المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ خلود أهل الجنة وخلود أهل النار - الجموع البهية للعقيدة السلفية - جـ ٢

[أبو المنذر المنياوي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل الْعذر بِالْجَهْلِ

- ‌ مَسْأَلَة: أهل الفترة معذورون فِي الدُّنْيَا، ويختبرون فِي الْآخِرَة

- ‌فصل فِي الحاكمية

- ‌ وَقْفَة مَعَ آيَات الْمَائِدَة وَبَيَان حكم من لم يحكم بِمَا أنزل الله

- ‌ تَنْبِيه: يجب التنبه إِلَى الْفرق بَين النظام الشَّرْعِيّ، والنظام الإداري فِي الحاكمية

- ‌باب الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌فصل - مَلَائِكَة الصعُود بالأرواح:

- ‌فصل - الْحفظَة، وَمَا تكْتب

- ‌ هَل تكْتب الْحفظَة مَا لَا ثَوَاب فِيهِ، وَلَا عِقَاب

- ‌ المفاضلة بَين الْمَلَائِكَة وصالحي الْبشر

- ‌فصل بعض أَحْكَام الْجِنّ

- ‌ هَل إِبْلِيس ملك فِي الأَصْل أم لَا؟ وَبَيَان ذُريَّته، وَكَيف تناسله

- ‌ الْجِنّ مكلفون، وَبَيَان أَن مؤمنيهم فِي الْجنَّة، وكفارهم فِي النَّار

- ‌ إِذا كَانَ الْجِنّ من نَار فَكيف تحرقه النَّار

- ‌ لَا رسل من الْجِنّ

- ‌ هَل ينْكح الْإِنْس الْجِنّ، أَو الْعَكْس، وَحكمه

- ‌باب الْإِيمَان بالكتب

- ‌ الْإِيمَان بالكتب كلهَا

- ‌ صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى عليهما السلام

- ‌ الْكتاب الَّذِي أَخذه يحيى عليه السلام بِقُوَّة هُوَ: التَّوْرَاة

- ‌ معنى تَنْزِيل الْقُرْآن على قلب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب الْإِيمَان بالرسل الْكِرَام - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌فصل وجوب الْإِيمَان بِجَمِيعِ الرُّسُل - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ تَكْذِيب لرَسُول وَاحِد تَكْذِيب لجَمِيع الرُّسُل

- ‌ لَا طَرِيق لمعْرِفَة أوَامِر الله ونواهيه إِلَّا عَن طَرِيق الْوَحْي

- ‌ دُعَاء الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - مستجاب

- ‌ مِيرَاث الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ غَلَبَة الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَمَعْنَاهَا

- ‌ عصمَة الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ الله تَعَالَى يَأْمر أنبياءه عليهم السلام وينهاهم ليشرع لأممهم

- ‌ نسَاء الْأَنْبِيَاء معصومات من الزِّنَا

- ‌ التَّوْبَة دَعْوَة الرُّسُل - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ المعجزة

- ‌ أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل

- ‌ المفاضلة بَين الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ بعض المفارقات من الْقُرْآن بَين نَبينَا صلى الله عليه وسلم وَغَيره من الرُّسُل

- ‌ الْفرق بَين النَّبِي وَالرَّسُول

- ‌ عُقُوبَة الْأُمَم المكذبة للرسل، وَبَيَان وَجه الْمُنَاسبَة بَين عَملهَا وعقابها

- ‌فصل بعض أَحْكَام الْأَنْبِيَاء

- ‌فصل الْإِيمَان بسيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌ كل نَبِي بُشِّرَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ النَّبِي صلى الله عليه وسلم هُوَ دَعْوَة إِبْرَاهِيم عليه السلام وَمن ذُريَّته

- ‌ معرفَة أهل الْكتاب ليَوْم مولده

- ‌ بعض أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاته

- ‌ عُمُوم رسَالَته صلى الله عليه وسلم وَوُجُوب الْإِيمَان بِهِ

- ‌ إتباع النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُوجب لمحبة الله جلّ وَعلا لذَلِك المُتتَّبِع

