المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ يأجوج ومأجوج - الجموع البهية للعقيدة السلفية - جـ ٢

[أبو المنذر المنياوي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل الْعذر بِالْجَهْلِ

- ‌ مَسْأَلَة: أهل الفترة معذورون فِي الدُّنْيَا، ويختبرون فِي الْآخِرَة

- ‌فصل فِي الحاكمية

- ‌ وَقْفَة مَعَ آيَات الْمَائِدَة وَبَيَان حكم من لم يحكم بِمَا أنزل الله

- ‌ تَنْبِيه: يجب التنبه إِلَى الْفرق بَين النظام الشَّرْعِيّ، والنظام الإداري فِي الحاكمية

- ‌باب الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌فصل - مَلَائِكَة الصعُود بالأرواح:

- ‌فصل - الْحفظَة، وَمَا تكْتب

- ‌ هَل تكْتب الْحفظَة مَا لَا ثَوَاب فِيهِ، وَلَا عِقَاب

- ‌ المفاضلة بَين الْمَلَائِكَة وصالحي الْبشر

- ‌فصل بعض أَحْكَام الْجِنّ

- ‌ هَل إِبْلِيس ملك فِي الأَصْل أم لَا؟ وَبَيَان ذُريَّته، وَكَيف تناسله

- ‌ الْجِنّ مكلفون، وَبَيَان أَن مؤمنيهم فِي الْجنَّة، وكفارهم فِي النَّار

- ‌ إِذا كَانَ الْجِنّ من نَار فَكيف تحرقه النَّار

- ‌ لَا رسل من الْجِنّ

- ‌ هَل ينْكح الْإِنْس الْجِنّ، أَو الْعَكْس، وَحكمه

- ‌باب الْإِيمَان بالكتب

- ‌ الْإِيمَان بالكتب كلهَا

- ‌ صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى عليهما السلام

- ‌ الْكتاب الَّذِي أَخذه يحيى عليه السلام بِقُوَّة هُوَ: التَّوْرَاة

- ‌ معنى تَنْزِيل الْقُرْآن على قلب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب الْإِيمَان بالرسل الْكِرَام - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌فصل وجوب الْإِيمَان بِجَمِيعِ الرُّسُل - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ تَكْذِيب لرَسُول وَاحِد تَكْذِيب لجَمِيع الرُّسُل

- ‌ لَا طَرِيق لمعْرِفَة أوَامِر الله ونواهيه إِلَّا عَن طَرِيق الْوَحْي

- ‌ دُعَاء الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - مستجاب

- ‌ مِيرَاث الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ غَلَبَة الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَمَعْنَاهَا

- ‌ عصمَة الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ الله تَعَالَى يَأْمر أنبياءه عليهم السلام وينهاهم ليشرع لأممهم

- ‌ نسَاء الْأَنْبِيَاء معصومات من الزِّنَا

- ‌ التَّوْبَة دَعْوَة الرُّسُل - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ المعجزة

- ‌ أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل

- ‌ المفاضلة بَين الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ بعض المفارقات من الْقُرْآن بَين نَبينَا صلى الله عليه وسلم وَغَيره من الرُّسُل

- ‌ الْفرق بَين النَّبِي وَالرَّسُول

- ‌ عُقُوبَة الْأُمَم المكذبة للرسل، وَبَيَان وَجه الْمُنَاسبَة بَين عَملهَا وعقابها

- ‌فصل بعض أَحْكَام الْأَنْبِيَاء

- ‌فصل الْإِيمَان بسيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌ كل نَبِي بُشِّرَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ النَّبِي صلى الله عليه وسلم هُوَ دَعْوَة إِبْرَاهِيم عليه السلام وَمن ذُريَّته

- ‌ معرفَة أهل الْكتاب ليَوْم مولده

- ‌ بعض أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاته

- ‌ عُمُوم رسَالَته صلى الله عليه وسلم وَوُجُوب الْإِيمَان بِهِ

- ‌ إتباع النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُوجب لمحبة الله جلّ وَعلا لذَلِك المُتتَّبِع

