة أهل العلم باستثناء أبي حنيفة.

وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً على صلاة الوتر، مما يجعل هذه الصلاة تتمتع بفضل عظيم، ويكاد الوتر يعدل في الفضل ركعتي الفجر، أي سُنَّة الصبح، فالحديث الثالث - حديث بُريدة الأسلمي المار قبل قليل - يدل على ما للوتر من فضل. وأيضاً، عن عليٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أهل القرآن أوتروا فإن الله عز وجل وِترٌ يحب الوتر» رواه أحمد وأبو داود. ورواه ابن خُزَيمة وابن ماجة، كلاهما بلفظ «قال علي بن أبي طالب: إن الوتر ليس بحتم ولا كصلاتكم المكتوبة، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر، ثم قال: يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر» . وعن خارجة ابن حُذافة العَدَوي رضي الله عنه قال «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أمدَّكم بصلاة لهي خيرٌ لكم من حُمر النَّعَم، جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر» رواه ابن ماجة والبيهقي والحاكم. قوله حُمر النَّعَم: أي الطائفة من الإبل.

أما وقت الوتر فهو وقت موسَّع، يمتدُّ من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فقد مرَّ قبل لحظات حديث ابن ماجة والبيهقي وفيه «

جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر» . وروى أبو بصرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله زادكم صلاة وهي الوتر، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر

» رواه أحمد والطبراني.

ص: 39

وتأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن قوي على ذلك، فعن مسروق قال «سألتُ عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: مِن كلِّ الليل قد أوتر، مِن أوله وأوسطه، وانتهى وتره حين مات في السَّحَر» رواه ابن ماجة وأحمد ومسلم. ورواه البخاري ولفظه «كلَّ الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السَّحَر» . وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل، ثم أوتر في وسطه ثم أثبت الوتر في هذه الساعة، قال: وذلك عند طلوع الفجر» رواه أحمد. وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من خاف أن لا يقوم من آخِر الليل فليوتر أوَّله، ومن طمع أن يقوم آخِرَه فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخِر الليل مشهودة، وذلك أفضل» رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة. وعن جابر من طريق ثانية عند مسلم «أيكم خاف أن لا يقوم من آخِر الليل فليوتر ثم ليرقد، ومن وثق بقيامٍ من الليل فلْيوتر من آخره، فإن قراءة آخِر الليل محضورة، وذلك أفضل» . وعن أبي قتادة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: متى توتر؟ قال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر: متى توتر؟ قال: آخِرَ الليل، فقال لأبي بكر: أخذ هذا بالحزم، وقال لعمر: أخذ هذا بالقوة» رواه أبو داود والبيهقي والحاكم. وفي رواية وجدها عبد الله بن أحمد بن حنبل بخط أبيه من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر متى توتر؟ قال: أول الليل بعد العَتَمة، قال: فأنت يا عمر؟ قال: آخِر الليل، قال: أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالثِّقة، وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة» . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الوتر ركعة من آخر الليل» رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال «سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم

ص: 40

- عن الوتر فقال: أوتروا قبل الصبح» رواه أحمد ومسلم والترمذي والنَّسائي وابن ماجة.

أما عدد ركعات الوتر فأقلها ركعة واحدة، وأكثرها - مما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - تسعُ ركعات. فالوتر ركعة واحدة، أو ثلاث ركعات، أو خمس ركعات، أو سبع ركعات، أو تسع ركعات. فقد مرَّ قبل قليل حديث مسلم من طريق عبد الله بن عمر رضي الله عنه وفيه «الوتر ركعة من آخر الليل» . وعن أبي مِجْلز قال «سألت ابن عباس رضي الله عنه عن الوتر فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ركعة من آخِر الليل، وسألت ابن عمر رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ركعة من آخر الليل» رواه أحمد ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسلِّم من كل ثِنتين ويوتر بواحدة» رواه ابن ماجة. قوله يسلم من كل ثِنتين: أي أن صلاة الليل ركعتان ركعتان. وعنها رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بواحدة» رواه ابن حِبَّان وابن أبي شيبة. وروى ابن عمر رضي الله عنه «أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاةُ الليل مَثْنى مَثْنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتِر له ما قد صلى» رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي. فهذه أدلة على أن الوتر ركعة واحدة.