- ‌ تَعْظِيمه صلى الله عليه وسلم بإتباعه

- ‌ حرمته صلى الله عليه وسلم حَيا كحرمته مَيتا

- ‌ الْهدى الْعَام وَالْخَاص

- ‌ بَيَان الرضي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}

- ‌ بَيَان الْخَيْر الْكثير الَّذِي أعْطِيه النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْإِسْرَاء والمعراج

- ‌ هَل يَقع الِاجْتِهَاد من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ عصمته صلى الله عليه وسلم

- ‌ أمة النَّبِي صلى الله عليه وسلم أفضل الْأُمَم

- ‌فصل سيدنَا آدم عليه السلام

- ‌ أَمر الله - تَعَالَى - الْمَلَائِكَة كلهم بِالسُّجُود لسيدنا آدم عليه السلام

- ‌ سيدنَا آدم عليه السلام لَيْسَ من أولي الْعَزْم من الرُّسُل

- ‌ سيدنَا آدم عليه السلام رَسُول، وَنَبِي مُكَلم

- ‌فصل سيدنَا إِدْرِيس عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا نوح عليه السلام

- ‌ إِبْرَاهِيم من ذريّة نوح، وَبَعض الْأَنْبِيَاء من ذرّية نوح دون إِبْرَاهِيم عليهم السلام

- ‌فصل سيدنَا إِبْرَاهِيم عليه السلام

- ‌ مِلَّة سيدنَا إِبْرَاهِيم عليه السلام هِيَ دين الْإِسْلَام

- ‌ صحف سيدنَا إِبْرَاهِيم عليه السلام

- ‌ شدَّة صدق سيدنَا إِبْرَاهِيم عليه السلام

- ‌ ذُريَّته عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا لوط عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا أَيُّوب عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا يُونُس عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا مُوسَى عليه السلام

- ‌ الْآيَات التسع لسيدنا مُوسَى عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا الْخضر عليه السلام

- ‌ نسب سيدنَا الْخضر عليه السلام

- ‌ سَبَب تَسْمِيَته بالخضر

- ‌ هَل كَانَ الْخضر رَسُولا أم نَبيا أم وليا أم ملكا

- ‌ هَل الْخضر عليه السلام حَيّ حَتَّى الْآن

- ‌فصل سيدنَا دَاوُد عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد عليهما السلام

- ‌ مَا هِيَ فتْنَة سُلَيْمَان عليه السلام

- ‌ تسخير اللهُ لِسُلَيْمَان الرّيح وَالشَّيَاطِين

- ‌فصل سيدنَا زَكَرِيَّا وَابْنه سيدنَا يحيى عليهما السلام

- ‌فصل سيدنَا يحيى وَعِيسَى عليهما السلام ابْني الْخَالَة

- ‌ بعض صِفَات سيدنَا يحيى عليه السلام

- ‌فصل سيدنَا عِيسَى عليه السلام

- ‌ مناظرة بَين عَالم مُسلم وَنَصْرَانِي

- ‌ سيدنَا عِيسَى عليه السلام حيّ فِي السَّمَاء، وسينزل آخر الزَّمَان قرب قيام السَّاعَة

- ‌بَاب الْإِيمَان بِالْيَوْمِ الآخر

- ‌ من يقبض الْأَرْوَاح

- ‌فصل: الْقَبْر

- ‌ الأَرْض لَا تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء، وَهل تَأْكُل أجساد الشُّهَدَاء