- ‌ تَعْظِيمه صلى الله عليه وسلم بإتباعه

- ‌ حرمته صلى الله عليه وسلم حَيا كحرمته مَيتا

- ‌ الْهدى الْعَام وَالْخَاص

- ‌ بَيَان الرضي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}

- ‌ بَيَان الْخَيْر الْكثير الَّذِي أعْطِيه النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْإِسْرَاء والمعراج

- ‌ هَل يَقع الِاجْتِهَاد من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ عصمته صلى الله عليه وسلم

- ‌ أمة النَّبِي صلى الله عليه وسلم أفضل الْأُمَم

- ‌فصل سيدنَا آدم عليه السلام

- ‌ أَمر الله - تَعَالَى - الْمَلَائِكَة كلهم بِالسُّجُود لسيدنا آدم عليه السلام

- ‌ سيدنَا آدم عليه السلام لَيْسَ من أولي الْعَزْم من الرُّسُل

- ‌ سيدنَا آدم عليه السلام رَسُول، وَنَبِي مُكَلم

- ‌فصل سيدنَا إِدْرِيس عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا نوح عليه السلام

- ‌ إِبْرَاهِيم من ذريّة نوح، وَبَعض الْأَنْبِيَاء من ذرّية نوح دون إِبْرَاهِيم عليهم السلام

- ‌فصل سيدنَا إِبْرَاهِيم عليه السلام

- ‌ مِلَّة سيدنَا إِبْرَاهِيم عليه السلام هِيَ دين الْإِسْلَام

- ‌ صحف سيدنَا إِبْرَاهِيم عليه السلام

- ‌ شدَّة صدق سيدنَا إِبْرَاهِيم عليه السلام

- ‌ ذُريَّته عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا لوط عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا أَيُّوب عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا يُونُس عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا مُوسَى عليه السلام

- ‌ الْآيَات التسع لسيدنا مُوسَى عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا الْخضر عليه السلام

- ‌ نسب سيدنَا الْخضر عليه السلام

- ‌ سَبَب تَسْمِيَته بالخضر

- ‌ هَل كَانَ الْخضر رَسُولا أم نَبيا أم وليا أم ملكا

- ‌ هَل الْخضر عليه السلام حَيّ حَتَّى الْآن

- ‌فصل سيدنَا دَاوُد عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد عليهما السلام

- ‌ مَا هِيَ فتْنَة سُلَيْمَان عليه السلام

- ‌ تسخير اللهُ لِسُلَيْمَان الرّيح وَالشَّيَاطِين

- ‌فصل سيدنَا زَكَرِيَّا وَابْنه سيدنَا يحيى عليهما السلام

- ‌فصل سيدنَا يحيى وَعِيسَى عليهما السلام ابْني الْخَالَة

- ‌ بعض صِفَات سيدنَا يحيى عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا عِيسَى عليه السلام

- ‌ مناظرة بَين عَالم مُسلم وَنَصْرَانِي

- ‌ سيدنَا عِيسَى عليه السلام حيّ فِي السَّمَاء، وسينزل آخر الزَّمَان قرب قيام السَّاعَة

- ‌بَاب الْإِيمَان بِالْيَوْمِ الآخر

- ‌ من يقبض الْأَرْوَاح

- ‌فصل: الْقَبْر

- ‌ الأَرْض لَا تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء، وَهل تَأْكُل أجساد الشُّهَدَاء