ص: 41

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثماني ركعات، ويوتِر بثلاث ويصلي ركعتين - وفي رواية: ويصلي ركعتي الفجر - فلما كبر صار إلى تسع، ستٍّ وثلاثٍ» رواه أحمد والنَّسائي وأبو داود. وعن عائشة رضي الله عنها قالت «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حُسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حُسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً

» رواه مسلم. وعن علي رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث» رواه أحمد. ورواه الترمذي ولفظه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتِر بثلاث، يقرأ فيهن بتسع سور من المُفَصَّل، يقرأ في كل ركعة بثلاث سور، آخرُهن قل هو الله أحد» . وعن ابن عباس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث، بـ سبِّح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد» رواه أحمد والنَّسائي وابن ماجة والترمذي. فهذه أدلة على أن الوتر يكون ثلاث ركعات.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شئ منهن إلا في آخرهن، فإذا أذن المؤذن قام فصلى ركعتين خفيفتين» رواه الترمذي وأحمد وأبو داود والنَّسائي. ورواه مسلم ولفظه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شئ إلا في آخرها» . وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبعٍ وبخمسٍ، لا يفصل بينهن بسلام ولا بكلام» رواه أحمد والنَّسائي وابن ماجة. فهذه أدلة على أن الوتر يكون خمس ركعات.

ص: 42

وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع، حتى إذا بدَّن وكثر لحمه أوتر بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس، فقرأ بـ إذا زلزلت وقل يا أيها الكافرون» رواه أحمد والطبراني. وعن سعد بن هشام بن عامر قال «

قلت يا أم المؤمنين - يقصد عائشة - أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنا نُعدُّ له سواكَه وطَهورَه، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسَّوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلِّم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يُسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبعٍ، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسعٌ يا بُني

» رواه مسلم وأحمد. ورواه النَّسائي ولفظه «.. فلما كبر وضعُف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة، ثم ينهض ولا يسلم فيصلي السابعة ثم يُسلِّم تسليمة

» فهذه أدلة على أن الوتر يكون سبع ركعات ويكون تسع ركعات.

ثم إن هذه الأدلة الدالة على أن الوتر يكون ركعة، ويكون ثلاثاً، ويكون خمساً، ويكون سبعاً، ويكون تسعاً، تدلُّ أيضاً على أن الوتر مندوب وليس فرضاً، إذ لو كان فرضاً لكان ثابت العدد، فلما جاءت الأدلة بالتخيير في العدد دل ذلك على أنه ليس فرضاً. ثم إن أبا أيوب رضي الله عنه قد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الوتر حق، فمن شاء فليوتر بخمسٍ، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة» رواه ابن حِبَّان والنًّسائي والدارقطني، ورواه الحاكم وصححه. وهذا تخيير واضح في العدد دالٌّ على عدم الوجوب.

ص: 43

أما كيفية صلاة الوتر على اختلاف ركعاته من حيث العدد فهي كما يلي: إنْ كان الوتر ركعة واحدة فالكيفية ظاهرة. وإن كان الوتر ثلاث ركعات صلاها متصلة بتكبيرة إحرام واحدة وقعودٍ واحدٍ في آخرها، يتشهد فيه ويسلِّم، ولا يقعد غيره، فلا يقعد بعد الركعتين. وإن كان الوتر خمس ركعات فكذلك، أي صلاها متصلة بتكبيرة إحرامٍ واحدةٍ وقعودٍ واحدٍ في آخرها يتشهد فيه ويسلم، ولا يقعد غيره، فلا يقعد بعد الركعتين ولا بعد الأربع، أي لا يقعد إلا في آخر الركعة الخامسة فحسب. وإن كان الوتر سبع ركعات صلَاّها متصلة بتكبيرة إحرامٍ واحدة وتشهُّدٍ أول يقعد له في آخر الركعة السادسة، ثم ينهض ليأتي بالسابعة، ثم يقعد في آخرها فيتشهد التشهد الثاني ويسلِّم. وإن كان الوتر تسع ركعات صلَاّها متصلة بتكبيرة إحرامٍ واحدة وتشهُّدٍ أول يقعد له في آخر الثامنة، ثم ينهض ليأتي بالتاسعة، ثم يقعد في آخرها فيتشهد التشهد الثاني ويسلم. فعن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى العشاء دخل المنزل ثم صلى ركعتين، ثم صلى بعدهما ركعتين أطول منهما، ثم أوتر بثلاث لا يفصل فيهن

» رواه أحمد ومسلم. قوله لا يفصل فيهن: يعني أن تُصلى الركعات الثلاث متصلة دون تشهد وتسليم من الركعتين الأوليين. يشهد لهذا ما روته عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسلِّم في ركعتي الوتر» رواه النَّسائي والبيهقي والحاكم. وما رواه أبيُّ بنُ كعب رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ سبح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية بـ قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بـ قل هو الله أحد، ولا يسلِّم إلا في آخرهن، ويقول يعني بعد التسليم: سبحان الملك القدوس ثلاثاً» رواه النَّسائي وابن حِبَّان.