- ‌ هَل يسمع الْمَوْتَى؟ وَالْكَلَام على تلقين الْمَوْتَى

- ‌ عَذَاب الْقَبْر

- ‌ الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ

- ‌ زِيَارَة الْقُبُور

- ‌فصل: يَوْم الْقِيَامَة

- ‌ بعض أَسْمَائِهِ

- ‌ إِنْكَار الْكفَّار ليَوْم الْقِيَامَة وتوعدهم على ذَلِك بالسعير

- ‌ مُدَّة يَوْم الْقِيَامَة

- ‌بعض أَشْرَاط السَّاعَة

- ‌ القحطاني

- ‌ الدَّجَّال، وَبَيَان أَنه حيّ حَتَّى الْآن

- ‌ يَأْجُوج وَمَأْجُوج

- ‌من آثَار يَوْم الْقِيَامَة

- ‌ تشقق السَّمَاء

- ‌ تسيير الْجبَال وبروز الأَرْض

- ‌فصل الْبَعْث

- ‌ إِنْكَار الْكفَّار للبعث

- ‌ إِنْكَار الْبَعْث سَببا لدُخُول النَّار

- ‌ براهين الْبَعْث

- ‌ نفخة الْبَعْث، وخروجهم مُسْرِعين لِلْحسابِ

- ‌ كَيفَ يُحشر المتقون، ويُساق المجرمون

- ‌ زَلْزَلَة السَّاعَة

- ‌ الْحَشْر يكون لجَمِيع الْمَخْلُوقَات

- ‌ بَيَان كَيْفيَّة الْعرض

- ‌ مَا جَاءَ فِي تطاير الصُّحُف

- ‌ يَوْم الْقِيَامَة يدعى كل أنَاس بإمامهم

- ‌ من أَسبَاب اسوداد الْوُجُوه يَوْم الْقِيَامَة

- ‌ السُّؤَال يَوْم الْقِيَامَة

- ‌ الشُّهُود يَوْم الْقِيَامَة

- ‌ الْمِيزَان

- ‌ الْفرق بَين الْكتاب وَالْمِيزَان

- ‌فصل: الْجنَّة وَالنَّار

- ‌ دُخُول الْجنَّة بِفضل من الله - تَعَالَى-، وتفاوت الْمنَازل بِحَسب الْأَعْمَال

- ‌ التَّوَارُث بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار

- ‌ بعض مَا جَاءَ فِي نعيم أهل الْجنَّة

- ‌ بعض صِفَات الْحور الْعين

- ‌ الْجنَّة لَا ليل فِيهَا، وَإِنَّمَا هِيَ نور دَائِم وضياء

- ‌النَّار

- ‌ عدد أَبْوَاب النَّار

- ‌ بعض صِفَات النَّار وَبَيَان أَنَّهَا منَازِل

- ‌ كَيفَ ينْبت الضريع فِي النَّار

- ‌ النَّار لَهَا إِدْرَاك وحس

- ‌ أَشد أهل النَّار عذَابا

- ‌ الْفرق بَين عَذَاب الْكفَّار وعصاة الْمُوَحِّدين

- ‌ خُلُود أهل الْجنَّة وخلود أهل النَّار

- ‌بَاب: الْإِيمَان بِالْقضَاءِ وَالْقدر

- ‌ الله عز وجل يَصْرِفُ الْأَشْقِيَاءَ، الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الشَّقَاوَةُ فِي علمه، عَن الْحق، ويحول بَينهم وَبَينه

