الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
من أَسبَاب اسوداد الْوُجُوه يَوْم الْقِيَامَة
.
[قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} بَيِّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ اسْوِدَادِ الْوُجُوهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .
وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ الْكَذِبَ عَلَى اللَّه تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} ، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ اكْتِسَابَ السَّيِّئَاتِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:{وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيّئَاتِ جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِما} ، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ الْكُفْرَ وَالْفُجُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} .
وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ فِي الْحَقِيقَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ عَبَّرَ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهُوَ الْكُفْرُ باللَّه تَعَالَى، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ شِدَّةَ تَشْوِيهِ وُجُوهِهِمْ بِزُرْقَةِ الْعُيُونِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:{وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً} ، وَأَقْبَحُ صُورَةً أَنْ تَكُونَ الْوُجُوهُ سُودًا وَالْعُيُونُ زُرْقًا، أَلَا تَرَى الشَّاعِرَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَوِّرَ عِلَلَ الْبَخِيلِ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ وَأَشْوَهِهَا اقْتَرَحَ لَهَا زُرْقَةَ الْعُيُونِ، وَاسْوِدَادَ الْوُجُوهِ فِي قَوْلِهِ:
وَلِلْبَخِيلِ عَلَى أَمْوَالِهِ عِلَلٌ
…
زُرْقُ الْعُيُونِ عَلَيْهَا أَوْجُهٌ سُودُ] (1) .
-
السُّؤَال يَوْم الْقِيَامَة
.
[قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَيَوْمَئِذٍ لَاّ يُسْألُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَآنٌّ} . ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يسْأَل إنساً وَلَا جاناً عَن ذَنبه،
(1) - 1/249 - 250، آل عمرَان / 106.
وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْقَصَصِ: {وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} .
وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي آيَاتٍ أُخَرَ أَنَّهُ يَسْأَلُ جَمِيعَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرُّسُلَ وَالْمُرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْألَنَّ الْمُرْسَلِينَ} ، وَقَوْلِهِ {فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مُبَيِّنَةً لِوَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ، الَّتِي قَدْ يَظُنُّ غَيْرُ الْعَالِمِ أَن بَينهَا اخْتِلَافا، اعْلَم أَولا أَن للسؤال الْمَنْفِيَّ فِي قَوْلِهِ هُنَا {فَيَوْمَئِذٍ لَاّ يُسْألُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَآنٌّ} ، وَقَوْلِهِ {وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} أَخَصُّ مِنَ السُّؤَالِ الْمُثْبَتِ فِي قَوْلِهِ {فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ، لِأَنَّ هَذِهِ فِيهَا تَعْمِيمُ السُّؤَالِ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَالْآيَتَانِ قَبْلَهَا لَيْسَ فِيهِمَا نَفْيُ السُّؤَالِ إِلَّا عَنِ الذُّنُوبِ خَاصَّةً، وَلِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ أَوْجُهٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
الأول مِنْهَا: وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَهُوَ مَحِلُّ الشَّاهِدِ عِنْدَنَا مِنْ بَيَانِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ هُنَا، هُوَ أَنَّ السُّؤَالَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا سُؤَالُ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَالثَّانِي هُوَ سُؤَالُ الِاسْتِخْبَارِ وَالِاسْتِعْلَامِ.
فَالسُّؤَالُ الْمَنْفِيُّ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ هُوَ سُؤَالُ الِاسْتِخْبَارِ وَالِاسْتِعْلَامِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْهُمْ أَنْفُسِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} .
وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ، سُؤَالَ اسْتِخْبَارٍ وَاسْتِعْلَامٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِذَنْبِهِ مِنْهُ.
وَالسُّؤَالُ الْمُثْبَتُ فِي الْآيَاتِ الْأُخْرَى هُوَ سُؤَالُ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ ذَنْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَنْبٍ، وَمِثَالُ سُؤَالِهِمْ عَنِ الذُّنُوبِ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