ص: 44

أما إن سلَّم من الركعتين الأوليين ثم صلى ركعة واحدة، فإن الركعتين الأوليين لا تُحتسبان من الوتر، وإنما تُحتسبان من صلاة الليل التي تسبق الوتر، ويكون قد صلى ركعة واحدة من الوتر فحسب، إذ ما دام أن الوتر صلاة، فإن هذه الصلاة لا تُقطع بتسليم، ولا تُؤدَّى إلا بتكبيرة إحرامٍ واحدة وتسليمةٍ واحدة، وإلا لما كانت صلاة واحدة، فعن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدها سبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون، ويقرأ في الوتر بـ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ بربِّ الناس» رواه ابن حِبَّان والحاكم. لاحظ قول عائشة «الركعتين اللتين يوتر بعدها» فهو يدل صراحة على أن الركعتين ليستا من الوتر، وعلى هذا جاء قولها «ويقرأ في الوتر بـ قل هو الله أحد» . فالركعتان إنْ فُصلتا عن الثالثة لم تعودا تُحتسبان من صلاة الوتر، وعلى هذا الفهم تُحمل الأحاديث المروية التي تذكر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر» رواه ابن حِبَّان وأحمد والطبراني من طريق ابن عمر رضي الله عنه. فالشفع هو من صلاة الليل، والوتر يأتي بعدها مفصولاً عنها.

وأيضاً فإن المُصلِّي لا يقعد بعد الركعتين ولا يتشهد التشهد الأول، أي لا يفعل في صلاة الوتر الثلاثية ما يفعل في صلاة المغرب المفروضة، وإنما يجعل صلاة الوتر مختلفة عن صلاة المغرب، وهو ما أمر به الشرع الحنيف، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس أو بسبع، ولا تَشَبَّهوا بصلاة المغرب» رواه ابن حِبَّان والدارقطني. ورواه البيهقي والحاكم وفيه تقديم وتأخير.

ص: 45

وقد جمع ابن حجر بين الأحاديث المُصَرِّحة بثلاث وهذا الحديث الناهي عن الثلاث بأَنْ حَمَل أحاديث النهي على الإيتار بثلاث بتشهُّدين، لمشابهة ذلك لصلاة المغرب، وأحاديث الجواز على الإيتار بثلاث متَّصلةٍ بتشهُّدٍ واحدٍ في آخرها، وقد أحسن بهذا الجمع، فحتى لا يتشابه الوتر والمغرب فإنه لا يجلس في الوتر عقب الركعتين، وإنما يجلس فقط ويتشهد في آخر الثلاث. هذا بخصوص كيفية صلاة الوتر ثلاث ركعات.

وأما بخصوص كيفية صلاة الوتر خمس ركعات، فقد رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شئ إلا في آخرها» رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنَّسائي وأحمد. ورواه ابن حِبَّان ولفظه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر منها بخمسٍ لا يجلس في شئ من الخمس إلا في آخرهن، يجلس ثم يُسلِّم» . وقد مرَّ حديث مسلم قبل قليل. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلامٍ ولا بكلامٍ» رواه أحمد والنسائي وابن ماجة. وقد مرَّ قبل قليل.

ص: 46

وأما بخصوص كيفية صلاة الوتر سبع ركعات، فقد رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت «لما أسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم، صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن

» رواه النَّسائي. ورواه ابن حِبَّان بلفظ «كنا نُعِدُّ له سواكه وطَهوره، فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ثم يصلي سبع ركعات، ولا يجلس فيهن إلا عند السادسة، فيجلس ويذكر الله ويدعو» . ووقع عند النَّسائي لفظ «فلما كبِر وضعُف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة، ثم ينهض ولا يُسلِّم، فيصلي السابعة ثم يسلِّم تسليمة

» . وقد مرَّ قبل قليل، وقد مرَّ أعلاه قبل بضعة أسطر حديث أم سلمة رضي الله عنها عند أحمد والنَّسائي وابن ماجة وفيه «يوتر بسبعٍ وبخمسٍ لا يفصل بينهن بسلام ولا بكلام» .

وأما بخصوص كيفية صلاة الوتر تسع ركعات، فقد روت عائشة رضي الله عنها «

ويُصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلِّم تسليماً يُسْمعُنا

» من حديث مرَّ قبل قليل رواه مسلم وأحمد والنَّسائي. وعنها رضي الله عنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة، فيحمد الله ويذكره ويدعو، ثم ينهض ولا يسلِّم، ثم يصلي التاسعة ويذكر الله ويدعو، ثم يسلم تسليمة يُسمعناه

» رواه ابن حِبَّان.