- ‌ أَنْوَاع الأقلام

- ‌ التَّقْدِير الحولي فِي لَيْلَة الْقدر

- ‌ الْأَمر الكوني، وَالْأَمر الشَّرْعِيّ

- ‌ الْفرق والمذاهب فِي الْقدر

- ‌ الرَّد على مَذْهَب الجبرية، وَتَقْرِير مَذْهَب السّلف

- ‌ بَيَان أَن الْأَخْذ بالأسباب لَا يُنَافِي التَّوَكُّل

- ‌بَاب: متفرقات عقائدية

- ‌الصُّوفِيَّة

- ‌ مَذْهَب الصُّوفِيَّة

- ‌بعض جهالات متأخري الصُّوفِيَّة

- ‌ اعْتِقَادهم سُقُوط التكاليف إِذا بلغ العَبْد (الْيَقِين) الْمعرفَة

- ‌ ادعاؤهم جَوَاز الْعَمَل بالإلهام

- ‌ الرقص

- ‌ الذّكر بِاللَّفْظِ الْمُفْرد

- ‌ التباهي بالزيارة

- ‌الشِّيعَة

- ‌دَعْوَة وحدة الْأَدْيَان وَبَيَان مَا فِيهَا من حق وباطل

الفصل: ‌ خلود أهل الجنة وخلود أهل النار

وَشِدَّةُ إِيلَامِهِمْ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ.

وَلَيْسَ فِيهِ تَطْهِيرٌ وَلَا تَمْحِيصٌ لَهُمْ بِخِلَافِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ عُذِّبُوا فَسَيَصِيرُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَذَابِ.

فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِعَذَابِهِمْ مُجَرَّدَ الْإِهَانَةِ بَلْ ليؤلوا بعده إِلَى الرَّحْمَة وَدَار الْكَرَامَة.] (1) .

-‌

‌ خُلُود أهل الْجنَّة وخلود أهل النَّار

.

[فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تُلْقَى عَصَا التَّسْيَارِ (2) ، وَيُذْبَحُ الْمَوْت (3) ، وَيُقَال: يأهل الْجنَّة خُلُود فَلَا موت! وَيَأْهِلُ الْجنَّة خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ! وَيَبْقَى ذَلِكَ دَائِمًا لَا انْقِطَاعَ لَهُ وَلَا تَحَوُّلَ عَنْهُ إِلَى مَحَلٍّ آخر.](4) .

وَقَالَ أَيْضا: [قَوْله تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَاّ مَا شَآءَ} قَيَّدَ تَعَالَى خُلُودَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ

(1) - 7/344، الجاثية / 9.

(2)

- قَالَ الرَّازِيّ فِي مُخْتَار الصِّحَاح: التَّسْيارُ بِالْفَتْح تفعال من السّير.

(3)

- أخرج البُخَارِيّ (4/1760)(4453) من حَدِيث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسل: يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ. ثُمَّ يُنَادَى يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ فَيُذْبَحُ. ثُمَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ. ثُمَّ قَرَأَ {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ - وَهَؤُلَاءِ فِي غَفْلَةِ أهل الدُّنْيَا - وهم لَا يُؤمنُونَ} ) .

(4)

- 3/241، النَّحْل / 30، وَانْظُر أَيْضا:(4/303 - 304)(مَرْيَم / 39) ، (7/72)(غَافِر / 11) .

ص: 685

بِالْمَشِيئَةِ. فَقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: {إِلَاّ مَا شَآءَ} ثُمَّ بَيَّنَ عَدَمَ الِانْقِطَاعِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَقَالَ فِي خُلُود أهل الْجنَّة:{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا} {عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} .

وَقَالَ فِي خُلُودِ أَهْلِ النَّارِ: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} وَمَعْلُومٌ أَنَّ {كُلَّمَا} تَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهَا.

وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إِيضَاحًا تَامًّا فِي كِتَابِنَا «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلَاّ مَا شَآءَ اللَّهُ} (1)

وَفِي سُورَةِ النَّبَإِ فِي

الْكَلَام على

(1) - حَيْثُ قَالَ رحمه الله هُنَاكَ: [قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاّ مَا شَاءَ اللهُ} ، هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة يفهم مِنْهَا كَون عَذَاب أهل النَّار غير بَاقٍ بَقَاء لَا انْقِطَاع لَهُ أبدا ونظيرها قَوْله تَعَالَى:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاّ مَا شَاءَ رَبُّك} ، وَقَوله تَعَالَى:{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} ، وَقد جَاءَت آيَات تدل على أنّ عَذَابهمْ لَا انْقِطَاع لَهُ كَقَوْلِه:{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}