- ‌ هَل يسمع الْمَوْتَى؟ وَالْكَلَام على تلقين الْمَوْتَى

- ‌ عَذَاب الْقَبْر

- ‌ الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ

- ‌ زِيَارَة الْقُبُور

- ‌فصل: يَوْم الْقِيَامَة

- ‌ بعض أَسْمَائِهِ

- ‌ إِنْكَار الْكفَّار ليَوْم الْقِيَامَة وتوعدهم على ذَلِك بالسعير

- ‌ مُدَّة يَوْم الْقِيَامَة

- ‌بعض أَشْرَاط السَّاعَة

- ‌ القحطاني

- ‌ الدَّجَّال، وَبَيَان أَنه حيّ حَتَّى الْآن

- ‌ يَأْجُوج وَمَأْجُوج

- ‌من آثَار يَوْم الْقِيَامَة

- ‌ تشقق السَّمَاء

- ‌ تسيير الْجبَال وبروز الأَرْض

- ‌فصل الْبَعْث

- ‌ إِنْكَار الْكفَّار للبعث

- ‌ إِنْكَار الْبَعْث سَببا لدُخُول النَّار

- ‌ براهين الْبَعْث

- ‌ نفخة الْبَعْث، وخروجهم مُسْرِعين لِلْحسابِ

- ‌ كَيفَ يُحشر المتقون، ويُساق المجرمون

- ‌ زَلْزَلَة السَّاعَة

- ‌ الْحَشْر يكون لجَمِيع الْمَخْلُوقَات

- ‌ بَيَان كَيْفيَّة الْعرض

- ‌ مَا جَاءَ فِي تطاير الصُّحُف

- ‌ يَوْم الْقِيَامَة يدعى كل أنَاس بإمامهم

- ‌ من أَسبَاب اسوداد الْوُجُوه يَوْم الْقِيَامَة

- ‌ السُّؤَال يَوْم الْقِيَامَة

- ‌ الشُّهُود يَوْم الْقِيَامَة

- ‌ الْمِيزَان

- ‌ الْفرق بَين الْكتاب وَالْمِيزَان

- ‌فصل: الْجنَّة وَالنَّار

- ‌ دُخُول الْجنَّة بِفضل من الله - تَعَالَى-، وتفاوت الْمنَازل بِحَسب الْأَعْمَال

- ‌ التَّوَارُث بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار

- ‌ بعض مَا جَاءَ فِي نعيم أهل الْجنَّة

- ‌ بعض صِفَات الْحور الْعين

- ‌ الْجنَّة لَا ليل فِيهَا، وَإِنَّمَا هِيَ نور دَائِم وضياء

- ‌النَّار

- ‌ عدد أَبْوَاب النَّار

- ‌ بعض صِفَات النَّار وَبَيَان أَنَّهَا منَازِل

- ‌ كَيفَ ينْبت الضريع فِي النَّار

- ‌ النَّار لَهَا إِدْرَاك وحس

- ‌ أَشد أهل النَّار عذَابا

- ‌ الْفرق بَين عَذَاب الْكفَّار وعصاة الْمُوَحِّدين

- ‌ خُلُود أهل الْجنَّة وخلود أهل النَّار

- ‌بَاب: الْإِيمَان بِالْقضَاءِ وَالْقدر

- ‌ الله عز وجل يَصْرِفُ الْأَشْقِيَاءَ، الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الشَّقَاوَةُ فِي علمه، عَن الْحق، ويحول بَينهم وَبَينه