ص: 47

وأما القراءة في ركعات الوتر، ففي الركعة الأولى سبِّح اسمَ ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية قل يا أيها الكافرون، وفي الركعة الثالثة قل هو الله أحد، وما زاد على ذلك فلْيقرأ ما يشاء من السور، هذا لمن أراد أن يتقيد بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد مرَّ قبل قليل حديث أبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ سبح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية بـ قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بـ قل هو الله أحد، ولا يسلِّم إلا في آخرهن، ويقول، يعني بعد التسليم: سبحان المَلِك القُدُّوس، ثلاثاً» رواه النَّسائي وابن حِبَّان. وعن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بـ سبِّح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال: سُبْحان الملِكِ القُدُّوس، ثلاث مرات، ثم يرفع صوته في الثالثة» رواه أحمد والنَّسائي. ولهما عنه من طريق ثانية «..وكان إذا سلَّم قال: سبحان المَلِك القُدُّوس، يطوِّلها، ثلاثاً» .

فهذه الأحاديث تبين أن القراءة في ركعة الوتر الأولى تكون بـ سبح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية بـ قل يا أيها الكافرون، وفي الركعة الثالثة بـ قل هو الله أحد، وإن زاد فيها المعوذتين فلا بأس، لما رُوي عن عبد العزيز بن جُرَيْج أنه قال «سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: بأي شئ كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يقرأ في الركعة الأولى بـ سبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بـ قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بـ قل هو الله أحد والمعوذتين» رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة والدارقطني.

ص: 48

كما تُبين هذه الأحاديث أن من الهَدْي النبوي أن يقول من يفرغ من صلاة الوتر (سبحان المَلِكِ القُدُّوس، سبحان المَلِكِ القُدُّوس، سبحان المَلِكِ القُدُّوس) يرفع صوته في الثالثة ويمدها مدَّاً.

مرٌَّ معنا في هذا البحث أن وقت الوتر موسَّع، فهو يمتد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وأن الأفضل للوتر أن يكون آخر صلاة الليل عند السَّحَر، ونضيف هنا أن الوتر يُصلَّى مرَّة واحدة في الليلة الواحدة، ولا يُشرع أن يُصلَّى وتران أو أكثر في ليلة واحدة. وللمسلم أن يصلي في الليل شفعاً شفعاً، أي مَثْنى مَثْنى، حتى إذا فرغ من صلاة الليل ختمها بالوتر، وله أن يوتر مبكراً، ثم إن هو أراد التنفُّل بعد ذلك فإن له أن يصلي من النوافل- أعني صلاة الليل - ما يشاء شفعاً شفعاً، أي مَثْنى مَثْنى، ولا يصلي الوتر مرة ثانية عقب ذلك.

ص: 49

أما ما يقوله بعضهم من الإتيان في الحالة الثانية بركعة يشفع بها وتره، ثم يتنفل شفعاً شفعاً، ثم يختم صلاته بالوتر فرأي مرجوح، لأنه في هذه الحالة يكون قد صلى وترين في ليلة واحدة، إضافةً إلى أن إضافةَ ركعةٍ جديدةٍ إلى ركعة سابقة بينهما تسليم وفاصل زمني كبير ليس له دليل من شرع الله يُعتد به، فلا ينبغي القول به. فعن طلق بن علي رضي الله عنه قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا وتران في ليلة» رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي والترمذي وابن حِبَّان. وأما ما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنه «أنه كان إذا سُئِل عن الوتر قال: أما أنا فلو أوترت قبل أن أنام، ثم أردت أن أصلي بالليل شفعتُ بواحدة ما مضى من وتري، ثم صليت مثنى مثنى، فإذا قضيت صلاتي أوترت بواحدة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يجعل آخر صلاة الليل الوتر» رواه أحمد. فهو اجتهاد من ابن عمر في أمره عليه الصلاة والسلام أن يجعل آخر صلاة الليل الوتر، وفعل الصحابي أو اجتهاده ليس دليلاً شرعياً وإن كان حكماً شرعياً يجوز تقليده واتِّباعه. وقد خطَّأ ابن عباس ابن عمر رضي الله عنهما في اجتهاده هذا، فقد روى عبد الرزاق عن سالم «عن ابن عمر أنه كان إذا نام على وتر، ثم قام يصلي من الليل صلى ركعة إلى وتره فيشفع له، ثم أوتر بعدُ في آخر صلاته، قال الزهري: فبلغ ذلك ابن عباس فلم يعجبه فقال: إنَّ ابن عمر ليوتر في الليلة ثلاث مرات» . يقصد وتره قبل أن ينام، ثم وتره الثاني الذي يشفع به وتره الأول، ثم وتره الثالث الأخير عقب الفراغ من صلاة الليل، ولا شك في أنه رضي الله عنه قد أخطأ في اجتهاده هذا. وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد خطَّأت هي الأخرى هذا الرأي، فقد روى عبد الرزاق «عن أبي عطية عن عائشة قال: ذُكر لها الرجل يوتر ثم يستيقظ فيشفع بركعة، قالت: ذلك يلعب بوتره» .

ص: 50