وَالْجَوَاب عَن هَذَا من أوجه:

أَحدهَا: أَن قَوْله تَعَالَى: {إِلاّ مَا شَاءَ اللهُ} مَعْنَاهُ إِلَّا من شَاءَ الله عدم خلوده فِيهَا من أهل الْكَبَائِر من الْمُوَحِّدين، وَقد ثَبت فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة أَن بعض أهل النَّار يخرجُون مِنْهَا وهم أهل الْكَبَائِر من الْمُوَحِّدين، وَنقل ابْن جرير هَذَا القَوْل عَن قَتَادَة وَالضَّحَّاك وَأبي سِنَان وخَالِد بن معدان وَاخْتَارَهُ ابْن جرير وَغَايَة مَا فِي هَذَا القَوْل إِطْلَاق مَا ورد وَنَظِيره فِي الْقُرْآن {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} .

الثَّانِي: أَن الْمدَّة الَّتِي استثناها الله هِيَ الْمدَّة الَّتِي بَين بَعثهمْ من قُبُورهم واستقرارهم فِي مصيرهم قَالَه ابْن جرير أَيْضا.

الْوَجْه الثَّالِث: أَن قَوْله {إِلاّ مَا شَاءَ اللهُ} فِيهِ إِجْمَال وَقد جَاءَت الْآيَات وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مصرحة بِأَنَّهُم خَالدُونَ فِيهَا أبدا، وظاهرها أَنه خُلُود لَا انْقِطَاع لَهُ، والظهور من المرجحات، فَالظَّاهِر مقدم على الْمُجْمل كَمَا تقرر فِي الْأُصُول.

وَمِنْهَا: أنّ "إِلاّ" فِي سُورَة هود بِمَعْنى: "سوى مَا شَاءَ الله من الزِّيَادَة على مُدَّة دوَام السَّمَاوَات وَالْأَرْض". وَقَالَ بعض الْعلمَاء: إِن الِاسْتِثْنَاء على ظَاهره وَأَنه يَأْتِي على النَّار زمَان لَيْسَ فِيهَا أحد، وَقَالَ ابْن مَسْعُود:"ليَأْتِيَن على جَهَنَّم زمَان تخفق أَبْوَابهَا لَيْسَ فِيهَا أحد، وَذَلِكَ بَعْدَمَا يلبثُونَ أحقابا"، وَعَن ابْن عَبَّاس:"أَنَّهَا تأكلهم بِأَمْر الله". قَالَ مقيده - عَفا الله عَنهُ -: الَّذِي يظْهر لي وَالله تَعَالَى أعلم أَن هَذِه النَّار الَّتِي لَا يبْقى فِيهَا أحد يتَعَيَّن حملهَا على الطَّبَقَة الَّتِي كَانَ فِيهَا عصاة الْمُسلمين كَمَا جزم بِهِ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيره؛ لِأَنَّهُ يحصل بِهِ الْجمع بَين الْأَدِلَّة، وإعمال الدَّلِيلَيْنِ أولى من إِلْغَاء أَحدهمَا، وَقد أطبق الْعلمَاء على وجوب الْجمع إِذا أمكن، أما مَا يَقُول كثير من الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ من أَن النَّار تفنى وَيَنْقَطِع الْعَذَاب عَن أَهلهَا، فالآيات القرآنية تَقْتَضِي عدم صِحَّته، وإيضاحه أَن الْمقَام لَا يَخْلُو من إِحْدَى خمس حالات بالتقسيم الصَّحِيح وَغَيرهَا رَاجع إِلَيْهَا:

الأولى: أَن يُقَال بِفنَاء النَّار وَأَن استراحتهم من الْعَذَاب بِسَبَب فنائها.

الثَّانِيَة: أَن يُقَال إِنَّهُم مَاتُوا وَهِي بَاقِيَة.

الثَّالِثَة: أَن يُقَال إِنَّهُم أخرجُوا مِنْهَا وَهِي بَاقِيَة.