- ‌ أَنْوَاع الأقلام

- ‌ التَّقْدِير الحولي فِي لَيْلَة الْقدر

- ‌ الْأَمر الكوني، وَالْأَمر الشَّرْعِيّ

- ‌ الْفرق والمذاهب فِي الْقدر

- ‌ الرَّد على مَذْهَب الجبرية، وَتَقْرِير مَذْهَب السّلف

- ‌ بَيَان أَن الْأَخْذ بالأسباب لَا يُنَافِي التَّوَكُّل

- ‌بَاب: متفرقات عقائدية

- ‌الصُّوفِيَّة

- ‌ مَذْهَب الصُّوفِيَّة

- ‌بعض جهالات متأخري الصُّوفِيَّة

- ‌ اعْتِقَادهم سُقُوط التكاليف إِذا بلغ العَبْد (الْيَقِين) الْمعرفَة

- ‌ ادعاؤهم جَوَاز الْعَمَل بالإلهام

- ‌ الرقص

- ‌ الذّكر بِاللَّفْظِ الْمُفْرد

- ‌ التباهي بالزيارة

- ‌الشِّيعَة

- ‌دَعْوَة وحدة الْأَدْيَان وَبَيَان مَا فِيهَا من حق وباطل

الفصل: ‌ يأجوج ومأجوج

يُحَدِّثُ بِهِ أَصْحَابَهُ مِنْ خَبَرِ الدَّجَّالِ. قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رحمه الله فِي صَحِيحِهِ (1) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ جَدِّي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ شَعْبُ هَمْدَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ فَقَالَ: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُسْنِدِيهِ إِلَى أحد غَيره. فَقَالَت لَئِن شِئْت لأفلعن؟ فَقَالَ لَهَا: أَجَلْ؟ حَدِّثِينِي. فَقَالَتْ:.. ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ طُولٌ. وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وَثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَين رُكْبَتَيْهِ إِلَى كعبيه بالحديد، قُلْنَا: ويلكا مَا لكا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطِيبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَى كِلْتَاهُمَا

الْحَدِيثَ.

فَهَذَا نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّجَّالَ حَيٌّ مَوْجُودٌ فِي تِلْكَ الْجَزِيرَةِ البحرية الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث تَمِيم الدَّارمِيّ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّهُ بَاقٍ وَهُوَ حَيٌّ حَتَّى يَخْرُجَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. وَهَذَا نَصٌّ صَالِحٌ لِلتَّخْصِيصِ يُخْرِجُ الدَّجَّالَ مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ مَوْتِ كُلِّ نفس فِي تِلْكَ الْمِائَة.] (2) .

-‌

‌ يَأْجُوج وَمَأْجُوج

.

[قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّى فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقّا ًوَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} . اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لِبَعْضِ الْآيَاتِ بَيَانٌ مِنَ الْقُرْآنِ لَا يَفِي بِإِيضَاحِ الْمَقْصُودِ وَقَدْ بَيَّنَهُ النَّبي صلى الله عليه وسلم فمنا نُتَمِّمُ بَيَانَهُ بِذِكْرِ السُّنَّةِ الْمُبَيِّنَةِ لَهُ، وَقَدْ قدمنَا أَمْثِلَة مُتعَدِّدَة لذَلِك، فَإِذا علمت ذَلِك فَاعْلَمْ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَهُمَا بَيَانٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْضَحَتْهُ السُّنَّةُ، فَصَارَ بِضَمِيمَةِ السُّنَّةِ إِلَى الْقُرْآنِ بَيَانًا وَافِيًا بِالْمَقْصُودِ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَالَ فِي كِتَابِهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ، وَآيَةَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ دَلَّتَا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ السَّدَّ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ دُونَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ إِنَّمَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ دَكًّا عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ الْمَوْعُودِ بِذَلِكَ فِيهِ، وَقَدْ دَلَّتَا عَلَى أَنَّهُ بِقُرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّهُ قَالَ هُنَا: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى

(1) - (4/2261)(2942) .

(2)

- 4/191 - 192، الْكَهْف / 65.

ص: 618

حَقّاً وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ} .

وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي الْجُمْلَةِ الْمُقَدَّرَةِ الَّتِي عَوَّضَ عَنْهَا تَنْوِينُ «يَوْمَئِذٍ» مِنْ قَوْلِهِ {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ} أَنَّهُ يَوْمَ إِذْ جَاءَ وَعْدُ رَبِّي بِخُرُوجِهِمْ وَانْتِشَارِهِمْ فِي الْأَرْضِ. وَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ لِمُوَافَقَتِهِ لِظَاهِرِ سِيَاقٍ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَعْنَى «يَوْمَئِذٍ» يَوْمَ إِذْ جَاءَ الْوَعْدُ بِخُرُوجِهِمْ وَانْتِشَارِهِمْ فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ} عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِجَمِيعِ بَنِي آدَمَ فَالْمُرَادُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَإِذًا فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى اقْتِرَانِهِ بِالْخُرُوجِ إِذَا دَكَّ السَّدَّ، وَقَرَّبَهُ مِنْهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ {وَنُفِخَ فِى الصُّورِ} يَدُلُّ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ «قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي» هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى السَّدِّ، أَيْ: هَذَا السَّدُّ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ عَلَى عِبَادِهِ، أَوْ هَذَا الْإِقْدَارٌ وَالتَّمْكِينٌ مِنْ تَسْوِيَتِهِ {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى} يَعْنِي فَإِذَا دَنَا مَجِيءُ يَوْمِ

ص: 619

الْقِيَامَةِ، وَشَارَفَ أَنْ يَأْتِيَ جَعَلَ السَّدَّ دَكًّا، أَيْ مَدْكُوكًا مَبْسُوطًا مُسَوًّى بِالْأَرْضِ، وَكُلُّ مَا انْبَسَطَ مِنْ بَعْدِ ارْتِفَاعٍ فَقَدِ انْدَكَّ، وَمِنْهُ الْجَمَلُ الْأَدَكُّ الْمُنْبَسِطُ السَّنَامِ اهـ.

وَآيَةُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُشَارُ إِلَيْهَا هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} ، لِأَنَّ قَوْلَهُ:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} وَإِتْبَاعَهُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} يَدُلُّ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْكَهْفِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ رُوسِيَّةٌ، وَأَنَّ السَّدَّ فُتِحَ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيلٍ.

فَإِذَا قِيلَ: إِنَّمَا تَدُلُّ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي «الْكَهْفِ» وَ «الْأَنْبِيَاءِ» عَلَى مُطْلَقِ اقْتِرَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ دَكِّ السَّدِّ وَاقْتِرَابِهِ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ قَدْ وَقَعَ بِالْفِعْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} ، وَقَالَ:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} ، وَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم:«وَيْلٌ لِلْعَرَبِ، مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِأُصْبَعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا..» الْحَدِيثَ (1) ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» . فَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَنَّ اقْتِرَابَ مَا ذَكَرَ لَا يَسْتَلْزِمُ اقْتِرَانُهُ بِهِ، بَلْ يَصِحُّ اقْتِرَابُهُ مَعَ مُهْلَةٍ، وَإِذًا فَلَا يُنَافِي دَكُّ السَّدِّ الْمَاضِي الْمَزْعُومِ الِاقْتِرَابَ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا يَكُونُ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُدَكُّ السَّدُّ إِلَى الْآنِ.

فَالْجَوَابُ هُوَ مَا قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ لَيْسَ وَافِيًا بِتَمَامِ

(1) - أخرجه البُخَارِيّ (3/1221)(3168) ، وَمُسلم (4/2207)(2880) من حَدِيث زيني بنت جحش رضي الله عنها.

ص: 620

الْإِيضَاحِ إِلَّا بِضَمِيمَةِ السُّنَّةِ لَهُ، وَلِذَلِكَ ذَكَرْنَا أَنَّنَا نُتَمِّمُ مِثْلَهُ مِنَ السُّنَّةِ لِأَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِلْقُرْآنِ. قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رحمه الله فِي صَحِيحِهِ (1) : حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ قَاضِي حِمْصَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ (ح) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ) ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَضَ فِيهِ وَرَفَعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ:«مَا شَأْنُكُمْ» ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَضْتَ فِيهِ وَرَفَعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ؟ فَقَالَ:«غير الدَّجَّال أخوفني عَلَيْكُمَا إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَالله خليفتي هَل كل مُسلم. إِنَّه شَاب قطط، عينه طائفته، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ «الْكَهْفِ» إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينا وعاث شمالاً. «يَا عباد فَاثْبُتُوا» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ:«أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمُ، كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ:«لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ:«كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ» .

فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ: فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذَرًّا وأسبغه ضروعاً،

(1) - (4/2250)(2937) .

ص: 621

وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ. فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتُتْبِعُهُ كُنُوزَهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُونَ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ. فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكهُ بِبَاب لد فيقتله. ثمَّ يَأْتِي عِيسَى بن مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ. وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيَحْصُرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ. فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ. فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ. فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يُكَنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزُّلْفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، يُبَارَكُ فِي الرُّسُلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ.

وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ. واللقحة من الْغنم

ص: 622

لتكفي الْفَخْذ الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ. فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ. وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ» انْتَهَى بِلَفْظِهِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ قَدْ رَأَيْتَ فِيهِ تَصْرِيحِ النَّبي صلى الله عليه وسلم: بِأَنَّ الله يوحي إِلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ خُرُوجَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بَعْدَ قَتْلِهِ الدَّجَّالَ. فَمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُمْ رُوسِيَّةٌ. وَأَنَّ السَّدَّ قَدِ انْدَكَّ مُنْذُ زَمَانٍ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبي صلى الله عليه وسلم مُخَالَفَةً صَرِيحَةً لَا وَجْهَ لَهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ خَبَرٍ نَاقِضٍ خَبَرَ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ نَقِيضَ الْخَبَرِ الصَّادِقِ كَاذِبٌ ضَرُورَةً كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. وَلَمْ يَثْبُتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَأَيْتَ صِحَّةَ سَنَدِهِ، وَوُضُوحَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ.

وَالْعُمْدَةُ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَنِ ادَّعَى أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ هُمْ رُوسِيَّةٌ، وَمَنِ ادَّعَى مِنَ الْمُلْحِدِينَ أَنَّهُمْ لَا وُجُودَ لَهُمْ أَصْلًا هِيَ حُجَّةٌ عَقْلِيَّةٌ فِي زَعْمِ صَاحِبِهَا، وَهِيَ بِحَسَبِ الْمُقَرَّرِ فِي الْجَدَلِ قِيَاسٌ اسْتِثْنَائِيٌّ مُرَكَّبٌ مِنْ شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةٍ لُزُومِيَّةٍ فِي زَعْمِ الْمُسْتَدِلِّ بِهِ يُسْتَثْنَى فِيهِ نَقِيضُ التَّالِي، فَيَنْتُجُ نَقِيضُ الْمُقَدَّمِ، وَصُورَةُ نَظْمِهِ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَرَاءَ السَّدِّ إِلَى الْآنِ، لَا طلع عَلَيْهِمُ النَّاسُ لِتَطَوُّرِ طُرُقُ الْمُوَاصَلَاتِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ يُنْتِجُ فَهُمْ لَيْسُوا وَرَاءَ السَّدِّ إِلَى الْآنِ، لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ نَقِيضِ التَّالِي يُنْتِجُ نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَبِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ لِغَيْرِ الْمَنْطِقِيِّ: لِأَنَّ نَفْيَ اللَّازِمِ يَقْتَضِي نَفْيَ اللَّازِمِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمَلْزُومِ هَذَا هُوَ عُمْدَةُ حُجَّةِ الْمُنْكِرِينَ وَجُودَهُمْ إِلَى الْآنِ وَرَاءَ السَّدِّ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقِيَاسَ الِاسْتِثْنَائِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالشَّرْطِيِّ، إِذَا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةٍ وَاسْتِثْنَائِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْقَدَحُ مِنْ ثَلَاثِ وجهات:

ص: 623

الْأُولَى: أَنْ يَقْدَحَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ شَرْطِيَّتِهِ، لِكَوْنِ الرَّبْطِ بَيْنَ الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي لَيْسَ صَحِيحًا.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْدَحَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ اسْتِثْنَائِيَّتِهِ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقْدَحَ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِمَا مَعًا. وَهَذَا الْقِيَاسُ الْمَزْعُومُ يَقْدَحُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ شَرْطِيَّتِهِ فَيَقُولُ لِلْمُعْتَرِضِ: الرَّبْطُ فِيهِ بَيْنَ الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي غَيْرُ صَحِيحٍ. فَقَوْلُكُمْ: لَوْ كَانُوا مَوْجُودِينَ وَرَاءَ السَّدِّ إِلَى الْآنِ لَاطَّلَعَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ وَاللَّهُ يُخْفِي مَكَانَهُمْ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ الْمُحَدَّدُ لِإِخْرَاجِهِمْ عَلَى النَّاسِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ إِمْكَانَ هَذَا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الأَرْضِ} ، وَهُمْ فِي فَرَاسِخَ قَلِيلَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، يَمْشُونَ لَيْلَهُمْ وَنَهَارَهُمْ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِمُ النَّاسُ حَتَّى انْتَهَى أَمَدُ التِّيهِ، لِأَنَّهُمْ لَوِ اجْتَمَعُوا بِالنَّاسِ لَبَيَّنُوا لَهُمُ الطَّرِيقَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَرَبُّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَخْبَارُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم الثَّابِتَةُ عَنْهُ صَادِقَةٌ، وَمَا يُوجَدُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا وَنَحْوَهُ مِنَ الْقِصَصِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسَّنَةِ الصَّحِيحَةِ، زَاعِمِينَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ فِي التَّوْرَاةِ أَوْ غير مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ بَاطِلٌ يَقِينًا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا صَرَّحَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ بِأَنَّهُمْ بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا وَغَيَّرُوا فِي كُتُبِهِمْ، كَقَوْلِهِ:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} ، وَقَوْلِهِ:{تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} ، وَقَوْلِهِ:{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ

ص: 624

وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ

مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ بِخِلَافِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَقَدْ تَوَلَّى اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا حِفْظَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ أَحَدٌ حَتَّى يُغَيِّرَ فِيهِ أَوْ يُبَدِّلَ أَوْ يُحَرِّفَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وَقَالَ:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ، وَقَالَ:{لَاّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} . وَقَالَ فِي النَّبي صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْىٌ يُوحَى} ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَذِنَ لِأُمَّتِهِ أَنْ تُحَدِّثَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (1) ، وَنَهَاهُمْ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ (2) ، خَوْفَ أَنْ يُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، أَوْ يُكَذِّبُوا بِحَقٍّ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا يُرْوَى عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْإِسْرَائِيلِيَّاتِ لَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا يَجِبُ تَصْدِيقُهُ، وَهِيَ مَا إِذَا دَلَّ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَلَى صِدْقِهِ. وَفِي وَاحِدَةٍ يَجِبُ تَكْذِيبُهُ، وَهِيَ مَا إِذَا دَلَّ الْقُرْآنُ أَوِ السُّنَّةُ أَيْضًا عَلَى كَذِبِهِ. وَفِي الثَّالِثَةِ لَا يَجُوزُ التَّكْذِيبُ وَلَا التَّصْدِيقُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ آنِفًا: وَهِيَ مَا إِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ صِدْقُهُ وَلَا كَذِبُهُ. وَبِهَذَا

(1) - أخرج البُخَارِيّ من (3/1275)(3274) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما مَرْفُوعا: " بلغُوا عني وَلَو آيَة وَحَدثُوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج وَمن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ".

(2)

- أخرج أَبُو دَاوُد (2/342)(3644)، وَأحمد (4/136) من حَدِيث أبي نملة الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا:" إِذا حَدثكُمْ أهل الْكتاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم "، وَحسن إِسْنَاده الأرناؤوط.

ص: 625