الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَدَعُ قَوْلَهُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ» تَقُولُ عَائِشَةُ رضي الله عنها: «
يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ» (1) أَيْ يُفَسِّرُهُ، وَيَعْمَلُ بِهِ.
وَنَقَلَ أَبُو حَيَّانَ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ مَعَ التَّسْبِيحِ تَكْمِيلٌ لِلْأَمْرِ بِمَا هُوَ قِوَامُ أَمْرِ الدِّينِ، مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالِاحْتِرَازِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَلِيَكُونَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ مَعَ عِصْمَتِهِ لُطْفًا لِأُمَّتِهِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَهَضْمِ النَّفْسِ فَهُوَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ.
وَفِي هَذَا لَفْتُ نَظَرٍ لِأَصْحَابِ الْأَذْكَارِ وَالْأَوْرَادِ الَّذِينَ يَحْرِصُونَ عَلَى دَوَامِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ هَذَا كَانَ مَنْ أَكْثَرِ مَا يُدَاوِمُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، مَعَ مَا وَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ دُونَ الْمُلَازَمَةِ عَلَى ذِكْرِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، مُنْفَرِدًا مِمَّا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ صَحِيحٌ وَلَا صَرِيحٌ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ فِي الِاتِّبَاعِ لَا فِي الِابْتِدَاعِ، وَأَيُّ خَيْرٍ أَعْظَمُ مِمَّا اخْتَارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، وَيَأْمُرُهُ بِهِ، وَيُلَازِمُ هُوَ عَلَيْهِ.] (2) .
-
التباهي بالزيارة
.
قَالَ صَاحب التَّتِمَّة رحمه الله: [وَأَمَّا التَّبَاهِي بِالزِّيَارَةِ: فَفِي هَؤُلَاءِ الْمُنْتَمِينَ إِلَى الصُّوفِيَّةِ أَقْوَامٌ لَيْسَ لَهُمْ شُغْلٌ إِلَّا زِيَارَةُ الْقُبُورِ: زُرْتُ قَبْرَ سَيِّدِي فُلَانٍ بِكَذَا، وَقَبَرَ فُلَانٍ بِكَذَا، وَالشَّيْخَ فُلَانٍ بِكَذَا، وَالشَّيْخَ فُلَانٍ بِكَذَا، فَيَذْكُرُونَ أَقَالِيمَ طَافُوهَا عَلَى قَدَمِ التَّجْرِيدِ.
وَقَدْ حَفِظُوا حِكَايَاتٍ عَنْ أَصْحَابِ تِلْكَ الْقُبُورِ وَأُولَئِكَ الْمَشَايِخِ، بِحَيْثُ لَوْ كُتِبَتْ لَجَاءَتْ أَسْفَارًا، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَعْرِفُونَ فُرُوضَ الْوُضُوءِ وَلَا سُنَنَهُ.
وَقَدْ سَخَّرَ لَهُمُ الْمُلُوكُ وَعَوَامُّ النَّاسِ فِي تَحْسِينِ الظَّنِّ بِهِمْ وَبَذْلِ الْمَالِ
(1) - أخرجه البُخَارِيّ (1/281)(784) ، وَمُسلم (1/350)(484) .
(2)
- 9/597 - 698، النَّصْر/ 3.
لَهُمْ، وَأَمَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ لِلْعَامَّةِ فَيَأْتِي بِعَجَائِبَ، يَقُولُونَ: هَذَا فَتْحٌ مِنَ الْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ عَلَى الْخَضِرِ.
حَتَّى إِنَّ مَنْ يَنْتَمِي إِلَى الْعِلْمِ، لَمَّا رَأَى رَوَاجَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ، وَنَقَلَ كَثِيرًا مِنْ حِكَايَاتِهِمْ، وَمَزَجَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ طَلَبًا لِلْمَالِ وَالْجَاهِ وَتَقْبِيلِ الْيَدِ. وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللَّهَ عز وجل أَنْ يُوَفِّقَنَا لِطَاعَتِهِ. اهـ بِحُرُوفِهِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ رحمه الله مِنْ أَعْظَمِ مَا افْتَتَنَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ مَعًا.
أَمَّا فِي دِينِهِمْ: فَهُوَ الْغُلُوُّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ صلى الله عليه وسلم، صِيَانَةً لِلتَّوْحِيدِ، مِنْ سُؤَالِ غَيْرِ اللَّه.
وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ الْكَثِيرَ مِنْ هَؤُلَاءِ يَتْرُكُونَ مَصَالِحَ دُنْيَاهُمْ مِنْ زِرَاعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ، وَيَطُوفُ بِتِلْكَ الْأَمَاكِنِ تَارِكًا وَمُضَيِّعًا مَنْ يَكُونُ السَّعْيُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ.
مِمَّا يَلْزَمُ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، أَنْ يُرْشِدُوا الْجَهَلَةَ مِنْهُمْ، وَأَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ عَامَّةً خَطَأَ وَجَهْلَ أُولَئِكَ، وَأَنَّ الرَّحِيلَ لتِلْك الْقُبُور لَيْسَ من سنة الرُّسُل صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَلَا كَانَ مِنْ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلَا مِنْ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ، وَلَا مَنْ عَمَلِ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ رحمهم الله.
وَإِنَّمَا كَانَ عَمَلُ الْجَمِيعِ زِيَارَةَ مَا جَاوَرَهُمْ مِنَ الْمَقَابِرِ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَالِاتِّعَاظِ بِحَالِهِمْ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِمَا صَارُوا إِلَيْهِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ الْهِدَايَةَ وَالتَّوْفِيقَ، لِاتِّبَاعِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالِاقْتِفَاءِ بآثار سلف الْأمة، آمين.] (1) .
(1) - 9/476 - 477، التكاثر / 2.