الرَّابِعَة: أَن يُقَال: إِنَّهُم باقون فِيهَا إِلَّا أَن الْعَذَاب يخف عَلَيْهِم. وَذَهَاب الْعَذَاب رَأْسا واستحالته لَذَّة لم نذكرهما من الْأَقْسَام لأَنا نُقِيم الْبُرْهَان على نفي تَخْفيف الْعَذَاب، وَنفي تخفيفه يلْزمه نفي ذَهَابه واستحالته لَذَّة، فاكتفينا بِهِ لدلَالَة نَفْيه على نفيهما، وكل هَذِه الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة يدل الْقُرْآن على بُطْلَانه.

أما فناؤها فقد نَص تَعَالَى على عَدمه بقوله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} ، وَقد قَالَ تَعَالَى:{إِلاّ مَا شَاءَ رَبُّك} فِي خُلُود أهل الْجنَّة وخلود أهل النَّار وبيّن عدم الِانْقِطَاع فِي خُلُود أهل الْجنَّة بقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ، وَبِقَوْلِهِ:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} ، وَقَوله:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ} ، وبيّن عدم الِانْقِطَاع فِي خُلُود أهل النَّار بقوله:{كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} ، فَمن يَقُول إِن للنار خبوة لَيْسَ بعْدهَا زِيَادَة سعير رد عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة. وَمَعْلُوم أَن (كُلَّمَا) تَقْتَضِي التّكْرَار بِتَكَرُّر الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا، ونظيرها قَوْله تَعَالَى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} الْآيَة. وَأما مَوْتهمْ فقد نصّ تَعَالَى على عَدمه بقوله: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} ، وَقَوله:{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} ، وَقد بيّن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن الْمَوْت يجاء بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح فَيذْبَح، وَإِذا ذبح الْمَوْت حصل الْيَقِين بِأَنَّهُ لَا موت كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيُقَال:"يَا أهل الْجنَّة خُلُود فَلَا موت، وَيَا أهل النَّار خُلُود فَلَا موت". وَأما إخراجهم مِنْهَا فنص تَعَالَى على عَدمه بقوله: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} ، وَبِقَوْلِهِ:{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} .

وَأما تَخْفيف الْعَذَاب عَنْهُم فنص تَعَالَى على عَدمه بقوله: {وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} ، وَقَوله:{فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذَاباً} ، وَقَوله:{لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} ، وَقَوله:{إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} ، وَقَوله:{فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} ، وَقَوله تَعَالَى:{فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} ، وَقَوله:{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} . وَلَا يخفى أَن قَوْله: {لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} وَقَوله: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} كِلَاهُمَا فعل فِي سِيَاق النَّفْي فحرف النَّفْي يَنْفِي الْمصدر الكامن فِي الْفِعْل فَهُوَ فِي معنى لَا تَخْفيف للعذاب عَنْهُم وَلَا تفتير لَهُ، وَالْقَوْل بفنائها يلْزمه تَخْفيف الْعَذَاب وتفتيره المنفيان فِي هَذِه الْآيَات، بل يلْزمه ذهابهما رَأْسا، كَمَا أَنه يلْزمه نفي مُلَازمَة الْعَذَاب الْمَنْصُوص عَلَيْهَا بقوله:{فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} وَقَوله: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} وإقامته النُّصُوص عَلَيْهَا بقوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} .

فَظَاهر هَذِه الْآيَات عدم فنَاء النَّار الْمُصَرّح بِهِ فِي قَوْله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} وَمَا احْتج بِهِ بعض الْعلمَاء من أَنه لَو فرض أَن الله أخبر بِعَدَمِ فنائها أَن ذَلِك لَا يمْنَع فناءها لِأَنَّهُ وَعِيد وإخلاف الْوَعيد من الْحسن لَا من الْقَبِيح، وَأَن الله تَعَالَى ذكر أَنه لَا يخلف وعده وَلم يذكر أَنه لَا يخلف وعيده وَأَن الشَّاعِر قَالَ:

وَإِنِّي وَإِن أوعدته أَو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

فَالظَّاهِر عدم صِحَّته لأمرين:

الأول: أَنه يلْزم جَوَاز ألاّ يدْخل النَّار كَافِر لِأَن الْخَبَر بذلك وَعِيد وإخلافه على هَذَا القَوْل لَا بَأْس بِهِ.

الثَّانِي: أَنه تَعَالَى صرح بِحَق وعيده على من كذب رسله حَيْثُ قَالَ: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيد} ِ، وَقد تقرر فِي مَسْلَك النَّص من مسالك الْعلَّة أَن الْفَاء من حُرُوف التَّعْلِيل كَقَوْلِهِم "سَهَا فَسجدَ" أَي سجد لعِلَّة سَهْوه، و"سرق فَقطعت يَده" أَي لعِلَّة سَرقته فَقَوله:{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيد} أَي وَجب وُقُوع الْوَعيد عَلَيْهِم لعِلَّة تَكْذِيب الرُّسُل ونظيرها قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} .

وَمن الْأَدِلَّة الصَّرِيحَة فِي ذَلِك تصريحه تَعَالَى بِأَن قَوْله لَا يُبدل فِيمَا أوعد بِهِ أهل النَّار حَيْثُ قَالَ: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} ، ويستأنس لذَلِك بِظَاهِر قَوْله تَعَالَى:{وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقّ} ، وَقَوله:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} فَالظَّاهِر أَن الْوَعيد الَّذِي يجوز إخلافه وَعِيد عصاة الْمُؤمنِينَ لِأَن الله بيّن ذَلِك بقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، فَإِذا تبين بِهَذِهِ النُّصُوص بطلَان جَمِيع هَذِه الْأَقْسَام تعيّن الْقسم الْخَامِس الَّذِي هُوَ خلودهم فِيهَا أبدا بِلَا انْقِطَاع وَلَا تَخْفيف بالتقسيم والسبر الصَّحِيح، وَلَا غرابة فِي ذَلِك لِأَن خبثهمْ الطبيعي دَائِم لَا يَزُول فَكَانَ جزاؤهم دَائِما لَا يَزُول، وَالدَّلِيل على أَن خبثهمْ لَا يَزُول قَوْله تَعَالَى:{وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ} الْآيَة، فَقَوله:{خَيْراً} نكرَة فِي سِيَاق الشَّرْط فَهِيَ تعم، فَلَو كَانَ فيهم خير مَا فِي وَقت مَا لعلمه الله، وَقَوله تَعَالَى:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} ، وعودهم بعد مُعَاينَة الْعَذَاب لَا يستغرب بعده عودهم بعد مُبَاشرَة الْعَذَاب لِأَن رُؤْيَة الْعَذَاب عيَانًا كالوقوع فِيهِ لَا سِيمَا وَقد قَالَ تَعَالَى:{فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} ، وَقَالَ:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} الْآيَة. وَعَذَاب الْكفَّار للإهانة والانتقام لَا للتطهير والتمحيص كَمَا أَشَارَ لَهُ تَعَالَى بقوله: {وَلا يُزَكِّيهِمْ} ، وَبِقَوْلِهِ:{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} . وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى.] .

ص: 686

قَوْله تَعَالَى: {لَّابِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} (1) .] (2) .

(1) - حَيْثُ قَالَ رحمه الله هُنَاكَ: [قَوْله تَعَالَى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} تقدم وَجه الْجمع بَينه هُوَ والآيات المشابهة لَهُ كَقَوْلِه تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} مَعَ الْآيَات الْمُقْتَضِيَة لدوام عَذَاب أهل النَّار بِلَا انْقِطَاع كَقَوْلِه: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا} فِي سُورَة الْأَنْعَام فِي الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّه} الْآيَة فقد بَينا هُنَاكَ أَن الْعَذَاب لَا يَنْقَطِع عَنْهُم وَبينا وَجه الِاسْتِثْنَاء بِالْمَشِيئَةِ وَأما وَجه الْجمع بَين الأحقاب الْمَذْكُورَة هُنَا مَعَ الدَّوَام الأبدي الَّذِي قدمنَا الْآيَات الدَّالَّة عَلَيْهِ فَمن ثَلَاثَة أوجه:

الأول: وَهُوَ الَّذِي مَال إِلَيْهِ ابْن جرير وَهُوَ الْأَظْهر عِنْدِي لدلَالَة ظَاهر الْقُرْآن عَلَيْهِ هُوَ أَن قَوْله لابثين فِيهَا أحقابا مُتَعَلق بِمَا بعده أَي لابثين فِيهَا أحقابا فِي حَال كَونهم لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا إِلَّا حميما وغساقا فَإِذا انْقَضتْ تِلْكَ الأحقاب عذبُوا بأنواع أخر من أَنْوَاع الْعَذَاب غير الْحَمِيم والغساق وَيدل لهَذَا تصريحه تَعَالَى بِأَنَّهُم يُعَذبُونَ بأنواع أخر من أَنْوَاع الْعَذَاب غير الْحَمِيم والغساق فِي قَوْله: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} . وَغَايَة مَا يلْزم على هَذَا القَوْل تدَاخل الْحَال وَهُوَ جَائِز حَتَّى عِنْد من منع ترادف الْحَال كَابْن عُصْفُور وَمن وَافقه. وإيضاحه أَن جملَة: لَا يذوقون: حَال من ضمير اسْم الْفَاعِل المستكن ونعني باسم الْفَاعِل قَوْله لابثين الَّذِي هُوَ حَال وَنَظِيره من إتْيَان جملَة فعل مضارع منفي بِلَا حَالا فِي الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} أَي فِي حَال كونكم لَا تعلمُونَ.

الثَّانِي: أَن هَذِه الأحقاب لَا تَنْقَضِي أبدا رَوَاهُ ابْن جرير عَن قَتَادَة وَالربيع بن أنس وَقَالَ إِنَّه أصح من جعل الْآيَة فِي عصاة الْمُسلمين كَمَا ذهب إِلَيْهِ خَالِد بن معدان.

الثَّالِث: أَنا لَو سلمنَا دلَالَة قَوْله أحقابا على التناهي والانقضاء فَإِن ذَلِك إِنَّمَا فهم من مَفْهُوم الظّرْف والتأبيد مُصَرح بِهِ منطوقا والمنطوق مقدم على الْمَفْهُوم كَمَا تقرر فِي الْأُصُول. وَقَوله خَالِد بن معدان أَن هَذِه الْآيَة فِي عصاة الْمُسلمين يردهُ ظَاهر الْقُرْآن لِأَن الله قَالَ وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا: وَهَؤُلَاء الْكفَّار.] .

(2)

- 3 / 44، هود / 107، وَانْظُر أَيْضا:(4/11)(الْكَهْف / 1: 5) ، 4/214 - 215) (الْكَهْف / 108) ، (4/368)(مَرْيَم / 63) ، (7/284)(الزخرف/ 71) لتتعرف على مَا ذكر من أَدِلَّة لبَيَان خُلُود أهل الْجنَّة. والمواضع التالية (6/350)(الْفرْقَان/65) ، (7/92 - 93)(غَافِر / 49) ، (7/285- 286)(الزخرف / 77)، (9/12 - 13) (النبأ / 23: 25) لتتعرف على مَا ذكر من أَدِلَّة لبَيَان خُلُود أهل النَّار.

وَانْظُر أَيْضا رِسَالَة " رفع الأستار لإبطال أَدِلَّة الْقَائِلين بِفنَاء النَّار " للعلامة الصَّنْعَانِيّ، بتحقيق الشَّيْخ الألباني رحمه الله.

ص: 689